إجراءات فعلية.. قراءة في مواجهة مصر لملف التغير المناخي
أضحى التغير المناخي من أكثر المعضلات التي تواجه العالم مؤخرًا، وأصبحت هناك دول أكثر تأثرًا من غيرها، وباتت مشكلة اختفاء مدن من بعض الدول وارتفاع منسوب المياه عن المعدل الطبيعي بل المخاوف من اختفاء دول بأكملها، وتصبح دول أخرى معرضة لأن تكون غير مأهولة بالسكان أمر في غاية الخطورة؛ ولذا سعت دول العالم للتكاتف من أجل إيجاد حل لهذه المشكلة ولعل مؤتمر جلاسكو آخر المؤتمرات الدولية التي تم عقدها في أواخر 2021 كمحاولة لوضع أسس تحد من هذه الظاهرة التي باتت الدول على دراية تامة بأنها الخطر القادم الذي يهدد العالم، ومن هذا المنطلق فإن مصر لم تكن بعيدة عن هذه الخطوات التي يتخذها العالم فهى من أكثر الدول تأثرًا من التغير المناخي؛ ومن هذا المنطلق يناقش التقرير التالي إجراءات مصر لمواجهة التغير المناخي كالتالي:
تأثير واضح
بشكل عام كانت أفريقيا هي أكثر القارات دافعة لثمن التغير المناخي وعرضة لتداعيات الاحتباس الحراري رُغم أنها أقل القارات التي تطلق انبعاثات كربونية وبما أن مصر دولة أفريقية فإنها تواجه التحديات التي تواجه القارة بأكملها وكانت القطاعات الاقتصادية الأكثر تأثرًا من تداعيات التغير المناخي هي قطاعات الزراعة والسياحة حيث أصبحت مؤخرًا تعاني من ضغوطات تجعلها غير قادرة على تلبية الاحتياجات الأساسية؛ وذلك بسبب ندرة الموارد المائية بعد مشكلة سد النهضة الأثيوبي، علاوة على ذلك فإن مصر أصبحت تعاني من ارتفاع غير مسبوق في درجات الحرارة ومثال على ذلك التقرير الصادر عن الهيئة المصرية للأرصاد الجوية والذي أوضح أن صيف 2021 شهد ارتفاعًا شديدًا في درجات الحرارة بشكل غير معتاد وبالتالي يتضح أن مصر من الدول المتأثرة من التغيرات المناخية بشدة رُغم انها ليست من الدول المساهمة في التلوث البيئي والذي أثر على المناخ.
خطوات حثيثة
تسعى مصر للسيطرة على تداعيات التغير المناخي عبر اتخاذ حزمة من الإجراءات والمشروعات وقد صرّح عنها رئيس مجلس الوزراء الدكتور مصطفى مدبولي خلال منتدى شباب العالم بشرم الشيخ خلال الجلسة النقاشية التي حملت عنوان (الطريق من جلاسكو إلى شرم الشيخ .. لمواجهة التغيرات المناخية) حيث أوضح عدة نقاط في صدد ملف التغير المناخي وآليات مصر لمواجهته كما يلي:
-بخصوص ملف التغير المناخي:
– التغيرات المناخية أصبحت قضية حاكمة بكل المقاييس بصورة تستدعي أن يواجهها العالم بمنتهى الحسم والسرعة خلال الفترة القادمة.
-ضخ أكثر من 10 آلاف طن متري من غازات الاحتباس الحراري في الغلاف الجوي، بما يعادل وزن 170 ألف شخص، مشيراً إلى أن العالم كله بدأ يشهد تداعيات موضوع التغيرات المناخية، حيث أصبحت منطقة الجليد بالقطب الشمالي في أقل مستوى لها على العالم، مع ارتفاع درجات الحرارة بنسب غير مسبوقة.
-تركز غاز ثاني أكسيد الكربون بأعلى مستويات له منذ آلاف السنين، وكذا ارتفاع مستوى سطح البحر الذي بدأت أماكن كثيرة جداً تعاني منه.
– الفترة من عام 1970 حتى الوقت الحالي شهدت خسائر تعرضت لها دول العالم نتيجة مثل هذه الظواهر الطبيعية، تقدر بنحو 3,6 تريليون دولار، كما أن الرقم السنوي للتكاليف الخاصة بالتعامل مع التغيرات المناخية، ستقدر وصولاً إلى عام 2030 إلى ما بين 150 إلى 300 مليار دولار سنوياً، كما سيرتفع هذا الرقم بحسب التقديرات في عام 2050 ليغدو ما بين 280 الى 500 مليار دولار سنوياً.
