تشكيل الحكومة المُقبلة.. خطوة هل ينجح العراق في تنفيذها؟
شهد العراق حالة من عدم الاستقرار وخصوصًا بعد إجراء الانتخابات البرلمانية في أكتوبر الماضي فقد بلغت نسبة المشاركة فيها 44 % إثر مشاركة أكثر من 9.5 ملايين ناخب أدلوا بأصواتهم من أصل نحو 22 مليون عراقي يحق لهم التصويت.
وانتهت الانتخابات بفوز التيار الصدري بأكثر من 70 مقعدًا من أصل 329 مقعدًا نظرًا لتمتعه بشعبية في الداخل العراقي، وهو ما أثار اعتراض القوى الشيعية الأخرى المعترضة على نتائج الانتخابات وعلى رأسها تكتل الإطار التنسيقي الشيعي الذي يضم تحالف الفتح برئاسة هادي العامري، وعصائب أهل الحق برئاسة قيس الخزعلي وتيار الحكمة برئاسة عمار الحكيم وتيار النصر برئاسة حيدر العبادي، ودولة القانون برئاسة نوري المالكي وتيارات أخرى.
أثارت تلك النتائج حالة التوتر حيث قامت الميليشيات المعترضة على نتائج الانتخابات بمحاولة لاغتيال مصطفى الكاظمي رئيس وزراء العراق، علاوةً على ذلك خلافات تشكيل الحكومة العراقية الجديدة وذلك ما بين فريق طامح إلى تشكيل حكومة غالبية سياسية وهو التيار الصدري وفريق آخر يرغب في تشكيل حكومة توافقية وهو الإطار التنسيقي الشيعي، وفيما يلي توضح الدراسة عدة جوانب كالتالي:
أولًا: الأسباب الكامنة وراء موقف كل فريق
- التيار الصدري بزعيمه مقتدى الصدر والذي يؤيد تشكيل حكومة أغلبية سياسية لعدة أسباب وهى:
- كون حكومة الأغلبية مرتبطة ببرنامجه الانتخابي والذي أشار إلى أهمية تشكيل حكومة أغلبية سياسية ولذلك فهو يسعى إلى تصديق وعوده الانتخابية.
- هدف إبعاد خصومه والذي يراهم أنهم موالون لإيران ويعملون على تنفيذ أجندات خارجية تدمر استقرار العراق عن المناصب الحكومية والتنفيذية ويكون هو المستحوذ الأكبر ومن ثم يملك القرار.
- يرى أن حكومة الغالبية تحقق مصالح العراق واستقراره وتعمل على تطبيق العديد من الإصلاحات كافة وهو ما عبّر عنه عبر توتير قائلًا “أرى أن أول ما ينبغي فعله مستقبلاً للوطن هو حكومة أغلبية وطنية” ، وأن الجهة الأخرى ” المعارضة” سيكون توافقهم استشارة ملزمة من دون تهميش، على أن يكون ذلك ضمن أسس الديمقراطية.
- الإطار التنسيقي الشيعي والذي ربما يعود هدفه لتشكيل حكومة توافقية إلى حد كبير إلى بناء توازنات سياسية على الساحة العراقية والتي من وجهة نظره يرى أنها تدعم استقرار العراق .
ثانيًا: تصريحاتٌ متصاعدة
في إطار الأزمة المنبثقة عن نتائج الانتخابات ومحاولات التهدئة التي تهدف إلى الوصول إلى حل يضمن استقرار العراق تبادل الجانبان تصريحاتٍ تزيد الوضع احتقانًا حيث تتضح فيما يلي:
-
التيار الصدري
لقد أطلق مقتدى الصدر تحذيراتِه من عدم تشكيل حكومة أغلبية مستندًا إلى أن القوى المعترضة عليها والتي يرى أن معظمها تمتلك ميليشيات مسلحة مقرّبة من طهران لتضع عوائق أمام تشكيل الحكومة الأغلبية والاعتراض على الانتخابات حيث صرّح قائلًا “لا أتلقى أوامر من خلف الحدود”، مضيفًا: “لن أشترك في حكومة ائتلاف أو حكومة توافقية، الذهاب للمعارضة أفضل لنا”.
وفي تصريح آخر عبر حسابه على “توتير” ذكر أنَّ هناك أخبارًا مؤكّدة بتدخلات إقليمية بالشأن العراقي الانتخابي، على حد وصفه، مسردًا: «تصلنا أخبار مؤكّدة بتدخلات إقليمية بالشأن العراقي الانتخابي والضغط على الكتل والجهات السياسية من أجل مصالح خارجية فيها ضرر كبير على العراق وشعبه».
