نصف السكان فقراء.. الأفغان يفرون من البلاد هربًا من الجوع والبطالة
منذ سيطرة حركة طالبان على الحكم قبل نحو أربعة أشهر، ولا يزال المواطنون الأفغان يتابعون عمليات الفرار من العديد من المحافظات إلى دول مجاورة، هربًا من البطالة والجوع.
ورغم محاولات الحركة لوقف هذا الفرار فأن الكثير من المواطنين في العديد من المحافظات يفرون بعائلاتهم، إلى إيران وباكستان كلاجئيين، الأمر الذي يثير قلق حركة طالبان التي دعت ولاة الأقاليم لتوعية المواطنين بمخاطر الهجرة خارج البلاد.
وتعتبر حالة اللجوء الأفغانية أحد أطول أوضاع اللاجئين أمدًا في العالم، إذ يعد الوضع الأمني في بلادهم مصدر القلق الرئيسي لغالبية اللاجئين ويمنع عودتهم الطوعية.
ورغم المخاوف والقلق الأممي من زيادة معدلات الإتجار بالبشر والعبودية بين صفوف المهاجرين واللاجئين، يعلم الأفغان جيدًا أن البقاء داخل بلادهم لن يحميهم من مخاطر الجوع والبطالة والاتجار بالبشر من قبل عصابات في أفغانستان.
لا يكاد يمر يوم من دون قصة محزنة تجسد البؤس والفقر في أفغانستان، وآخرها بيع سيدة لطفلها من أجل الحصول على المال الذي يساعدها على إطعام وإعاشة شقيقه التوأم.
إذ باعت الأم الأفغانية البالغة من العمر 40 عامًا، من ولاية جوزجان شمالي البلاد، الطفل لزوجين ليس لديهما أولاد، مقابل مبلغ يعادل 104 دولارات، قالت إنها ستستخدمه في شراء طعام يكفي عائلتها لمدة 6 أشهر.
وساءت أحوال العائلة الأفغانية بعدما أجبرت على ترك مزرعتها في وقت سابق من هذا العام بسبب الجفاف، الأمر الذي اضطر الزوج والابن الأكبر للعمل في وظائف عدة، قبل سيطرة “طالبان” على البلاد في أغسطس الماضي.
اقتصاد أفغانستان
يبدو مستقبل أفغانستان قاتما في ظل اقتصاد مريض زاد من وهنه الجفاف وكورونا، ونقص المساعدات الخارجية وسيطرة طالبان على زمام الأمور، تدهور وضع الأفغان خاصة مع ارتفاع معدلات الفقر.
وفي الوقت الذي تسعى فيه طالبان إلى الحصول على اعتراف دولي بعد استيلائها على السلطة في منتصف أغسطس/آب، لا يزال الفقراء في هذا البلد الذي مزقته الحروب.
وشكك محللون اقتصاديون في قدرة حركة طالبان على إدارة اقتصاد أفغانستان، مؤكدين أن التاريخ لم يشهد من قبل قيام جماعة مسلحة بإدارة ملف اقتصاد دولة بالكامل.
وأوضحوا أن فكر الجماعات القائم على السرية وعدم الوضوح وغياب الشفافية يزيد الأزمات المتوقع أن يواجهها الاقتصاد الأفغاني بعد سيطرة الحركة على الحكم.
ويرى المحللون أن التاريخ لم يشهد واقعة نجاح جماعة مسلحة أو متطرفة في إدارة منظومة اقتصادية بالكامل، مؤكداً أن مصيرها سيكون الفشل، خصوصًا أن دول العالم تتخذ مواقف أكثر حذراً مع كل الجماعات المتطرفة والمسلحة.
وأوضح أن أفغانستان بالفعل تعاني أزمات بسبب الحروب الطويلة التي عاشتها، وبالتالي فإن اقتصادها بحاجة إلى برامج إصلاحية وهيكلة لكافة القطاعات، ومع وجود حكومة تشكلها حركة طالبان، وفي الغالب سيكون كل أعضائها من التنظيم، فإن الأوضاع لا تبشر بأي خير وستكون النتيجة انهياراً اقتصاديًا قريبًا.
نصف سكان أفغانستان “فقراء”
وكان برنامج الغذاء العالمي قد ذكر أن أكثر من نصف سكان أفغانستان باتوا يعيشون تحت خط الفقر مع ارتفاع معدلات انعدام الأمن الغذائي جراء الصراع وتدهور الوضع الأمني الذي يهدد البلاد بأكملها.
