الدكتور عبد الحفيظ محبوب يكتب: اليمن مقبرة الحرس الثوري وحزب الله على يد التحالف
منذ أن أتى الغرب بالقنبلة الأيديولوجية إلى المنطقة لتفجيرها طائفيا في، 1979 والتي انشغل الخميني بالحرب المباشرة بين إيران والعراق، استمرت ثمان سنوات، لكن احتلال أمريكا العراق في 2003، جعل أمريكا تغض الطرف عن النفوذ الإيراني، الذي ارتكز على التحالف مع جماعة عقائدية في اليمن الحوثيين، وبدأت حروب الحوثيين عام 2004 استمرت 6 حروب حتى عام 2010، وكان القتال مركزا في صعدة وبدأ العالم يتهم الحكومة اليمنية من أنها تمارس التمييز ودعم القوى السلفية لقمع المذهب الزيدي، جلب الصراع اهتماما دوليا في 3 نوفمبر 2009 عندما سيطر الحوثيين على جبل الدخان في منطقة جازان جنوب غربي السعودية متهمة الحكومة السعودية بدعم الحكومة اليمنية ماليا واستراتيجيا عن طريق السماح للقوات اليمنية باستعمال الأراضي السعودية كقاعدة لعملياتها.
كانت وفاة بدر الدين الحوثي في عام 2004 في الحرب الأولى، التي استمرت حروب أخرى إلى عام 2010، لكن استثمر الحوثيين ثورة الشباب اليمينة في 2011 التي ضربت المنطقة العربية، واستثمرها كذلك تنظيم الإخوان في مصر، لكن الحوثيون استثمروا الثورة الشبابية اليمينة، واستعادوا سيطرتهم على صعدة، وفرضوا حصارا على دماج.
طموحات إيران التوسعية وخطتها بتصدير الفكر الثوري إلى المنطقة، عقب نجاح الثورة الخمينية في طهران، ما جعل طهران تتجه إلى نسج علاقة مع جماعة الحوثي في صعدة في شمال اليمن، وقدمت لهم الدعم المالي والعسكري بعد تبني الجماعة المتمردة لفكر إيران الطائفي الدخيل على اليمن.
فقد تكشفت خيوط التدخل الإيراني في اليمن شيئا فشيئا في ثمانينات وتسعينات القرن المنصرم بدءا من استقطاب قيادات الحركة ومناصريها وإرسالهم إلى قم للتعليم الديني لتقليص الفارق بين زيدية اليمن وإثني عشرية إيران من أن يكونوا أكثر التصاقا بالمذهب الاثني عشري، من أجل تكريس ثقافة سياسية دينية مرتبطة بمبادئ الإمامة والولاية، والتي لا يؤمن بها الزيديون على وجه الإجمال باستثناء فرقتين زيديتين هامشيتين هما الكسائية والجارودية، لتحويلها إلى ذراع لها في جنوب الجزيرة العربية والسيطرة على مضيق باب المندب أحد اهم ممرات الملاحة في العالم، والهدف الخفي أيضا الوصول إلى مكة والمدينة.
فتحولت إيران إلى شريك استراتيجي مع الحوثيين على غرار حزب الله في لبنان، ولكن فشل الدعم الإيراني في دعم الجماعات الإرهابية في شرق السعودية، وتحديدا في بلدة العوامية في القطيف، وكذلك في الكويت في قضية العبدلي الشهيرة بضلوع إيران وحزب الله في القضية التي استهدفت أمن الكويت، وهو ما دفع الكويت إلى خفض التمثيل الدبلوماسي مع إيران، كذلك البحرين أتهمت إيران في أكثر من مناسبة إيران بدعم وتمويل جماعات إرهابية وتهريب الأسلحة والمتفجرات لزعزعة أمن البحرين.
قبل دعم إيران الحوثيين كانت تدعم الزعيم الجنوبي علي سالم البيض وهي قوات دربتها إيران هي من هزمت الحوثيين وطردتهم من محافظة الضالع منتصف عام 2015، واستثمرت إيران التحالف الحوثي مع علي عبد الله صالح حيث اختارت الرهان الأقوى حينذاك، بدلا من علي سالم البيض اللذان يتمتعان بحضور أقوى شعبيا وداخل الجيش ومؤسسات الدولة.
