مجلس التحرير: مجموعة صحفيين عرب
الموقع قدم أوراق اعتماده
الى نقابة الصحفيين العراقيين

باسم فرات يكتب: مملكة تشامبا (فيتنام)

نشر
الأمصار

كانت رحلتنا الثانية إلى فيتنام قد أطلعتني على العلاقة العربية والوجود الإسلامي في هذا البلد، ولم أكتفِ بما قاله الدليل، فبعد عودتي إلى مستقري في لاوس، بحثتُ عن العلاقة العربية الإسلامية مع فيتنام، فقد بهرني الوجود العربي في كل مكان، لا يُنكر أن هذا الوجود يتراوح بين وجود واضح ومؤثر في اللغة والمعتقد بشكل لا يمكن إنكاره؛ وهو ما نراه في لغة الملايو، إذ كانت زيارتي إلى المتحف في سنغافورة مفاجأة وأنا استمع إلى أحاديث مسجلة لكبار السن السنغافوريين سكان الجزيرة الأصليين، وكيف يكون للغة العربية حضورها في أحاديثهم، ولولا تدفق الصينيين والهنود ما سمح للبريطانيين ومعهم المهاجرون الجدد أن يجعلوا اللغة الإنجليزية لغة رسمية، ولما أصبح حضور الإنجليزية في الحياة اليومية أكثر وضوحًا من العربية.

أعود إلى فيتنام، وإثنية التشام والإسلام، فكانت نتائج بحثي تقول: إن الخليفة الراشدي الثالث عثمان بن عفان (رض) في سنة 650م أرسل أول سفارة إلى فيتنام، وأن التجار العرب المسلمين؛ منذ البدايات المبكرة للإسلام؛ كان ميناء مملكة تشامبا محطة توقفهم وهم في طريقهم إلى الصين. على أية حال، فإن الأدلة على انتقال الإسلام إلى فيتنام، سُجّلت في وثيقة صينية، تُثبت أن الإسلام أصبح مألوفًا في تشام في نهاية القرن العاشر وبداية القرن الحادي عشر الميلادي، ولكن الإسلام أصبح أكثر انتشارًا بعد الاحتكاك والاتصال بسلطنة مَلاكا (في ماليزيا اليوم)، لكن الإسلام لم يصبح متغلغلًا في تشام وبشكل واسع حتى منتصف القرن السابع عشر الميلادي. وفي منتصف القرن التاسع عشر الميلادي، حدثت هجرة بين المسلمين التشام من كمبوديا واستقرّوا في إقليم دلتا نهر ميكونغ، ليكون لهم لاحقًا دورهم في مساندة ودعم حضور الإسلام في فيتنام.

تأسست دولة تشامبا في بداية القرن الثالث الميلادي، وقد امتدت على رقعة واسعة من الأرض؛ تُشكل الجزء الأكبر من مساحة دولة فيتنام اليوم، وربما تكون أقدم دولة أسستها أقوام الملايو، دولة تعتمد التجارة بالدرجة الأولى، وقد دخلت في صراعٍ مع جيرانها الصينيين والكمبوديين، وكانت السفن تأتيها من بلاد العرب وفارس والهند والملايو وغيرها، واستمرت التجارة العربية معهم حتى مجيء الإسلام، وبسبب الفتوحات الإسلامية، انقطعت السفن العربية عن تشامبا وبقية المناطق في جنوب شرق آسيا.

وبعد تَوَقّف الفتوحات الإسلامية، عاد العرب إلى التجارة البحرية، يحملون بضائعهم ومعها الدين الإسلامي، وبسلوكهم استطاعوا أن يؤثروا على المجتمعات التي اتصلوا بها، ومن جملتها شعب “تشامبا”، إذ إن سواحل تلك البلاد كانت موانئ للسفن القادمة من بلاد العرب. ولا ريب فإن انتشار الإسلام في إندونيسيا وماليزيا وسنغافورة وجنوب الفلبين وفطاني (جنوب تايلاند) وأجزاء واسعة من فيتنام أي تشامبا وجنوب الصين وميانمار وغيرها؛ لهو الدليل على أن مزاعم انتشار الإسلام بالسيف فيها مبالغة كبيرة وواضحة، تجعل الباحث المحايد لا يتقبلها.

تتميز المناطق التي انتشر فيها الإسلام، بأنها سواحل مُحدّبة، وهذا يعني سهولة وصول السفن التجارية العربية إليها، بينما السواحل المتراجعة؛ أو ما يمكن تسميتها بالمقعّرَة؛ فلم يصلها الإسلام. ويُعدّ التشاميون الشعب الوحيد من بين شعوب وإثنيات الهند الصينية الذي يدين بالإسلام، وأن المسلمين في جمهورية لاوس ومملكة كمبوديا هم من التشاميين الذين هاجروا من موطنهم في تشام بعد أن أسقط الفيتناميون مملكتهم وضمّوها إلى فيتنام لتتشكل دولة فيتنام الحديثة.

