مصر وتركيا.. بداية الأزمة وأسباب تقاربهما الآن
كانت تركيا في مقدمة الدول الرافضة للإطاحة بالرئيس المصري السابق، محمد مرسي، على يد الجيش بعد مظاهرات حاشدة مطالبة بعزله، إذ وصف أردوغان، الذي كان رئيسا للوزراء آنذاك، عزل مرسي بأنه “انقلاب غير مقبول”.
ونقلت وسائل الإعلام تصريحات لرئيس تركيا، أردوغان، في أغسطس 2013، قال فيها إن إسرائيل تتحمل مسؤولية دعم الحراك الذي أدى إلى عزل مرسي. وجاءت هذه التصريحات في اجتماع مع قادة محليين في حزب العدالة والتنمية، قال خلاله أردوغان أن “لديه توثيقا” يثبت صحة هذا الاتهام، لكنه لم يذكر أبدا طبيعة هذا التوثيق.
وخرجت الأمور من مجرد تبادل للتصريحات إلى تحرك دبلوماسي أكبر، إذا استدعت تركيا سفيرها في القاهرة في أغسطس 2013 في أعقاب فض اعتصام رابعة، وردت القاهرة بتحرك موازٍ بسحب سفيرها في تركيا.
ورغم عودة السفير التركي إلى القاهرة في سبتمبر 2013، إلا أن القاهرة تمسكت بموقفها القاضي بتخفيض التمثيل الدبلوماسي احتجاجا على الموقف التركي من الحكومة الجديدة.
وقال وزير الخارجية المصري آنذاك، نبيل فهمي، إن عودة السفير التركي إلى القاهرة غير كافية لعودة العلاقات الدبلوماسية بين البلدين. ونفى أن يقابلها تحرك مصري موازٍ بسبب “تصريحات غير ملائمة” من الجانب التركي عن الأوضاع في البلاد.
واستمرت العلاقات الدبلوماسية بين البلدين في التدهور مع اشتداد التلاسن الإعلامي، حتى انتهت إلى استدعاء الخارجية المصرية للسفير التركي في نوفمبر 2013، وطلبت منه مغادرة البلاد باعتباره شخصا غير مرغوب فيه. وأعلنت تركيا بدورها أن السفير المصري لديها، والذي استدعته مصر قبل ثلاثة أشهر، غير مرغوب فيه كذلك.
ومع بوادر التهدئة التي ظهرت مؤخرًا، يبرز احتمال عودة التمثيل الدبلوماسي والعلاقات إلى طبيعتها بين البلدين.
وأعلن وزير الخارجية التركي، مولود جاويش أوغلو، عودة التواصل الدبلوماسي بين البلدين في وقت سابق هذا الشهر، وهو ما أكده نظيره، سامح شكري، لاحقًا في إحدى جلسات مجلس النواب.
وقال أوغلو في تصريحات صحفية إن البلدين “لم يضعا أي شروط مسبقة” في التشاور من أجل عودة العلاقات. لكنه أقر بأنه “ليس من السهل التحرك وكأن شيئًا لم يكن في ظل انقطاع العلاقات لسنوات طويلة.”
وفي المقابل، قال شكري في اجتماع لجنة العلاقات الخارجية في مجلس النواب إن عودة العلاقات مع تركيا مرهونة بوجود “تغير حقيقي في السياسة والمنهج والأهداف التركية” لتتوافق مع السياسات المصرية.
تركيا قلبة للمعارضين المصريين
تحولت تركيا إلى قبلة للمعارضين المصريين منذ عام 2013 بسبب موقفها من النظام المصري الجديد آنذاك، ما بين إعلاميين وأعضاء أحزاب سياسية، وبالطبع أفراد جماعة الإخوان المسلمين.
وكانت أحد أبرز المحطات في هذا السياق هو ما أعلنه أردوغان في سبتمبر 2014 عن ترحيب بلاده باستقبال قيادات جماعة الإخوان المسلمين، والتي كانت السلطات المصرية قد أعلنتها “حركة إرهابية”.
وجاءت تصريحات أردوغان – الذي كان قد انتُخب رئيسا آنذاك – وهو على متن طائرة عائدة من قطر، بعد أن طلبت الأخيرة من سبعة من قيادات الإخوان مغادرة البلاد إثر ضغوط خليجية عليها لاستقبالها للمعارضين المصريين.
