وسط بيئة من المتغيرات.. هل تنجح سياسات التنويع الاقتصادي في دول الخليج؟
في ظل المتغيرات والتحديات التي أضحى العالم يعانيها اليوم يبقى البحث عن آليات بديلة ضرورة ملحلة استجابة للواقع المفروض، فهناك تحديات مناخية واقتصادية ووبائية حيث ظهور وباء كورونا ومتحوراته من حين لآخر أصبح العالم يعاني منها في الآونة الأخيرة؛ وفي إطار الحديث عن ذلك، فهناك دول تكون أكثر تأثرًا من غيرها من المتغيرات التي تواجه دول العالم المختلفة؛ وتكون دول الخليج هى الدول الأكثر تأثرًا حيث أن الآثار الاقتصادية التي أصبح مروجًا لها مؤخرًا ومن ثم أصبح الحديث عن وجود بدائل اقتصادية لدول الخليج التي تعتمد بشكل أساسي على النفط، وفي هذا السياق يناقش التقرير إتجاه التنويع الاقتصادي لدول الخليج العربي، كالتالي:
تحديات خارجية
قطاع الطاقة الخليجي الذي يشتمل على إنتاج وتوزيع كل من النفط والغاز يعد شريان الحياة في دول مجلس التعاون وأصبح هذا القطاع يواجه مخاطر تزداد يومًا بعد يوم وتتمثل في:
- التغير المناخي الشديد والتوقعات بأن يصبح العالم في مأزق ومن ثم هذا دفع الدول إلى إتخاذ تدابير لمواجهة هذا التغير ومن هذه الدول الدول الأوروبية التي أصبحت تروج للبحث عن مصادر أرى للطاقة المتجددة عوضًا عن النفط والغاز والفحم الذين يعدوا أكبر مصادر للاحتباس الحراري العالمي.
- ظهور الأوبئة العالمية متمثلة في وباء كورونا والذي ظهر في أوائل 2020 ويظهر متحورات له من حين لآخر على مدار عامين من ظهور الوباء؛ ومن بين تراجع لمستوى عائدات النفط كان البحث عن بديل ضرورة ملحة على دول الخليج العربي.
سياسة التنويع الاقتصادي
تؤسس سياسة التنويع الاقتصادي لاقتصاد غير نفطي كما أصبحت فكرة التنويع الاقتصادي لدول الخليج ضرورة حتمية في ظل التغيرات الجذرية التي يشهدها الاقتصاد العالمي واتجاه العديد من الدول نحو مصادر الطاقة المتجددة، وبالتالي، سعت حكومات الدول النفطية إلى البدء بتنويع مصادر الدخل واستثمار مبالغ ضخمة في تطوير قطاع صناعات الطاقة الثقيلة، كما أنه من المتوقع أن تنخفض العائدات من النفط بسبب تراجع الطلب العالمي على النفط ابتداء من العام 2040.
وعلى هذا الضوء فدول الخليج تخرج سياسات لتنويع مصادر الدخل وتقليل اعتمادها على النفط، وتحقيق بيئة اقتصادية بها معدلات منخفضة للتضخم، وتعزيز مناخ الأعمال، وتحرير التجارة والاستثمار الأجنبي المباشر، وتعميق القطاع المالي، كما يجري تنفيذ خطط التنمية الوطنية بهدف تعزيز رأس المال البشري للمواطنين، وتطوير الصناعات والخدمات جديدة.
قطاعات التنويع الاقتصادي
هناك العديد من القطاعات التي تستطيع الدول الخليجية أن تعتمد عليها كبديل للنفط والغاز الطبيعي وتكون هذه القطاعات كما يلي:
- قطاع الصناعة
- السعودية:
تتجه السعودية إلى تعزيز قطاع الصناعات المتنوعة كآلية جديدة بديلة لقطاع النفط والغاز حيث بلغ عدد المصانع النوعية الجديدة 12 مصنعًا منها المصانع المحلية المحلية ذات الجودة العالية وأخرى دولية أميركية وكورية ومصنع بشراكة ماليزية ؛ وذلك تأكيدًا على دور السعودية الريادي في صياغة مستقبل القطاع الصناعي.
- الإمارات:
تمكنت الإمارات من تحقيق التنويع الاقتصادي، حيث أصبح الأكثر تنوعاً في المنطقة وبين جميع كبار منتجي النفط؛ لتوافر منظومة قانونية وتشريعية تحمي الاستثمارات، ورؤية استراتيجية للمستقبل، والقدرة على دعم الابتكارات وهو ما جعلها تلحق تصنيفات أولية على مستوى الأسواق الناشئة في منطقة الشرق الأوسط فضلًا عن ارتفاع نسبة تدفقات الاستثمارات الأجنبية.
