رئيس مجلس الإدارة
د. رائد العزاوي

العلاقات العراقية الإسبانية تاريخ من العمل ونظرة مُهمة للمستقبل

نشر
الأمصار

تتمتع العلاقات بين "العراق وإسبانيا"، تاريخيًا، بعلاقات وطيدة وصداقة متينة مُنذ إنشاء العلاقات الدبلوماسية بين البلدين، كما تتمتع بإمكانات واسعة للتنمية، بما في ذلك مجالات الدفاع والأمن والبنية التحتية والنقل وإدارة المياه، وتتشارك الدولتان المواقف نفسها تقريبًا في ما يتعلق بالعديد من القضايا السياسية الإقليمية والدولية، ومنها مُكافحة التطرف والإرهاب، والحرب على داعش، والقضية الفلسطينية، وغيرها من المُبادرات الدولية.

والعلاقات العراقية الإسبانية ليست حالة استثنائية، فقد حافظ البلدان على علاقات ودية وجيدة مُنذ بداية تكوين العلاقات الدبلوماسية بين البلدين، شملت أغلب الحقب التاريخية.

العلاقات العراقية الإسبانية

وأكد دكتور صالح التميمي سفير العراق في مدريد (والذي أثمرت جهوده في  الفترة الأخيرة عن نمواً مضطرداً في تعضيد العلاقات الثنائية )، بأن  هناك  جهود جادة لتطوير العمل المشترك في الجوانب السياسية والاقتصادية والثقافية  بين البلدين . وأن هناك تعاون كبير بين وزراتي خارجية البلدين وسفارتي  العراق في مدريد وسفارة مملكة أسبانيا في بغداد

وتُسهم "إسبانيا" بنشاط في الجهود الدولية غير القتالية لتطوير قدرات القوات المسلحة العراقية، سواء في إطار التحالف الدولي ضد داعش "عملية العزم الصلب" أو في جهود الناتو لهزيمة داعش، وإنشاء قوات مسلحة ومؤسسات أمنية عراقية حديثة وجيدة الإعداد من خلال بعثة الناتو في العراق (NMI) التي تولّت إسبانيا قيادتها في 24 مايو "أيار" 2023.

واتفق "العراق وإسبانيا" على مُواصلة العمل من أجل تحقيق سلام شامل وعادل ودائم في أوكرانيا بما يتماشى مع مبادئ ميثاق الأمم المتحدة، كما اتفقا على أن حالة الطوارئ المناخية تُشكل تهديدًا مُباشرًا ووجوديًا للمجتمع العالمي ولأسباب عيش الإنسان، الأمر الذي يتطلب عملاً قويًا وطموحًا من قِبل جميع البلدان، وبحثا إمكانيات تعزيز تعاونهما في المشاريع الثنائية المُتعلقة بالمياه والصرف الصحي، واتفقا على تعزيز العلاقات الثنائية في المجالات الأخرى ذات الاهتمام المشترك، مثل التعاون في شؤون العدالة، ومكافحة الفساد، والسياحة، والصحة، والرياضة، والتراث التاريخي والثقافة.

زيارة رئيس الوزراء الإسباني إلى العراق ولقائه السوداني 

وأعرب رئيس الوزراء الإسباني "بيدرو سانشيز" خلال زيارة له إلى بغداد أمس الخميس، عن "التزام" بلاده بدعم "استقرار وسيادة" العراق، فيما التقى القوات الإسبانية الموجودة في البلد الذي يُواجه كذلك تداعيات الحرب بين اسرائيل وحماس في غزة.

وقال سانشيز خلال مؤتمر صحافي مع نظيره العراقي محمد شياع السوداني في بغداد إن هذا "الالتزام متجسّد بوجود القوات الإسبانية في البلاد".

حيث تنشر إسبانيا أكثر من 320 جنديًا في إطار مهمة حلف شمال الأطلسي التي يقوها منذ أيار/مايو 2023 الجنرال الإسباني خوسيه أنطونيو أغييرو مارتينيز، والتحالف الدولي لمكافحة الدولة الاسلامية بقيادة واشنطن.

وأضاف سانشيز "سوف تُدعم بلادي، دائمًا بطلب من السُلطات العراقية، وحدة وسيادة واستقرار العراق".

وقابل سانشيز بعد ذلك العسكريين الإسبان في قاعدة داخل المنطقة الخضراء المحصنة في بغداد، حيث شكرهم "باسم المجتمع الاسباني على الجهود والتضحيات" التي يُقدمونها "من أجل الأمن والاستقرار الدوليين".