اختلفت آراء المؤرخين والكُتّاب في تحديد وقت دخول الإسلام إلى شبه جزيرة الهند الصينية، وسأوجز بعض الروايات التاريخية التي ربما تعيننا في معرفة هذا الأمر؛ بحسب السير توماس آرنولد في كتابه “الدعوة إلى الإسلام”، عن دخول الإسلام إلى الصين؛ ما يلي: الإسلام في عهد دولة تانغ عام 618- 907م، ذكر تاريخ “كوانغتونغ” قدوم أول مَن جاء من المسلمين إلى الصين على النحو الآتي: في عهد دولة تانغ وفد على “كانتون” عدد كبير من الغرباء من مملكة “أَنّام” وكمبوديا وغيرها، وكان هؤلاء الغرباء يعبدون الله وليس في معابدهم تمثال ولا صنم ولا صورة وكانوا لا يطعمون لحم الخنزير ولا يشربون الخمر، ويَعدّون الذبائح التي لا يذبحونها بأنفسهم طعامًا نجسًا ويطلق عليهم اسم “هوي هوي” وهذا الاسم ما زال يطلقه الصينيون على المسلمين حتى الآن.

هذه المعلومة تُشير إلى أن الإسلام وصل إلى تلك النواحي قبل القرن العاشر الميلادي (القرن الرابع الهجري أو قبل ذلك بقليل)، قادمًا مع التجار العرب المسلمين من البلاد العربية أو من بلاد فارس والهند وغيرها، أي أن وصوله بلا حروب ومعارك وإنما كان للاحتكاك التجاري أثره في الاحتكاك الثقافي والاجتماعي؛ والذي أدّى بدوره لأن يصبح للدين الإسلامي موضع قدم في تلك البلاد البعيدة في وقت مبكر من التاريخ الإسلامي، لا سيما لو حذفنا قَرنًا أو أكثر كانت فيه الفتوحات قد عطّلَت عودة السفن العربية إلى نشاطها البحري مع جنوب شرق آسيا.

يذكر صاحب كتاب “الدعوة إلى الإسلام” قصة الزواج الذي بين ابنة ملك “التشامبا” و “ماجافاهيت” ملك جاوة (جاوا) وكان ثمرة هذا الزواج هو داعية عظيم الشأن يدعى “رادِن رحمة” الذي اعتنى به أبوه العربي ولما بلغ العشرين من عمره؛ بعثه أبوه ومعه رسائل وهدايا إلى عمه ملك جاوة “ماجافاهيت”، ولما وصل إلى جريسك في إندونيسيا رحّبَ به أحد دعاة العرب وهو الشيخ مولانا جمادي الكبرى، بوصفه- أي رادِن- رحمة رسول الإسلام المنتظر إلى الجاوة الشرقية، وتنبأ بأن يكون زوال الوثنية على يديه، وأن أعماله ستكلل بدخول كثير من الناس في هذا الدين. وقد قوبل رادِن رحمة عند “ماجافاهيت” بترحاب عظيم. وقد تحققت النبوءة وتحوّل أكثر سكان إندونيسيا إلى الإسلام.

بحسب “نغيم تهام” المحاضر في جامعة “فانكهوا” وجامعة “فان هان” البوذية؛ وكلاهما في سايغون؛ في مقدمة كتابه “تاريخ شعب الإسلام” فإن معظم التشامبيين اعتنقوا الإسلام من ألف عام إلى الآن، أي منذ أكثر من ألف عام من يومنا هذا، ولو علمنا أن ملك التشامبا “بوعولواه” الذي حكم في نهاية القرن الرابع الهجري والربع الأول من القرن الخامس الهجري قد أدّى فريضة الحج في مكة المكرمة، فإنه يتضح لنا دقة كلام الباحث والأكاديمي “نغيم تهام”.

أما المؤرخان الفرنسيان “جورج ماسبيرو” في كتابه “مملكة التشامبا” و”إ. أيمونير” في كتابه “شعب التشام وديانته”؛ فقد اتفقا على أن شعب التشام منذ القرون الميلادية الأولى كان ذا صبغة هندية، ثم ارتبط بالعلاقات مع الدول الإسلامية عن طريق المبادلات التجارية وبخاصة مع العراق (البصرة) وعُمان وإيران (سيراف). وكان لوجود الجالية الإسلامية في تشامبا لا سيما “الرهدار أحمد أبو كامل” و”النقيب عمر” الإسهامة الكبرى في نشر الإسلام ومساعدة ذلك الشعب على اعتناق الدين الإسلامي، وذلك في القرن الحادي عشر الميلادي (القرن الخامس الهجري).

لا يبتعد كثيرًا توماس آرنولد في كتابه “الدعوة إلى الإسلام” عن المؤرخَيْن الفرنسيَّيْن فيما ذهب إليه؛ إذ يقول: “إن تاريخ انتشار الإسلام في الهند الصينية يحوطه الغموض والإبهام، ولا يبعد أن يكون تجار العرب والفرس قد أدخلوا دينهم إلى المدن الساحلية منذ القرن العاشر الميلادي، ولكن يعزى أهم توسع لهذا الدين إلى هجرات أهل الملايو التي بدأت في نهاية القرن الرابع عشر الميلادي. وكانت مملكة تشامبا قد عملت على نشر الإسلام بين رعاياها حتى عمّ، وبلغ أقصى اتساع لهذه المملكة من بداية خليج (طونكين) عند مدينة “دونغ هوي” الحالية، أي الجزء الجنوبي مما عرف بفيتنام الشمالية، وأما حدودها الجنوبية فقد وصلت إلى إقليم “كوشانشين” أي شمال مدينة “سايغون” بحدود 75 كيلو مترًا تقريبًا. وأخيرًا، لا بدّ من ذكر قرية “باقوم” في جنوب فيتنام ذات الغالبية المسلمة.