الفشقة وتاريخ نزاع الحدود بين إثيوبيا والسودان
أعلنت القوات المسلحة السودانية، السبت، أنها صدت محاولة قامت بها قوات إثيوبية للتوغل في منطقة الفشقة على الحدود بين البلدين. فيما أشارت تقارير إلى مقتل ستة من القوات السودانية من بينهم ضابطين في هجوم للجيش الإثيوبي.
وأكد الجيش السوداني مساء السبت (27 تشرين الثاني/ نوفمبر 2021) أنه تصدى لهجوم من قبل القوات الإثيوبية والجماعات المسلحة المتحالفة معها في منطقة الفشقة الحدودية، مكبداً إياها “خسائر كبيرة في الأرواح والمعدات”.
وقال الجيش السوداني في بيان عبر صفحته على موقع التواصل الاجتماعي “فيسبوك”: “تعرضت قواتنا التي تعمل في تأمين الحصاد بالفشقة الصغرى في منطقة بركة نورين، لاعتداء وهجوم من مجموعات للجيش والمليشيات الإثيوبية، استهدفت ترويع المزارعين وإفشال موسم الحصاد والتوغل داخل أراضينا”.
وأضاف البيان: “تصدت قواتنا للهجوم بكل بسالة وكبدتهم خسائر كبيرة في الأرواح والمعدات، واحتسبت القوات المسلحة عددًا من الشهداء وستظل تحمي الوطن وتدافع عن أراضيه”.
النزاع على الفشقة
وتقع منطقة الفشقة بين ملتقى 3 أنهار على الحدود بين البلدين، حيث يلتقي شمال غرب منطقة أمهرة الإثيوبية بولاية القضارف في السودان.
وعلى الرغم من أن الحدود التقريبية بين البلدين معروفة جيدًا، يحب المسافرون أن يقولوا إن إثيوبيا تبدأ عندما تفسح السهول السودانية الطريق للجبال الإثيوبية.
وقام السودان وإثيوبيا، بإحياء محادثات كانت قد دخلت في سبات عميق، منذ أمد طويل، ليحدد بدقة حدودهما المشتركة، التي يبلغ طولها 744 كيلومترًا.
ويدور الصراع من نوع آخر حول أحقية الأرض، من حيث تبعيتها الجغرافية، وخطوطها السياسية، وأصولها التاريخية، ورغم اعتراف إثيوبيا في مناسبات عدة بسودانية الفشقة، وغيرها من الأراضي الحدودية، إلا أنها في النزاع الأخير، ادعت بأنه لا حق للسودان فيها، وأن هذه الأراضي إثيوبية، لأسباب ديمغرافية، ولكون أغلب سكان المنطقة من قبائل الأمهرة الإثيوبية.
فيما يرى السودان أن التغيير البشري الكبير الذي شهدته منطقة الفشقة في السنوات الأخيرة كانت نتيجة التهجير الذي فرض على السكان الأصليين من قبل الميليشيات الإثيوبية، التي كانت تلجأ لسياسة الأمر الواقع لفرض حدودها الجديدة، وانتقلت هذه السياسية على ما يبدو من أيدي الميليشيات إلى الجيش الإثيوبي بحسب مراقبين سودانيين.
وفي هذا الإطار، كانت الفشقة هي أصعب منطقة لتسوية الخلاف، وفقًا لمعاهدات الحقبة الاستعمارية لعامي 1902 و1907 تمتد الحدود الدولية إلى الشرق منها.
كما تشير الوقائع التاريخية بأن إثيوبيا وعلى مر العقود ووفق الوثائق قبلت بالحدود المرسومة مع السودان، لكنها ولأسباب سياسية تعلن أنها لا تقبل بالترسيم الذي قام البريطانيون، وآخر اعتراف رسمي جاء على لسان رئيس الوزراء الإثيوبي الأسبق هيلي مريام ديسالين، وهو يقر بما تشهد وتقف عليه تثبته الوثائق التاريخية أمام البرلمان الإثيوبي ودون اعتراض من أحد.
ترسيم الحدود في عام 1902
تشير وثيقة وقعها الملك منليك مع مندوب بريطانيا مستر هارنجتون وأعدها الرائد جوين، إلى أحقية السودان بأرض الفشقة بحسب الخريطة التي اعتمدها الطرفان، وتظهر الخريطة بنسختها الإنجليزية والأمهرية الإثيوبية سودانية الشفقة.
تظهر الوثائق توقيع منيلك وهارنغتون على اتفاق ترسيم الحدود العام 1902.
وفي العام 1903 تم وضع العلامات الحدودية بواسطة الرائد جوين بموافقة وتكليف من منليك وممثل بريطانيا بمشاركة القادة المحليين الإثيوبيين في تلك المناطق، وهذه الوثيقة تظهر مشاركة الإثيوبيين في وضع العلامات والتوقيع على ترسيم الحدود.
اتفاق عام 1972
لم يطرأ أي تعديل على الخطوط التي وضعها الرائد جوين إلى عام 1972، حيث قامت الحكومة السودانية عقب توقيعها اتفاق السلام مع المتمردين في جنوب السودان بأديس أبابا، بالموافقة على التغييرات التي حدثت على الحدود مع الطرف الإثيوبي، والتي أصبحت على إثرها تمر الحدود عبر قمة اربعة جبال بعد أن كانت جميعها في الاراضي السودانية، ورأى الوفد السوداني بموافقة الحكومة أنه لا بأس لتعضيد العلاقة.
