رئيس مجلس الإدارة
د. رائد العزاوي

د. عبد الحفيظ محبوب يكتب: النموذج التركي بعد تصدع أوهام أردوغان على صخرة العرب

نشر
الأمصار

يبدو ان الشعب التركي اختار مسيرة رجب أردوغان على المرشح المعارض كمال أوغلو بسبب هشاشة المعارضة وعدم وضوح الرؤية لديها، ويبدو أن ملف الأمن مع الأزمة السورية التي أرهقت تركيا في ظل المتغيرات الإقليمية والدولية، والتوتر مع اليونان التاريخي الذي يعتبر مسألة ذات أهمية في السياسة التركية، بجانب محاربة الإرهاب تقدم على ملف الاقتصاد إذ بلغ سعر الدولار الأمريكي 21 ليرة أي عشر قيمته.
بدايات النموذج التركي كانت اقصائية، وفرضت نموذجا حداثيا علمانيا يستبعد الدين من المجال العام، ما جعله يدخل في مواجهات عنيفة مع انقلابين في عامي 1960، 1980 على مدار عقود طويلة مع التيارات التي تمتلك مرجعية إسلامية، حتى مجيء تجربة نجم الدين أربكان في بلورة حزب إسلامي 1972، لكن انقلب عليه الجيش في 1980 ليعود عام 1983 تحت مسمى جديد حزب الرفاه الذي حصد أكثر من 400 بلدية انتهى حظر حزبه في 1998، ثم أتت تجربة أردوغان لكن بتجربة تطبيعية مع النظام العلماني، وعد حزبه حزبا ديمقراطيا محافظا وليس إسلاميا حتى لا يصطدم مع العلمانيين وهو أقرب للنموذج البريطاني المنفتح.
تمسك أردوغان بأكذوبة انهاء اتفاقية لوزان 2 بانها تنتهي في 2023 التي يعتبرها أردوغان أنها جاءت على حساب الشعب التركي ودولته الكبرى وهي اتفاقية وقعتها الدولة العثمانية بعد هزيمتها في الحرب العالمية الأولى، وفقدت ممتلكاتها وتم الاعتراف بتركيا الحديثة، لذلك سلك أردوغان كل الطرق التي تقود إلى وهم الخلافة من أجل مشروع توسعي يقابل المشروع الإيراني التوسعي، لكن كلا المشروعين لقيا مصيرهما على صخرة العرب السعودية.
أراد أدوغان السيطرة على قطاع حدودي بين مدينتي رأس العين وتل أبيض يفصلهما نحو مائة كيلو متر، وقاد عمليات غصن الزيتون إلى درع الفرات إلى عفرين وبناء جدار اسمنتي لعزلها عن محيطها السوري، ورفض أردوغان انتشار الجيش السوري على الحدود وفق اتفاق أضنا بحجة أن نظام الأسد قتل شعبه، علاوة على تواصل العدوان لأعوام عدة على مناطق الأكراد شمال العراق وشرق سوريا ظن أردوغان أنهما لقمة سائغة، ولكنهما علقا غصة في حلقه، كجزيرة سواكن السودانية التي راهن عليها وخسرها، فشل في التمدد وتوسيع النفوذ الذي ارتكز على أوهام حلم الخلاقة.
لن تختفي دوافع الذين صوتوا للمعارضة المتناقضة والهشة بمجرد فوز رجب طيب أردوغان، فالجيل جديد من الشباب يود التغيير، رغم ذلك الرئيس رجب طيب أردوغان محظوظ بمعارضة هشة ومهلهلة وأغلبهم من صوت للمعارضة ليس حبا في كمال كليشدار فقط لأنهم لا يريدون أردوغان في السلطة مرة ثالثة.
أفشلت السعودية والامارات ومصر أوهام أردوغان في الخلافة، فعلاقة أردوغان تركزت بما يسمى اتحاد علماء المسلمين مع محاولة تقزيم مكانة السعودية الدينية، من خلال مؤتمر كوالالمبور في 2019، وزيارة راشد الغنوشي إلى بلاده في ديسمبر 2019 لوضع لمسات جديدة لجماعة الإخوان المسلمين على خطة العدوان التركي على ليبيا من أجل امبراطورية عثمانية وهمية.
لم يضع أردوغان فقط العرب في دائرة القلق لتقاسم الكعكة مع إيران وتكسرت أحلامهما على صخرة عربية سعودية، ولكن أيضا وضع أردوغان حلف شمال الأطلسي في دائرة القلق، وإن كان هذا التوتر ليس وليد اللحظة التنافسية في المتوسط بل تجلت لمشكلات افتعلتها أنقرة على مدار عقود منذ احتلالها لشمال قبرص في 20 يوليو 1974، وانتهازها أسلوب الابتزاز من اجل سعي تركيا الحصول على عضوية النادي الأوروبي دون جدوى، فأرسلت سفنها للتنقيب في منطقة متنازع عليها مع اليونان شريكة تركيا في الناتو، ثم اتجه اردوغان نحو استغلال ورقة اللاجئين لتهديد الأوربيين بها لقبول عضوية تركيا في النادي الأوروبي.
مستثمرا أردوغان أيضا الورقة الروسية في مجمل تحركاته ضد مصالح الأوربيين، وفي نفس الوقت حققت روسيا مكاسب على حساب أنقرة في سوريا وفي ليبيا معتقدا أردوغان أن علاقته بروسيا تمنحه هامشا للتحرك في حدائق البيت الأبيض وكذلك في حدائق الاتحاد الأوروبي، وحقق بوتين العديد من المكاسب الاستراتيجية على حساب أنقرة، وحتى مع أثينا فإن موسكو لديها أبعاد تاريخية تكتنز حيوية، فهي ورطات أردوغانية أدخلته في مواجهات متعددة وتقلص خياراته في بعضها، بسبب تصعيده مع الجانب العربي ومع الجانب الأوروبي جعلته يتراجع كثيرا ليعيد ترتيب أوراقه في المرحلة المقبلة. 
إذا أوهام وأحلام الخلافة تحطمت على صخرة العرب، وهي إيذان بنهاية حلم الإسلام السياسي، وسيعود أردوغان للحكم بعد الفوز مجردا من أوهام الخلافة ونسيان وهم الزعامة الذي أوقعه في فخ استعادة السلطنة،  ما يعني التخلي عن أكذوبة انتهاء اتفاقية لوزان 2 في 2023، وكان أردوغان يلعب على حبال السياسة تارة ينجح وتارة يفشل، لكن اليوم اختلف لابد أن يلعب على حبال السياسة فقط من أجل أن يكسب، وعليه أن يهتم بالداخل التركي خصوصا بعدما تغيرت المنطقة، وبعد المصالحة السعودية الإيرانية برعاية بكين عندها أصبحت السعودية قوة إقليمية ودولية لا يمكن تجاهلها، وهي تقوم بصيانة الأمن العربي وأيضا تتولى إعادة سوريا هي وشقيقاتها إلى الجامعة العربية من أجل إعادة اللاجئين من تركيا ومن بقية المناطق التي فر إليها الشعب السوري.


* ان ما ورد في المقال من اراء  لا يمثل بالضرورة راي الموقع