مجلس التحرير: مجموعة صحفيين عرب
الموقع قدم أوراق اعتماده
الى نقابة الصحفيين العراقيين

مخيمات النازحين في العراق ما زالت تنتظر الحل

نشر
الأمصار

تزامنًا مع ذكرى مرور أربع سنوات على إعلان تحرير العراق من تنظيم “داعش” الإرهابي، لا يزال ملف النازحين بدون أي حلول فعلية وجذرية؛ إذ أن عشرات المخيمات في كردستان العراق وغربه، لم ترفع للآن، بينما ملّ قاطنوها العيش بهذه الطريقة.

وكان التنظيم المتطرف اجتاح مساحات واسعة من العراق في 2014، وفتحت السلطات العراقية عقب دحره نهاية عام 2017، مخيمات لإيواء عائلات كانت تسكن مدنا ومناطق خاضعة لسيطرة الجهاديين.

النازحون داخل العراق

وهم العراقيون الذين أُكرهوا على ترك منازلهم وأراضيهم واللجوء إلى مناطق أخرى داخل العراق للحصول على مأوى يحميهم من سطوة الإرهاب والميليشيات تارة ومن الانتهاكات المنسوبة للحكومة الحالية من قصف وتفجير بالسيارات المفخخة واعتقالات وانتهاكات إنسانية. ومن أكثر المناطق التي تعرضت لنزوح أهاليها منها هي الموصل وتكريت وديالى والأنبار وجنوب كركوك وبعض مناطق حزام بغداد حيث نزحوا أغلبهم إلى مناطق كوردستان.

 

نازحون خارج مناطقهم في العراق

وبلغ أعداد النازحين إلى أكثر من مليوني نازح حسب منظمة شؤون اللاجئين التابعة للأمم المتحدة UNCHR، أما موجة النزوح الأخيرة والتي تعتبر الأكبر من نوعها في البلاد هي نزوح أكثر من 114 ألف من الرمادي إلى بغداد و 850,000 ألف من الموصل إلى كردستان وقد عانوا الأمرين في نزوحهما والإجراءات التي اعتبرها البعض غير مقبولة من الحكومة و إقليم كردستان لفرض شرط الكفيل على المواطن الإنباري و الموصلي لدخول بغداد و كردستان


وفي يوليو الماضي، كانت الحكومة العراقية قد نفذت أولى عمليات استرجاع عائلات أفراد تنظيم داعش، عبر استعادة 150 عائلة من مخيم الهول، وإعادة توطينهم في مخيم الجدعة بالقرب من بلدة القيارة جنوب مدينة الموصل بحوالي أربعين كيلومترا.

أفراد هذه العائلات يقدرون بحوالي 700 فرد، يشكلون جزءًا يسيرًا من قرابة 30 ألف شخص من أبناء أفراد التنظيم، المُتحفظ عليهم في مخيم الهول، تحت إدارة قوات سوريا الديمقراطية، حيث تتعاون الحكومة العراقية معهم في هذا الملف.

عدد من التحذيرات السياسية والاجتماعية والأهلية وُجهت للحكومة العراقية، بشأن ما تتبعه من سياسة في هذا الملف، فمستوى الحساسيات الاجتماعية لا تزال عالية جدا، خصوصا مع بقاء مصير أكثر من 3 آلاف مُختطفة أيزيدية، مجهولا، وعدم عقد محاكمات وطنية عراقية واضحة للضالعين والمُسهلين والمستفيدين من المجازر التي نُفذت.

ويثير هذا الأمر المخاوف من زيادة إمكانية وقوع صدام أهلي متقطع بين الجماعات، خصوصا في محافظة نينوى “الموصل” المعروفة بتنوع سكانها.

وقد حذر الباحث في الشؤون الأمنية، سيروان مزوري، من “المغامرة غير المحسوبة” التي تقوم بها الحكومة العراقية المركزية، كما أسماها، مضيفًا وأضاف: “المسألة ليست في الوجه القانوي، فيما إذا كان لهؤلاء الناس أن يعودوا إلى بلدهم أم لا، وهو أمر محسوم ومن واجبات الدولة العراقية، لكن المسألة متعلقة بالإجراءات التي يجب على الحكومة اتخاذها فيما لو أقبلت على مثل هذه الإجراءات، وهي تقريبا لم تفعل شيئا باستثناء نقل هؤلاء الأشخاص”.

وتابع: “المنطقة التي تم اختيارها لإعادة تثبيت المستقدمين هي الأسوأ على الإطلاق، في تقع ضمن المناطق المتنازع عليها، ومن المناطق القلقة التي ما زالت تشهد حضورا لتنظيم داعش، الذي ستزداد شهيته للهجوم على تلك المنطقة لتحرير عائلات عناصر”.