واستمر تدفق المعارضين المصريين على تركيا طوال السنوات السبعة الماضية، حتى أصبحت تقدر أعدادهم الآن بعشرات الآلاف.
وخلق هذا المناخ الداعم للمعارضة ظروفا ملائمة لإطلاق عدد من القنوات الإعلامية التي يتعذر إطلاقها من البلاد، خصوصًا بعد إغلاق قنوات تابعة لجماعة الإخوان المسلمين بعد ساعات من عزل الرئيس السابق محمد مرسي.
وفي فبراير 2014، أُطلقت قناة “مكملين” الموالية لجماعة الإخوان المسلمين للبث من تركيا، وبعد شهرين أُطلقت قناة “الشرق” التي يمكلها المعارض المصري الليبرالي البارز، أيمن نور. وبعد عامين، في مارس 2016، أُطلقت قناة ثالثة تحمل اسم “وطن”.
وتبث القنوات الثلاث برامج معارضة للنظام والرئيس عبدالفتاح السيسي، وهي من نقاط الخلاف الرئيسية بين البلدين.
ومع بوادر التقارب التي برزت مؤخرًا، يخشى كثيرون أن يكون ترحيل المعارضين من أفراد جماعة الإخوان أو الإعلاميين العاملين في هذه القنوات إلى مصر ثمنا للتسوية.
لكن المعارض المصري، أيمن نور، الذي يرأس اتحاد القوى الوطنية في تركيا، نفى أي حديث عن ترحيل المعارضين المصريين أو تقييد حرياتهم.
وقال نور، إن ما طُلب منه، باعتباره رئيس مجلس إدارة قناة الشرق، هو ضبط خطاب القناة الإعلامي بحيث يلتزم بمواثيق العمل الصحفي، ويتجنب النقد الشخصي للمسؤولين المصريين.
أزمة الشرق الأوسط
يعد هذا الملف الأكثرَ خطورة بالنسبة للجانب التركي، لأنه يتعلق بثروات هائلة من الغاز الطبيعي والهيدروكربونات، وتتداخل فيه أطراف على خلاف تاريخي مع تركيا، هي اليونان وقبرص.
وتنص معاهدة الأمم المتحدة لقانون البحار لعام 1982 على أن تمتد المياه الإقليمية للدول إلى مسافة 12 ميل بحري من الساحل (بما في ذلك سواحل الجزر)، في حين تمتد المنطقة الاقتصادية الخالصة إلى مسافة مئتي ميل بحري، يحق فيها للدول القيام بأنشطة التنقيب والاستكشاف.
وكانت تركيا من بين الدول الرافضة لتوقيع هذا الاتفاق، إذ يقع عدد من الجزر اليونانية قبالة مسافات كبيرة من السواحل التركية، وعلى مسافة أقل من الحدود البحرية الإقليمية والاقتصادية، وهو ما تراه تركيا إجحافا في حقها من ثروات هذه المنطقة.
وتشهد منطقة شرق المتوسط بشكل عام أزمة مزمنة في ترسيم حدودها البحرية والاقتصادية، كونها منطقة حوض مائي ضيق تتقاطع فيه حدود الدول البحرية، ما يجعلها في حاجة إلى اتفاقيات خاصة لترسيم الحدود.
وكان هذا الملف من أوائل الأوراق التي استخدمتها البلاد المصرية في مواجهة تركيا، إذ وقعت اتفاقًا ثنائيًا لترسيم الحدود مع قبرص في ديسمبر/كانون الأول 2013، عُرف بـ الاتفاقية الإطارية لتنمية الخزانات الحاملة للهيدروكربون. وصدق الرئيس المصري على الاتفاقية لاحقًا في سبتمبر 2014.
وأعلنت تركيا رفضها وعدم اعترافها بهذا الاتفاق، لأنه يقلص الحدود البحرية التركية في مناطق حقول الغاز لصالح قبرص، في حين ردت مصر بأنه “واحد من حقوق مصر السيادية في المنطقة.”
وفي فبراير 2018، قال وزير الخارجية التركي مولود جاويش أوغلوا إن بلاده تخطط للتنقيب عن الغاز في شرق البحر المتوسط.