وفي سبيل دعم قطاع الصناعة الإماراتي، أطلقت الإمارات الاستراتيجية الوطنية للصناعة والتكنولوجيا المتقدمة Operation 300bn «مشروع 300 مليار» كاستراتيجية حكومية عشرية هي الأشمل من نوعها، للنهوض بالقطاع الصناعي في الدولة وتوسيع حجمه ونطاقه، ليكون رافعة أساسية للاقتصاد الوطني، ضمن أهداف تسعى إلى تعزيز مساهمة القطاع الصناعي في الدولة في الناتج المحلي الإجمالي من 133 مليار درهم إلى 300 مليار درهم بحلول عام 2031، مع التركيز على الصناعات المستقبلية التي تعتمد على التكنولوجيا المتقدمة وحلول الثورة الصناعية الرابعة، بما يعمل على تمكين الاقتصاد، وتعزيز التنمية المستدامة.
وتهدف الاستراتيجية إلى تحقيق اكتفاء ذاتي في العديد من الصناعات الحيوية، وتعزيز القيمة الصناعية الوطنية المضافة، من خلال الارتقاء بجودة المنتج الصناعي المحلي ودعمه .
- الكويت:
ثمة رؤية اقتصادية للكويت للبحث عن بدائل لقطاع النفط نظرًا لأن هذا القطاع هو أحد القطاعات الآمنة التي تدرّ الدولة الإيرادات الحقيقية، ووفقًا لهذه الرؤية الوطنية سترتكز استراتيجية التعامل مع الصناعيين على أساس التحول من مجرد مستفيد إلى شريك في القرار، فضلاً عن تشجيع مستثمري القطاع على استخدام التكنولوجيا الحديثة لتعزيز القوة التنافسية للقطاع الصناعي وتعزيز منظومة تقنية نظم المعلومات عن طريق عدة طرق تتمثل في تطبيق مفهوم التخصيص الآلي، والتخطيط الاستراتيجي السليم لرفع مساهمة القطاع الصناعي في الناتج المحلي الإجمالي.
- قطر:
اهتمت قطر بالسياسات الصناعية لتكون بديلًا عن قطاع النفط حيث أنشأت مصانع مخنلفة تأتي في مقدمتها مصانع الصناعات الغذائية والتحويلية، علاوة على الصناعات الطبية، وبالإضافة إلى ذلك صناعات مواد البناء المختلفة.
- البحرين:
في سبيل العمل على خلق بدائل جديدة أطلقت البحرين استراتيجية قطاع الصناعة “2022-2026” وذلك لزيادة مساهمة قطاع الصناعة في الناتج المحلي الإجمالي والتحول نحو الثورة الصناعية الرابعة وتطبيق مفهوم الاقتصاد الدائري.
- عُمان:
أطلقت عُمان الاستراتيجية الصناعية 2040 والتي تعزز ثقافة الابتكار الصناعي، حيث تركز الاستراتيجية على تطوير الصناعات كثيفة رأس المال والصناعات القائمة على المعرفة والتكنولوجيا والصناعات المعتمدة على الموارد الطبيعية.
- قطاع السياحة
- السعودية:
يُعد قطاع السياحة السعودي إحدى ركائز رؤية المملكة 2030، للإسهام في تنويع قاعدة الاقتصاد الوطني السعودي، وجذب الاستثمارات، وزيادة مصادر الدخل، وتوفير فرصة عمل للمواطنين، إذ يشهد القطاع نمواً متسارعاً بفضل خطط النهوض بالقطاع السياحي، علاوة على ذلك إطلاق برامج مخصصة لمساعدة الشركاء الدوليين على الانخراط في المنظومة السياحية في المملكة، وتصميم العروض السياحية الراقية.
- قطاع السياحة أحد القطاعات المهمة التي تعزز التنوع الاقتصادي حيث حازت الإمارات المرتبة الأولى إقليمياً، وال 33 عالمياً في مؤشر التنافسية السياحية العالمية،
وخلال عام 2020 تم انتخاب الإمارات رئيساً للجنة الإقليمية للشرق الأوسط في منظمة السياحة العالمية حتى نهاية عام 2021، كما تم ترشحها لعضوية المجلس التنفيذي لمنظمة السياحة العالمية، مما يؤكد المكانة الرائدة لدولة الإمارات كوجهة سياحية متميزة، ويعكس الثقة التي تتمتع بها الدولة كمقصد سياحي مستدام.
وتركز الإمارات على مجالات جديدة، من أجل دعم وتعزيز التنويع الاقتصادي. إذ بالإضافة إلى القطاعات التقليدية المعروفة، بدأ التركيز على قطاعات جديدة، ومن أبرز هذه المجالات قطاع الفضاء، الذي يُعد قطاعاً واعداً على مستوى الخبرات، والمعارف، والعلوم، والصناعات.