وفي تصريح على جانب آخر بخصوص رفض القوى المتراجهة في الانتخابات قال: «جر البلد إلى الفوضى وزعزعة السلم الأهلي بسبب عدم قناعتهم بنتائجهم الانتخابية لهو أمر معيب يزيد من تعقيد المشهد السياسي والوضع الأمني، بل يعطي تصوراً سلبياً عنهم، وهذا ما لا ينبغي تزايده وتكراره»، مؤكدًا: «من هنا فإنه لا ينبغي الضغط على مفوضية الانتخابات المستقلة، أو بعمل القضاء والمحكمة الاتحادية أو التدخل بعملها، بل لا بد من خلق أجواء هادئة لتتم المفوضية إجراءاتها بما يخص الطعون أو ما شاكل ذلك».
وعلى صعيد تصريح آخر وجّه مقتدى الصدر رسالةً إلى القوى المتراجعةِ في الانتخابات مسردًا “لا ينبغى أن تكون خسارتهم في الانتخابات مقدمةً لإنهاء وخراب العملية الديمقراطية، وأن يراجعوا أنفسهم لإعادة ثقة الشعب بهم، وأن ما يقوموا به حاليًا يذيع تاريخهم ويزيد من نفور الشعب منهم”، كما أنهم إذا رغبوا في المشاركة في تشكيل الحكومة عليهم الالتزام بعدة شروط إذا قبلوها يصبحوا شركاء في مشروع بناء العراق و مُفاداها:
- أ- قطع العلاقات الخارجية وهنا يقصد إيران واستثنى في ذلك ما يتم من خلال الجهات الدبلوماسية والرسمية للدولة العراقية.
- تسليم سلاح الفصائل المسلحة والتي تهدد أمن العراق وحل الحشد المجاهد التي تدفع بالعراق إلى الصرعات السياسية والدموية، موضحًا “عصر المليشيات انتهى.. وشرط الدخول في الحكومة المقبلة حل الفصائل المسلحة”.
- تسليم الأفراد التي عليها شُبهات للقضاء لتطبيق القانون عليهم وترسيخ الحقائق أمام الشعب العراقي.
- الإطار التنسيقي الشيعي.
في تصريح موازٍ أعلن الإطار التنسيقي الشيعي أنه يرى أن فكرة تشيكل حكومة الأغلبية التي طرحها التيار الصدري ربما يكون غير مناسبًا لكونه جديدًا على المشهد السياسي العراقي وبالتالي لا بد أن يراعي التشكيل الحالةَ التي ألفها العراق لسنوات حتى لا تضطرب الأمور أكثر.
ودعا نوري المالكي رئيس ائتلاف “دولة القانون” أحد الائتلافات المشاركة في الإطار التنسيقي التيار الصدري للعودة إلى “الإطار التنسيقي”، وفي مقابلة تليفزيونية في 28 أكتوبر الماضي ذكر أن الإطار التنسيقي هو الأقدر على تشكيل الكتلة الأكبر في البرلمان.
كما أن كاطع الركابي عضو ائتلاف “دولة القانون”، قال إنه “من غير الممكن أن يتم اختيار رئيس وزراء لتشكيل الحكومة الجديدة من دون اتفاق الإطار التنسيقي والكتلة الصدرية”، وأن الواقع الحالي “يفرض أن تكون هناك حكومة توافقية”.
ثالثًا: محاولات لاحتواء الاحتقان السياسي
وُجدت العديدُ من المحاولات التي تسعى إلى تهدئة المشهد السياسي الساخن في العراق وهى كما يلي:
- اجتماع بين الكتلة الصدرية والإطار التنسيقي الشيعي
يهدف هذا الاجتماع إلى الوصول إلى حل بالنسبة إلى تشكيلِ الحكومة المُقبلة وقد جمع بين زعيم الكتلة الصدرية مقتدى الصدر وقيادات الإطار التنسيقي وذلك في منزل رئيس تحالف الفتح هادي العامري، ولكن أثناء الاجتماع تمسك “الصدر” بموقفه بتشكيل حكومة أغلبية في حين أن الإطار التنسيقي أكد استمرار الحوار للوصول إلى الوضع الذي يضمن للعراق استقراره.
