لبنان والسعودية ما بين التصريحات المتصاعدة ومحاولات التهدئة: «مستقبل غامض»
هاجم الأمين العام لحزب الله اللبناني حسن نصر الله في كلمة بمناسبة مرور عامين على اغتيال قائد فيلق القدس قاسم سيلماني والقيادي بالحشد الشعبي العراقي أبو مهدي المهندس السعودية بسبب دعوة الملك سلمان بن عبد العزيز السلطات اللبنانية إيقاف هيمنة حزب الله على لبنان، وفي الحقيقة لم تكن هذه التصريحات هى المحطة الأولى في المشادات السياسية بين البلدين حيث تسيطر حالة من الاضطراب على العلاقات بين السعودية ولبنان في الآونة الأخيرة؛ وذلك بسبب تصريحات وزير الإعلام اللبناني جورج قرداحي عن السعودية، حيث وصف الحرب على اليمن من قبل التحالف العربي الذي تقوده السعودية بـالعبثية، وأن ما تقوم به جماعة أنصار الله الحوثي اليمنية يعد دفاعا عن النفس، وقد أثارت هذه التصريحات غضب السعودية وعدد من دول الخليج ، وفي هذا السياق يتناول التقرير التصريحات التي أطلقها حسن نصرها ومدى تأثيرها على مسار العلاقات بين البلدين كالتالي:
خلفية العلاقات اللبنانية السعودية
تحاول القيادات اللبنانية بشتى الطرق تدعيم أسس العلاقات مع السعودية؛ لإدراكها مكانة السعودية الاقتصادية والسياسية والأمنية في الخليج العربي فضلًا عن علاقاتها الخارجية؛ ولذا غالبًا ما تحاول السلطات اللبنانية التقرب من السعودية ودول الخليج لكونها موردًا اقتصاديًا يستطيع أن ينقذ لبنان من أزماته المالية ويحميه من الإفلاس فالشعب اللبناني عاني مؤخرًا من أزمات اقتصادية عنيفة ونقص في السلع الأسياسية والأدوية، ولكن على الجهة المقابلة فجماعة حزب الله غالبًا ما تكون سبب الخلاف الدائر بين البلدين حيث تصف السعودية حزب الله بالإرهابي وترفض التعامل مع الحكومات اللبنانية طالما هو ممثل فيها.
ولقد تشكل هذا الموقف من الحزب أثناء الانقسام الإقليمي على سوريا ودخول حزب الله لاعبًا أساسيا في الحرب السورية ٬ ثم ازداد حدته بشكل كبيرعلى ضوء الحرب اليمنية ووقوف حزب الله الى جانب الحوثيين.
2017 العام الذي وصلت فيه العلاقات لمستوى حاد من التوتر حيث إعلان رئيس وزراء لبنان استقالته في كلمة متلفزة من الرياض مبديًا مخاوفه من سيطرة إيران على لبنان وأجزاء من الوطن العربي وهو ما أثار غضب الأامين العام لحزب الله وشك أن السعودية قد أجبرت الحريري على الاستقالة، وعقب ذلك أعلنت السعودية التعامل مع الحكومة اللبنانية كحكومة حرب بسبب ميليشيات حزب الله، كما طالبت دول الخليج: السعودية، الإمارات، الكويت، البحرين بمغادرة مواطنيها الأراضي اللبنانية.
وتستمر حلقة المشادات السياسية لتصل إلى تصريحات وزير الإعلام اللبناني جورج قرداحي في أكتوبر 2021 لتزيد اشتعال النيران بين البلدين.
وبالتطرق إلى الجوانب الأمنية للعلاقات بين البلدين فالاوضاع السياسية للبنان تشكل خطرًا كبيرًا على أمن الخليج العربي حيث تهريب الأسلحة والمخدرات والدليل على ذلك فقد كشفت
صحيفة “الأنباء” الكويتية، نقلاً عن مصادر خاصة أن هناك شحنة تهريب المخدرات إلى دول الخليج، موضحة أن: “الأسماء التي تم التعرف عليها وهي على علاقة بهذه العمليات المخالفة، لها صداقات واسعة مع شخصيات تنتمي إلى حزب لبناني قوي، وهي تتنقل بين لبنان وسوريا، بتسهيلات واضحة، والموقوف الذي اعترف بالوقوف وراء صفقة الرمان المخدر إلى جدة، اعترف أيضًا بأنه على علاقة طيبة مع جهات لبنانية وسوريا نافذة”.
