السودان والمبادرة الأممية ما بين الترحيب والمعارضة: سيناريوهات محتملة
رُغم إعلان رئيس وزراء السودان عبد الله حمدوك عن استقالته في مطلع الشهر الجاري إلا أن الهدوء لم يحل على شوراع السودان، واستمرت المظاهرات، كما أن قوى إعلان الحرية والتغييردعت إلى مواصلة التظاهر يوم الأحد 9\1\2022 ، وذلك في سياق خطوات تصعيدية اعتراضًا على العنف في التعامل مع المتظاهرين، ووسط هذه الدعوات أطلقت الأمم المتحدة مبادرة سياسية لحل الأزمة في السودان ، وفي هذا السياق يناقش التقرير التالي المبادرة الأممية وردود الفعل حولها كالتالي:
الوقوف على الأزمة
هناك مواجهة عنيفة من قبل الأمن السوداني تجاه المتظاهرين وهو ما أسفر عن وجود حالات وفاة وإصابات بينهم، وعلى هذا النحو اتفق عضو مجلس السيادة الفريق أول ركن شمس الدين الكباشي، في اتصال مع مساعد وزير الخارجية الأمريكية للشؤون الإفريقية مولي فيي على “ضرورة مراجعة وتطوير أساليب التعامل الأمني مع المظاهرات، وإجراء تحقيق شفاف في الأحداث التي صاحبتها”، وعلى صعيد متصل أكدت بعثة الاتحاد الأوروبي في السودان أيضًا “ضرورة إجراء تحقيقات مستقلة في الوفيات وأعمال العنف التي شهدتها المظاهرات، داعية إلى محاسبة المسؤولين عن هذه الأعمال”، مؤكدة : “يكرر الاتحاد الأوروبي التأكيد على الحاجة إلى إجراء تحقيقات مستقلة في جميع الوفيات وما يرتبط بها من أعمال عنف، ويدعو إلى محاسبة الجناة”.
مبادرة الأمم المتحدة
ثمة وجود آمال بأن تهدأ الأوضاع أعقاب استقالة رئيس الوزراء السوداني لكن الأحداث كانت خلافًا لذلك حيث استمرت التصعيدات وسط مراقبة المجتمع الدولي ومع تعقد الأزمة في ؛أعلنت الأمم المتحدة إطلاق عملية سياسية للوصول إلى حل يرضي جميع الأطراف المتصارعة في السودان من خلال حوار يشمل كافة المكونات السياسية في السودان.
حيث صدر بيان عن الممثل الخاص للأمين العام للأمم المتحدة في السودان فولكر بيرتس والذي أوضح فيه : “أنه يعكف على إجراء مشاورات مع الشركاء السودانيين والدوليين تهدف إلى دعم أصحاب المصلحة السودانيين للاتفاق”، وأن الهدف من الخطوة هو الخروج من الأزمة السياسية الحالية والاتفاق على مسار مستدام للمضي قدما نحو الديمقراطية والسلام”.
وجاء في البيان أيضًا: ” نحث جميع الأطراف السياسية السودانية على اغتنام فرصة الوساطة الأممية للانتقال بالبلاد إلى الديمقراطية”.
مشيرًا إلى :” إنشاء البعثة المتكاملة لدعم المرحلة الانتقالية في السودان «يونيتامس» بموجب قرار مجلس الأمن استجابة لطلب القيادة السودانية في فبراير 2020 لدعم الانتقال الديمقراطي في السودان”، مؤكدًا في السياق ذاته: “الخوف من أن يؤدي الانسداد السياسي الراهن في السودان إلى الانزلاق بالبلاد نحو المزيد من عدم الاستقرار، وإهدار المكاسب السياسية والاجتماعية والاقتصادية التي تحققت منذ قيام الثورة”.
مشيرًا على هذا النحو إلى: “جميع الإجراءات التي تم اتخاذها حتى الآن لم تنجح في إعادة مسار هذا التحول، بما يلبي تطلعات الشعب السوداني”.
وتابع قائلًا :” وتابع: “ستكون العملية شاملة للجميع، وستتم دعوة كافة أصحاب المصلحة الرئيسيين، من المدنيين والعسكريين بما في ذلك الحركات المسلحة والأحزاب السياسية والمجتمع المدني والمجموعات النسائية ولجان المقاومة، للمشاركة في العملية السياسية التي تتولى الأمم المتحدة تيسيرها”.
