دنيا عبد القادر تكتب: بين التعامل مع إيران أو التحالف مع إسرائيل
بين التعامل مع إيران أو التحالف مع إسرائيل… تداعيات مفاوضات فيينا على دول الخليج
دنيا عبدالقادر
لن تُحدث مفاوضات فيينا سواء في جولاتها الماضية أو الآتية أي تغيرات يُمكن أن تضطر إيران على آثرها إلى التراجع عن برنامجها النووي. فلقد اكتسبت إيران خبرة كافية وإرداة قوية يدفعانها إلى المضي قدمًا ورفض الرجوع إلى الوراء، حتى بعد الاغتيال الإسرائيلي للعقل المُدبر للبرنامج النووي “محسن فخري زاده” استمرت إيران في زيادة تخصيب اليورانيوم واستكمال مشروعها النووي.
تدرك إيران أنها قد فات الكثير وما بقي سوى القليل، إذ حاولت إسرائيل والولايات المتحدة بشتى الطرق إجبارها على السير في مسلك آخر غير الطريق النووي، سواء من خلال عمليات الاغتيال أو تفجير عدد من منشآتها النووية مرورًا بهجمات سيبرانية لمواقع إلكترونية إيرانية، وفرض عقوبات اقتصادية وإدراج كيانات إيرانية على قوائم الإرهاب. لكن إيران قاومت كل تلك المحاولات.
ربما يرجع السبب في ذلك، معرفة إيران الكاملة بأن ما ستجنيه في حالة إتمام امتلاكها للسلاح النووي-القوة التي ستساعدها في توسيع هيمنتها على المنطقة- يفوق بكثير ما يُمكن أن تقدمه لها الدول الأوروبية والولايات المتحدة مجتمعة، لذا قبلت طهران المخاطرة. فكلما زاد الربح زادت نسبة المخاطرة. كما أن إيران لا تثقبالولايات المتحدة، فعلى الرغم من وعود الرئيس الأمريكي “جو بايدن” لها برفع العقوبات في حال تراجعت عن أنشطتها النووية، إلا أن هناك تخوفات إيرانية من مجئ إدارة جمهورية تنسحب من الاتفاق النووي، وتعيد العقوبات على إيران. الأمر الذي سيجعلها تعود إلى نقطة الصفر.
في حال خروج الولايات المتحدة من مفاوضات فيينا بخف حنين، فسيؤدي ذلك إلى فقدان الدول الخليجية –على وجه التحديد- الثقة فيها. لقد أرادت دول الخليج، منذ بدء المفاوضات، إشراكها فيها، فهي المتضرر الأكبر من امتلاك إيران للسلاح النووي، لكنها لم تستطع، ربما لرفض إيران مشاركتها أو عدم رغبة دول مجموعة 5+1 أيضًا في ذلك، فعلى الرغم من إبداء الرئيس الفرنسي “إيمانويل ماكرون”، خلال جولته الأخيرة إلى السعودية، رغبته في مشاركة دول الخليجللمفاوضات، إلا أنها رغبة صورية هدف من وراءها كسب الميل الخليجي نحوه لإبرام صفقات أسلحة تُدر المليارات في خزينة باريس.
لم تعد الدول الخليجية وبخاصة السعودية –الدولة الأكبر والأهم في دول الخليج- تثق في الولايات المتحدة وربما بدأ ذلك مع قدوم الرئيس الأمريكي السابق “دونالد ترامب” وتهديده للسعودية بدفع المزيد من أجل الحماية والدعم الأمريكي، وترسخت عدم الثقة مع الانسحاب الأمريكي من أفغانستان، في أغسطس 2021، فضلًا عن سحب 8 بطاريات “باتريوت” من دول عربية من بينها السعودية والكويت، بجانب رفض “بايدن” للقاء ولي العهد السعودي “محمد بن سلمان”.