وقال البرنامج إن ما يقدر بنحو 22.8 مليون شخص من تعداد سكان أفغانستان البالغ 35 مليون نسمة يعانون من انعدام حاد في الأمن الغذائي بما في ذلك مئات آلاف النازحين بسبب الصراع منذ بداية العام.
وكانت الأزمة الاقتصادية والأمنية التي أعقبت انهيار الحكومة الافغانية بالتزامن مع الانسحاب الأمريكي، قد دفعت الكثير من الأفغان إلى حافة الهاوية فقد تزايدت محاولات الانتحار وانتشرت الأمراض النفسية والعقلية فيما باتت معالم الفقر والبؤس والعوز جلية في شوارع العاصمة الأفغانية كابول.
ثروات مدفونة بمليارات الدولارات
وعلى الرغم من الموارد المدفونة التي تمتلكها أفغانستان، لكن ظروف الحرب تسببت في بقاء هذه الثروات الضخمة مدفونة تحت التراب، ومما يؤكد ذلك تقرير نشرته صحيفة “نيويورك تايمز” قبل أكثر من 10 سنوات، قالت فيه إن فريقاً صغيراً من مسؤولي “البنتاغون” وعلماء الجيولوجيا الأميركيين اكتشفوا ما يقرب من تريليون دولار من الرواسب المعدنية غير المستغلة في أفغانستان، وهو ما يتجاوز بكثير أي احتياطات معروفة سابقاً وتكفي لتغيير الاقتصاد الأفغاني بشكل أساس، وربما الحرب الأفغانية نفسها.
وأشارت إلى أن الرواسب غير المعروفة سابقاً، بما في ذلك الأوردة الضخمة من الحديد والنحاس والكوبالت والذهب، والمعادن الصناعية المهمة مثل الليثيوم، ضخمة للغاية. وذكرت أن هذه المعادن الضرورية للصناعة الحديثة يمكنها تحويل أفغانستان في النهاية إلى أحد أهم مراكز التعدين في العالم.
وقالت إن أفغانستان يمكن أن تصبح مركزاً عالمياً لخام الليثيوم، وهي مادة خام رئيسة تستخدم في تصنيع بطاريات أجهزة الكمبيوتر المحمولة والهواتف وبطاريات السيارات الكهربائية، فيما تشير التقارير الرسمية إلى أن أفغانستان تحوي موارد جوفية غنية مثل الأحجار الكريمة واليورانيوم والمعادن الشائعة والمعادن الأرضية النادرة والنفيسة مثل الذهب والفضة، كما أنها تمتلك احتياطات قيمة محتملة من الغاز والنفط والفحم، ولم يتم استكشافها حتى الآن.
وأظهرت هيئة المسح الجيولوجي الأميركية أن البلاد قد تمتلك 60 مليون طن من النحاس بقيمة تقدر بأكثر من 535 مليار دولار بالأسعار الحالية، و2.2 مليار طن من خام الحديد بقيمة تقدر بأكثر من 350 مليار دولار بالأسعار الحالية أيضاً، إضافة إلى 2700 كيلوغرام من الذهب بقيمة تقدر بنحو 155 مليون دولار.
ووفق بنك التنمية الآسيوي يعيش نحو 47.3 في المئة من السكان الأفغان تحت خط الفقر، وهناك 34.3 في المئة من العاملين يقل دخلهم عن 1.90 دولار يومياً. وخلال العام الماضي انكمش الناتج المحلي الإجمالي بمقدار خمسة في المئة، بالتزامن مع انخفاض نصيب الفرد من هذا الناتج بمقدار 7.2 في المئة، ودفعت هذه البيانات بنك التنمية إلى التحذير من خطورة الموقف، واصفاً أفغانستان بواحدة من أفقر بلدان العالم.
تراجع المساعدات الخارجية
وقبل استيلاء طالبان على السلطة، كانت المساعدات والمنح الخارجية تشكل 75 بالمائة من حجم الإنفاق العام.
لكن مع سيطرة الحركة على زمام الأمور، تجمدت المساعدات الخارجية فيما تكافح حكومة طالبان لدفع الرواتب المستحقة لموظفي الدولة وسط ارتفاع أسعار المواد الغذائية وأزمة سيولة تعصف بالمصارف الأفغانية.
وقد دفع هذا الوضع الكثير من الأفغان إلى البدء في بيع ممتلكاتهم لشراء الطعام، إلا أن جول أحمد ليس لديه ما يبيعه سوى بناته الأخريات بعد بيع طفلته الكبرى نجيبة ما لم يحصل مثله مثل باقي سكان أفغانستان على مساعدات خارجية تعينهم على تحمل وطأة هذه الأزمة.