تصريحات متصاعدة
هناك تصريحات لبنانية تُطلق من حين لآخر تؤدي إلى تعميق جذور الخلافات مع السعودية وبعض دول الخليج كالإمارات والكويت والبحرين، وبالتالي تدفع هذه التصريحات دول الخليج للرد عليها، وهذه التصريحات تتمثل في التالي:
-
الجانب اللبناني
هناك تصريحات أطلقت من بعض الجماعات والأفراد في لبنان تعزز الخلاف بين لبنان ودول الخليج بشكل عام والسعودية بشكل خاص حيث كانت هذه التصريحات من جانب وزير الإعلام اللبناني جورج قرداحي والأمين العام لحزب الله اللبناني حسن نصر الله، حيث التصريحات هى:
-
تصريحات الأمين العام لحزب الله اللبناني:
تمثلت في الهجوم على السعودية بسبب دعوة ملك السعودية السلطات اللبنانية إلى وقف سيطرة حزب الله على لبنان حيث ذكر قائلًا: “نحن لدينا كرامتنا يا حضرة الملك، الإرهابي هو الذي يصدر الفكر الوهابي الداعش الوهابي إلى العالم وهو أنتم، والإرهابي هو الذي أرسل آلاف الانتحاريين إلى سوريا والعراق وهو أنتم”.
مضيفًا: “الإرهابي هو الذي يشن حرب على اليمن منذ سبع سنوات ويدمر البشر والحجر، والإرهابي هو من يقف إلى جانب الولايات المتحدة ويفتح لها مطاراته ويتيح لها أرضه لتمارس جرائمها ضد الإنسانية”، مؤكدا أن “الحزب يدافع عن أهله وشعبه”.
وأسرد: “مشكلتها مع الذين منعوا أن يتحول لبنان إلى إمارة ومشيخة سعودية في عام 2005، ومشكلتها مع من يقف بجد بوجه صفقة القرن بأطرافها الثلاثة دونالد ترامب وبنيامين نتنياهو ومحمد بن سلمان، ومشكلتها مع من ألحقوا الهزيمة في مشروعها سوريا والعراق الذي لو نجح لذبح اللبنانيين ودمر المساجد والكنائس”.
وتابع: “نحن في حزب الله في الذكرى السنوية لـ(قائد فيلق القدس في الحرس الثوري الإيراني قاسم) سليماني و و(نائب رئيس هيئة الحشد الشعبي العراقي الراحل) أبو مهدي المهندس نؤكد التزامنا بهذا الوعي وهذا الطريق”.
- تصريحات وزير الإعلام اللبناني جورج قرداحي والذي اعتبر أن “الحوثيين يدافعون عن أنفسهم في وجه اعتداء خارجي”، ليوجُه له سؤال: “هل تعتبر أن الإمارات والسعودية تعتديان على اليمن؟”، وفي هذا الشأن رد قائلًا “أكيد فيه اعتداء، ليس لأنهم السعودية أو الإمارات ولكن لأن هناك اعتداء منذ 8 سنوات مستمرا، وما لا تستطيع تنفيذه في عامين أو ثلاثة لن تستطيع تنفيذه في 8 سنوات”.
-
الجانب السعودي والخليجي
حث العاهل السعودي، الملك سلمان بن عبد العزيز في خطاب سنوي لأعمال السنة الثانية من الدورة الثامنة لمجلس الشورى ، السلطات اللبنانية إلى تغليب مصالح شعبها و”إيقاف هيمنة حزب الله الإرهابي”
و أعلنت الحكومة السعودية، بعد تصريحات وزير الإعلام، استدعاء سفيرها لدى لبنان للتشاور مع إمهال السفير اللبناني لدى المملكة 48 ساعة للمغادرة، وعلى إثر ذلك
وقالت وزارة الخارجية السعودية في بيان لها: “تؤكد المملكة مجددًا بأن تلك التصريحات تتنافى مع أبسط الأعراف السياسية ولا تنسجم مع العلاقات التاريخية بين الشعبين الشقيقين”.
وأضافت “ونظرا لما قد يترتب على تلك التصريحات المسيئة من تبعات على العلاقات بين البلدين؛ فقد استدعت وزارة الخارجية اليوم سفير الجمهورية اللبنانية لدى المملكة العربية السعودية وتم تسليمه مذكرة احتجاج رسمية بهذا الخصوص”.
وعلى الجانب الإماراتي فقد أعلنت وكالة أنباء الإمارات بأن وزارة الخارجية استدعت السفير اللبناني لتعبر عن: “استنكارها واستهجانها الشديدين إزاء.. التصريحات المشينة والمتحيزة التي أدلى بها جورج قرداحي وزير الإعلام بالجمهورية اللبنانية”.