وينوه إلى أن “الأخبار غير السارة جاءت منذ اليوم الأول للاستقدام، إذ أشارت صادر إلى أن 6 عائلات منهم على الأقل قد تسربت أثناء عملية النقل. كذلك لم توضح السلطات العراقية أية إجراءات قانونية ستقوم بها تجاه هؤلاء الناس، فعلى الأقل ثمة الآلاف منهم صمتوا وشاركوا في تلك الجرائم المرتكبة مع ذويهم المسلحين”.

والناشطة والباحثة الاجتماعية، رند الصباغ، التي تجري منذ أشهر أبحاثا عن عائلات مسلحي تنظيم داعش وما يحملونه من أفكار، شرحت لموقع “سكاي نيوز عربية” الموقف المحتدم بين أبناء هذه العائلات والمجتمع.

وتقول: “بالضبط كما يملك ذوو ضحايا تنظيم داعش احتقانا تجاه عائلات المسلحين، فإن هؤلاء الأخيرين يملكون شيئا كثيرا من ذلك تجاه المجتمع. فغير أنهم يكفرون المجتمع ويعتبرونه خارجا عن أصول الدين، فإنهم يحملونه أيضا اللوم في الأوضاع التي لحقت بهم طوال السنوات الماضية”.

وتضيف صباغ المقيمة في مدينة الموصل: “ثمة إحباط كبير من جميع الجهات التي تساهم في تصعيد هذا الاستقطاب. فالحكومة المركزية ليس لديها أية برامج توعوية لإعادة الاندماج، كذلك فإن الأحزاب السياسية العراقية تستخدم خطابا شعبويا غير مسؤول، والتعليم في العراق في أسوء أحواله، وطبعا وسائل الإعلام غير مبالية تماما”.

وما يزيد من الأمر سوء، هو أن المتابعين للملف لا يعرفون الأسلوب الذي سيتصرف فيه القانون العراقي إزاء قيام بعض الأفراد بممارسة أعمال عنف تجاه الأشخاص الذين يحملونهم مسؤولية قتل أفراد من عائلاتهم أو اختطاف بعضهم الآخر.

وحتى أمس لم تقم السلطات العراقية بإصدار أي تشريعات واضحة في هذا الصدد، والقانون العراقي يمنح أحكام تخفيفية تصل لدرجة اعتبار الجريمة “دفاعا عن النفس” في حال كان الفاعل أو المتعاونون معه قد “مسوا كرامته”.

حيث وافق مجلس الوزراء العراقي، على تخصيص نصف مليار دينار لتأمين احتياجات مخيمات النازحين في إقليم كردستان.

ذكرت أمانة مجلس الوزراء في بيان، أن “مجلس الوزراء، وافق على تخصيص وزارة المالية مبلغ (500) مليون دينار إلى وزارة الهجرة والمهجرين، من احتياطي الطوارئ للسنة المالية/ 2021، لتغطية وتأمين احتياجات المخيمات في إقليم كوردستان ومركز الجدعة للتأهيل النفسي والمجتمعي”.

وأشار البيان، إلى أن “ذلك جاء استناداً إلى أحكام المادة (5) من قانون الموازنة العامة الاتحادية للسنة المالية/ 2021، بحسب ما جاء في كتاب وزارة الهجرة والمهجرين المؤرخ في تشرين الثاني 2021”.

كما أضاف البيان أن “المجلس وافق أيضا على تخصيص وزارة المالية، ثلاثمائة مليون دينار إلى وزارة الزراعة مـن احتياطي الطوارئ للسنة المالية/ 2021، لدعم القطاع الزراعي والتقليل من البطالة، استناداً إلى أحكام المادة (5) من قانون الموازنة العامة الاتحادية لجمهورية العراق للسنة المالية/ 2021“.

وبحسب الموافقة، “يتم تخصيص (150) مليون دينار إلى الجمعية المختصة للخريجين والمتفرغين الزراعيين في العاصمة بغداد، ومبلغ مماثل إلى الجمعية المذكورة في محافظة واسط”.

 

نزوح عكسي.. لماذا يعود عراقيون من مناطقهم إلى المخيمات؟

قبل 4 سنوات تقريبا، انتهت الحرب على تنظيم داعش الإرهابي في العراق، وهذا يفترض أن النازحين الذين تركوا ديارهم بسبب القتال أن يعودوا إليها، إلا أن الذي يحدث هو العكس تماما: العراقيون يعودون إلى مخيمات النزوح.

