هادي جلو مرعي يكتب: هل أصبح الشيعة في ورطة؟
اعني في هذا السؤال شيعة العراق، خلفاء المحن، والحكومات القاسية عبر تاريخ الدولة العراقية، وتاريخ دولة خلافة كانت دمشق عاصمتها، ودولة خلافة كانت بغداد عاصمتها، وفي ظل ظروف معقدة صادمة، وتقلبات لم يشهد لها التاريخ مثيلا، وقد حوصروا تاريخيا بالتكفير، ووصموا بالروافض والتبعية والدخلاء، حتى وصلوا الى عام 2003 وتوهموا إنهم تسلموا حكم العراق، ليكتشفوا إنهم في ورطة، وإن ذهاب حكم البعث، ومجيء حكم هجين غريب الأطوار سمي بالتشاركي إنما هو حكم غير حقيقي محاصصاتي طائفي قومي، وسم فيه الشيعة بأنهم الحكام، لكنهم في الحقيقة قد بلعوا الطعم، وصاروا ضحية مسمى الحكم، وإنشغلت زعاماتهم وأحزاب شكلوها على عجل، أو تشكلت قبل عقود من الزمن بالترف الزائف الذي أصاب بعض كبارهم، ولم يصب عوامهم الذين صاروا أقرب الى اليأس والقنوط وغياب الأمل.
شيعة العراق اليوم في ورطة حقيقية على مستوى البنية السياسية والمجتمعية والدينية التي تتقاذفها الخلافات الفكرية والنوايا وتقلبات المزاج، وعدم القدرة على فهم السياسة كما هي، وبينما ركز الكورد على القومية، وركز السنة على العلمانية، حاول طيف واسع من المتصدين للثقافة والإعلام من الشيعة التركيز على إشباع الذات الشعبية ظنا إنها جائعة لممارسة الأحزان بطريقة قانونية دون مسائلة، ولم يتفقوا على تصور واضح للحكم، وشغلهم إشباع الجوع الى الحزن الديمقراطي عن الديمقراطية الحقيقية، فتنازعوا أمرهم بينهم، ولم يتنبهوا الى مايحيط بهم من مشاريع وإستراتيجيات، ظانين إنهم صانعوها، ولكنهم فقدوا البوصلة، وصاروا ينظرون في جهات عدة ظنا منهم إنهَ في الوجهة الصحيحة التي توصلهم الى المرامي الصالحة، وتبعد عنهم كل قلق، أو خوف من مجهول يطاردهم، كانت ورطتهم بمجموعاتهم السياسية التي أصابها الغرور، ولم تلتفت الى إن قوة المذهب تكمن في قوة الدولة، بل لم يلتفتوا الى إن السنة عبر تاريخهم كانوا يركزون على الدولة التي يحكمون، فينضجون مؤسساتها، ويسيطرون على مسار الأحداث فيها، ويوجهونها الوجهة التي يريدون، فكان الحرمان التاريخي سببا في خسارة الحاضر، وفقدان الفرصة في صناعة المستقبل.
الأيام المقبلة حبلى بالمفاجيء من الاحداث التي لاتحيط بها التكهنات مهما بلغ المتكهنون من المعرفة والدراية والبصيرة، فكإن العراق سفينة تتقاذفها أمواج المحيط العاتية التي ترتفع حتى تكاد تبتلع تلك السفينة التي يبدو منها شراع، وتختفي أشرعة حتى صارت أقرب الى الغرق الذي لامنجى منه إلا بمعجزة، فالجميع عندنا يتربص بالجميع، ويرجو الخلاص منه، أو النيل من حضوره وإنهاء وجوده، وهنا لابد من معجزة.