العراق.. رؤية تحليلة حول أولى جلسات البرلمان
عقد مجلس النواب العراقي جلسته الأولى وذلك بعد تأكيد المحكمة الاتحادية العليا لنتائج الاننتخابات التي عُقدت في أكتوبر 2021 والتي جاءت بفوز الكتلة الصدرية بالغالبية مما دفع القوى الخاسرة إلى تقديم طعن على نتائج الانتخابات.
وقد أجلت المحكمة النطق بالقرار النهائي مرتين وسط بيئة حادة بين القوى السياسية العراقية، إلا أنها في يوم 27 ديسمبر 2021 وأصدرت حكمها برد الدعوى على الطعون المقدمة من تحالف الفتح الخاسر في الانتخابات ورفض إصدار أى أمر بإيقاف المصادقة على الانتخابات.
كما أنها رفضت الدعوى الخاصة بالطعن بشأن الانتخابات البرلمانية راجعة الأمر إلى البرلمان العراقي الذي عليه تعديل قانون الانتخابات، ومن هذا المنطلق عقد البرلمان العراقي أولى جلساته بعد المصادقة على نتائج الانتخابات، وفي هذا السياق يتناول التقرير قراءة تحليلية عن أولى الجلسات المعقودة كالتالي:
طبيعة النظام السياسي العراقي
ومنذ عام 2003 ودخول القوات الأمريكية العراق سقط النظام السياسي العراقي، وبدأ يغلب عليه سمة التفرقة، نظام محاصصة طائفية يغلب على تكويناته العنف المتبادل، وأساس طائفته هو الدين، حيث ينقسم المجتمع العراقي طبقا للدين إلى مسلمين ومسيحيين وصابئة، وينقسم المسلمون طبقًا لمذهبهم إلى سنة وشيعة، ومن حيث القومية العرقية فهناك عدد من القوميات كالقومية العربية، والكردية، والتركمان، والكلدانيون، والآشوريون، الأرمن، والسريانيين، والأيزيديين.
تشكيل البرلمان العراقي
طبقًا للمفوضية العليا للانتخابات في العراق فإنّ التمثيل داخل البرلمان الذي يتألّف من 329 مقعداً، يتوزع على الشكل التالي: 320 مقعداً يتم توزيعها على المحافظات بدوائرها الإنتخابية ووفقاً لحدودها الإدارية، ويبقى 9 مقاعد توزّع على الأقليات، طبقًا لنتائج الانتخابات للدورة النيابية الخامسة فإن التيار الصدري بزعامة مقتدى الصدر له 73 مقعدًا في البرلمان.
وحل التحالف بزعامة محمد الحلبوسي حاز على 37 مقعدًا، وتحالف دولة القانون بزعامة نوري المالكي حصل على 33 مقعدًا والحزب الديمقراطي الكردستاني بزعامة مسعود بارزاني حاز على 31 مقعدًا، بينما كان تحالف الفتح وتحالف كردستان من القوى المتراجعة والحاصلة على 17 مقعدًا، وبهذا الشكل تكون القوىالشيعية هى الأكثر سيطرة على مقاعد البرلمان.
ملامح أولى جلسات البرلمان
وساد المشهد المضطرب على أولى جلسات البرلمان العراقي، حيث بدأت جلسة البرلمان العراقي برئاسة النائب محمود المشهداني أكبر الأعضاء سنًا، كما جرى عدة أمور وهى:
- كان مقرراً أن تنطلق الجلسة عند الساعة 11 بالتوقيت المحلي العراقي لكن تأخر عقدها وتم تأجيلها حوالي 3 ساعات بسبب التوترات والخلافات الدائرة، حيث جرت مداولات مكثفة قبل الجلسة خارج قاعة البرلمان لمحاولة تخفيف حدة التوترات.
- حدوث مشادات عنيفة داخل قاعة البرلمان وتعرض محمود الكشهداني إلى اعتداء من قبل بعض النواب، ونُقل إثر ذلك إلى المستشفى لتلقي العلاج، وبعد ذلك ترأس أعمال الجلسة رئيس السن الاحتياط الثاني خالد الدراجي.