-
مبادرة الاتفاق الوطني
تقدّم عمار الحكيم زعيم تيار “الحكمة” بمبادرة على جميع المستويات السياسية سواء الفائزة أو المتراجعة؛ لحل الوضع المتأزم الناتج عن الانتخابات عُرفت بـ”ورقة الاتفاق الوطني” المبنيِّ على آليات واضحة، على أن يُصوّت عليها في أول جلسة برلمانية، وصرّح في بيانٍ بخصوص ذلك قائلًا: ” مثل هذا الاتفاق بحاجة إلى وعي وتضحية من جميع الأطراف، دون الإضرار بحقوق الفائزين ولا القفز على مطالب المعترضين، للمضي قدماً والخروج من عنق الزجاجة، متجاوزين الشد والتوتر والاختناق السياسي الحاصل».
وفي السياق ذاته داعيًا إلى: «الالتزام بالحوار الوطني المستقل، بعيداً عن التدخلات الخارجية بكافة أنواعها وأطرافها، فضلاً عن ضرورة معالجة جميع المقدمات والمخرجات الانتخابية في أي اتفاق قادم، مع وضع آليات واضحة لحل الخلافات أثناء وبعد تشكيل الحكومة».
وتضمنت هذه المبادرة إلغاء قانون الانتخابات الحالي وحل مفوضية الانتخابات، وإجراء انتخابات نيابية مبكرة، تقسيم الأدوار بين الحكومة والبرلمان القادم من حيث تمكين الفائزين في الحكومة، وأيضًا المعارضين والممتنعين في البرلمان؛ لإيجاد حالة من التوازن السياسي.
قد حملت هذه المبادرة في طياتها أملًا للكتلة المتراجعة في الانتخابات، كما أنها خلّفت ردود أفعال مختلفة يتم توضيحها كالتالي:
-
التيار الصدري: من المرجح أنه لم يوافق على هذه المُبادرة لكونها تُمكن القوى المتراجعة من الحصول على استحقاقاتها الانتخابية وأيضًا ما عبّر عنه الحكيم أنها تؤكد أقاويل التزوير في الانتخابات التي يلقي بها الإطار التنسيقي التيار الصدري.
-
الإطار التنسيقي الشيعي: رحّب الإطار التنسيقي بالمُبادرة وهو ما يُستدل عليه من خلال إعلان محمد اللكاش القيادي في تيار الحكمة أن: «قوى الإطار التنسيقي رحبت وأيدت ورقة التسوية التي قدمها الحكيم، خصوصاً أنها ورقة مهمة لغرض خروج العملية السياسية من الأزمة التي تعيشها بسبب نتائج الانتخابات البرلمانية المبكرة، التي تم تلاعب بها بشكل واضح وعلني».
-
الجبهة السنية: لم ينتج عنها موقفًا إيجابيًا أو سلبيًا تجاه المبادرة وربما ذلك يعود إلى أن الجميع لا يزال ينتظر ما تؤول إليه الأوضاع وخصوصًا أن الفائز في الانتخابات، هو التيار الصدري الذي يواصل جهوده من أجل تشكيل حكومة الأغلبية الوطنية.
رابعًا: آمال يائسة بإلغاء المحكمة العليا الانتخابات
بعد تأجيلات متتالية صادقت المحكمة الاتحادية العليا في العراق على نتيجة الانتخابات بعد النظر في الطعون التي تقدم بها “الإطارالتنسيقي”، والتي من المنتظر بعدها إعلان الرئيس العراقي برهم صالح، البرلمان المصدّق على نتيجته للانعقاد خلال مدة 15 يومًا بعد المصادقة.
وخلّفت هذه المصادقة اعتراضات كثير من القوى الشيعية الخاسرة في الانتخابات كما كان متوقعًا، ومن المنتظر أيضًا أن يتم تشكيل الحكومة من القوى الفائزة في الانتخابات، وفي هذا السياق صرّحت القوى الموالية لإيران عن تنبؤها صعوبة التفاوض من أجل تشكيل الحكومة الجديدة، وقد اتهمت حركة “كتائب حزب الله” في العراق، الولايات المتحدة والأمم المتحدة بالتدخل في الانتخابات، قائلة في بيان لها: ” ما جرى في الانتخابات التشريعية مؤخرا يعد أكبر عملية تزوير واحتيال في تاريخ الشعب العراقي الحديث، وإن الجهات التي صادرت حقوق الشعب العراقي كانت مدعومة من ائتلاف الشر الصهيو-أميركي السعودي، وذلك لتمرير أجندتهم الشيطانية بإخضاع العراقيين إلى الإرادات الخبيثة”.
