ليبيا.. فرص إجراء الانتخابات الرئاسية في 2022
تشهد ليبيا منذ عام 2011 مرحلة صعبة بعد سقوط نظام معمر القذافي وازداد الأمر سوءً مع بدء التحضير لانعقاد الانتخابات الرئاسية التي كان من المقرر انعقادها في يوم 24 ديسمبر 2021، وذلك وسط تحركات دولية في مقدمتها زيارة وفدين أمريكي وبريطاني لدعم عملية الانتقال الديمقراطي السّلمي للسّلطة، إذ ترى واشنطن أن ليبيا أمام فرصة ذهبية لإنهاء الصراع، ودفع الاقتصاد إلى الأمام، وإرساء الأساس لمجتمع ديمقراطي مستقر.
ولكن في الواقع ذهبت تلك الآمال إلى الظلمات حيث لم تكن تلك الانتخابات خطوة للأمام بل أصبحت محفزًا أكثر للاختناقات السياسية والتأجيلات والتي على إثر ذلك فشلت ليبيا في إقامة الانتخابات والمرور بسلام إلى الاستقرار والحصول على الاستحقاق الرئاسي الديمقراطي الذي يعد إجراءً عاديًا في البلدان المتقدمة؛ ولكن في ليبيا أصبح أملًا بعيدًا صعب الحصول عليه، ومن هذا المنطلق يناقش التقرير التالي فرص إجراء الانتخابات الليبية في العام الجديد 2022 من خلال ما يلي:
المرشحون للانتخابات الرئاسية
أقبل الكثير من الليبيين على تقديم أوراق ترشحهم في انتخابات الرئاسة وفي هذا السياق أوضح رئيس المفوضية العليا للانتخابات في ليبيا، عماد السايح أن “عدد المرشحين في الانتخابات الليبية بلغ 98 مرشحا”، مضيفًا “تمت إحالة جميع أوراق المرشحين وعددهم 98 إلى النائب العام والمباحث الجنائية ومصلحة الجوازات والجنسية للتأكد من انطباق الشروط الواردة في قانون الانتخابات عليهم”.
وقال: “إن مفوضية الانتخابات لم تكن تتوقع هذا العدد الكبير من المرشحين، ومع ذلك فهي صورة إيجابية تعكس رغبة الليبيين في المشاركة بهذا الاستحقاق الانتخابي التاريخي”، مؤكدًا أنه من حق كل الليبيين ممن تنطبق عليهم الشروط أن يترشحوا للانتخابات، مشددا على أن المفوضية لن تنتقص من أي مرشح يقدم طلبه.
ومن أبرز الأسماء التي تتنافس في هذه الانتخابات الرئاسيثة : قائد الجيش الليبي المشير خليفة حفتر، وسيف الإسلام القذافي نجل معمر القذافي، ورئيس البرلمان عقيلة صالح رئيس مجلس النواب المتوقف عن العمل ورئيس الحكومة الحالي عبد الحميد الدبيبة.
بجانب ذلك تقدم محمد الهادي الحتواش (مرشح سابق لمجلس النواب عام 2014)، ورفضت المفوضية رفضت طلبه عند تقديمه للانتخابات الرئاسية في المرة الأولى بسبب عدم استيفائه مستندات وشروط التقدم للانتخابات الرئاسية، ثم عادت وقبلتها بعد استكمالها.
كما تقدم أيضًا في الانتخابات: “عبدالمجيد سيف النصر السفير الليبي السابق بالمغرب، وبشير صالح سكرتيرالرئيس السابق معمر القذافي، والمرشح السابق أمام لجنة الحوار في جنيف لرئاسة الحكومة ضوء عبدالله أبوضاوية، وبشير الزويك، والمتحدث باسم المجلس الأعلى للقبائل والمدن الليبية مبروك أبوعميد”.
علاوة على ذلك أيضًا أعلنت المفوضية العليا استقبال كلا من المرشحين “عثمان عبدالجليل وزير التعليم السابق، وعبدالسلام يونس رحيل أستاذ القانون العام، وفتحي باشاغا وزير الداخلية السابق، ومحمد خالد الغويل الخبير الاقتصادي وكيل وزارة التخطيط سابقًا”.
كما استقبلت أيضًا: “مروان عميش رئيس منظمة سرت الوطن للاستقرار والسلم الاجتماعي، وعبدالحكيم اكشيم عضو هيئة التدريس بقسم التربة والمياه بكلية الزراعة طرابلس، وإسماعيل الشتيوي رجل الأعمال والرئيس الفخري لنادي الأهلي طرابلس، وفق البيان الذي أضاف استقبل مكتب الإدارة الانتخابية بنغازي المرشح أسامة البرعصي”.