- قطر: تسعى قطر لتعزيز قطاع السياحة لديها حيث باستضافتها كأس العالم 2022 تعزز من نفوذها السياحي عبر آليات الضيافة من فنادق ومنتزهات ، وبالتالي زيادة فرص الانتعاش الاقتصادي وتنويع مصادر الدخل.
- قطاع الفضاء
تهتم الإمارات العربية بقطاع الفضاء من حيث الشراكة في تعزيز التنويع الاقتصادي، والذي من المتوقع أن يكون ممكناً رئيسياً لاقتصاد المستقبل، ووفقاً لرؤية دولة الإمارات العربية المتحدة 2021 ومئوية الإمارات 2071، كما حددت الإمارات مجموعة من الأهداف نحو حكومة رائدة عالمياً في مختلف المجالات الاقتصادية والاجتماعية، ووضعت السياسة الوطنية للفضاء عددًا من المبادئ الرئيسية والأهداف لبرنامج الفضاء الإماراتي لتحقيق هذا الهدف والرؤية، حيث أكدت السياسة الوطنية للفضاء على أهمية البرنامج الفضائي، من أجل الاستمرار في تنمية دور صناعة الفضاء في توسيع اقتصاد الإمارات القائم على المعرفة، ولعل انطلاقة “مسبار الأمل” دليلًا على ذلك.
- قطاع التكنولوجيا
يُعد قطاع التكنولوجيا اليوم من أبرز القطاعات التي تهتم بها الإمارات من أجل تعزيز التنويع الاقتصادي، وتقدم التسهيلات من أجل زيادة الاستثمارات فيها.
فهى تعتبر الرابعة عالميًا في تطبيق خدمات الجيل الخامس تجاريًا، علاوة على ذلك فهي أول دولة في العالم تعين وزيرًا للذكاء الاصطناعي، وافتتحت أول جامعة متخصصة بالذكاء الاصطناعي في العالم.
ويأتي اهتمام الإمارات بهذا القطاع في ظل مساعٍ لتطوير قطاعات ثانية على أساس تكنولوجي، مثل الزراعة، والصناعة، مع التركيز على الذكاء الاصطناعي، والرقمي، والتقنيات، بما يجعلنا أمام أكبر حزمة متكاملة، من الاستثمارات، تعمل معا، وتؤدي غايتها أيضا في تعزيز التنويع الاقتصادي، وعوائد هذا التنويع، على بقية القطاعات، وعلى مجمل الاقتصاد الإماراتي.
متغيرات مهمة
هناك بعض المتغيرات التي تؤثر على فرص تحقيق الاستراتيجية الخليجية للتحول نحو التنويع الاقتصادي:
- العمالة الوافدة:
الدول الخليجية دول تعداد سكانها قليل والقطاعات الصناعية وتحقيق استراتيجية التنويع الاقتصادي تحتاج إلى ضخ عدد كبير من العمالة وهذا ينافي في نفس الوقت خطهها نحو تعزيز العمالة المحلية على حساب إيقاف العمالة والوفدة.
وهنا يستلزم على دول الخليج أن تخطط جيدًا لهذه المعضلة فكيف أنها تعتمد على العمالة المحلية وكيف أنها بحاجة إلى الصناعات، كما أن المواطنين في دول الخليج يحتاجون إلى عائد مادي كبير مقابل قبولهم وظائف معينة.
- كورونا ومتحوراته:
إن فيروس كورونا ومتحوراته يحول دون القدرة على تحقيق الاستراتيجية الخليجية للتنويع الاقتصادي وبالأخص قطاع السياحة في ظل سياسات الدخول التي تضعها كل دول لدخول أراضيها؛ فرغم بدء فتح الأنشطة الاقتصادية إلا أن متحور أوميكرون الذي ظهر أواخر 2021 تواجه الدول بعض مشكلات تشخيصه وقد أوضحت بعض الأبحاث العلمية مؤخرًا أن أوميكرون سريع الانتشار.
خلاصة القول: تستخلص الدراسة أن دول الخليج قد تواجه مشكلات أمام تحقيق سياسة التنوع الاقتصادي والتي على رأسها كورونا ومتحور أوميكرون ومتحوراته الأخرى وسياسات تخفيض العمالة الوافدة، وبالتالي تحتاج دول الخليج إلى وضع خطط متزنة بين الإجراءات الاحترازية السليمة وسياسات توفير فرص العمل، وبالتالي تجد الدراسة ان الدول الخليجية قد نجحت في وضع استراتيجية للتنويع الاقتصادي ولكنها لا تزال أمام بعض من المعوقات التي تقف أمام تنفيذها بشكل فعّال.