العراق.. مربو الأسماك يُعانون بسبب جفاف الأنهار
لا تتوقف مشاكل جفاف الأنهار في "العراق" على المحاصيل الزراعية وتوفير مياه الشرب وإنما تتجاوز ذلك لتشمل قطاع صيد الأسماك وتوليد الكهرباء.
ويُعاني صيادو الأسماك وأصحاب مزارع الأسماك في العراق في ظل حالة الجفاف التي تشهدها البلاد والتي تسببت في تبخر مياه الأنهار التي إما جفت تماما أو تراجعت مستوياتها بشكل كبير.
ويعد مربي الأسماك قاسم كرم أحد هؤلاء الذين يواجهون خطر ضياع مصادر رزقهم.
وأثناء سيره على أرض ترابية في قيظ الظهيرة بمحافظة البصرة في جنوب العراق، أشار كرم إلى أحواض الأسماك الجافة التي كان يزودها نهر شط العرب بالمياه.
وقال كرم وهو يشير إلى بقع بيضاء على التربة “ماكو أي ثمرة وأي نتيجة بهذا العمل لأن تشوفوها كده صارت أملاح بسبب شحة المياه وتلوثها”. وأضاف أن أحواض الأسماك “أخذت منّنا وقت وفلوس وجهد وكنا مسويين جدوى اقتصادية كلها خربت”.
وقال خبراء ومسؤولون إن بناء السدود في تركيا وإيران أضر بتدفقات المياه في نهري دجلة والفرات اللذين يلتقيان في شط العرب، بالإضافة إلى مياه الصرف وندرة سقوط الأمطار بسبب تغير المناخ، مما أدى إلى انخفاض حاد في استزراع الأسماك.
انخفاض مستويات المياه:
وأدى انخفاض مستويات المياه إلى زيادة التبخر وجعل المياه أكثر ملوحة. وقال كرم وثلاثة من مزارعي الأسماك الآخرين إن قلة المياه دفعتهم للخروج من نشاط كان مزدهرا ومربحا ذات يوم.
وقال عباس دخيل، مدير قسم الأسماك في مديرية الزراعة بالبصرة، إنه لم يستمر في النشاط إلا أربع مزارع سمكية هذا العام في مقابل 15 مزرعة في عام 2020.
وقال كرم وهو يجلس القرفصاء قرب أنبوب يزود مزرعته بالمياه “حتى لو المياه يختلف عن الشغلة المألوفة.. يعني هذه لونها أخضر ووسخ وملوث. هذه المياه لا يمكن أن تعيش بها أسماك”. وأضاف أن أسماك مزرعته أصبحت إما مريضة أو لا تنمو أو تموت نتيجة لهذا.
ولتوفير المياه اتخذت السلطات إجراءات من بينها إغلاق نحو 95 مزرعة سمكية غير مرخصة في البصرة.
وفي حين شهد الأسبوع الأول من يوليو ارتفاع درجات الحرارة إلى مستويات غير مسبوقة في العالم، وفق المنظمة العالمية للأرصاد الجوية، تقول هيئة الأنواء الجوية العراقية إن العراق على موعد مع موجة حرّ في عطلة نهاية الأسبوع قد ترفع درجات الحرارة السبت في بغداد إلى 47 وفي البصرة في أقصى جنوب البلاد إلى 50 درجة مئوية.
وفي صيف العام 2022، انخفض مستوى نهر دجلة كثيرًا إلى درجة أن فرانس برس صورت شباناً يلعبون الكرة الطائرة في وسط النهر. حينها قالت وزارة الموارد المائية إن السبب هو وجود “ترسبات” متراكمة في وسط النهر تعمل السلطات على إزالتها.
ويقول طه عدي الذي ولد قبل 34 عاماً ونشأ قرب نهر دجلة وورث مهنة صيد الأسماك عن جدّه ووالده، “في العاملين الأخيرين، ازداد الجفاف سوءًا”. وأضاف أن في بعض المناطق “يعبر الناس النهر من ضفة إلى الضفة الأخرى سيراً”.
ويتذكر طه كيف كانت مياه النهر تصل حتى شرفة منزل جده الأثري الذي ما زال جاثما على النهر. لكنها الآن دون ذلك بكثير. ويقول الشاب “كان يروي لي أبي وأعمامي أنهم كانوا يرسون المركب قرب المنزل”. حتى السمك، لم يعد متوفراً. ويقول الشاب “لا يوجد سمك، فقط سمك صغير، لأنه لا يوجد ماء”.
ولا تدع الحرارة المرتفعة وانقطاع الكهرباء والماء عن البيوت في ظلّ صيف بغداد الحارق متنفسًا أمام الشباب مثل وسام عبد، سوى نهر دجلة.
وتحت شمس حارقة وهواء جافّ يلفح المراكب القليلة التي تعبر النهر، جاء وسام عبد بعد الظهر للسباحة في نهر دجلة في منطقة الأعظمية في بغداد، هرباً من انقطاع الكهرباء والماء في منزله.
لكن بدل أن يسبح، تعين على الشاب أن يسير من الشاطئ وحتى منتصف النهر بسبب انخفاض مستوى المياه.
في أطراف أخرى من النهر، المياه فيها أعمق، تنافس شبّان على القفز من أعلى صخرة إلى المياه ليسبحوا فيها. لكن في مواقع أخرى تطفو مساحات من اليابسة على وجه المياه الضحلة.
ويقول وسام البالغ من العمر 37 عاماً وقد بلغ مستوى المياه حتى خاصرته، “أنا أعيش هنا في الأعظمية أباً عن جدّ، والمياه تنحسر كل عام.. لقد عبرت سيراً على الأقدام”.
ويروي الشاب أنه يأتي إلى النهر “للتسلية والتبرّد، نعود ليلاً أيضاً، فلا كهرباء عندنا ولا ماء. نأتي لكي نتنفس ونستريح”.
وبسبب الانقطاع المتكرر للكهرباء، يقول وسام الموظف هو نفسه في وزارة الكهرباء، إنه يأتي أحيانا إلى النهر بعد منتصف الليل للسباحة قبل أن يعود إلى بيته.
وتعكس هذه الحالة تداخل أزمات يعيشها بشكل يومي سكان العراق البالغ عددهم 43 مليون نسمة، من تهالك قطاع الكهرباء والارتفاع المتواصل في درجات الحرارة في بلد تقول الأمم المتحدة إنه من الدول الخمس الأكثر تضرراً من بعض آثار التغير المناخي، بالإضافة إلى النقص في المياه.
وبدوره قال جمعة شياع، مدير الموارد المائية في البصرة، إن المدينة التي يبلغ عدد سكانها 1.3 مليون نسمة يتعين عليها تقسيم مواردها المائية المتقلصة بين استخدام المياه في المنازل وفي الزراعة وفي صناعة النفط وتوليد الكهرباء.
وفي كلّ صيف، تتكرر المعاناة إذ يصل انقطاع الكهرباء اليومي أحياناً إلى عشر ساعات وأكثر في بعض الأوقات مع ارتفاع درجات الحرارة.
فعلى الرغم من غنى العراق بالنفط، فإن مرافق البنية التحتية فيه متردية بفعل عقود من النزاعات وسوء الإدارة والفساد. ولسد النقص، يلجأ البعض إلى استخدام المولدات الكهربائية.
ولعلاج انقطاع الكهرباء، تحتاج المحطات العراقية إلى إنتاج 32 ألف ميغاواط يوميًا. ولكن الإنتاج ما زال بعيدًا عن ذلك، وإن وصل في بعض الأحيان إلى 26 ألف ميغاواط، وفق السلطات.