وصرح رئيس الوزراء الإسباني أن "مدريد تُظهر مُنذ سنوات التزامها الجاد بأمر يبدو أنه بات محطّ تساؤل في السنوات الأخيرة: تعددية الأطراف".

وسلط رئيس الوزراء الإسباني بيدرو سانشيز، الضوء على الجهود والتضحيات التي قدمها الجيش الإسباني لصالح الأمن والاستقرار الدوليين، والهدف من هذه المُهمة هو تقديم المشورة للعراق في تعزيز مؤسساته الأمنية وقواته المسلحة الأكثر قدرة على تحقيق الاستقرار في البلاد، فضلًا عن مكافحة الإرهاب.

وخلال لقائه مع القوات الإسبانية، أشاد "سانشيز" بالأعضاء الإسبان الـ12 في القوات المسلحة والحرس المدني الذين ضحوا بحياتهم منذ عام 2003 أثناء أداء واجبهم ودفاعًا عن السلام في العراق.

وأشاد بيدرو سانشيز، بالأداء الرائع لاقتصاد العراق في السنوات الأخيرة، بالإضافة إلى النجاح السياسي والمصادقة على الموازنة التي ستتيح خارطة طريق لإعمار وتنمية وتحديث البلاد.

وقال سانشيز خلال الجلسة إن إسبانيا ملتزمة منذ عهد طويل بالتفاهم مع العراق وهناك هامش لتحسين العلاقات وإثرائها أكثر مما هي عليه حتى الآن، مُشيرًا إلى أننا يمكننا أن نضع اللبنات الأولى للتعاون بين البلدين ليكون أكثر إثمارًا وتنوعًا، بالإضافة إلى تعاوننا بشأن التحديات التي تواجهنا والطموحات التي نتشاطرها.

 

اهتمام الشركات الإسبانية للاستثمار في العراق

وأكد رئيس الوزراء الإسباني اهتمام الشركات الإسبانية للاستثمار في العراق والإسهام في التنمية الاقتصادية وإعادة إعمار البلاد والمساهمة في خلق فرص عمل والتنمية والانطلاقة الاقتصادية للعراق، مُنوهًا بأن الشركات الإسبانية لديها المزيد من المزايا وهي متقدمة في العديد من القطاعات بما فيها الدفاع والزراعة والطاقات المتجددة والصحة والنقل.

بدوره، قال السوداني إنه تحدّث مع سانشيز عن "دور" التحالف "في دعم جهود العراق لمواجهة داعش الإرهابية"، مُضيفًا "نحن في طور إعادة ترتيب العلاقة حيث في ظل وجود قوات عراقية متمكنة فإن الحكومة العراقية ماضية باتجاه إنهاء وجود التحالف الدولي".

وجدّد السوداني خلال المؤتمر الصحافي "موقف الحكومة الرسمي والموقف السياسي الرافض لهذه الأعمال العدائية"، لكن شدّد على "أهمية الالتزام بالتفويض القانوني الممنوح من الحكومات العراقية" لوجود التحالف الدولي "ضمن إطار دعم القوات الأمنية في مجالات التدريب والمشورة".

وناقش سانشيز كذلك خلال زيارته التبادل التجاري وأفق الاستثمار بين "إسبانيا والعراق"، البلد الذي يعتمد بنسبة 90% من إيراداته على النفط، حيث رافق سانشيز وفد من رؤساء الشركات الإسبانية.

وخلال اجتماع بين رجال أعمال عراقيين وإسبان، قال السوداني "سنقوم بعدة إجراءات تفضيلية للشركات الإسبانية من أجل العمل بالعراق، إذ إن وجود أغلب الشركات الإسبانية بالعراق مؤشر إيجابي".

وأكد محمد شياع السوداني أنه تم وضع خارطة طريق للوصول إلى هدف الشراكة الاستراتيجية بين العراق وإسبانيا في عدد من المجالات ذات الاهتمام المشترك.

وقال السوداني خلال جلسة حوارية لرجال الأعمال والشركات الإسبانية بحضور رئيس الوزراء العراقي ونظيره الإسباني، إن القطاع الاقتصادي من القطاعات التي وضعتها الحكومة ضمن أولوياتها ، حيث نعتمد على الإيرادات النفطية لتغطية احتياجاتنا والتزاماتنا، وهذا خيار غير صحيح في ظل عدم استقرار أسعار النفط، لذلك كان لابد من استثمار موقع العراق المهم في المنطقة والعالم مما يؤهله لأن يقدم فرصا متنوعة في مختلف المجالات ، بالإضافة إلى أن العراق يتميز بوفرة الموارد الطبيعية والبشرية.