وبعد حوالي عام من هذه التصريحات، في يناير 2019، دشنت مصر منتدى غاز شرق المتوسط، الذي يضم مصر وإسرائيل والأردن واليونان وقبرص وإيطاليا، بهدف خلق سوق إقليمي للغاز ودعم التعاون الاقتصادي وجهود ترسيم الحدود بين الدول الأعضاء.
ورأت تركيا في إنشاء هذه المنظمة محاولة لعزلها عن ثروات المنطقة، وردت الحكومة التركية لاحقًا في مايو 2019 بإعلان تحرك سفنها لبدء التنقيب عن الغاز واستخراجه.
واعتبرت مصر أن هذه التحركات تهدد أمن المنطقة وسلامتها، في حين قال الإعلام القبرصي إن التحركات التركية تتم داخل الحدود الاقتصادية لقبرص.
وفي أغسطس 2020، وقعت مصر اتفاقا ثنائيا جديدا لترسيم الحدود البحرية مع اليونان، وصدق عليه الرئيس المصري في أكتوبر من العام نفسه. ويحدد الاتفاق المناطق الاقتصادية البحرية الخالصة بين البلدين، ما يعني تقسيم ثروات الغاز الطبيعي الموجودة فيها.
وبدورها، رفضت تركيا هذا الاتفاق، وقال وزير الخارجية التركي إن المناطق التي تم تقسيمها تقع في منطقة الجرف القاري التركي، وإن بلاده تعتبر الاتفاق “لاغيا وباطلا” ولن تسمح بأية أنشطة في المنطقة.
ومع بوادر التقارب المصري التركي، تحدثت صحف يونانية عن مخاوف من أن تكون مراجعة الحدود البحرية أمرا مطروحا في المستقبل، خصوصًا مع وجود اتفاق ليبي-تركي يمنح مصر مساحة أكبر من الحدود البحرية وما بها من ثروات للغاز الطبيعي.
العلاقات التركية الليبية
يرتبط ملف العلاقات التركية الليبية بشكل وثيق بأزمة غاز شرق البحر المتوسط، إذ حاولت تركيا من خلاله كسر عزلتها في المنطقة.
وفي نوفمبر 2019، وقعت تركيا اتفاقا للتفاهم مع حكومة السراج في العاصمة الليبية طرابلس.
وشمل الاتفاق مذكرتين للتفاهم، تتعلق الأولى بترسيم الحدود البحرية بين البلدين، في حين تنص الثانية على تقديم تركيا للدعم والاستشارات والتدريبات العسكرية للحكومة في حربها ضد قوات شرق ليبيا بقيادة خليفة حفتر، وكذلك تقديم الدعم العسكري التركي المباشر إذا طلبته الحكومة في طرابلس.
وعلق وزير الخارجية، سامح شكري، على الاتفاق بأنه يزيد التعقيدات في الملف الليبي. وقال في منتدى روما للحوار المتوسطي إنه “لا يوجد مساس بمصالحنا في البلاد المصرية من اتفاق تركيا وحكومة طرابلس، لكنه يمس مصالح دول أخرى في المنطقة.
وأصدرت البلاد واليونان وقبرص مذكرة مشتركة لاحقًا، قالت فيها إن الاتفاق الليبي التركي “ليس له أثر قانوني”.
وفي يناير 2020، وافق البرلمان التركي على إرسال قوات إلى ليبيا لدعم حكومة طرابلس في حربها ضد قوات شرق ليبيا.
واعتبرت البلاد، هذه الخطوة تهديدًا لأمنها القومي، وذكر بيان للخارجية المصرية أن التحرك التركي يخرق قرارات مجلس الأمن “وينذر بمزيد من تدويل الأزمة الليبية.” كما ذكر البيان المصري أن الدعم العسكري يهدد جهود المجتمع الدولي لإيجاد حل سياسي للأزمة.
وحددت البلاد خطا أحمر في سرت والجفرة، وقالت إنها ستتصدى لأي تجاوز لهذه المنطقة، وأعلنت استمرارها لدعم الجيش الليبي “في حربه ضد الإرهاب والتدخلات الإقليمية.”
وفي يونيو 2020، أعلنت البلاد مبادرة “إعلان القاهرة” لدعم الحل السياسي للأزمة في ليبيا، بحضور القائد العسكري خليفة حفتر ورئيس برلمان طبرق عقيلة صالح.