تفرض تلك المؤشرات على الدول الخليجية ولا سيما السعودية، ضرورة الاستقلال تدريجيًا عن الولايات المتحدة، فلم تعد المنطقة في أولويات أجندة واشنطن الخارجية، كما كان في الماضي، إذ احتلت مواجهة الصين وروسيا –وخصوصًا الصين- على رأس قائمة الأولويات.
في ضوء ما سبق وفي حال فشل مفاوضات فيينا، سيكون أمام دول الخليج اللجوء إلى أحد هذين السيناريوهين، وهما:
السيناريو الأول “التعامل مع إيران”:
يتطلب هذا السيناريو استمرار دول الخليج في زيادة مخزونها من الأسلحة، بمختلف أنواعها، بجانب التعامل مع إيران باستخدام أداة الدبلوماسية –باعتبارها أفضل أداة لهذه المرحلة- على أن تُبنى على المصلحة والمنفعة المتبادلة، ويُتوقع اللجوء إلى هذا السيناريو، إذ تحتاج إيران، في ظل فرض العقوبات الأمريكية وانتشار “كوفيد-19″، إلى المساعدة الخارجية لتعافي اقتصادها والخروج من تلك الأزمة. بينما تحتاج دول الخليج إلى تجنب هجمات الحوثيين وحزب الله، وتعزيز أمن مياه الخليج.
تحتاج دول الخليج إلى التعامل مع إيران ولكن بشكل وسطي، أي دون الانفتاح عليها بشكل مبالغ فيه أو الانعزال عنها بشكل كلي، صحيح أن هناك دولًا خليجية على علاقة جيدة بإيران مثل سلطنة عُمان وقطر والإمارات والكويت-التي تتجه إلى توسيع العلاقات مع طهران-إلا أن السعودية والبحرين ما زالا مُترددتين في التعامل مع إيران.
عقدت السعودية مع إيران، في أبريل 2021، مباحثات سرية برعاية عراقية، لكن المباحثات تسير ببطء، كما أن الطرفين ما زالا بحاجة لإيجاد أرض مشتركة بينهما، وربما جاءت جولة “ابن سلمان” الخليجية، التي بدأت يوم 6 ديسمبر 2021، للتشاور بشأن كيفية التعامل مع إيران.أما فيما يتعلق بالبحرين فلا توجد مبشرات تُوحي بإمكانية التطبيع مع إيران، إذ تمر المنامة بعلاقات سيئة مع طهران، منذ سنوات، لاتهامها المستمر لطهران بالتدخل في شؤونها واعتبار طهران مصدر لتهريب المخدرات إليها فضلًا عن العلاقة المتدهورة بين المنامة والشيعة البحرينيين، الذين يُمثلون أغلبية الشعب البحريني وتتهمهم بأنهم عملاء لإيران.
من الممكن، في حالة تطبيع السعودية –الحليف الأول والأهم للبحرين- مع إيران، أن تسير المنامة على نفس النهج وتفتح الباب للحوار مع طهران.
أما فيما يتعلق بالإمارات، تقوم السياسة الخارجية الإماراتية على البراجماتية، وما دامت حرب الاقتصاد هي الحرب الوحيدة التي لا تخسر أبدًا، فهناك تعامل اقتصادي كبير بين إيران والإمارات، منذ سنوات، إذ تُعد الإمارات ثاني أكبر شريك تجاري لإيران، بعد الصين، وبلغ قيمة التبادل التجاري بينهمالعام 2021، 15 مليار دولار، وهناك أيضًا أكثر من ثمانية ألف رجل أعمال إيراني في الإمارات وحوالي ستة آلاف شركة مسجلة.
