الأزمة في كازاخستان.. تطورات جديدة في المشهد السياسي
تشهد كازاخستان مظاهرات خلال الآونة الأخيرة بسبب ارتفاع أسعار البترول، والذي يستخدمه الكثيرون مما أدى إلى ارتفاع أسعار السلع الاستهلاكية، وتحولت المظاهرات لموجة من العنف مع لجوء الشرطة لاستخدام الغاز المسيل للدموع وقنابل الصوت في مدينة ألماتي وهى أكبر مدن كازاخستان وعاصمتها السابقة.
وبناءً على ذلك قام الرئيس الرئيس الكازاخي قاسم جومارت توكاييف بحل الحكومة، ووعد ” بعودة أسعار الوقود إلى ما كانت عليه من انخفاض حفاظًا على الاستقرار “، ولكن رُغم إتخاذ هذه الخطوات وإعادة أسعار الوقود إلى ما كانت عليه، إلا أن المتظاهرين لم يغادروا الشوارع، فلا تزال الأوضاع في كازاخستان مضطربة، ومن هذا المنطلق يناقش التقرير آخر التطورات التي وصل إليها الوضع في كازاخستان فيما يلي:
خطوات للتهدئة
وسرعان ما اتخذ الرئيس الكازاخي قرارات لعودة الاستقرار ولكن هذا لا يحرك جانبًا للمتظاهرين وفي هذا السياق قد أعلن في تصريحات سابقة أنه: “أظهر تحليل الوضع أن كازاخستان واجهت عملية عدوان مسلح تم تدبيره وتنسيقه جيدا من قبل المنفذين والعصابات الإرهابية الذين تلقوا تدريبات في خارج البلاد”.
مضيفًا “أفراد العصابات والإرهابيون مدربون ومنظمون جيدا للغاية وتجري قيادتهم من مركز خاص، بعضهم تحدثوا بلغات غير كازاخية، كما كانت هناك 6 موجات من هجمات الإرهابيين في ألما آتا على الأقل، وبلغ عددهم العام 20 ألف شخص”.
وقد طالب الرئيس قاسم من منظمة معاهدة الأمن الجماعي لإرسال مهمة حفظ سلام إلى كازاخستان بقيادة روسيا وقد استجابت روسيا إلى هذه الدعوة.
واستكمالًا لمحاولات التهدئة أعلنت الرئاسة الكازاخستانية: ” أن الرئيس قاسم جومارت توكايف، سيعلن عن تغييرات في كوادر الحكومة، 11 يناير بعد إقالات على خلفية الاحتجاجات الواسعة الأخيرة”.
محاولة انقلاب
فإن استمرار أعمال العنف والتخريب رُغم الاستجابة لمطالب المتظاهرين دفع الرئيس قاسم جومارت توكاييف إلى القول بأن ثمة جماعات إرهابية خارجية تحاول إفساد الاستقرار في كازاخستان حيث قال: “إن بلاده نجت من محاولة انقلاب دبرها ما سماها “مجموعة منفردة” بعد أعنف اضطرابات منذ انهيار الاتحاد السوفيتي”، وفي هذا السياق ندد الرئيس الروسي فلاديمير بوتن بـ”الإرهاب العالمي” الذي استهدف كازاخستان.
كما كانت وزارة الداخلية قد أعلنت: “أن قوات الأمن اعتقلت في المجمل 7939 شخصًا حتى 10 يناير خلال الاضطرابات التي وقعت الأسبوع الماضي”.
وأيضًا تم عودة الإنترنت إلى مدينة ألماتي بعد انقطاع دام 5 أيام، وبات تصفح المواقع الإلكترونية المحلية والأجنبية من جديد متاحًا للأفراد، وعلى هذا الضوء وخلال كلمة ألقاها رئيس كازاخستان أمام اجتماع لمنظمة معاهدة الأمن الجماعي بقيادة روسيا عبر رابط فيديو قال: “إنه تم استعادة النظام في كازاخستان لكن ملاحقة “الإرهابيين” مستمرة.
وأضاف “عملية “مكافحة الإرهاب” على نطاق واسع ستنتهي قريبا إلى جانب مهمة منظمة معاهدة الأمن الجماعي، التي قال إنها تضم 2030 جنديا و250 قطعة من المعدات العسكرية”، مؤكدًا أن: “كازاخستان ستقدم دليلا للمجتمع الدولي على ما حدث في القريب العاجل”.
