الصراع في ليبيا يؤثر على البيئة الأمنية في الساحل الأفريقي
شكل الصراع في ليبيا متغيرًا مركزيا في تحديد ملامح الطبيعة الأمنية الحالية لمنطقة الساحل الأفريقي، يرجع هذا إلى الترابط التاريخي الطويل بين ليبيا ودول الساحل والذي يعود إلى تشابك المكونات الديمغرافية والطبيعة القبائلية والظروف الجيوسياسية والتعقيدات الأمنية.
وقبل انهيار الدولة في ليبيا منذ 2011، حاولت طرابلس في عهد القذافي طويلًا لعب دور رئيس في الساحل، وذلك من خلال “تجمع الساحل والصحراء،” بهدف تحقيق التكامل المؤسسي والترابط الاقتصادي، فضلاً عن التدخل السياسي أحيانًا والعسكري في أحيان أخرى، كما حدث في حرب تشاد وليبيا عام 1987.
لقد أوضح الصراع في ليبيا الذي انفجر مع انهيار نظام القذافي في مدى مركزية ليبيا لأمن المناطق الشاسعة بين شمال أفريقيا والساحل الأفريقي، بل وجنوب أوروبا عبر المتوسط. إلا أن معظم التركيز قد انصب على تأثير الصراع في ليبيا على ملف اللاجئين باعتباره الأكثر أهمية بالنسبة لأوروبا. إلا أن المشهد جنوبًا على امتداد الساحل الأفريقي يعتبر أكثر تركيبًا؛ حيث تتشابك معضلات أمنية خلقها تنامي نشاط الحركات الإرهابية، وتهديد الأنظمة السياسية، وانتشار الأسلحة في أيدي الفاعلين غير النظاميين، وتدخل العديد من القوى الأجنبية، وزعزعة صورة الدولة الديمقراطية، وتهميش دور النخب المدنية. وهذه الأزمات إن كانت عميقة الجذور، فإن الصراع في ليبيا بتشعباته قد زاد من حدتها. كما أن اضطراب المنطقة بدوره ألقى بظلاله على فرص إنهاء النزاع في ليبيا.
في ظل بيئة هشة سياسيًّا وأمنيًّا، أعطى الصراع في ليبيا دفعة قوية لنشر العنف وعدم الاستقرار على طول الساحل، مما أدى إلى تقويض مكاسب التحول الديمقراطي الذي أخذ في التحقق منذ تسعينيات القرن الماضي، كما حدث في كلا من مالي وتشاد.
أصبح الساحل الأفريقي مصدرًا للاضطرابات ومهددًا لحالة الاستقرار النسبي الذي أصبح عليه الصراع في ليبيا. فمنذ الإطاحة بنظام القذافي في عام 2011، ظلت البلاد في صراع بين الفصائل السياسية المختلفة، ومن هنا، استغلت القوى الأجنبية الفرصة لتعظيم نصيبها من المصالح الجيوسياسية خاصة في ظل اكتشافات الطاقة على الساحل، حتى انعقد مؤتمري برلين 1 و2، وتمخضا عن وقف إطلاق النار، والتأكيد على إخراج العناصر المرتزقة تمهيدا لإجراء الانتخابات الرئاسية في موعدها الذي كان مقررًا في 24 ديسمبر من العام الحالي، ولكن حالت التوترات والانقسام السياسي أمام عقدها.
ويمكن إرجاع بعض ملامح المشهد الليبي الحالي إلى الأوضاع الراهنة في الساحل من خلال التأثيرات المباشرة وغير المباشرة، وأهمها تغذية التجارة غير المشروعة، التي أصبحت مصدر دخل ونفوذ للمليشيات خاصة في غرب ليبيا. وعلى الرغم من الجهود الدولية لمحاصرة تهريب البشر، فما زالت التجارة قائمة؛ حيث ضبط خفر السواحل الليبي نحو 7500 مهاجر في البحر في 2021. كما أصبحت ليبيا موطئ قدم للعناصر المتمردة والمعارضة وأعضاء الجماعات الإرهابية، وبالتالي تمثل نقطة انطلاق لشن هجمات إرهابية ضد دول الجوار، فضلاً عن شعور هذه العناصر بمخاطر فرض الاستقرار على وجودها.