وعززت إيران علاقتها عبر حزب الله اللبناني كوسيط بينها وبين الحوثيين، ووكلت إيران حزب الله بشؤون اليمن والحوثيين، حتى تحول حزب الله إلى مقاول ومتعاقد للنفوذ الإيراني في اليمن يدير العمليات القتالية وبناء القدرات والتدريب وتولي عمليات تهريب السلاح، وبعد تراجع علي عبد الله صالح التعاون مع الحوثيين تم قتله في 4 ديسمبر 2017، ودفع ثمن تعاونه مع الحوثيين، وهو الذي تحالف مع الدولة ثم ضدها، ومع السعودية ثم ضدهم، ومع الحوثيين ثم ضدهم، خصوصا وأن إيران على لسان الجنرال مسعود جزايري نائب رئيس هيئة أركان القوات المسلحة الإيرانية الذي أشار إلى أن إيران تساوي في دعمها بين سوريا وإيران في 2016، وكذلك ستدعم الحوثيين بنفس الأسلوب في دعم الحكومة السورية.
كانت حرب 2006 مفصلية في تحويل حزب الله من قوة لبنانية محلية تحظى بدعم إيراني، إلى قوة استراتيجية إقليمية، شاركت بتوسيع النفوذ الإيراني في الشرق الأوسط، وعلى الأخص في اليمن، ودائما ما ترفع صور حسن نصر الله إلى جانب عبد الملك الحوثي، وحرب 2006 أتت بعدما استطاعت ثورة 14 مارس 2005 في إخراج الجيش السوري من لبنان بعد مقتل الحريري عنما طرح على طاولة الحوار الوطني التي شارك فيها حسن نصر الله مسألة تسليم السلاح غير الشرعي للدولة.
لكن وجد حزب الله أن فتح معركة مع إسرائيل في 2006 أنقذت حزب الله من مسألة تسليم السلاح للدولة، وفهم زعيم الدبلوماسية العربية الأمير سعود الفيصل هذه الحيلة وقال أن حزب الله ورط العرب لكن عارضه الجميع وكانت صورة حسن نصر الله ترفع أكثر من أي زعيم حتى أن إيران خشيت من هذه المكانة التي تفوقها ووجهتها الوجهة التي تخدم مصالحها وتغير صورة حسن نصر الله.
أعطى الحزب بعد هذه الحرب فرصة رص صفوفه قبل أن يستبيح شوارع بيروت في 7 مايو 2008 الذي بدأ حينها تطوير أساليبه القتالية ومنظومته العسكرية التي استخدمها بشكل فاعل في سوريا والعراق وعدد من الدول العربية وبشكل خاص في اليمن.
حيث يعتبر حسن نصر الله وفق تقرير نشرته فورين بوليسي الأميركية، لفتت فيه إلى دور واسع النطاق لحزب الله في اليمن، وهو العقل المدبر لقصف الحوثيين منذ 5 مايو 2015 أهداف على الحدود السعودية حتى زادوا تلك تدريجيا مستوى هجماتهم باستخدام صواريخ وقذائف ذات شحنات متفجرة أكثر وزنا واطول مدى، وكشفت الصحيفة أن حزب الله كان يدير منصات الصواريخ، وأن نائب قوة القدس حينها إسماعيل قاني قام بنفسه بالإعلان أن المتمردين الحوثيين تلقوا تدريبا تحت راية الجمهورية الإيرانية، وأن حزب الله عمل على برنامج التدريب والتسليح هناك، وأن مسؤولين في الاستخبارات الأميركية أكدوا أن فيلق القدس وحزب الله ينشطان في اليمن.
تتمسك السعودية بالصبر الاستراتيجي في تعاملها مع ملفات المنطقة، وبشكل خاص مع الملف اليمني، وهي تتفاوض مع إيران حاليا برؤية شمولية، وهي على دراية كاملة على ما تطبخه طهران تجاه الدول العربية، وفي تلك المفاوضات هناك حزمة كاملة يشمل الملف النووي والصواريخ البالستية والنفوذ الإقليمي في العراق وفي سوريا وفي لبنان وفي اليمن إن أرادت إيران أن تعود إلى المنطقة، خصوصا وأن اقتصادها منهار يبلغ أقل من 200 مليار دولار، وهو أقل من نصف الاقتصاد الإماراتي، وأقل من ربع الاقتصاد السعودي، وترفض السعودية في تلك المفاوضات التعامل مع تجزئة الملفات الذي يأخذ وقتا طويلا وتصر عليه إيران.