وتابع في السياق ذاته “16 من أفراد قوات الأمن قتلوا وأن عدد المدنيين الذين لقوا حتفهم في أعمال العنف لا يزال قيد التحقيق”، مشيرًا إلى: “قوات إرهابية منظمة تضم في صفوفها متشددين ومجرمين ومخربين، استغلت الحركة الاحتجاجية على رفع أسعار المحروقات في محاولة لقلب السلطة، وأكد “نجحنا في استعادة السيطرة على الوضع”.
واستكمل حديثه ” نحو 1300 مؤسسة تعرّضت لأضرار، مشيرا خصوصا إلى هجمات استهدفت “100 مؤسسة بين مراكز تجارية ومصارف، وأن 500 سيارة تابعة للشرطة أحرقت”، مشيرا إلى أن “الخسائر الاقتصادية التي لحقت بالدولة يمكن أن تصل إلى ملياري أو 3 مليارات دولار”، مشيرا إلى سقوط “ضحايا في صفوف قوات الأمن والمدنيين”.
أوضح كم خلال بيان آخر صادر عن مكتب الرئاسة: ” أن قوات حفظ السلام التابعة لمنظمة معاهدة الأمن الجماعي ستبقى في كازاخستان حتى يستقر الوضع تمامًا”، مشيرًا إلى “تم نشر قوات حفظ السلام التابعة لمنظمة معاهدة الأمن الجماعي وفقًا للمادتين 2 و4 من معاهدة الأمن الجماعي لمنظمة «معاهدة الأمن الجماعي» وستبقى في كازاخستان حتى يستقر الوضع تمامًا”.
مضيفًا في ذات السياق: “عمل عدواني منظم وجيد الإعداد حصل ضد كازاخستان بمشاركة مقاتلين أجانب، وخاصة من دول آسيا الوسطى، بما في ذلك أفغانستان، وكان هناك أيضًا مقاتلون من الشرق الأوسط، وأن الفكرة من هذا العدوان إقامة منطقة من الفوضى الخاضعة للسيطرة على أراضينا مع الاستيلاء على السلطة لاحقًا لذلك، تم إطلاق عملية مكافحة الإرهاب في كازاخستان”.
دعم روسي مستمر
وتجمع روسيا وكازاخستان علاقات قوية فروسيا هى الشريك الاستراتيجي لكازاخستان وكازاخستان هى الظهير الاقتصادي لروسيا ومن ثم كان حديث الرئيس الروسي فلاديمير بوتين عن الأحداث في كازاخستان نابعًا من مركز قوة والدليل على ذلك أنه خلال القمة الافتراضية لمجلس منظمة معاهدة الأمن الجماعيوجه الرئيس الروسي فلاديمير بوتن، رسالة للغرب عن: ” وجود قوى داخلية وخارجية مدمرة استغلت تظاهرات كازاخستان، الدولة السابقة في الاتحاد السوفيتي”.
وأضاف “أن بعض القوى الخارجية والداخلية استغلت الوضع الاقتصادي في كازاخستان لتحقيق أغراضها، و قوات مجموعة الأمن الجماعي ستبقى في كازاخستان لفترة تحددها رئاسة كازاخستان، كما أنها ستنسحب من كازاخستان بعد إنتهاء مهمتها”، مؤكدًا “أحداث كازاخستان ليست المحاولة الأولى ولن تكون الأخيرة للتدخل الخارجي، وأن دول منظمة معاهدة الأمن الجماعي أظهرت أنها لن تسمح بـ(ثورات ملونة)”.
وأسرد في السياق ذاته إلى: “الأحداث الأخيرة في كازاخستان تؤكد أن بعض القوى لا تتردد في استخدام الفضاء الإلكتروني والشبكات الاجتماعية في تجنيد المتطرفين والإرهابيين، وتشكيل خلايا نائمة من المسلحين”.
مساعدات أخرى
وأعلنت الصين عبر وزارة خارجيتها عن استعدادها لتقديم المساعدة إلى كازاخستان، موضحة في بيان: “الصين وكازاخستان جارتان صديقتان وشريكتان استراتيجيتان دائمتان. وتحافظ الصين على تعاون وثيق مع كازاخستان وستقدم المساعدة وفقا لرغبات الجانب الكازاخستاني وفي حدود قدراتها”.