رد فعل القوى السياسية في السودان
أثارت بالطبع هذه المبادرة الأممية ردود الفعل بين الأوساط السياسية في السودان بين مؤيد ومرحب ومعارض، ويمكن رصدها فيما يلي:
- مجلس السيادة: وهو المجلس الذي يقوده الجيش أعلن عن ترحيبه بالمبادرة الأممية من أجل الوصول إلى حل للأزمة في السودان.
- “الحرية والتغيير”: وهى من أهم القوى السياسية في السودان والمشارك الرئيسي في المكون المدني بمجلس السيادة الحاكم في السودان، وقد صرّحت تعقيبًا على هذه المباردة قائلة في بيان لها التالي:
- ” إنها لم تتلق حتى الآن أي تفاصيل عن مبادرة الأمم المتحدة للحوار السوداني التي أطلقتها المنظمة الدولية”، موضحةً في بيان رسمي لها: “ستدرس المبادرة حال تلقتها بصورة رسمية وستعلن موقفها للرأي العام في حينها”.
- “المكتب التنفيذي للحرية والتغيير ناقش بيان الأمم المتحدة وخلص إلى تجديد قوى التحالف لموقفه المعلن الذي لا تراجع عنه، وهو مواصلة العمل الجماهيري السلمي لهزيمة قرارات ٢٥ أكتوبر وتأسيس سلطة مدنية كاملة تقود الانتقال الذي يستكمل مهام ثورة ديسمبر المجيدة، ويؤدي لانتخابات حرة ونزيهة بنهاية المرحلة الانتقالية”.
- “السودان دولة ذات عضوية في الأمم المتحدة، وبعثة يونيتامس لديها تفويض بموجب قرار مجلس الأمن ٢٥٢٤ (٢٠٢٠) لدعم الانتقال المدني الديمقراطي في السودان”.
- “هذا الانتقال عصفت به قرارات الجيش الصادرة في ٢٥ أكتوبر، وقالت “عليه فإن تعاطي البعثة مع الوضع الراهن يجب أن يتوافق مع قرارات مجلس الأمن التي نصت على دعم عملية الانتقال والتقدم نحو الحكم الديمقراطي والسلام وحماية حقوق الإنسان وتعزيزها”.
- “منذ انطلاق ثورة شعبنا ضد قرارات الجيش في ساعته الأولى، توالت ردود فعل دولية رسمية وشعبية تساند مطالب السودانيين والسودانيات في الحرية والسلام والعدالة”.
- “قوى الحرية والتغيير تتعاطى إيجابًا مع أي جهد دولي يساعد في تحقيق غايات الشعب السوداني في مناهضة الانقلاب وتأسيس دولة مدنية ديمقراطية”.
- الجبهة الثورية: واتصالًا بهذا الجانب، أعلن رئيس الجبهة الثورية عضو المجلس السيادي الهادي إدريس عن “ترحيبه بالمبادرة الأممية المتمثلة في تبني الأمم المتحدة لحوار رسمي بين المكونات السودانية المختلفة والشركاء الدوليين للتوصل لاتفاق للخروج من الأزمة الحالية”، مشيرًا في بيان صحفي: “نتطلع بأن تحدث المبادرة اختراقا حقيقيا تجاه حل الأزمة السياسية السودانية الراهنة، مؤكداً أن السودان أمام مفترق طرق ويستوجب التدخل الأممي”.
- تجمع المهنيين السودانيين: إن تجمع المهنيين السودانيين هو أكثر القوى المعارضة للمبادرة الأممية لحل الأزمة السودانية.
- حركة جيش التحرير السوداني: وهى حركة يقودها عبد الواحد محمد نور وقد أعلنت الحركة رفضها للمبادرة معللة ذلك في تصريح لها بأنه :”الحركة رفضت الدعوة استنادًا إلى موقفها ضد الانقلاب”، مضيفًا : “فكرة الحوار السوداني السوداني طرحتها الحركة من قبل وعرضتها على مبعوث الأمم المتحدة ولكن دون أي استجابة”.
- لجان من المقاومة: رحب عدد من لجان المقاومة بدعوة ممثل الأمين العام للأمم المتحدة في السودان للتوصل إلى اتفاق للخروج من الأزمة.
وبشكل عام رُغم محاولات التهدئة إلا أن هناك إصرار من بعض القوى السياسية للوصول إلى حل فعّال حيث أعلنت بعض القوى السياسية في السودان إلى دعوتها للمظاهرات ردًا على المبادرة الأممية.