لم تستوعب لبنان أن السعودية قطعت علاقتها معها في أكتوبر 2021 بسبب حزب الله الذي يقود المعارك في اليمن ضد السعودية، وكشفت بالأدلة والصور والوثائق تورط حزب الله وإيران في استهداف السعودية عبر مطار صنعاء، ما يعني أن الإرهاب أصبح على عتبة السعودية، ولا يختلف الحوثيون عن داعش وهم عقائديون ولا يؤمنون إلا بالدم وهم والحرس الثوري الإيراني وحزب الله اللبناني الذين يتسترون بآل البيت والمظلومية من أجل الهيمنة على المنطقة بل وأحد أهم أهداف الثورة الخمينية ليس فقط الوصول إلى الممرات المائية بل والوصول إلى مكة والمدنية.
وفي خطاب الملك سلمان بن عبد العزيز أمام مجلس الشورى في السنة الثانية من الدورة الثامنة، في 29/ 12/2021 أكد من أن إيران دولة جارة نأمل أن تغير سلوكها السلبي، لكنها حتى الآن ترفض التعاون مع المجتمع الدولي فيما يخص البرنامج النووي وتطويرها لبرامج الصواريخ البالستية ودعم المليشيات المسلحة في الشرق الأوسط، لكن أمريكا التي تستخدم استراتيجية الزناد التي فرضت عقوبات على إيران في الفترة الماضية أن أمام إيران أسابيع وليس أشهرا وهي أمام عقوبات مشددة ثم خيار العمل العسكري، ويطالبها المجتمع الدولي الامتثال لخطة العمل المشترك.
في الوقت الحالي السعودية تجلس في مقعد القيادة، بينما الإدارة الأمريكية ذاهبة مع السعودية أينما قررت بعد مرحلة كان الديموقراطيون يتوعدون بوضع عقوبات على السعودية، بعدما أدركوا أن السعودية حليف مهم يستحق الدعم، خصوصا وهناك دول تتمنى التقرب من السعودية وعلى رأسها الصين وروسيا وفرنسا وغيرها من الدول، وأمريكا بعدما سحبت الباتريوت صرحت للعربية من أن السعودية استطاعت أن تمنع 90 في المائة من هجمات الحوثيين، بعدما أكد التحالف في مؤتمر بعد كشف تورط حزب الله وإيران في استهداف السعودية عبر مطار صنعاء أنهم أطلقوا 430 صاروخا بالستيا و851 طائرة مسيرة على السعودية منذ بدء الحرب نتج عنه مقتل 59 مدنيا سعوديا.
ظن الحرس الثوري الإيراني وحزب الله أن اليمن هدفا سهلا، وعندما عرضت السعودية مبادرتها في مارس 2021 رفضت من الحاكم العسكري الإيراني حسن أورلو الذي كان يقود معركة مأرب لحسمها فيما كانت مأرب محرقة لقادة الحرس الثوري الإيراني وخبراء حزب الله اللبناني، وعلى رأسهم حسن أورلو وقيادات كبيرة من الحرس الثوري الإيراني ومن حزب الله ومن الحوثيين، ولم يتوقعوا جميعا كيف أن السعودية قادت حرب استخباراتية استطاعت اختراق الهرم القيادي للحوثيين ولقادة الحرس الثوري الإيراني وحزب الله بعملية استخباراتية.
يفضح علاقة الحوثيين بحزب الله بشكل خاص حتى يتأكد اللبنانيون أن السعودية مهددة بشكل مباشر من حزب الله اللبناني، وطالب الملك سلمان في خطابه أمام مجلس الشورى كما تقف السعودية إلى جانب الشعب اللبناني الشقيق وتحث جميع القيادات اللبنانية تغليب مصالح شعبها والعمل على تحقيق ما يتطلع إليه الشعب اللبناني الشقيق من أمن واستقرار ورخاء وإيقاف هيمنة حزب الله الإرهابي على مفاصل الدولة، وليس أمام السعودية سوى حسم الأزمة اليمنية خصوصا وما تقوم به من أجل أمن وسلامة اليمن الشقيق.