- ارتدى أعضاء “الكتلة الصدرية” وشاحًا أبيض مثل الأكفان تعبيرًا عن انتمائهم للمرجع الديني الراحل محمد الصدر، والد مقتدى الصدر، فيما شهدت الجلسة هتافات من النواب المستقلين؛ تمجيدًا للاحتجاجات الشعبية.
- التصويت على اختيار محمد الحلبوسي، رئيسا للبرلمان لولاية ثانية، وذلك بحصوله على حصل على 200 صوت مقابل 14 صوتاً لمنافسه محمود المشهداني، فيما اعتبرت 14 بطاقة اقتراع باطلة والنائب عن التيار الصدري، حاكم الزاملي، نائبًا له.
وفي هذا الإطار صرح رئيس البرلمان العراقي الجديد محمد الحلبوسي: ” أن البرلمان العراقي الجديد هو نتاج للمظاهرات الاحتجاجية التي شهدها العراق في أكتوبر 2019″، مضيفًا: “أشكر كل من شارك بالعرس الانتخابي في أكتوبر الماضي وأمامنا مشوار كبير وعمل متواصل لتصحيح مسارات العمل السياسي وإستعادة الثقة بالعملية السياسية”.
مؤكدًا في السياق ذاته: ” نحن الا نتاج لمظاهرات أكتوبر عام 2019 التي طالبت بالإصلاح ومعالجة قانون الإنتخابات”.
رئيس البرلمان العراقيوقد علّق مقتدى الصدر على هذا الانتخاب عبر بيان تضمن: “إن اختيار رئيس البرلمان ونائبيه هذه أولى بشائر حكومة الأغلبية الوطنية، ومن هنا أبارك للشعب العراقي الحبيب هذه الخطوة الأولى واللبنة الأولى لبناء عراق حر مستقل بلا تبعية ولا طائفية ولا عرقية ولا فساد”.
وأضاف: “لتنبثق منه حكومة وطنية نزيهة خدمية تحافظ على سيادة البلد وقراره وتراعي شعبها وتحفظ له كرامته وتسعى لإصلاح جاد وحقيقي، فالحمد لله على أن منّ علينا بهذه النعمة ونسأل الله أن تكون كل الكتل السياسية في البرلمان والحكومة على قدر المسؤولية فهم أمام منعطف صعب يخطه التاريخ بنجاحهم أمام شعبهم إن شاء الله تعالى وأن لا يعيدوا أخطاء الماضي المرير”.
وخلال مجريات الجلسة، أعلن رئيس السن الأول محمود المشهداني أنه فاق من غيبوبته، وأنه رفع الجلسة إلى وقت آخر، وأن ما حصل لا يستند إلى رأي قانوني، وهو ما أثار ضجة وجدلاً، بشأن قانونية الجلسة.
وعلى صعيد آخر عارض تحالف “الإطار التنسيقي”، برئاسة رئيس ائتلاف دولة القانون نوري المالكي، وتحالف الفتح، جلسة البرلمان، معتبرينها تدبيرًا من التيار الصدري.
وقد عبّر الإطار التنسيقي عن غضبه لما حدث في الجلسة عبر تصريحات: ” حاولنا جاهدين منع انزلاق الأمور إلى هذا التخندق الحاصل الذي شاهدناه اليوم، والذي ينذر بخطر شديد، وقد أثار استنكارنا ما حصل اليوم من اعتداء على رئيس السن لمجلس النواب، وإثارة الفوضى في جلسة المجلس، مما دفع رئيس السن إلى طلب تعليق الجلسة للتدقيق القانوني بعدم تقديم لائحة طعن قانونية بضوابط الترشيح”.
وأضاف: “لكن الهجوم عليه أفقده القدرة على الصمود، ونقل إثر إصابته إلى المستشفى، وللأسف الشديد استمرت بعض الكتل بإجراءات الجلسة دون أي سند قانوني”، مشيرا إلى “عدم اعترافنا بمخرجات جلسة انتخاب رئيس المجلس ونائبيه، كونها تمت بعدم وجود رئيس السن الذي ما زال ملتزمًا بتأدية مهامه، ونؤكد عدم اعترافنا بمخرجات جلسة انتخاب رئيس المجلس ونائبيه، كونها تمت بعدم وجود رئيس السن الذي لا زال ملتزما بتأدية مهامه”.