موقف عربي وإقليمي ودولي
خلافًا لردود الفعل المتباينة بين القوى السياسية في السودان فقد لاقت المبادرة ترحيبًا عربيًا ودوليًا حيث:
-
على المستوى العربي:
- مصر: أعلنت مصر ترحيبها للمباردة الأممية عبر تصريحات على لسان وزارة خارجيتها، حيث أكدت في بيان: “مصر تتابع عن كثب التطورات الأخيرة في جمهورية السودان الشقيق، وإنه وفي هذا الإطار، تدعم مصر التحرك الأُممي الحالي الداعم لتحقيق الاستقرار بالسودان من خلال تفعيل حوار بين الأطراف السودانية من شأنه حل وتجاوز الأزمة الراهنة، والحيلولة دون الانزلاق إلى دائرة الفوضى”.
مؤكدة: “أن أمن واستقرار السودان جزء لا يتجزء من أمن واستقرار مصر والمنطقة”.
- قطر والبحرين: أعلنت الدولتان ترحيبهما بإعلان الأمم المتحدة العمل مع كافة الأطراف السودانية وذلك لتيسير الحوار وتجاوز المعوقات التي تواجه السودان خلال الفترة الانتقالية .
- جامعة الدول العربية: أعلن الأمين العام لجامعة الدول العربية أحمد أبو الغيط، ترحيبه بإعلان الأمم المتحدة لحل الأزمة السياسية في السودان، وأشار في بيان له: “هذا الدعم يأتي انطلاقا من حرص الجامعة العربية على الحفاظ على المكتسبات التي تحققت للشعب السوداني على مدار العامين المنصرمين، وعلى أهمية معالجة جميع أسباب عدم الاستقرار السياسي والاجتماعي والاقتصادي في البلاد”.
-
على المستوى الإقليمي:
أعلنت منظمة التعاون الإسلامي ترحيبها بالمبادرة الأممية لحل الأزمة في السودان داعية كافة القوى السياسية إلى الالتزام بالهدوء والوصول إلى حل يرضي جميع الأطراف المتنازعة.
-
على المستوى الدولي:
أعلنت كل من الولايات المتحدة وبريطانيا والسعودية والإمارات، ترحيبهم بإعلان الأمم المتحدة بهدف حل الأزمة، داعية إلى: ” اغتنام هذه الفرصة لاستعادة الديمقراطية المدنية”، حيث ذكر بيان مشترك للمجموعة الرباعية التالي :”ترحب بالإعلان عن قيام بعثة الأمم المتحدة للمساعدة في السودان بتسهيل المناقشات لحل الأزمة السياسية في السودان”، مضيفا “نحن ندعم بقوة مبادرة الحوار السودانية التي تيسرها الأمم المتحدة”.
داعية أن: ” تكون هذه العملية موجهة نحو النتائج وأن تقود السودان نحو انتخابات ديمقراطية بما يتماشى مع تطلعات الشعب السوداني الواضحة إلى الحرية والديمقراطية والسلام والعدالة والازدهار”.
سيناريوهات محتملة
ثمة سيناريوهات للأزمة السودانية بعد المبادرة الأممية لحل الأزمة السودانية عبر حوار، وهى تتمثل في:
السيناريو الأول: هو سيناريو تشاؤمي حيث عدم مشاركة القوى المعترضة على المبادرة في الحوار وبالتالي لن تصل الأزمة لحل حقيقي ومخرج نهائي، بل تدخل في أزمات أكثر ويزيد الاحتقان السياسي أكثر.
السيناريو الثاني: سيناريو تفاؤلي حيث الترحيب العربي والدولي ربما يشكل ضغطًا على أطراف القوى السياسية السودانية مما يدفعها للاستجابة إلى المباردة الأممية وتعد المشاركة هى أولى خطوات الوصول لحل للأزمة ومن ثم في هذا السيناريو يقترح أن تكون المبادرة بداية إنهاء المعضلة السياسية السودانية.
السيناريو الثالث: وهو سيناريو وسط حيث تبقى دعوات الأمم المتحدة مطروحة ويبقى الحال كما هو عليه وبالتالي تظل الأزمة السياسية معلقة.
خلاصة القول يتضح من التباين بين كافة الأوساط السياسية في السودان أن المبادرة الأممية لن تكون حلًا للأزمة السياسية نظرًا لاختلاف القوى السياسية حولها ومن ثم لم يكن هناك دافع حقيقي من تلك القوى للجلوس على مائدة الحوار والاتفاق بشكل جدي للأزمة ، فأزمة السودان تنتهي حين يريد المواطنون والقوى السياسية إنهاء الأزمة فالحل يمكن بين يدي أطراف القوى السودانية المختلفة، ومن هذا المنطلق ربما ولو استجابت جميع القوى السياسية للمبادرة الأممية أن تكون نواة وجسر تعبر عليه السودان إلى المحطة النهائية من الأزمة.