وكان للمرأة حضور بارز حيث أن تقدمت ليلى بن خليفة رئيسة حزب الحركة الوطنية في ليبيا بأوراق ترشحها وذلك كأول امرأة تترشح في الانتخابات الرئاسية في التاريخ الليبي، وكانت قد صرحت في هذا الشأن بـ”المرأة الليبية كافحت، والعديد من النساء لديهن الكفاءات، لكن يحتجن إلى أن يفرضن أنفسهن أكثر، ولا ينتظرن من يمنحهن الفرصة، ويتقدمن لشغل مكانتهن المستحقة، فهن يمثلن 60% من المجتمع”.
تأجيل ومخاوف
تقدمت المفوضية الوطنية العليا للانتخابات باقتراح إلى مجلس النواب لتأجيل الانتخابات الرئاسية إلى 24 يناير 2022 بدلًا من موعدها الذي كان مقررًا يوم 24 ديسمبر 2021، وأرجعت سبب هذا التأجيل إلى ظروف فنية وقضائية وأمنية حيث منذ بدء عملية التحضير للانتخابات الرئاسية قبل أسابيع، سُجلت حوادث أمنية في بعض المراكز الانتخابية غرب ليبيا، إلى جانب محاصرة مسلحين مقر محكمة سبها جنوب ليبيا لأيام، علاوة على ذلك انتشرت مجموعات مسلحة في عدة مناطق جنوب العاصمة الليبية قبل عقد الانتخابات بأيام قليلة.
وفي ذلك الإطار لم تنشر المفوضية القوائم النهائية للمرشحين الذين بلغ عددهم 98 مرشحاً، والذين انخفض عددهم بعد الاستبعادات إلى 73 مرشحًا، مشيرة إلى أن سبب ذلك ظروف “قاهرة” حيث: “التداخل القائم بين المعطيات السياسية والأحكام القضائية الصادرة” بشأن أهلية المترشحين.
وبناء على تلك العمليات المسلحة أعربت بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا، عن: ” قلقها من هذه التحركات، ودعت جميع الجهات الفاعلة الليبية إلى ممارسة ضبط النفس في هذه المرحلة الدقيقة، والعمل معاً لتهيئة مناخ أمني وسياسي يحافظ على تقدم ليبيا ويمكِّن من إجراء انتخابات سلمية وعملية انتقال ناجحة”.
عوامل داخلية وخارجية
علي المستوى الداخلي يعاني الداخل الليبي من أوضاع أمنية حذرة تحول دون عقد الانتخابات بشكل آمن حيث للسلاح الكلمة الفصل في الوضع الليبي ويزداد يومًا بعد يوم نفوذ الميليشات المسلحة، علاوة على ذلك عدم وجود اتفاق سياسي بين القوى السياسية، فمن الواضح أن عقد الانتخابات يؤدي إلى إخراج مزيد من الصراعات لأن الوصول إلى عقد الانتخابات فيما معناه طريق إنهاء للأزمة الليبية.
وعلى المستوى الخارجي تدخل القوى الأجنبية، المتمثلة في روسيا ثم فرنسا، والولايات المتحدة الامريكية فتح الباب لصراع دولي أوسع على الأرض الليبية يسهم في استمرار تدهور الوضع وأصبح المشهد الليبي أكثر عن أفق الحل السياسي؛ وفي هذا السباق الدولي الشرس لم تؤد الأمم المتحدة دورها في تنبني حل للأزمة الليبية وكذلك الوضع بالنسبة إلى الاتحاد الأوروبي الذي تتصارع فيه فرنسا وليبيا على الأراضي الليبية فإيطاليا تحلم بالعودة إلى ليبيا حيث: ” الاتحاد الأوروبي اعتمد إطارا قانونيا يسمح بفرض عقوبات على الأشخاص والكيانات التي تعرقل أو تقوض الانتخابات”، مشيرا إلى قرار مجلس الأمن الدولي رقم 2571 (2021) الذي يؤيد تلك الخطوة”، كمؤشر صريح للتدخل في الشأن الليبي.
كما أن الولايات المتحدة قد أعلنت أنها تشارك الشعب الليبي “خيبة الأمل”، بعد تأجيل الانتخابات الرئاسية والبرلمانية التي كان من المقرر إجراؤها شهر ديسمبر المنصرم.