-عام 2021 وحده شهد حدوث 10 كوارث عالمية كبرى حول العالم، وصلت خسائرها إلى أكثر من 170 مليار دولار.
-فمن المتوقع أن يعاني 325 مليون شخص من الفقر المدقع، كما سيضطر 216 مليون شخص للهجرة الداخلية نتيجة للتغيرات المناخية، إضافة إلى ذلك فإن معدل الكوارث البيئية سيبدأ في التضاعف بنحو 3 أضعاف خلال المرحلة القادمة.
-المؤسسات الدولية المعنية بمجال التغيرات المناخية ترى مصر من أكثر الدول عرضة لتبعات التغير المناخي، رغم محدودية مسئوليتها عن انبعاثات غازات الاحتباس الحراري، إذ تبلغ مساهمة مصر في الانبعاثات العالمية 0.6%، وذلك في عام 2015.
بخصوص خطوات الدولة المصرية في التعامل مع هذا الملف:
-الدولة تتبني مشروع تطوير البحريات المائية حيث أن تكلفة مشروع تطوير بحيرة المنزلة حتى الآن 2 مليار دولار.
-المشروعات الخضراء تحتل نسبة 30 % من الاستثمارات العامة للدولة خلال العام المالى الحالى والمستهدف أن تصل النسبة إلى 50% خلال العامين القادمين.
-مصر تمتلك أكبر قدرات كهربائية من طاقتي الرياح والشمس في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا وخطة لمضاعفة هذه القدرات لـ 300%، كما أن مصر لديها طموح لبدء إنتاج أول سيارة كهربائية مصرية خلال العام القادم.
-إطلاق الاستراتيجية الوطنية للتغيرات المناخية وننفذ مشروعات عملاقة في مجال التكيف وتخفيض حدة التغيرات المناخية، علاوة على ذلك إطلاق الخطة القومية للموارد المائية بتكلفة تزيد على 50 مليار دولار.
-تنفيذ مشروعات ضخمة في مجالات تحلية مياه البحر ومعالجة مياه الصرف الزراعي والصرف الصحي وتبطين الترع.
– تنفيذ منظومة جديدة متكاملة للنقل الجماعى تتوافق مع المعايير البيئية، علاوة على ذك وكالة فيتش أكدت أيضا أن مصر ستكون من أسرع أسواق الطاقة المتجددة غير الكهرومائية نموًا في المنطقة على مدار السنوات الـ10المقبلة.
-الوكالة الدولية للطاقة خلال ديسمبر 2021 أوضحت أن مصر ستكون ضمن 5 دول يتركز فيها أكثر من ثلاثة أرباع (3/4) الزيادة المتوقعة في إنتاج الطاقة المتجددة على مستوى منطقة الشرق الأوسط وأفريقيا.
-ترتيب مصر في مؤشر جاذبية الدول للاستثمار في الطاقة المتجددة يرتفع بصورة ملحوظة، حيث أصبحت من أفضل 20 دولة على مستوى العالم فيما يتعلق بالقوانين والتشريعات التي تشجع على الاستثمار في الطاقة الجديدة والمتجددة، كما تقدمت مصر 20 مركزًا في مؤشر السياسة المناخية طبقًا لمؤشر أداء تغير المناخ 2022
-الحكومة المصرية تتحرك في 5 مسارات رئيسية، حيث بدأت بتقليل الانبعاثات الناتجة من استهلاك الطاقة التقليدية من البترول والوقود الأحفوري، ونتجه بقوة لاستخدام الغاز الطبيعي والطاقة الجديدة والمتجددة، وتغيير نوعية الطاقة المستهلكة لزيادة استخدام المصادر الأقل انبعاثا للكربون، وزيادة الطاقة المولدة في نفس موطن استهلاكها
-“المجلس الوطني للتغيرات المناخية” أطلق الاستراتيجية الوطنية للتغيرات المناخية، كما تم تنفيذ مشروعات عملاقة في عملية التكيف أو في تخفيف حدة التغيرات المناخية، كما تم إصدار أول سندات خضراء في منطقة الشرق الأوسط، كما تم وضع سياسات مهمة للغاية لتشجيع القطاع الخاص للدخول بقوة في هذا النوع من الاستثمار مثل تحديد تعريفة الكهرباء وتعريفة تحويل المخلفات إلى طاقة.