وعلى الرغم من أن هذا يعني أن الأرض تابعة للسودان، إلا أن الإثيوبيين استقروا في المنطقة الخصبة، حيث مارسوا الزراعة ويدفعون ضرائبهم للسلطات الإثيوبية.
ووصلت المفاوضات بين الحكومتين إلى حل وسط في عام 2008 حيث اعترفت إثيوبيا بالحدود القانونية، لكن السودان سمح للإثيوبيين بالاستمرار في العيش هناك دون عائق.
لجنة الحدود الفنية المشتركة
في عام 2010 قرر الطرفان تشكيل لجنة حدودية مشتركة اجتمعت واعتمدت في تقريرها الحدود، وأوصت بضرورة العمل وإكمال تحديد العلامات التي وضعها الرائد غوين 1903، وربما تكون قد أخفتها الطبيعة مع الزمن وجاء في البيان المشترك تأكيد أن أغلب العلامات تم تحديدها.
واستمر الوضع بهذا الشكل، لعقود، حتى طالبت إثيوبيا بخط سيادي نهائي.
وبعد الإطاحة بجبهة تحرير شعب تيغراي، من السلطة في إثيوبيا عام 2018، أدان زعماء عرقية الأمهرة الاتفاق، ووصفوه بأنه صفقة سرية، وقالوا إنه لم تتم استشارتهم بشكل صحيح بشأن ذلك الاتفاق.
توتر العلاقات السودانية الإثيوبية
في 6 ديسمبر 2020، احتلت القوات المسلحة السودانية المنطقة الزراعية المتنازع عليها في منطقة الفشقة على الحدود مع إقليم تيجراي، حيث اندلع القتال بين الجيش الاتحادي الإثيوبي والقوات الإقليمية منذ مطلع نوفمبر.
في 12 ديسمبر، اتهمت لجنة تحقيق حالة الطوارئ والجمعية البرلمانية الاتحادية الجيش السوداني بمهاجمة المدنيين في منطقة تيغراي نتيجة التواطؤ مع جبهة التحرير.
في 15 ديسمبر، تعرض الجيش السوداني، أثناء قيامه بدوريات على الحدود بين السودان ومنطقة تيغراي، لهجوم من قبل القوات المسلحة الإثيوبية والميليشيات الأمهرية، مما أسفر عن مقتل وإصابة عدد من الضباط السودانيين.
ونتيجة للقصف بالأسلحة الصغيرة والمدفعية من الجيش الإثيوبي والميليشيات الإقليمية، قُتل 4 عسكريين سودانيين وأصيب 27 آخرون.
وفي مطلع عام 2021 ازداد التوتر بين البلدين، وذلك عندما بدأت أديس أبابا ملء البحيرة الصناعية خلف سد النهضة، على نهر النيل الأزرق، ثم بدء الحرب الأهلية في شمالي إثيوبيا، بين القوات الحكومية، وقوات تيجراي.
ووقعت اشتباكات متكررة، بين الجانبين، في مناطق مختلفة من الفشقة، وكانت قد أعاد السودان تمركز عدد كبير من القوات في المنطقة للسيطرة عليها، منذ نهاية عام 2020.
وقالت الأمم المتحدة، مطلع العام الجاري، إن القوات الإريترية، والإثيوبية، ومقاتلين من عرقية الأمهرة الإثيوبية، ينشطون في المنطقة، المتنازع عليها.
بينما اتهمت إثيوبيا القوات السودانية بالتوغل في أراضيها، وقال متحدث باسم الخارجية الإثيوبية “صمتنا ليس خوفًا”، محذرًا الخرطوم من استغلال ما وصفه “بانشغال إثيوبيا بأزمة إقليم تيجراي، والتوغل بأراضينا”.
تحذيرات أوروبية
تفاقم الصراع منذ أمس السبت، في منطقة الفشقة بين الجيش السوداني والقوات الإثيوبية، والإعلان عن مقتل ستة من القوات السودانية من بينهم ضابطين في هجوم للجيش الإثيوبي، وإعلان الجيش السوداني، إن قوة من القوات المسلحة، تعمل في تأمين الحصاد بالفشقة الصغرى في منطقة بركة نورين، تعرضت لاعتداء وهجوم من مجموعات للجيش والمليشيات الإثيوبية.
مع احتدام الاشتباك حذر شارل ميشيل رئيس المجلس الأوروبي، اليوم الأحد، من تفاقم التوتر على الحدود السودانية الإثيوبية، واعتبر رئيس المجلس الأوروبي، مقتل جنود سودانيين في هجوم شنته قوات إثيوبية على الحدود بين البلدين أمر مثير للقلق.
بينما أكد السودان أنه لن يتنازل عن أراضيه في “الفشقة”، وفي المقابل تطالب إثيوبيا السودان بالانسحاب إلى حدود قبل 6 نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، وتتهمه بالسيطرة على معسكرات داخل الأراضي الإثيوبية، وهو ما تنفيه الخرطوم.
كما تطالب إثيوبيا بتقسيم منطقة النزاع الحدودي بين السودان وإثيوبيا إلى 3 مناطق: “الفشقة الكبرى” و”الفشقة الصغرى” و”المنطقة الجنوبية”.