مجلس التحرير: مجموعة صحفيين عرب
الموقع قدم أوراق اعتماده
الى نقابة الصحفيين العراقيين

بعد استقالة حمدوك.. إلى أين يتجه السودان؟

نشر
الأمصار

أعلن رئيس وزراء السودان عبد الله حمدوك من خلال كلمة متلفزة في فجر اليوم الإثنين 3 يناير 2022 عن استقالته من منصبه وذلك بعد أشهر من الاحتجاجات التي يشهدها السودان منذ أكتوبر من العام الماضي 2021.

تضمنت الاحتجاجات، تظاهرات رافضة للإجراءات الاستثنائية التي فرضتها القوات المسلحة حينها وتم حل بموجبها الحكومة والمجلس السيادي، وبعدها تم الاتفاق الموقع مع حمدوك أيضا في 21 نوفمبر، والذي ثبت الشراكة في حكم البلاد مع الجانب العسكري بقيادة “ عبد الفتاح البرهان“.

وفي هذا السياق يناقش التقرير جوانب استقالة رئيس الوزراء السوداني كالتالي:

تحديات صعبة

أثناء إلقاء رئيس الوزراء بيان استقالته أضاف : “هناك صراعات عدمية بين مكونات الانتقال، مشدداً على أنه حاول تجنيب السودان خطر الانزلاق نحو الكارثة”، مؤكدًا أن “الحوار هو الحل نحو التوافق لإكمال التحول المدني الديمقراطي، وأن الأزمة الكبرى في السودان هي أزمة سياسية وتكاد تكون شاملة”.

موجهًا الدعوة إلى المستشمرين للاستثمار في السودان معتبراً أن “بلاده لا تنقصها الموارد ولا يجب أن تعيش على الهبات”.

كما أوضح أن: ” الاتفاق السياسي كان محاولة لجلب الأطراف إلى طاولة الحوار، مؤكداً أنه حمل أفكارا لوقف التصعيد وإعلاء مصلحة السودان”، معتبرًا أن أفق الحوار انسد بين الجميع، ما جعل مسيرة الانتقال في السودان هشة”، مؤكدًا: “أن قبوله التكليف بمنصب رئيس الوزراء كان بعد توافق سياسي، وأن الأطراف بذلت جهدا لإخراج السودان من عزلته وإعادة دمجه في المجتمع الدولي”.

مؤكدًا أن: “الحكومة الانتقالية واجهت تحديات جسيمة، أهمها العزلة الدولية والديون، مؤكداً أنها تعاملت مع كافة التحديات”.

رئيس وزراء السودان عبد الله حمدوك

كواليس ساخنة

شهد السودان في اليوم السابق لاستقالة مظاهرات شديدة دعا خلالها المشاركون فيها إلى تسليم السلطة إلى أشخاص مدنيين، وقامت قوات الأمن السودانية  بتفريق المتظاهرين من شارع القصر الرئاسي في الخرطوم، وفي هذا السياق أعلنت لجنة أطباء السودان المركزية أن إجمالي الوفيات منذ بدء حملة قوات الأمن في 25 أكتوبر بلغ حتى الآن 56 قتيلًا .

كما قطعت السلطات خدمات الإنترنت عن الهواتف المحمولة في البلاد ، في الوقت الذي كان “تجمع المهنيين السودانيين” قد دعا إلى المشاركة في احتجاجات مليونية مطالبا بجعل 2022 “عاما للمقاومة المستمرة”.

كما ناشد كافة السودانيين “وجموع المهنيين والعاملين بأجر في كل مدن وقرى البلاد الخروج والمشاركة الفعالة في المواكب المليونية”. وأضاف “فلنجعل من 2022 عاما للمقاومة المستمرة والضارية”.

ردود فعل

أثارت الاستقالة ردود فعل داخلية وخارجية ما بين ردود آسفة على الوضع في السودان وما بين ردود ترى أنها لا تمثل شيئًا حيث:

  • المستوى الداخلي

علقت العديد من القوى السياسية الداخلية في السودان على استقالة حمدوك حيث علق تجمع المهنيين السودانيين على الاستقالة، قائلًا: ” إن تلك الاستقالة أو عدمها لا تقدم أو تؤخر شيئًا في طريق الثورة”، في الوقت الذي أعلن فيه الحزب الجمهوري في الحرية والتغيير: ” أن تلك الاستقالة تبعث بجرس الإنذار بمستقبل غير محمود العواقب”، كما اعتبرت حاكم إقليم دارفور، رئيس جيش حركة تحرير السودان، مني أركو مناوي، أن : “الاستقالة واحدة من تجليات الأزمة السياسية والاجتماعية المتراكمة التي لم تفهمها القوى السياسية التي ورثت البلاد، في زمن غفلة أغلب الشعب”، مؤكدة في الوقت ذاته أن :”المشوار ما زال طويلا وأن لا بديل للحوار والاعتراف بالبعض”.

وعلى جانب آخر وصف رئيس حركة العدل والمساواة وزير المالية جبريل إبراهيم، خطوة الاستقالة بأنها: “”محنة”، داعيًا القوى السياسية إلى لمّ الشمل للعبور بالبلاد إلى بر الأمان.

ومن ثم يتضح حالة اللاتوافق السياسي التي يعاني منها السودان حيث أن الاستقالة خلفّت ردود متغايرة منها ما بعتبرها بأنها بداية مزيد من الأزمات ومنها من يجد أنها انتصار للشعب في حين أن آخرين يعتبرونها بكونها لا تقدم ولا تؤخر شيئًا أي عديمة الأثر والقيمة.