وأضاف أنه تم الإعلان عن عدة إجراءات تفضيلية للشركات الإسبانية للعمل داخل العراق، وسيتم عقد مؤتمر استثماري دولي قريبًا، لافتًا إلى التركيز على بعض المشروعات الهامة والمحورية منها مشروع طريق التنمية وهو الطريق الذي يربط ميناء الفاو بسكة حديد وطريق بري من خلال تركيا ومنها الى أوروبا، كما سيتم إنشاء عدة مدن صناعية من جنوب العراق إلى شماله لتوطين الصناعات المهمة والتي ستغطي احتياجات العراق والمنطقة والعالم، ونحن أيضًا بصدد إقامة مناطق حرة في مختلف أنحاء العراق.

وفي مجال الزراعة، أكد رئيس الوزراء أنه ضمن توجهنا لاعتماد الإدارة الصحيحة وتنفيذ التقنيات الحديثة لري الأراضي الزراعية بدأنا بخطوات مُهمة، وننفذ خطة زراعية في حدود 5 ملايين دونم ، مُشيرًا إلى أن الأراضي التي تنفذ تقنيات الري الحديث لا تتجاوز 30% لذلك فنحن بحاجة إلى هذه الأنظمة الحديثة في إدارة المياه ، مُنوهًا بأن إسبانيا متميزة في مجال الطاقة الشمسية وهناك توجه في العراق لاعتماد الطاقة الشمسية في مختلف القطاعات والبلاد مُهيًأ لهذا الأمر.

إجراءات الحكومة العراقية لتسهيل وجذب الاستثمار

وحول إجراءات الحكومة لتسهيل وجذب الاستثمار، قال السوداني إن الحكومة وضعت في جدول أعمالها القيام بعدة إجراءات لتسهيل بيئة الاستثمار وجذب المستثمرين وتجاوز الروتين والبيرقراطية، وتم إقرار مجموعة تعديلات للقوانين التجارية والاقتصادية ضمن هذا الهدف، مشيرًا إلى أن العراق حريص على الالتزام بالاتفاقيات التي تتعلق بالازدواج الضريبي والجمركي، كما أن العراق عضو في اتفاقية نيويورك للتحكيم الدولي.

وأضاف أن الحكومة قامت أيضًا خلال عام بإنجازات هامة وملموسة في النظام المصرفي والمالي، كما أن القطاع السياحي في العراق من القطاعات الهامة والجاذبة للشركات للاستثمار، وبالنسبة لقطاع المطارات، فقد عملنا على خطة للنهوض بواقع المطارات العراقية، وهناك عقد تم توقيعه مع مؤسسة التمويل الدولية لإعداد محفظة استثمارية ستطرح على المستثمرين لتقوية المطارات، مُشيرًا الى أن فتح الخطوط الجوية بين العراق وإسبانيا سيكون عاملًا مساعدًا لكل تلك المجالات وتنميتها.

زيارة وزير الخارجية الإسباني إلى العراق

واستقبل رئيس مجلس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني، وزير الخارجية الإسباني خوسيه مانويل ألباريس والوفد المرافق له،  الخميس، في بغداد.

وعبّر رئيس الوزراء، خلال اللقاء، عن "أهمية العلاقات العراقية الإسبانية، والسعي إلى تعزيزها على مختلف الصعد والمجالات"، مُشيرًا إلى "تبادل الزيارات الناجحة بين المسؤولين في البلدين، وآخرها زيارة رئيس الوزراء الإسباني بيدرو سانشيز إلى بغداد الشهر الماضي".

وأكد السوداني، أن الوقت قد حان للانتقال إلى العلاقات الثنائية مع دول التحالف الدولي، مُبينًا أن التنظيم الإرهابي لم يعد يُشكل خطرًا على الدولة العراقية.

كما أكد "رغبة العراق في اجتذاب الشركات الإسبانية للإسهام في المشروعات التنموية والبُنى الستراتيجية في العراق، وفي مقدمتها مشاريع ميناء الفاو الكبير، والمدينة الصناعية، وطريق التنمية، وفقًا لما تتمتع به هذه الشركات من خبرة وسمعة في الأداء والتنفيذ" وبالفعل حرصت السفارة العراقية في مدريد لفتح ابواب العمل للشركات الإسبانية وفق روية حكومة المهندس محمد شياع السوداني الذي تقود حكومته حملة تطوير ونهضة كبيرة منذ تولية السلطة في اكتوبر 2023 .

وجدد رئيس مجلس الوزراء، "موقف العراق إزاء مهمة التحالف الدولي لمُحاربة داعش في العراق"، مُبيّنًا أن "التنظيم الإرهابي لم يعد يُشكل خطرًا على الدولة العراقية، وأن قواتنا المسلحة قادرة على الاضطلاع الكامل بمهام حفظ الأمن والاستقرار وصد التهديدات، وأن الوقت قد حان للانتقال إلى العلاقات الثنائية مع جميع دول التحالف".