وعلى صعيد متصل استدعت وزارة الخارجية البحرينية سفير لبنان لدى المنامة لتسليمه رسالة احتجاج بشأن تصريحات قرداحي، علاوة على ذلك استدعت الكويت القائم بالأعمال اللبناني لديها واحتجت على تلك التصريحات.
كما أدلى مجلس التعاون الخليجيى ببيان في هذا السياق حيث أعرب نايف فلاح مبارك الحجرف الأمين العام للمجلس، عن: “رفضه التام جملة وتفصيلا لتصريحات وزير الإعلام اللبناني ، والتي تعكس فهمًا قاصرًا وقراءة سطحية للأحداث في اليمن”، وطالب الأمين العام:” وزير الإعلام اللبناني بالرجوع إلى الحقائق التاريخية وقراءة تسلسلها ليتضح له حجم الدعم الكبير الذي تقدمه دول التحالف العربي بقيادة المملكة العربية السعودية لدعم الشرعية للشعب اليمني في كافة المجالات والميادين، وذلك بهدف الوصول إلى حل شامل للأزمة اليمنية وفقا للمرجعيات الثلاث المتمثلة بالمبادرة الخليجية وآليتها التنفيذية، ومخرجات الحوار اليمني، وقرار مجلس الأمن رقم 2216″.
مستنكرًا في الوقت نفسه “دفاع وزير الإعلام اللبناني عن جماعة الحوثي الانقلابية في الوقت الذي يتجاهل فيه تعنت الحوثي ضد كل الجهود الدولية الرامية لإنهاء الازمة اليمنية، و في الوقت الذي تستهدف جماعة الحوثي المملكة العربية السعودية بالصواريخ والمسيرات، وفي الوقت الذي تستهدف جماعة الحوثي أبناء الشعب اليمني الأعزل وتمنع وصول المساعدات الإغاثية للمناطق المنكوبة”، مطالبا إياه “بالاعتذار عما صدر منه من تصريحات مرفوضة”.
القيادة اللبنانية: محاولات تهدئة
تسعى القيادة اللبنانية إلى احتواء التوتر و التَبَرُّؤٌ من هذه التصريحات التي تطلقها أشخاص أو جماعات حيث أعلن الرئيس اللبناني ميشال عون أنه يرغب بأفضل العلاقات مع الدول العربية، وعلى وجه التحديد دول الخليج.
كما صرح رئيس الحكومة اللبنانية نجيب ميقاتي على إثر تصريحات الأمين العام لحزب الله قائلًا: ” مواقف قيادات حزب الله تسيء إلى اللبنانيين أولًا، وأن الإساءة إلى أي دولة عربية ليس من مصلحة لبنان”.
وأضاف: “لطالما دعونا إلى النأي بالنفس عن الخلافات العربية وعدم الإساءة إلى علاقات لبنان مع الدول العربية ولاسيما المملكة العربية السعودية، وما قاله نصرالله بحق المملكة العربية السعودية هذا المساء لا يمثل موقف الحكومة اللبنانية والشريحة الأوسع من اللبنانيين، وليس من مصلحة لبنان الإساءة إلى أي دولة عربية خصوصا دول الخليج”.
وأكد : “وفيما ننادي بأن يكون حزب الله جزءا من الحالة اللبنانية المتنوعة ولبناني الانتماء، تخالف قيادته هذا التوجه بمواقف تسيء إلى اللبنانيين أولا وإلى علاقات لبنان مع أشقائه ثانيا”.
تابع ذاكرًا: “أننا نكرر دعوتنا للجميع للرأفة بهذا الوطن وإبعاده عن المهاترات التي لا طائل منها”، مضيفا: “بالله عليكم ارحموا لبنان واللبنانيين وأوقفوا الشحن السياسي والطائفي البغيض”.
خلاصة القول تشهد العلاقات اللبنانية السعودية مزيدًا من التعقيدات جرّاء التصريحات المتبادلة بين فصائل معينة في لبنان تجاه السعودية وسط تبرؤ من القيادات السياسية ومحاولتها تهدئة تلك التصعيدات الناتجة عن هذه التصريحات، والذي يزيد هذه المشكلة الأمر سوءً لأن لبنان في أمس الحاجة إلى الدعم الاقتصادي الخليجي لاحتواء أزماته الاقتصادية وأن هذه التصريحات ليست في مصلحة لبنان وشعبه الذي يدفع فاتورة هذه التوترات غالية، ومن ثم فإن مستقبل العلاقات بين البلدين غامض إن لم يكن هناك حل جذري مع حزب الله اللبناني.