ولكن لا يزال الحوار هو الحل الأنسب الذي يفتقره السودان بشدة فأزمته في عدم قدرته على بناء جسور عليها تجد القوى السياسية اشتراكًا يمثل نقطة انطلاقة لهم جميعًا لما فيه مصلحة السودان الأولى.

المظاهرات في السودان
  • المستوى الخارجي

هناك العديد من الردود التي نتجت جرّاء إعلان الاستقالة حيث أولى الردود الدولية كانت من قبل:

  • وزارة الخارجية الأميركية والتي قالت: “إن على القادة السودانيين تنحية الخلافات جانبًا، والتوصل إلى توافق، وضمان استمرار الحكم المدني”، مضيفة: “أن تعيين رئيس الوزراء والحكومة السودانية المقبلة يجب أن يتماشى مع الإعلان الدستوري لتحقيق أهداف الشعب في الحرية والسلام والعدالة”.

مؤكدة: “استمرارها بالوقوف إلى جانب الشعب السوداني من أجل تحقيق الديمقراطية، ودعت إلى وقف العنف ضد المتظاهرين”، علاوة على ذلك دعا مكتب الخارجية الأميركية للشؤون الأفريقية القادة السودانيين إلى ضمان استمرار الحكم المدني وتعيين رئيس للوزراء تماشيًا مع الوثيقة الدستورية، مؤكدًا: “مواصلة الولايات المتحدة وقوفها إلى جانب الشعب السوداني في دفعهم من أجل الديمقراطية داعيا إلى وقف العنف ضد المتظاهرين”.

  • وكان رد الفعل البريطاني آسفًا على ذلك حيث عبرت عن حزنها لتلك الخطوة، وقالت وزيرة شؤون إفريقيا بوزارة الخارجية البريطانية، فيكي فورد، بتغريدة على حسابها على تويتر: “إنها تشعر بحزن شديد لاستقالة رئيس الوزراء السوداني، داعية إلى احترام مطالب المنادين بالحكم المدني”، مضيفة: ” حمدوك كان يخدم السودان ويسعى لتحقيق رغبة شعبه في مستقبل أفضل”.

سيناريوهات مطروحة

إن استقالة حمدوك تحمل جوانب متبايبنة وسيناريوهات مفتوحة منها ما هو متوقع ومنها ما هو خارج عن حدود التوقعات حيث تعد هذه الاستقالة بمثابة نسخ للاتفاق الذي عقده مع الفريق عبد الفتاح البرهان ومن هذا ستكونن هناك عدة سيناريوهات كالتالي:

السيناريو الأول: انفراد العسكريين بالسلطة بشكل كامل، ومن ثم ستكون المواجهة في الفترة القادمة بين العسكريين والشارع السوداني أي المتظاهرين مباشرة حيث أبدى استعداده للمضي في أسلوبه القمعي، في التعامل مع حراك الشارع، ومثال على ذلك إصدار الفريق البرهان أمر طوارئ، أعطى بموجبه صلاحيات واسعة للقوات النظامية وبينها جهاز المخابرات، فى الاعتقال والتفتيش والحجز والرقابة للأفراد والممتلكات.

السيناريو الثاني: تفاقم المسألة السودانية ويصبح الوضع أكثر حيرة حتى على المجتمع الدولي في التعامل مع الملف السوداني نسبة للتعقيدات التي تحدث فالأوضاع مفتوحة أبوابها على مصراعيها وسيكون لها ارتدادات سياسية واقتصادية، وأمنية خطيرة، حيث أنه منذ أن جاء حمدوك كانت المؤشرات تعكس أنه لن يستمر طويلًا خصوصًا بعد أن وضع تحت الإقامة الجبرية بأمر من قبل القادة العسكريين.

السيناريو الثالث: وهو الأكثر استبعادًا حيث اعتبار أن هذه الاستقالة بمثابة انتصار للشارع السوداني وبالتالي يستطيع فرض ما يريد ويصبح شريكًا أساسيًا في السلطة، ومن ثم ازدياد الاحتجاجات والضغط أكثر حتى تحقيق كافة المطالب التي يدعو لها المتظاهرون.

السيناريو الرابع: أن يأتي المجلس العسكري برئيس وزراء آخر كآلية لضبط المعادلة السياسية أمام الشارع السياسي والقوى الدولية حتى وإن كان هذا التعيين صوري ولم يضيف أو يعبر عن القوى السياسية والشارع السوداني الغاضب الذي يطمح لسلطة مدنية.

خلاصة القول، لم يكن يتوقع أن يدخل السودان في منطقة الاستقرار بعد استقالة رئيس الوزراء عبد الله حمدوك، فالشارع السوداني محتقن بشدة وليس هناك أرضية توافق بين الأطراف السياسية الموجودة، ولكن يبدو أن استقالة حمدوك وإن كان يعتبرها البعض انتصارًا للشارع السوداني إلا أنها لا تعد أداة لتسكين الوضع وإن بعض الوقت فإن الاستقالة والتي تعد بشكل أو بآخر من مطالب الشارع السوداني الذي غضب من حمدوك بعد اتفاق نوفمبر مع البرهان سترفع من سقف المطالب وتزيد المتظاهرين إصرارًا على استكمال المناداة بمطالبهم.

ولكن هناك مأزق وهو أن القيادة العسكرية من المتوقع أنها ستظل على موقفها الشديد تواجه تلك الاحتجاجات ولن تترك الفرصة للمتظاهرين لتعزيز مطالبهم ومن المتوقع أيضًا أن تتخذ العديد من الطرق في الفترة القادمة لتفويت الفرصة على المتظاهرين من استكمال مطالبهم.