ونصت المبادرة على إعلان وقف إطلاق النار بدءًا من الثامن من يونيو 2020، وإلزام جميع الأطراف بخروج المرتزقة الأجانب من ليبيا، وتفكيك الميليشيات وتسلم أسلحتها للجيش الليبي.
وفي غياب ممثل لحكومة طرابلس، يرى بعضهم أن إعلان القاهرة محاولة لإنقاذ حفتر بعد تراجعه عسكريا. وسرعان ما رفضت حكومة طرابلس الإعلان وقالت إن “ليبيا ليست في حاجة إلى مبادرات جديدة”.
كما أعلن المتحدث باسم الخارجية التركية اعتراض بلاده على اتهامها بعرقلة جهود السلام في ليبيا.
ويستمر الوجود العسكري التركي في ليبيا رغم الإعلان عن حكومة جديدة في وقت سابق هذا الشهر. وقالت الرئاسة التركية إن قواتها ستبقى في ليبيا ما دام الاتفاق العسكري ساريا بين الجانبين.
تقارب مصر وتركيا
يعيش العاملون في قنوات المعارضة، التي تبث من تركيا، حالة من الترقب والقلق بعد إعلان أنقرة نيتها إرسال وفد رسمي رفيع المستوى يضم نائب وزير الخارجية التركي إلى القاهرة، لإطلاق مفاوضات تهدف إلى تطبيع العلاقات بين البلدين.
ويأتي ذلك بعد نحو ثمانية أعوام من القطيعة التي سببها دعم تركيا لجماعة الإخوان المسلمين المصرية، بعد لجوء قياداتها إلى إسطنبول إثر الإطاحة بحكم الرئيس السابق محمد مرسي عام 2013.
ويتساءل هؤلاء هل ستغلق تركيا هذه القنوات وتطرد العاملين فيها أم أنها سترحلهم أو تسلمهم لبلدهم؟ ورغم استبعاد العديد من المسؤولين الأتراك مثل هذه السيناريوهات لكن القلق لا يزال يساور بعض هؤلاء.
وأكدت المصادر الدبلوماسية، أن اتفاقا جرى بين البلدين على تشكيل لجان متخصصة أمنية وسياسية واقتصادية، لبحث ملفاتٍ طالب كل بلد بإدراجها.
ومن بين مطالب البلاد تسليم المطلوبين من جماعة الإخوان الموجودين في تركيا، ولا سيما أن المطلب التركي بالإفراج عن الرئيس مرسي، بات لا معنى له بعد وفاته في محبسه في يونيو ٢٠١٩.
ويلفت بعض المراقبين إلى حقيقة حصول عدد كبير من العناصر المعارضة المصرية الموجودة في تركيا على الجنسية التركية، وهي من بين الأخطاء التي ارتكبتها السلطات المصرية، برفضها تجديد جوازات سفرهم التي غادروا بها مصر في عام 2013.
كما أن لجانًا أخرى ستبحث في سن تشريعات أو إصدار قرارات، تحظر على أي حزب أو جماعة ممارسة أنشطة تعادي مصر انطلاقًا من تركيا، وكذلك ستفعل مصر.
اعتزاز تركيا بالتقارب
أعلن الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، اليوم الإثنين، اعتزام بلاده اتخاذ خطوات هادفة إلى التقارب مع كل من مصر وإسرائيل.
ونقلت وكالة الأناضول عن أردوغان تصريحات أدلى بها للصحفيين على متن الطائرة بعد رحلته إلى تركمانستان، جاء فيها: “نعتزم اتخاذ خطوات للتقارب مع مصر وإسرائيل كتلك التي اتخذناها مع الإمارات”.
وقال الرئيس التركي إنه يعتزم زيارة الإمارات في فبراير، المقبل على رأس وفد رفيع المستوى، مشيرًا إلى أن العلاقات مع الإمارات أتاحت استثمارات بقيمة 10 مليارات دولار.
وكانت دولة الإمارات العربية المتحدة قد أعلنت، يوم الأربعاء الماضي، تأسيس صندوق بقيمة 10 مليارات دولار لدعم الاستثمارات في تركيا.
وذكرت وكالة الأنباء الإماراتية (وام) الرسمية أن الصندوق سيركز على الاستثمارات الاستراتيجية، وعلى رأسها القطاعات اللوجستية ومنها الطاقة والصحة والغذاء.