رئيس مجلس الإدارة
د. رائد العزاوي

كينيا.. أجواء روحانية على مدار شهر رمضان الكريم

نشر
رمضان في كينيا
رمضان في كينيا

يعتبر الكينيون قدوم شهر رمضان المبارك مناسبة دينية فريدة ينتظر كل فرد بفارغ الصبر للوصول إليها؛ حيث يبدأ الحديث عن الضيف العزيز قبل حلوله وتلهج الألسنة بالدعاء للخالق أن يمد العمر ليحظى المسلم بالمغفرة والعتق من النار، ويسعى الجميع العيش في الأجواء الروحانية التي تصاحب هذا الشهر الكريم رغم التحديات التي تواجه المسلمين.

وتتشابه الطقوس والعادات الرمضانية في كثير من دول الوطن العربي، فترى «المسحراتي» الذي تشتهر به مصر، يطوف في شوارع كينيا ينادي على الصائمين للاستيقاظ للسحور.

ويشكل عدد المسلمين بكينيا التي تقع في شرق أفريقي، نحو 35 في المائة من جملة السكان في كينيا، أي ما يزيد على 8 ملايين مسلم، ينتشرون في القطاع الساحلي في مدن باتا ولامو ومالندي وممباسا، كما ينتشرون في القطاع الكيني المجاور لحدود الصومال وأوجادين.

الاستعدادات الرمضانية في كينيا

ويتم الاستعداد لاستقبال شهر رمضان المبارك في كينيا قبل حلوله بفترة، حيث تقام الدروس والمحاضرات المتعلقة بأحكام الشهر الفضيل في المساجد، وتسهم وسائل الإعلام المختلفة رغم قلتها في هذا المجال من خلال بث مواد إذاعية ومقالات صحفية تتناول الصوم وأحكامه ودروسه.

أمَّا المساجد المنتشرة في أرجاء البلاد فتستعد هي الأخرى بطريقتها الخاصة لاستقبال الضيف الكريم من خلال إجراء إصلاحات شاملة في المبنى والأثاث. وعلى سبيل المثال فليس غريبا في مساجد كينيا رؤية كميات من السجاد الفاخر في شهر شعبان ينتظر دوره لتتزين به بيوت الله مع قرب حلول شهر رمضان المبارك.

وتعيش الأسواق في المناطق التي يشكّل المسلمون أغلبية حراكاً غير مسبوق، ويستمر حتّى حلول عيد الفطر السعيد حيث يتسابق التجار على جلب المزيد من المواد الغذائية خاصة التمور.

ومن المظاهر التي تسبق قدوم رمضان تجدد التواصل بين الأصدقاء والأقارب لمباركة قرب حلول الشهر الفضيل، وطلب التسامح فيما بينهم والدعاء بالتوفيق في ليلة القدر.

ومع قرب نهاية شهر شعبان يبدأ الحديث عن رؤية هلال رمضان ليحتد النقاش -مجدّداً- حول جدلية من يحق له الإعلان عن بدء الصوم من عدمه وقضية اختلاف المطالع.

مظاهر فرح

وما أن يعلن رؤية هلال شهر رمضان المبارك حتى تعم الفرحة بين أبناء المسلمين في كافة أنحاء البلاد، ليبدأ عهد جديد تسود فيه الأجواء الروحانية.

 ومن أهم مظاهر الاحتفاء بالشهر ازدحام المساجد بالمصلين الذين يتوافدون عليها خاصة صلاة التراويح حيث تضيق المساجد بالمصلين في معظم الصلوات المفروضة. 

ومع دخول العشر الأواخر من رمضان تزداد وتيرة ارتياد المساجد لتضاف لها صلاة التهجد كما يزداد الاعتناق بالإسلام بغيره من شهور السنة. 

وتشكل المساجد -التي يحرص معظمها على ختم القرآن في التراويح- محور النشاطات والفعاليات الرمضانية المختلفة في كينيا.

ويحرص الكثير من الأسر مصاحبة أبنائهم إلى المساجد لحضور صلاة التراويح والنشاطات المصاحبة لها من مواعظ وغيرها. 

وفي هذا الشهر يزداد الناس قربا ببعضهم في التواصل وتقديم المساعدات، كما تقدّم بعض الجمعيات مساعدات للفقراء وتقوم بإقامة إفطار جماعي بجهود محلية أو بالإنابة عن مؤسسات عربية وإسلامية، لكنه يمكن القول إن العمل الخيري بشكل عام وفي رمضان بشكل خاص ما زال بعيدا عن المأمول لأسباب كثيرة لسنا بصدد نقاشها في هذا المقال.