وثمّن "موقف إسبانيا من العدوان على غزّة"، داعيًا إلى "تكثيف الضغط الدولي للحيلولة دون انتشار الصراع، وسرعة إيصال المساعدات الإنسانية إلى الشعب الفلسطيني".

من جانبه، نقل الوزير ألباريس "تحيات رئيس الوزراء الإسباني إلى رئيس الوزراء محمد شياع السوداني"، مُؤكدًا "رغبة حكومته في تطوير العلاقات، وتعزيز عمل اللجنة العراقية الإسبانية المشتركة، والتطلع إلى انطلاق الجولة الرابعة من الحوار الثنائي بين البلدين".

وأشار وزير الخارجية الإسباني، إلى "عمل المستشارين الإسبان في العراق ضمن التحالف الدولي، مُؤكدًا مساندة حكومته لأي قرار يتخذه العراق بهذا الشأن، وأن العراق شريك أساس لبلاده، وما زال السعي مُستمرًا لإيجاد المزيد من فرص الشراكة".

وأوضح الوزير، أن "بلاده تبذل الجهود في سبيل وقف إطلاق النار في غزّة، وفك الحصار عن السكّان، والدعوة إلى مؤتمر سلام شامل لإقامة دولة فلسطينية".

مُباحثات وزير الخارجية العراقي مع نظيره الإسباني

حققت الخارجية العراقية خطوات مُتواصلة ومُهمة مع الخارجية الإسبانية وجاءت زيارة الوزير الإسباني "خوسيه مانويل"، الخميس، لتقدم شكلًا جديدًا للتعاون  الثنائي والاستثماري والعسكري إضافةً لتنطلق من بغداد روية مشتركة بين البلدين لإنهاء حالة التوتر في المنطقة بوقف الحرب وتوسيع إرسال المساعدات إلى قطاع غزة.

وقال وزير الخارجية الإسباني خوسيه مانويل، إننا "مع وحدة وسيادة العراق وداعمين لذلك"، مُشيرًا إلى أن "موضوع غزة من الموضوعات الأساسية التي ركز عليها الجانبين".

ورحّب "العراق وإسبانيا"، بقرار مجلس الأمن الدولي التابع للأمم المتحدة الصادر في 22 ديسبمر "كانون الأول" 2023، الذي يدعو إلى تهيئة الظروف لوقف دائم للأعمال العدائية في "قطاع غزة"، ويدعو كلا البلدين بشكل مُُشترك إلى وقف فوري لإطلاق النار لأسباب إنسانية.

ويشهد العراق استقرارًا سياسيًا بعدما عانى لعقود من الحروب والأزمات الدامية، وحقق خلال العام الماضي نجاحات في تطوير العلاقات الثنائية.

وشهد الشهر الماضي، زيارة مهمة لوزير الداخلية العراقي إلى مدريد، كان ثمار جهد مُتواصل من العراق لدعم الجهود الأمنية في البلاد، وعدم عودة نشاط التنظيمات المتطرفة إضافة إلى الاستفادة من خبرات إسبانيا، في مجال تتبادل المعلومات الأمنية والاستخبارية، وناقش وزير الداخلية العراقي عبد الأمير الشمري، مع نظيره الإسباني فرناندو غراندي مارلاسكا غوميث تعزيز التعاون الأمني الثنائي بين البلدين، فيما أكد أن الدعم الحكومي الكبير الذي تتلقاه وزارة الداخلية في العراق انعكس إيجابًا على تحقيق السلم والاستقرار الأمني في البلاد.

من جانبه، قال سفير العراق في المملكة الإسبانية الدكتور صالح التميمي، في تصريحات صحفية لموقع "الأمصار" إن تبادل الزيارات بين المسولين العراقين والإسبان وأهمها زيارة رئيس وزراء إسبانيا بيدور سانشيز لبغداد هي  الأولى من نوعها في تاريخ العلاقات بين البلدين، فتحت الباب لتطوير العلاقات بين البلدين الذان يملك إرثًا حضاريًا وواقعًا مُهمًا ومستقبل مضطرد.

وبين السفير التميمي، أن رئيس الوزراء المهندس محمد شياع حرص على إدامة العلاقات مع إسبانيا والاستفادة من خبرات الجانب الإسباني في كافة المجالات، والوزير الدكتور فواد حسين قدم الدعم للسفارة وطاقم العمل في مدريد لانجاح الخطوات المستقبلية بين البلدين الصديقين.