-الحكومة المصرية بدأت إنشاء خريطة تفاعلية لمخاطر ظاهرة التغير المناخي، كما وضعت الخطة القومية للموارد المائية 2037، إلى جانب ذلك مصر من أكثر الدول فقرًا فيما يخص الموارد المائية، حيث أن رئيس الوزراء أوضح قائلا “قضية المياه ستكون محورًا أساسيًا خلال هذا العام في قمة تغير المناخ COP 27 في شرم الشيخ، حيث سيتم مناقشة كيف سيتعامل العالم مع قضيتي ندرة المياه وتلوث المياه
-الحكومة لديها خطة بأن تصل الطاقة المتجددة 20% من إجمالي الطاقة المتولدة في مصر، وكذلك قبل حلول 2035، ستبلغ الطاقة المتجددة 42% من إجمالي الطاقة المنتجة في مصر بشكل عام، حيث أن مشروع “بنبان” لتوليد الكهرباء من الطاقة الشمسية في أسوان من أفضل المشروعات على مستوى العالم في مجال الطاقة الجديدة والمتجددة.
– إنشاء جيلًا من المدن الخضراء، سواء فى العاصمة الإدارية الجديدة، أو داخل المدن القائمة، بدأ الاعتماد على الطاقة الشمسية بها، تخفيضاً لاستهلاكها للطاقة التقليدية، علاوة على ذلك برامج تحويل المخلفات إلى طاقة والإدارة المتكاملة للمخلفات.
-المشروعات التى يتم تنفيذها فى إطار المبادرة الرئاسية ” حياة كريمة” لتطوير الريف المصري، والارتقاء بمستوى الخدمات تُعد نموذجا متكاملا لخفض الانبعاثات والتكيف مع التغيرات المناخية.
– الدولة المصرية تعمل على تخفيض معدلات استخدام البلاستيك، وكذا مبادرة للحوافز الخضراء للقطاع الخاص المصري، إضافة إلى مبادرة أخرى لإنشاء شبكة لمراكز الأبحاث المصرية في مجال تغير المناخ، علاوة على استحداث فئة في جائزة التميز الحكومي خاصة بالابتكار الأخضر.
– وبالتطرق إلى دور الشباب أكد رئيس الوزراء: “أن ما يتم تطبيقه من مشروعات سواء على المستوى المحلى أو العالمى إنما تأتى من أفكار غير تقليدية خارج الصندوق، أغلبها معتمدة على فكر وابداع الشباب حول العالم، وأيضًا الاهتمام بملف تبادل المعرفة والمعلومات حول هذا الموضوع، وتشجيع الأفكار الابتكارية للشباب المصرى.
– مصر تستهدف التركيز على القارة الأفريقية من خلال عقد مؤتمر المناخ العالمي المقبل cop27 وفي السياق نفسه تعرض أهم المحاور التي تواجه القارة كملف الموارد المائية .
وفي إطار الخطوات المصرية أوضحت وزيرة البيئة ياسمين فؤاد أنه جار العمل على وضع منظومة متكاملة لإدارة المخلفات بشرم الشيخ والعمل على التشغيل الأمثل لمنشآت المعالجة وتطويرها.
خلاصة القول مصر تبذل جهودًا على عدة مستويات حيث المستوى المؤسسي ومستوى السياسات والمستوى الدولي حيث أن المستوى المؤسسي أنشات المجلس الوطني للتغيرات المناخية عام 2015، وعلى مستوى السياسات أطلقت الاستراتيجية الوطنية للتغيرات المناخية 2050 وعلى المستوى الدولي شاركت في قمة الأطراف للمناخ لعام 2021 وتقدمت بطلب لاستضافة القمة عام 2022 لعرض مشكلات القارة الأفريقية التي أصبحت بشكل عام ومصر بشكل خاص من أكثر المتأثرين من التغيرات المناخية رغم أنها لا تطلق الانبعاثات الكربونية الشديدة حيث أن مصر تطلق فقط 6% من نسبة الانبعاثات والتي تعد قليلة للغاية مقارنة بالدول الصناعية الكبرى.