التغير المناخي.. تداعيات اقتصادية محتملة على دول الخليج
التغير المناخي أحد التحديات المهمة التي يواجهها العالم في الوقت الراهن، حيث ازدادت التوقعات حول مدى تأثيره على الأمن الغذائي العالمي وتهديد حياة العديد من الأفراد وملايين الأفراد.
وهذا التغير يستوجب على المجتمعات طرح بدائل وحلول للتغلب على تلك التأثيرات، وبالحديث عن هذه القضية نجد أن العالم سيواجه أزمات اقتصادية جرّاء هذا التغير والتي بالطبع سوف تؤثر على مستويات معيشة الأفراد.
وتعد دول الخليج من أكثر الدول تأثرًا في اقتصادها بسبب تغير المناخ وارتفاع ظاهرة الاحتباس الحراري.
وفي هذا السياق يناقش التقرير التداعيات المتوقعة على اقتصاديات دول الخليج كالتالي:
أولًا- خطوات دولية لمواجهة التغير المناخي
اتخذت منظمة الأمم المتحدة العديد من الخطوات التي تستهدف مواجهة هذه المعضلة وذلك عبر العديد من الاتفاقيات وتوقيع الدول عليها والبروتوكولات فضلًا عن عقد المؤتمرات الدولية، ويتضح فيما يلي:
*اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ
وعقدت الأمم المتحدة “قمة الأرض” في عام 1992 وهذه القمة أخرجت “اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن المناخ”.
هذه الاتفاقية تتمتع بعضوية شبه عالمية، وصدقت197 عليها دولة، والهدف النهائي للاتفاقية هو منع التدخل البشري “الخطير” في النظام المناخي.
* بروتوكول كيوتو
وبروتوكول كيوتو نتج عن مفاوضات بدأت العديد من الدول الشروع فيها في عام 1995 وقد تم اعتماده بعدها بعامين ويلزم البروتوكول الدول الأطراف من الدول المتقدمة بخفض الانبعاثات وبدأت فترة الالتزام الأولى للبروتوكول في عام 2008 وانتهت في عام 2012.
وبدأت فترة الالتزام الثانية في 1 يناير 2013 وستنتهي في عام 2020، ويوجد الآن 197 طرفا في الاتفاقية و 192 طرفا في البروتوكول.
*اتفاق باريس
ونتج عن اتفاق باريس للمناخ مفاوضات مؤتمر الأمم المتحدة 21 للتغير المناخي في باريس عام 2015؛ ويأتي لمكافحة تغير المناخ، وتسريع وتكثيف الإجراءات والاستثمارات اللازمة لتحقيق مستقبل مستدام منخفض الكربون.
ويهدف إلى تعزيز الاستجابة العالمية لخطر تغير المناخ عن طريق الحفاظ على إرتفاع درجات الحرارة العالمية هذا القرن أيضا إلى أقل من درجتين مئويتين فوق مستويات ما قبل الثورة الصناعية، ومواصلة الجهود للحد من ارتفاع درجة الحرارة إلى أبعد من ذلك إلى 1.5 درجة مئوية.
*مؤتمر القمة المعني بالمناخ 2019
فيما عقد الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش قمة المناخ في سبتمبر 2019 ؛ لتوحيد دول العالم وقادتها لزيادة العمل على مواجهة هذه الأزمة وركزت القمة على القطاعات الرئيسية كالصناعات الثقيلة والحلول القائمة على الطبيعة وتمويل العمل المناخي.
وفي ختام القمة، قال الأمين العام: “لقد قدمتم دفعة قوية لحشد الزخم وتعزيز التعاون ورفع سقف الطموحات. ولكن يبقى لدينا شوطا كبيرا لنقطعه … نحن بحاجة إلى المزيد من الخطط الملموسة، وطموحات أكبر من البلدان وشراكات أوسع، كما نحتاج إلى الدعم من كافة المؤسسات المالية، العامة والخاصة، وأن نختار الاستثمار في الاقتصاد الأخضر من الآن وصاعدا “.
الأمين العام للأمم المتحدة
*قمة المناخ
عقدت الأمم المتحدة والمملكة المتحدة وفرنسا قمة المناخ في 2020 جمعت هذه القمة حوالي 75 زعيمًا من جميع أنحاء العالم، وفي العام ذاته عُقدت الدورة الـ54 للهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ (IPCC-54) وتقرير التقييم للفريق العامل الأول، وخلالها تم إصدار تقرير التقييم السادس حول الجهود العالمية لمجابهة التغير المناخي.
*حوار بطرسبرج حول التغير المناخي
المملكة المتحدة وألمانيا قامتا بالمشاركة في حوار بطرسبرج في مايو 2021 ، ولقد جمع هذا الحوار ما يقرب من 40 دولة وذلك لمناقشة مفاوضات قبل قمة جلاكسو.