أمَّا يوم الجمعة في رمضان فهو مختلف عن غيره من الأيام حيث تكتظ المساجد بالمصلين، ويلاحظ بشكل لا تخطئه العين المظاهر الإسلامية وسط نيروبي، ويمتلئ الجامع الكبير في قلب العاصمة بالمصلّين لتسمح البلدية بإغلاق الشوارع الملاصقة للصلاة فيها.

وتكتمل الفرحة بيوم العيد الذي يعتبر يوما مشهودا -في بلد يشكل المسلمون فيه أقلية- حيث تقام صلاة العيد في الساحات العامة ويتدفق المصلون مع أطفالهم في مشهد لا يمكن رؤيته إلا في العيدين، ويحرص السياسيون على تسجيل مواقفهم في المحفل بطريقة لا تخلوا من إيصال رسائل لمن يعنيه الأمر مفادها أن المسلمين قوة لها حضورها في المشهد الكيني.

الساحات العامة

العادات والتقاليد الكينية في رمضان

ويصوم الكينيون المسلمون نحو 12 ساعة يوميًا في رمضان، وقبل بداية الشهر الفضيل، تعلق الزينة في الأحياء المسلمة، وتتزين المساجد المحلية لاستقبال المصلين خلال أيام شهر رمضان الكريم.
وكذلك الحرص على حضور جلسات الإنشاد الديني وحلقات الذكر ودروس الدين.

ويحافظ الكينيون على ختم القران الكريم أكثر من مرة خلال أيام رمضان، خاصة تجمعات الصلاة بالمساجد، ومن أشهر المساجد في كينيا مسجد «جاميا»، وهو من أبرز المباني الدينية في نيروبي وله قباب فضية ومآذن مزدوجة ويقع في حي الأعمال المركزي بالعاصمة.

ويذكر أن الإسلام دخل كينيا خلال عهد عبد الملك بن مروان، حيث وفدت هجرات عربية نتج عنها تأسيس عدد من المدن العربية، كان أشهرها على الإطلاق مدينة لامو.

ويعتقد الكثيرون أن قبائل الأزد العمانية كان لها دور بارز في نشر الإسلام بهذه البقعة عبر هجرتين كان مقصد الأولى «لامو» وكانت الأخرى لإحدى ضواحي مدينة «مومباسا».

ولعب التجار العرب دورًا مهمًّا في نشر الإسلام بعد اختلاطهم بالكينيين، حيث عملوا على التقريب بين الإسلام والعادات الكينية بشكل حبب الإسلام إليهم، حيث اعتنقوه فرادى وجماعات.

الإسلام في كينيا

للمسلمين في كينيا كثير من الهيئات والجمعيات يشرف عليها المجلس الأعلى لمسلمي كينيا، ومن أقدم الهيئات، المؤسسة الإسلامية في نيروبي، تلك التي أنشئت في عام 1963 بجهود بعض أهل الخير وتعمل في عدة محاور، مثل الدعوة الإسلامية عن طريق المحاضرات والكتب، والتعليم من خلال إنشاء المدارس الدينية الحديثة والمناهج المتطورة كذلك إنشاء مدارس تحفيظ القرآن.

الأكلات الرمضانية في كينيا

وفي رمضان تحرص الأسر الكينية علي طهي كثير من الأطباق المشهورة بالبلاد، والتي تعتمد بشكل أساسي على الذرة التي تطحن ثم تطبخ عصيدة، وتؤكل مع حساء الخضراوات وقد يضاف إليها اللحم أو السمك والدجاج.

ومن أشهر الأطباق «نياما تشوما» وهو عبارة عن دجاج أو لحم بقري مشوي على الحطب إلى درجة تجعله يذوب في الفم، ويقدم مع الأرز والكزبرة الطازجة والليمون والطماطم.

كما يحرصون بشكل عام على تناول الأطعمة السكرية خلال شهر رمضان لتعويضهم بالطاقة التي فقدوها خلال نهار الصيام، خاصة في درجة الحرارة المرتفعة.

وفي السحور يحرص الكينيون على تناول الأرز والكالى (نوع من أنواع الكرنب) مع تناول الشاي بالحليب.

وعن المشروبات، يتناول الكينيون المشروبات ذات المحتوى السكري في رمضان، مثل «الماتوكى» مخلوط التمر والموز، بالإضافة لشراب تقليدي يسمى «أوجى»، وهو مكون دقيق الذرة والماء المحلَّى بالسكر وقد يقدم ساخنًا أو مثلجًا.