ترى الإمارات أن إيران لا تشكل عليها خطرًا من الناحية الاقتصادية إذ ساعد التعاون الاقتنصادي بينهما ف توسط طهران لدى صنعاء بعدم توجيه ضربات نحو الإمارات، وعوضًا عن ذلك تتخوف أبوظبي اقتصاديًا من السعودية–العدو الأكبر لإيران. أما على المستوى السياسي، فلعل آخر أبرز تعامل إماراتي-إيراني، هو زيارة مستشار الأمن القومي الإماراتي “طحنون بن زايد” إلى إيران، في 6 ديسمبر 2021.
السيناريو الثاني “التحالف مع إسرائيل ضد إيران”:
في ظل اتفاقات التطبيع الخليجية مع إسرائيل سواء العلنية أو السرية، قد تلجأ دول الخليج إلى التحالف مع إسرائيل للتصدي للمنشآت النووية الإيرانية، وخاصة وأن إسرائيل كانت قد أبرمت مع البحرين اتفاقية “مكافحة إيران في حرب الأفكار”، واختارت إسرائيل البحرين بالتحديد، لرغبة تل أبيب في التجسس على إيران من خلال منطقة الخليج؛ نتيجة للتقارب الجغرافي الخليجي مع إيران.
لكن هذا السيناريو لن ينجح، فعلى الرغم من اختلاف إيران وإسرائيل من الناحية الأيدلوجية وإعلانهما العداء لبعضها البعض إلا أنهما –منذ إعلان قيام إسرائيل 1948- وهما حليفان؛ ففي عهد شاه إيران كانا حليفان بشكل مُعلن كما أن إيران وتركيا كانا من أوائل الدول غير العربية اعترافًا بإسرائيل، وحتى بعد قيام الثورة الإسلامية ورفع طهران شعار “الموت لإسرائيل” ظلا حليفان ولكن سريًا ولعل أبرز شاهدًا على ذلك اتفاق “إيران-كونترا” إبان الحرب الإيرانية-العراقية، ولكن يُمكن وصف إسرائيل وإيران بحلفاء مصالح.
تتبع إسرائيل وإيران السياسة البراجماتية وتستغل إيران القضية الفلسطينية بشكل خاص للتقرب من الدول العربية وليس لاهتمامها بالقضية في حد ذاته–مثلما تُعلن، فهي تُريد عرض نفسها كحليف قوي وحامي حمى الأراضي العربية، إسرائيل وإيران مصالحهما المشتركة السرية أكبر بكثير من عداوتهما المُعلنة –فإيران وتركيا وإسرائيل- هم دول أقلية وسط أغلبية عربية الأمر الذي يعني لجوءهم وتحالفهم مع بعضهم البعض أهم بالنسبة لهم بكثير من تحالفهم مع العرب. فحروب المنطقة العربية الحالية -سواء في العراق أو لبنان أو سوريا أو حتى اليمن- لم تضر إيران وإسرائيل مثلما دمرت الدول العربية –الخاسر الوحيد.
إن كانت إيران حقًا تريد مواجهة إسرائيل، وإن كان شعار “الموت لإسرائيل”، شعارًا حقيقيًا، أليس كان أحق للجماعات الإيرانية المُمولة كجماعة الحوثيين وحزب الله، أن توجه ضرباتها لإسرائيل بدلًا من السعودية؟ وإن كانت إسرائيل تريد الانتقام من إيران، ألم يكن من الأفضل لها توجيه ضربات في إيران نفسها وليس سوريا ولبنان. لعل الضربات الإسرائيلية الوحيدة التي تقوم بها إسرائيل ضد إيران، هي الضربات التي توجهها تجاه المنشآت النووية، وهذا يدل على أن الخلاف الوحيد بين إيران وإسرائيل نتيجة لسعي إيران لامتلاك سلاح نوويليس أكثر.
يتضح من ذلك أن التحالف الأعمى سواء مع إسرائيل أو إيران، لن يُدر سوى بالخراب على الدول الخليجية، لذا فالأفضل هو إجراء تفاهمات ومباحثات دبلوماسية مع إيران ولكن بشكل وسطي وبراجماتي.