ويعيش قرابة المليون نازح عراقي، داخل مخيمات ومراكز إيواء في محافظات عدة، خاصة الشمالية والغربية منها، وفي إقليم كردستان العراق، وغالبية النازحين هم من محافظات نينوى وصلاح الدين وديالى والأنبار وكركوك.

وما يزيد المشهد قتامة أن الكثير من النازحين ممن عادوا إلى ديارهم الأصلية التي نزحوا منها، بعدما اجتاحها تنظيم داعش الإرهابي عام 2014، سرعان ما يعودون لمخيمات النزوح مرة أخرى، بفعل سوء الخدمات وشحها، وتردي الأوضاع المعاشية والاقتصادية.

 

المخيم أفضل من الموصل

يحكي أحد النازحين، وهو من نازح من الموصل مركز محافظة نينوى شمالي العراق: “كنا بين خيارين أحلاهما مر، فإما العودة لمناطقنا المنكوبة، أو البقاء هنا في المخيمات، ورغم رجوعنا لديارنا ومحاولتنا التأقلم وتحمل شظف العيش ومشقاته، لكننا اضطررنا في النهاية وعلى مضض للعودة مرة أخرى للعيش في المخيمات”.

 

ويتابع: “فلا فرص عمل ولا استقرار، ولا ماء ولا كهرباء ولا خدمات كما يجب، وأمام هذا الواقع الرهيب فقدنا البوصلة، فما قاسيناه وتعرضنا له من فظاعات وأهوال طيلة هذه السنين الماضية، قلب حيواتنا رأسا على عقب، لدرجة أننا مغتربون في وطننا، وحتى عندما عدنا لمناطقنا حيث بيوتنا وأقربائنا وأصدقائنا ومرابع ذكرياتنا، كنا نشعر باغتراب وقلق وعدم استقرار”.

وتعليقا على ظاهرة النزوح العكسي هذه، تؤكد إيفان فائق جابرو وزيرة الهجرة والمهجرين العراقية رئيسة لجنة تنفيذ الخطة الوطنية لإعادة النازحين لمناطقهم الأصلية المحررة في تصريحات صحفية: “رغم عودة العديد من النازحين لديارهم، لكن هناك للأسف نزوح عكسي من العائدين إلى المخيمات، بسبب التحديات الناجمة عن انعدام الخدمات العامة كالكهرباء والماء والدور المهدمة، إلى جانب المشاكل العشائرية، وهذه المخاوف تظل عقبة رئيسية وعائقا أمام عودة النازحين “.

من جانبه، يشكك عضو في لجنة العمل والشؤون الاجتماعية والهجرة والمهجرين في البرلمان العراقي: “جدوى مثل هذه الدعوات الحكومية، التي تفتقر لخطط عملية منظمة، وهي بحاجة لقرارات سياسية واضحة، تتبعها آليات تنفيذ ومتابعة دقيقة، وليس خافيا هنا أن هناك جملة مصالح سياسية واقتصادية لقوى متنفذة إن في بغداد أو أربيل، تدفع نحو ابقاء ملف المخيمات والنازحين معلقا، وعبر المماطلة في تأمين شروط العودة الكريمة والآمنة لهؤلاء النازحين من مناطقهم”.

 

المطلوب توفير المقومات

ويضيف برلماني عراقي “ليس المطلوب العودة وفقط وتحت أي ظرف كان، وتحويلها لشعار ومضمار للمزايدات، لكن المطلوب هو تحسين شروط الحياة والخدمات في المناطق المنكوبة التي فر منها الناس، مثل سنجار وغيرها العديد من مناطق، اكتوت بنار الإرهاب وهجرها سكانها”.

ويتابع: “هناك تفاصيل أمنية وحياتية واقتصادية شتى، تتعلق بتأمين حيوات النازحين العائدين وتعويضهم، وتوفير مساكن لائقة وفرص عمل لهم، خاصة وأن البنى التحتية شبه مدمرة في العديد من مناطقهم الأصلية، وهي بحاجة لترميم بل واعادة بناء من جديد”.

ويضيف “من المعيب على السلطات العراقية أن يفضل الناس العيش تحت خيام، بدلا من العيش في مناطقهم المفتقرة لأدنى الشروط الإنسانية، وباعتراف وزيرة الهجرة التي أقرت بوجود هجرة عكسية من النازحين نحو المخيمات، التي رغم كل سلبياتها وبؤسها، تبقي أفضل قياسا بواقع الخدمات المتردي في مختلف أنحاء العراق، ما يشكل ناقوس خطر ينبغي أن تبادر الحكومة العراقية على ضوئه لمعالجة الأسباب، التي تدعو المواطنين لتفضيل حياة النزوح في مخيمات العراء على الحياة في مدنهم وقراهم”.