وفي سياق متصل أعلنت الإمارات العربية المتحدة دعمها الكامل لكازاخستان في تخطي الأزمة، وأيضًا استكمالًا لذلك أعلنت البحرين تضامنها مع كازاخستان قيادة وشعبًا لاستعادة الأمن والاستقرار سريعًا.
تفسيرات وانعكاسات مهمة
ثمة العديد من النقاط التي تم ذكرها في التصريحات السابقة والتي تعكس أهدافًا وإشارات مهمة وتتمثل في:
- عند توجيه رئيس كازاخستان “دعوة” إلى منظمة الأمن الجماعي بقيادة روسيا للتدخل فهذه “الدعوة” تعكس شرعية التدخل الروسي في كازاخستان خلافًا لما تروج له الولايات المتحدة على لسان وزير خارجيتها أنتوني بلينكن الذي صرّح بـ: “ستجد صعوبة كبرى في الحد من «النفوذ الروسي»”، فالتدخل الروسي جاء بشكل قانوني علاوة على ذلك جاء من واقع عمق العلاقات التي تجمع البلدين في إطار اتفاقية منظمة الأمن الجماعي بين الدول الموقعة عليها.
- التدخل الروسي في كازاخستان؛ يأتي لحماية المصالح الروسية الاستراتيجية حيث تأمين احتياجاتها من النفط والغاز، إضافة إلى ذلك فالتدخل الروسي يكون لأسباب أمنية نظرًا للحدود المشتركة بين الدولتين وروسيا تخشى من أي توترات تحدث في أي بلد مجاورة لها.
- إشارة بوتين إلى تدخل إرهابي خارجي وهو ذات التصريح الذي عبّر به رئيس كازاخستان يشير إلى أنه ربما وجود بنسبة كبيرة امدادًا للمعلومات من الجانب الروسي لكازاخستان، وبالإشارة إلى كلمة “انقلاب” في حديث الرئيس قاسم وربطها بتلك التصريحات سيتم استخلاص أن روسيا تريد الحفاظ على النظام السياسي الحالي فالرئيس قاسم حليفًا لها وربما أي محاولة تغيير في النظام ينتج عنه قائد يكون معاد لروسيا وبالتالي تخسر كل صفقاتها وأولها الصفقات الاقتصادية والأمنية، وهذا ما حدث مع أوكرانيا بعد إزالة حكم حليفها الرئيس السابق فيكتور يانوكوفيتش، وطلب الانضمام لحلف “الناتو” بعدها.
- الحديث عن “ثورات ملونة” يعكس مخاوف روسيا من حدوث اضطرابات على أراضيها عبر انتقال النموذج الثوري من كازاخستان وهو الأسلوب الذي اتبعته الولايات المتحدة الأمريكية من قبل مع أوروبا ودول الاتحاد السوفيتي السابق.
- قول رئيس كازاخستان بأن قوى خارجية من الشرق الأوسط ربما يشير به إلى تركيا التي تسعى إلى إقامة إمبراطورية تركية في دول آسيا الوسطى مستغلة التقارب الجغرافي والاشتراك في اللغات والثقافات بينهم، علاوة على ذلك تريد الاستفادة من إمدادات الطاقة والموارد الاقتصادية التي تزخر بها كازاخستان.
- عدم تعليق روسيا سلبًا على إعلان الصين تقديم العون إلى كازاخستان يشير إلى تنفيذ مخطط قيام تكتل روسي صيني شرقي في مواجهة التكتل الغربي بقيادة الولايات المتحدة.
خلاصة القول لا تزال الأوضاع ثائرة في كازاخستان وسط محاولات من الرئيس قاسم لاحتواء الأزمة في سياق تدخل روسي لدعم الاستقرار والأمن في البلاد ودعم خليجي وصيني لكازاخستان؛ ومن ثم يمكن استخلاص أن الأزمة في كازاخستان ليست قائمة على تظاهرات لها مطالب اقتصادية بل هناك أهدافًا غير معلنة وخططًا يجرى تنفيذها لتحويق دول آسيا الوسطى بعمليات غير مسترة ومثال على ذلك ما يحدث في أفغانستان والدول المجاورة لها.