- إعلان رئيس مجلس النواب العراقي محمد الحلبوسي فتح باب الترشيح لمنصب رئيس الجمهورية، قائلًا : “فترة الترشيح لمنصب رئيس الجمهورية تمتد لـ 15 يوما، وفي اليوم الأخير تجري جلسة التصويت على المرشحين”، مؤكدًا: “انتخاب هيئة الرئاسة لمجلس النواب خطوة أولى في مسار التشريع النيابي والعراقيون ينتظرون منا الكثير. نحتاج لتصحيح المسار لاستعادة ثقة الشارع”.
مؤشرات ودلالات
يمكن استنباط العديد من المؤشرات على هذه الجلسة والتي تعكس بعضًا من الدلائل التي تساعد في استشراق مستقبل الحكومة العراقية الجديدة وهى فيما يلي:
- تأجيل الجلسة عن موعدها المقرر الإطلاق فيه مؤشر مهم خصوصًا وسط طبيعة المجتمع العراقي المتميز بالعرقية بامتياز ويعكس أن القوى السياسية العراقية وبالأخص الرافضة للانتخابات تريد أن تعطل المسار السياسي الذي بدأه العراق وأن فكرة التخلي عن المحاصصة وتغليب مصلحة العراق ومحاولة الاتفاق مع القوى الفائزة _المعارضة لهم- لن تحدث أبدًا.
- على الجانب الآخر وبالإشارة إلى قوى التيار الصدري الفائز في الانتخابات فإن ارتدائهم الأكفان مؤشرًا يعكس ولاءهم فقط للتيار والمرجع الديني والد مقتدى الصدر وهى نقطة يشترك فيها مع التيار الخاسر في كون عدم هناك محاولة للتغلب على فكرة الطائفية، وربما يعكس من جانب آخر لدلالة مهمة غير مباشرة وهى أن هناك خيارين أما تحقيق مطالب مقتدى الصدر وتشكيل حكومة أغلبية أما الموت.
- اختيار محمد الحلبوسي رئيسًا للبرلمان وسط اختلافات حول انتخابه وتعليق الإطار التنسيقي بعدم الاعتراف بمخرجات الجلسة يضع العملية السياسية العراقية أمام عدة معضلات وهى:
- أنه من الطبيعي في العمليات الانتخابية والبرلمانية أن يكون هناك منتخبين لا يريدون شخصًا ولكن عليهم الرضا بقبول نتائج الانتخابات وبالتالي فعدم اعتراف الاطار التنسيقي بمحمد الحلبوسي رئيسًا للبرلمان يضع الجهة التشريعية في معضلة وجميع التشريعات واللوائح التي تنتجها في موضع تساؤل دائم.
- مشكلة تشكيل الحكومة الجديدة لن تحل أبدًا بسبب حالة اللاتوافق التي تسيطر على المشهد السياسي العراقي، حيث أن معارضة القوى الخاسرة لمجريات الجلسة سيجعل من الصعب تشكيل الحكومة لأنها لن تصبح طرفًا فيها.
خلاصة القول يزداد الخناق حول العراق من حين لآخر فالمشهد السياسي العراقي لم يتقدم خطوة واحدة إيجابية منذ انتخابات اكتوبر 2021 وتظل المشكلات القائمة كما هى فرُغم انعقاد البرلمان إلا أن الطبيعة الخلافية هى التي لا تزال موجودة ومن هذا المنطلق فإن تشكيل الحكومة سيظل يسود عليه الغموض فمستقبل تشكيل الحكومة يدور حوله علامات استفهام كثيرة، وبشكل عام لن يستطيع العراق أن يتقدم إلى الأمام ما دام المحاصصة لها الكلمة الفصل في مجريات الساحة السياسية العراقية.