وبالحديث عن إيران وتركيا فهما يتدخلان في الشأن الليبي والسبب وراء ذلك أن لديهما نزعة متزايدة لتشكيل كتلة إسلامية قائمة على العامل الأيديولوجي بشكل رئيسي وذلك على حساب مصالح واستقرار الدول العربية ومن ثم فإيران تسعى إلى توطيد علاقتها بالحكومة الإسلامية في ليبيا لتنفيذ أهدافها، وتركيا التي تدخلت عسكريًا في ليبيا أيضًا لتأمين احتياجاتها في البحر المتوسط.
هل ستُعقد الانتخابات في يناير 2022؟
بعد إعلان التأجيل إلى 24 من يناير 2022 تبقى المخاوف معقودة حيث أن الأوضاع الداخلية لم تبشر باتخاذ أب خطوة للأمام وفي هذا الإطار تواجه الانتخابات العديد من التحديات فقد
كشفت تقارير أوروبية عن أن التوجه نحو تأجيل الانتخابات إلى يناير 2022 تحت قول عدم جاهزية الكشوف النهائية لأسباب فنية وقضائية، حيث كشفت وكالة “نوفا” الإيطالية: “أن هناك اتجاهًا لتعيين حكومة جديدة لقيادة ليبيا إلى موعد الانتخابات الجديد المحتمل تأجيله إلى نهاية يناير أو فبراير، وأن البرلمان قد يعلن عنها الأسبوع المقبل”.
موضحة توقعها بـ:” أن تتكفل الدبلوماسية الأميركية المبعوثة السابقة للأمم المتحدة التي عينها الأمين العام للأمم المتحدة مؤخرا كمستشارة خاصة لليبيا، ستيفاني ويليامز، بدور الوساطة بين جميع الأطراف”، مشيرًا إلى أن : “الأوضاع في غرب ليبيا في ظل سيطرة الميليشيات هناك ستكون عقبة أمام مؤسسات الدولة في طرابلس”.
وفي بالتالي يتم استخلاص العديد من الجوانب التحليلية وهى:
- فرص إجراء انتخابات رئاسية ليبية يحوفها المخاطر المتعددة حيث أن الأسباب المؤجلة لعقدها لا تزال موجودة فلا يزال الجانب الغربي الليبي في مأزق الاختناق المسلح ومن ثم فإن توقعات الإجراء قليلة للغاية لأن أيضًا تواجه المفوضية مشكلات فنية تؤخرها من إعلان القائمة النهائية للمرشحين وبالتالي فمن المرجح بنسبة كبيرة إعلان تأجيل آخر للانتخابات عند اقتراب الموعد المحدد للانعقاد المقرر 24 يناير 2022.
- وإذا تم افتراض إجراء الانتخابات في موعدها فإن هذا الإجراء سيشوبه النزاهة الانتخابية في ظل عدد كبير مرشح وفي ظل أيضًا مكاسب يسعى كل جانب في أطراف الصراع الظفر بها فالغالب على المشهد السياسي عدم التوافقية وهذا يقلل فرص القبول بنتائج الانتخابات في حال عقدها.
- افتراض آخر أنه حتى إذا لو تم القبول بنتائج الانتخابات في حال عقدها فسيصبح لدى ليبيا حكومة منتخبة بشكل شرعي وفق استحقاق رسمي لكن ليس هناك ضمان أن تكون تلك السلطة توافقة يرضى بها جميع الأطراف والمجتمع الليبي بأسره، كما سيواجهها معضلات، وهى:
- أولها أنها ستكون أمام تحديات أمنية صعبة وسيطرة جماعات مسلحة وتدخلات خارجية، علاوة على وضع اقتصادي يحتاج إلى سياسيات عاجلة.
- الجانب الاكثر صعوبة هو إنتاج دستور وطني توافقي وهنا تتضح الصعوبة في كون أن السلطة المنتخبة نفسها لا تستطيع أن تكون توافقية وتجمع شتى القوى السياسية الليبية فكيف أن المخرج الدستوري الذي نتنجه هذه السلطة سيكون توافقيًا.
خلاصة القول إن احتمالية إجراء انتخابات رئاسية في ليبيا تقل يومًا بعد يوم وذلك لأنها تحاط بالعديد من الانقسامات السياسية والتحديات الأمنية وبالأخص في الغرب الليبي حتى وإن عُقدت الانتخابات فإن فرص الانتقال إلى الاستقرار السياسي ليست بكبيرة وسط صراعات سياسية فخطوة الانتخابات لم تشجع على القول بأن ليبيا على مشارف انتقال ديمقراطي مستقر بل تزيد هذه الانتخابات الوضع سوءً وبالتالي فإنه من المتوقع تأجيلات مرة ثانية عند اقتراب الموعد المحدد لإجرائها وهو 24 يناير 2022.