*اتفاقية بازل
اتفاقية بازل تم التصديق عليها في عام 1989 وذلك للحد من النفايات الخطرة التي تؤثر على البيئة، وتعتبر هذه الاتفاقية هى الأكثرلا شمولًا وحديثًا عن أثر النفايات الخطرة على صحة الإنسان والبيئة وتستوجب وقف ذلك التغير.
*قمة جلاكسو
تُعرف القمة بالمؤتمر السادس والعشرين للأطراف في الاتفاقية الإطارية بشأن التغير المناخي في مدينة غلاسكو الاسكتلندية، بمشاركة 200 دولة وذلك بهدف بحث سبل التقليل من الانبعاثات بحلول عام 2030
وفي هذا السياق صرّح رئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون، أمام المؤتمر “السؤال الذي يسأله كل شخص هو ما إذا كنا سنستغل هذه اللحظة أم سندعها تفلت منا”، مشيرًا إلى أهمية الإسراع في البدء في اتخاذ خطوة انقاذ العالم، وتزداد الآمال المعلقة على هذه القمة بسب إخفاق المؤتمرات السابقة في تحقيق أهدافها والدليل على ذلك تظل درجات الحرارة في ارتفاع.
أعلام دول الخليج العربي
ثانيًا – أثر التغير المناخى على اقتصاديات دول الخليج العربي
دول الخليج العربي تقف أمام معضلتين رئيسيتين الأولى متعلقة بالجانب الاقتصادي حيث تزداد من حين إلى آخر توقعات انخفاض الاقبال على النفط الخليجي وبالتالي تتأثر مستويات المعيشة والرفاة في هذه الدول المعروف عنها أنها تتمتع بمستويات دخول عالية، والمعضلة الأخرى متعلقة بعدم آهلية هذه الدول للعيش وتصبح دولا طاردة للسكان بدلًا من كونها جاذبة للسكان.
تستخدم هذه الدول عائدات النفط كاعتماد اقتصادي أساسي، وتحاول بعض الدول منهم إيجاد بعض البدائل حيث على سبيل المثال لا تقوم المملكة العربية السعودية بتعزيز الإنتاج النفطي فحسب بل تعمل على تبني صناعات ناشئة تعتمد على تقنية “الاقتصاد الدائرى للكربون” باعتبارها وسيلة للحفاظ على نقاء الهواء لكنها وسيلة وصفتها منظمة ” غرينبيس” بأنها “التمويه الأخضر”، ولكن في الحين ذاته يصرح الخبراء الاقتصاديون أن “الاقتصاد الدائري للكربون”، القائم على سحب الكربون من الهواء وإعادة استخدامه في منتجات أخرى مثل الوقود والأسمدة، يمكن أن يساعد في تخفيف التلوث بشكل أكبر.
وتدعو الدول الخليجية إلى استخدام تقنيات “احتجاز الكربون”، ولكن في هذا الإطار تنتقد منظمة السلام الأخضر هذا النمط مستندة إلى كونها غير “مؤكدة حتى الآن”، وفي السياق ذاته فإن شركات الطاقة الوطنية مثل أرامكو السعودية وأدنوك في أبوظبي وقطر للطاقة، تعمل على تعزيز الجهود للحد من الانبعاثات وتعزيز الاستثمارات في المنتجات البتروكيماوية.
وبالحديث عن توقعات المنظمات الاقتصادية فإن منظمة أوبك تتوقع أن استخدام الطاقة البديلة من ثم يؤدي إلى انخفاض الطلب على النفط وطرحت مثالا على ذلك أن الاعتماد على الكهرباء بدلًا من مشتقات البترول سيكون هو الآلية الجديدة.
ومن التداعيات التي يخلفها التغير المناخي أيضًا ارتفاع معدل التضخم وبالأخص للسلع الغذائية وذللك ناتج عن التغير في إنتاج المحاصيل الزراعية بسبب التغير في كمية الأمطار، وهو ما أكدته ورقة للبنك المركزي الأوروبي حيث تحذيرها من أنّ عدم اتخاذ أي تدابير احترازية لهذا التغير المناخي قد يؤدي للتضخّم، حيث سترتفع أسعار المواد الغذائية بسبب الظواهر الجويّة ، كنقص الأراضي بسبب التصحر، وارتفاع منسوب مياه البحر.
ثالثُا- البحث عن بدائل
لا تستطيع دول الخليج التخلي كليةً عن الاعتماد على الوقود الأحفوري في إتفقاها ولكنها في مقابل ذلك تحاول البحث عن بدائل لذلك ومن ثم تعمل على تتويع اقتصادها حيث تعمل السعودية والإمارات على تنفيذ جهود حثيثة لجذب الاستثمار في الصناعات الجديدة كمحاولة لاحتواء التحديات وانتهاز الفرص، وفي السياق ذاته أعلنت السعودية عن “المبادرة الخضراء” للحياد الكربوني فيما معناه صفر في المائة من انبعاثات الكربون حتى عام 2060
ومن الممكن أن تعتمد بعض الدول الحليجية الأخرى على مصادر أخرى فالقطاع الصناعي يعد من القطاعات المتوقع لها الريادة والسبق كما أن قطاع السياحة من القطاعات المهمة التي تستطيع الدول الخليجية الاعتماد عليها ومثال على ذلك ترويجها مؤخرًا لبعض الأماكن التي يمكن أن تكون أحد الوجهات السياحية الجاذبة للأفراد من مختلف دول العالم.
