رئيس مجلس الإدارة
د. رائد العزاوي

أدهم إبراهيم يكتب: ثقافة العمل التطوعي

نشر
الأمصار

انتشر الفساد السياسي والإداري في العراق بشكل لم يسبق له مثيل حتى اصبح آفة تهدد الدولة والمجتمع.

 

وغالبًا ما يجري الحديث عن الفساد  كونه ظاهرة تقوض قدرة الدولة على البناء والازدهار وتعطل كل مفاصل الدولة والفعاليات الاجتماعية. 

الفساد مرض اخلاقي معدي أخذ ينتشر بين كثير من الناس حتى أصبحوا يتهالكون على جمع المال بغض النظر عن مصدره وباي وسيلة كانت. 

وأمام هذه الظاهرة المرضية في المجتمع نرى أناسًا يعملون جاهدين لإعلاء القيم الأخلاقية والإنسانية السامية من خلال حملات التطوع في النظافة والتشجير وبناء المدارس أو تهيئة مستلزماتها أو توزيع الأطعمة والملابس والأدوية على العوائل المتعففة وكثير غيرها اضافة إلى التوعية الصحية والاجتماعية.

مما لا شك فيه أن العمل التطوعي نابع من الرحمة الإنسانية ومتعة العطاء دون مقابل.  

وهذا العمل يهدف إلى الحفاظ على حياة وكرامة الناس وأنسنة المجتمع أمام هذا الزخم من الانحراف والتلوث بالفساد.

المتطوع في العمل الإنساني هو المواطن الملتزم بكامل حريته للقيام بعمل انساني بدون مقابل، لذلك يعتبر التطوع هدية طوعية ومجانية تقدم للمجتمع وأفراده.

ومثل هذا العمل لا يلقى التقدير إلا عندما يكون موجهاً إلى عامة الناس ، ولأسباب  إنسانية بحتة وليس للأقرباء والأصحاب. 

وهو بذلك يمثل إيمان بعقيدة نابعة من القلب لتحقيق الذات من خلال تقديم خدمة مجتمعية تطوعية.

في العالم المتقدم يقع على عاتق الأسرة تعليم الأطفال على العمل التطوعي، حيث يكون الأبوين قدوة في الأعمال الإنسانية وخدمة المجتمع، ثم تاتي المدرسة.

لتستكمل المهمة وتعزز المفاهيم التطوعية من خلال أعمال بسيطة يكلف بها تلاميذ المدرسة الابتدائية مثل توزيع الهدايا على الفقراء في المناسبات والأعياد، وفي الثانويات هناك مناهج اسبوعية لجمع وتوزيع الملابس المستعملة، وجز الأعشاب وغرس الأشجار في الأماكن العامة، او تقديم دروس خصوصية لزملائم في المدرسة ، وهناك قائمة مشاريع طويلة ، واحيانا يتوجب على التلاميذ التطوع لمدة لاتقل عن 25 ساعة كشرط للحصول على دبلوم المدرسة الثانوية.

وفي عموم المجتمع  هناك جمعيات خيرية توجه الناس على المشاركة في الأعمال الخيرية، حيث يستمد المتطوعين الرضا من قدرتهم على المساهمة في توفير احتياجات  الآخرين او إسعادهم، في المطابخ الشعبية وحدائق المسنين، او جمع التبرعات لمساعدة المتضررين من الكوارث الطبيعية او الحروب او المشاركة في تنظيف الشوارع والسواحل من النفايات الورقية والبلاستيكية وغيرها.

وهكذا فان العمل التطوعي يعزز روح المبادرة والإبداع وينمي الشعور بالالتزام والمسؤولية والمشاركة الجماعية، وهو اندفاع ذاتي خالص يهتم بالآخرين والعالم في أقصى الحدود.

وهو حب للانسانية وإيثار طبيعي بعيدا عن الانانية والفردية ، فهو التزام اجتماعي بقضية ما حتى يكون جزءًا من تغيير إيجابي يعزز الوحدة الوطنية في المجتمع . وبالنتيجة يؤدي الى تقوية التقدير الذاتي والشعور بالرضا والسمو الاخلاقي والنفسي، ويلبي حاجة الفرد إلى الانتماء من خلال مشاركته مع المجموعة لتنفيذ مشروع مشترك.

وإضافة إلى كل ذلك فإن العمل التطوعي يساعد على تطوير مهارات وقدرات جديدة للمتطوع، ويضيف خبرات أكثر تعزز سيرته  الذاتية.

إن الدافع الرئيس للعمل التطوعي يكمن في رغبة المواطنين في أن يكونوا نافعين للمجتمع ولخدمة الآخرين.

على الرغم من أننا نشاهد بين فترة وأخرى مبادرات الشباب في بعض الاعمال التطوعية في العراق، الا انها لاترقى الى المستوى المطلوب ، رغم حاجتنا لمثل هذه الاعمال التي تحقق انجازات للمواطنين، وفي نفس الوقت تنمي شخصية الانسان ، وتعزز الروح الوطنية وتساهم في تقوية اواصر المجتمع . 

وهناك حاجة فعلية الى زيادة الوعي والتثقيف باهمية الاعمال التطوعية وخدمة المجتمع، وسن التشريعات اللازمة لتنظيم الاعمال التطوعية والتشجيع عليها. 

وكذلك القيام بحملات اعلامية حول اهمية العمل التطوعي للفرد والمجتمع . وغرس ثقافة التطوع من خلال التأكيد في المدارس المختلفة والجامعات على القيام بالاعمال التطوعية على وفق مناهج خاصة بذلك، اسوة بالدول المتقدمة.

إن تقديم الخدمات للمواطنين لا يقتصر على مؤسسات الدولة أو البلديات فقط، خصوصًا ونحن نشهد إهمالا في هذه الواجبات، مما يتطلب حث المواطن المخلص لوطنه على أن يكون مثالا حسنا للأخرين في هذا العمل التطوعي، وشعبنا العراقي الكريم لم يكن بعيدا عن هذا النهج الإنساني.

وبهذا الصدد نقترح اقتران التوعية بالعمل التطوعي ببرامج عملية عن طريق القيام بحملات غرس الأشجار في الشوارع والساحات العامة وسقيها وادامتها. 

وعلى العموم فلكل مواطن توجهاته ورغباته في تقديم الأعمال التطوعية حسب ‘مكانياته وجهده، فالعمل التطوعي ركن اساسي في البناء الحضاري لأي  مجتمع.