مضيفةً : “لقد تعرضت المفوضية إلى أبشع أنواع الاستغلال من هذه الجهات قبل الانتخابات وأثناءها وبعدها، ثم إن القضاء العراقي تعرض للابتزاز والتهديد والضغط من نفس الجهات، وبالأخص من السفير الأمريكي في بغداد ومبعوثة الأمم المتحدة بلاسخارت، وهذا ما أدى إلى رضوخ المحكمة الاتحادية لتلك الجهات المعادية لتطلعات الشعب العراقي بمصادقتها على نتائج الانتخابات، على الرغم من الأدلة والإثباتات والطعون التي قدمتها القوى المعترضة”.
وفي السياق ذاته صدرت بعد التقارير الأجنبية التي ترجح بإنهاء نفوذ إيران بعد مصادقة الانتخابات حيث أن تقرير أمريكي أوضح :” تأكيد نتائج انتخابات العراق بداية لنهاية نفوذ إيران” .
والجدير بالذكر أن المحكمة قد أرجأت النظر في الطعون المقدمة من قيب الكتل الخاسرة في الانتخابات أكثر من مرة قبل مصادقتها النهائية؛ وذلك بسبب إدراكها طبيعة المشهد السياسي المحتقن الذي لا يتحمل مزيدًا من الفُرقة، حيث أنها خشيت إذا كان القرار في طالح التيار الصدري فإنها لا تضمن رد فعل الإطار التنسيقي وعلى وجه التحديد القوى المسحلة فيه، وإذاك كان القرار في صالح الإطار التنسيقي فإنها تخشى موقف التيار الصري الذي يحظى بشعبية، وعلى كل الأحوال فإن قرار تتخذه المحكمة سيكون عليه عواقب صعبة على المشهد السياسي العراقي.
خامسًا اجتماع الرئيس العراقي برهم صالح مع القوى السياسية بشأن الانتخابات
عمل الرئيس العراقي برهم صالح على محاولات تؤدي إلى إعادة ترتيب المشهد العراقي وهوم ما يدل عليه اجتماعه مع القوى السياسية وبالأخص المعترضة على نتائج الانتخابات بهدف تهدئة الأوضاع حيث أكد على ضرورة التفاهم وذلك لتحقيق مصلحة العراق، وتضمن الاجتماع عدة جوانب مهمة ألا وهى:
- ضرورة توحيد الصفوف لضمان الأمن والاستقرار وتعزيز الوحدة الوطنية، والحفاظ على المسار الديمقراطي وتغليب المصالح العليا للعراق، والركون إلى الحوار في مناقشة اختلافات وجهات النظر.
- الاعتراضات على العملية الانتخابية مقبولة ومكفولة في القوانين واللوائح الانتخابية ، مع التأكيد على دور مفوضية الانتخابات لمتابعة الملف والحرص على النظر في كافة الشكاوى والطعون المقدمة على العملية الانتخابية بحيادية.
- تضافر الجهود والعمل المشترك من أجل الانطلاق نحو الاستحقاقات الوطنية وتشكيل مجلس نواب يعبر عن إرادة الشعب وتطلعاته وتشكيل حكومة فاعلة تحمي المصالح العليا للعراق.
ومن جانب آخر اجتماعه مع نواب مستقلين جُدد في الحكومة العراقية والذي أكد أهمية التكاتف من أجل تشكيل حكومة جديدة قادة على تنفيذ العديد من الاستحقاقات التي يرغب فيها الشعب العراقي الذي عانى ولا يزال يعاني من التشرذم جرّاء المحاصصة الطائفية وتغليب المطالب الفئوية.
خلاصة القول من المرجح أن يقوم التيار الصدري بتشكيل الحكومة الجديدة والتي سوف تواجه أزمات خلال الفترة القادمة وذلك في خضم حالة اللا توافق بين القوى السياسية وعلى رأسها الخلاف الدائر بين البيت الشيعي حيث التيار الصدري والإطار التنسيقي الشيعي وتبادل الاتهامات بينهما رُغم محاولات التهدئة إلا أنه ليس هناك أي مؤشرات تُوحي بأن هناك فرصة للتفاوض وذلك في سياق تدخلات خارجية من إيران التي من مصلحتها عدم استقرار العراق.
وتزامنًا مع إعلان المحكمة الاتحادية مصادقة الانتخابات واعتراضات بعض القوى الشيعية عليها من خلال المظاهرات، تبقى منابع الصراعات جارية والتي لم تجفها المحكمة الاتحادية بأي قرار كان، ويظل العراقيون ينتظروا الخلاص من خلال شكل الحكومة العراقية إذا كانت حكومة أغلبية وطنية أم توافقية.