ولتحقيق ذلك بدأت دول الخليج تتخذ من السياحة قطاعًا معتمدًا جديدًا مثال المملكة العربية السعودية التي أصبحت تشجع مناطق الترفيه والأنشطة السياحية المتنوعة، وأيضًا الإمارات التي أصبحت واحدة من أهم الوجهات السياحية في العالم، وقطر أيضًا التي لحقت بشقيقاتها حيث تحاول جعل نفسها مركزًا مهمًا للسياحة ومثال على ذلك السياحة الرياضية كالترويج لكأس العالم لعام 2022 وجاهزيتها له ليكون مؤشرًا عاكسًا لجهود دول الخليج في ذلك النطاق والذي سيؤثر بالطبع على ارتفاع الإيرادات بعد زيادة الارتداد إليها من قبل المشجعين، علاوة على ذلك عُمان التي اتفقت مع أشقائها في دول مجلس التعاون الاقتصادي من حيث الاعتماد على الأنشطة السياحية وأيضًا البحرين، والكويت التي بإمكانها أن تصبح مكانًا سياحيًا رائدًا رُغم الأقاويل حول أن صعوبة الطقس ربما يكون عائقًا في تحقيق ذلك.
ولتحقيق التنوع الاقتصادي أيضًا عملت دول مجلس التعاون على إدراج فكرة الشمولية الاقتصادية في رؤيتها الوطنية حيث يزداد الاعتماد على دعم المشروعات الصغيرة والمتوسطة التي تزيد من مستوى الدخل ، حيث أسست وكالات لدعم عملية تطوير الشركات الصغيرة والمتوسّطة وتمويلها وأمثلة على ذلك:
الهيئة العامة للمنشآت الصغيرة والمتوسّطة في المملكة العربية السعودية، وبنك قطر للتنمية، وهيئة تنمية المؤسّسات الصغيرة والمتوسّطة (ريادة) في عمان، علاوة على ذلك أصبحت الإمارات العربية تمتلك
45 منطقة حرّة تسمح بملكية أجنبية، وبدأت البحرين في ذلك الطريق حيث سمحت بملكية أجنبية في قطاعات العقارات والاتّصالات والخدمات الإدارية، فضلًا عن إنشاء مراكزَ للابتكار، مثل منطقة البحرين العالمية للاستثمار، وواحة قطر للعلوم والتكنولوجيا، وواحة الأمير عبد الله بن عبد العزيز للعلوم (PASP) في السعودية.
رابعًا – آليات مواجهة آثار التغير المناخي على الاقتصاد الخليجي
ثمت العديد من الفرص والآليات التي تستطيع دول الخليج اعتمادها وتساعدها في احتواء تأثيرات التغير المناخي على الاقتصاد كالتالي:
*يعد البحث العلمي مفتاح إجابة لأي مشكلة ومن ثم يجب على الدول الخليجية الاعتماد على تعزيز البحوث العلمية الخاصة بالمناخ، وتسهيل تبادل المعلومات لمساعدة واضعي السياسات الاقتصادية.
*إشراك جميع الأفراد في العمل على مواجهة المشكلة وتكون مشاركة عامة لسيت فقط على مستوى الحكومات بل على مستوى الأفراد أيضًا وذلك يكون عن طريق وضع سياسات تستهدف العاملين في القطاع الخاص ورفع الوعي من خلال المناهج التعليمية لطلاب المدارس والجامعات.
*الاعتماد على المدن الحديثة كمدن الجيل الرابع والتي تعتمد على الاستدامة والتدوير التلقائي، وتعزيز ما يُسمى “سوق السندات الخضراء” والتي يعرفها البنك الدول بأنها صكوك لتمويل مشروعات متعلقة بالبيئة والمناخ وتعزز الطاقة النظيفة.
خلاصة القول يواجه العالم تداعيات خطرة من التغير المناخي والتي يكون أثرها هو الأكثر على دول الخليج على وجه التحديد حيث تأثر اقتصادها الريعي النفطي وخفض العائد الناتج من الوقود الأحفوري من جهة وكونها تصبح أماكن غير مأهولة بالسكان وهو ما دفعها لاتخاذ خطوات عاجلة في سبيل ذلك والبحث عن طرق بديلة كالاعتماد على قطاع السياحة والتي بدأت دول الحليج الترويج له مؤخرًا وبالأخص في برامجها التلفزيونية، كما يجب التأكيد أن دول الخليج لديها فرص سهل اغتنامها حيث تعزيز سياسات خضراء تجعلها متأقلمة مع الوضع المناخي العالمي الجديد.