رئيس مجلس الإدارة
د. رائد العزاوي

أ.د حسام كصاي يكتب: نيتشه مكملاً ماركس

نشر
الأمصار

من الصعوبة البالغة فهم الفلسفة الغربية دون المرور بالألمان، المدرسة الفلسفة الوَلادة للفلاسفة والعظماء، وفيما يتعلق في الخلاصة البشرية وإمكانية العيش في ظل سيدان الرأسمالية المتوحشة وغلبة الباطل على الحق، الظلم على العدل، أملاً في نصرة المظلومين وإعادة الحق على نصابه الإلهي _ ولو الأمر مستحيل .

وهذا ما يدفع بنا إلى الحديث عن فيلسوفين عاشا حياة متشاطرة مع الذات، ومتداخله في أجزاء بينهما، كارل ماركس (1818 – 1883) وفريدريش نيتشه (1844 – 1900)  اللذان شغلا همومهما الفلسفية وتوجساتهما الفكرية بقضية المساواة، العدالة الحق، والرابط المشترك بينهما على ظننا هو إرادة القوة مع أنها كانت واضحة وجلية عند نيتشه وخفية و ضامرة عند ماركس، إلا أننا استنفذنا سبيل التأويل الخطابي لفكر ماركس فالقوة عند ماركس تتجذر في تجميع العمال في المصنع.

أي توحيد الضعف في تشكيل قوة حقيقية، وبالتالي فإرادة القوة تتجلى بشكل أكثر صدقية عند ماركس في عملية تحويلها إلى ماكنات إنتاج خلافاً لنيتشه الذي اختصرها في فلسفات عدمية أو دعوات فلسفية ظلت على مخارج الحناجر دون ترجمة للفعل واقعاً. 
  مع أن ماركس يختلف مع نيتشه حول توظيفات القوة و"توسيلها" _أي جعلها وسائل _، فالدين عند ماركس هو مظهر من مظاهر القوة.

 أما عند نيتشه فعلى العكس مظهر من مظاهر العبودية والخنوع والخضوع، لهذا فهو هاجم المسيحية والمسيح على انها اخلاق عبيد، لأن القوة ترتبط بمفهوم الشفقة والرحمة ومخافة السماء وهذه كلها عند نيتشه مثبطات للحياة من جانب، وعوامل إهانة من جانب أخر.

بالخلاصة العقائدية يتضاد نيتشه مع ماركس في المسألة الدينية، بالوقت الذي  ينفي نيتشه أي دور للدين في حياة المجتمعات بسبب ابتذاله وتحريفه عن مساره _ وهذه حقيقة قائمة ولكن معالجتها خاطئة بتصورنا _، إن إلغاء الدين، لكونه سعادة وهمية للشعب، هو ما يتطلبه صنع سعادتهم الفعلية له”.
هنا تتحدد صورة التقارب بعد كل تلك القطيعة، وهي أن الدين اليوم في نظر ماركس ونيتشه هو قيمة هامشية لا معيارية لها، لا قيمة ولا معنى بفهم نيتشه، هو أن الدين قيمة لا قيمة نتيجة التأويل وحجم التحريف المفرط لهذا نستطيع مقاربة مقولة (الدين افيون الشعوب) عند ماركس بمقولة (موت الإله) عند نيتشه إذا ما أخذنا تأويل البير كامو وشتاينر وهايدجر لتفسير عبارة نيتشه تأويلا عملياً، فكلاهما أمنا بأن المسألة الدينية في المجتمعات الغربية هي مسؤولية بشرية لم يعد هناك اتصال بالسماء فالفعل دنيوي ولكنه مازج المقدس لدعم فاعليتهُ داخل حيز فقد فيه لمعانهُ فوفر الخرافة والجهل وتحويل الدين إلى مجرد طقوس وشعائر في صيغة أصوليات دينية أعطت عليا قيمة للطائفة فوق الدين، والحديث والمروية فوق القرآن حتى تمرد الفرع على الأصل وأصبح العنوان الرمزي الأول.

أن مراجعات الحداثة قد لا تبدأ بماركس ولكن من التجهيل تجاوز رؤية ماركس للواقع، فتشريحه للدين وكشف حقيقتهُ مقدمة لفهم الدين التي غالا فيها فيورباخ قليلاً وأكثر انحرافاً، فمن المستحيل الحديث عن ما بعد الحداثة ما لم يُعاد فهم الدين من جديد، دون أن يعني ذلك التشبث بأدوات الأصولية الدينية بشكلها الحالي والمعيب، فما من قيمة لنقد الحداثة بدون مراجعة الدين أي العودة بهِ لأصوله ففي الإسلام أنبياء على غرار بولص كُثر حرفوا وزيفوا النص القرآني تأويلاً، ثم تفسيراً، وأخيراً تقويلاً، مثل الماوردي، الغزالي الذين خيبوا ظن الدين بجره إلى سلطة الخلافة السياسية، ومثلها فعل بولص في مسخ تاريخ اليهود ثم العبور إلى المسيحية في إطار الأصولية المسيحية الصهيونية التي أعطت معنى عميق للرأسمالية التي تريد الحط من كرامة البشرية وإعلاء المظالم عكس ما بدأ بهِ ماركس وانتهى نيتشه في تقديس القوة

القوة عند ماركس ونيتشه مبرره فهي السبيل الوحيدة للعيش بكرامة، أذن هي مقدسة، والحق يميل إليهم في ظل غياب القانون الاخلاقي والوازع الديني، والحاكم الكافر العادل بأن تكون القوة هي مهماز العدالة دائماً.
 أما انحطاط المسلم الظالم لأنه أخل بشرط العدالة، قبل أن تنظر لوضاعة العالم العربي المسلم، أنظر لمستوى العدالة عندنا، وإثناء النظر لعدالتنا، تخيّل ذيل الكلب عدالة!!