إيران وإسرائيل.. حرب الظل إلى أين؟
أعلن جهاز الأمن العام الإسرائيلي “الشاباك” إحباط محاولة إيرانية لتجنيد مواطنات إسرائيليات لمهام تجسس، وكانت لوائح الاتهام المنسوبة تكون تصوير سفارات إسرائيل، ومراقبة مسؤولين كبار في منظومة الأمن والدفاع الإسرائيلية، والتقرب من إحدى النائبات في الكنيست، وفي سياق هذا الخبر فإن التصعيدات بين إيران وإسرائيل لها جذور ممتدة وهو ما يمكن توضيحه فيما يلي:
الحرب السيبرانية بين إيران وإسرائيل
- متى بدأت؟
دخل الصراع بين إيران وإسرائيل في سياق الحرب المفتوحة منذ عام 2005 واتخذت الطابع السيبراني ولهذه الحرب أسباب وتكمن في كون إسرائيل معنية بشكل كبير عن التشويش على البرنامج النووي الإيراني وهى السبب الرئيسي للوقوف ضده ودفع الولايات المتحدة الأمريكية لاتخاذ عقوبات على إيران لوقف إيران من تخصيب اليورانيوم.
وسبب انتهاج شكل الحرب السيبرانية لأنها نموذج أكثر أمانًا وتأثيرًا في ذات الوقت، كما أن الحرب السيبرانية لها بعدان الأول على الجانب الإسرائيلي، حيث استخدام الحرب السيبرانية يظهر التفوق الإسرائيلي في اقتناء التقنيات التكنولوجية الأمنية ، وعلى الجانب الإيراني تظهر أن إيران دولة ليست بأقل مكانة من إسرائيل في امتلاك مقدرات تكنولوجية تصل إلى معلومات أكثر سرية في إسرائيل واختراقها.
وتعد الحرب بين هاتين الدولتين جدية وخطيرة وفي ذات الوقت مرتفعة النتائج وشديدة الأثر، ولعل الإجراءات الأكثر حزمًا التي اتخذتها الولايات المتحدة الأمريكية مؤخرًا ضد إسرائيل جاءت نتيجة إدراكها أن إيران تشكل خطرًا على مصالحها في الشرق الأوسط وتتجه إلى أن تصبح قوة مهيمنة في الشرق ومنافسًا لحليفتها إسرائيل التي لا تريد وجود أي دولة قوية في الشرق الأوسط سواها.
- القدرات التكنولوجية:
- إيران: وفقًا للمعهد الدولي للدراسات الإيرانية حققت إيران تقدمًا نوعيًا واضحًا في الإمكانات التكنولوجية والقدرات التشغيلية للإنترنت سواء في الداخل، أوفي القدرات الهجومية الموجهة للخارج، وقد جعلتها تلك الإمكانات تدخل ضمن أقوى 5 دول إلكترونيًا في العالم، وللوصول إلى هذه المرتبة أسست الهيئات الداخلية لتعزيز قدراتها الإلكترونية، سواء الهجومية أو الدفاعيةوكان من أبرزها:
- المجلس الأعلى للفضاء الإلكتروني والتي تعد الجهة الأعلى في هذا الإطار، وتضم مسؤولين رفيعي المستوى بدايةً من رئيس الدولة مرورًا بوزراء الاتصالات والثقافة والعلوم ومسؤولين من أجهزة الأمن والمخابرات والقضاء والبرلمان وغيرهم ويهتم بتنسيق الجهود للدفاع والهجوم الإلكتروني، وإعداد السياسات العامة التي يتوجب على جميع المؤسسات المعنية بالفضاء الإلكتروني تنفيذها.
- منظمة قيادة الدفاع الإلكتروني لحماية البنية التحتية للدولة من التهديدات الإلكترونية، وتدعيم الدفاعات الإلكترونية والعمل على حماية أنظمة مؤسسات الدولة.
- إسرائيل: تعمل إسرائيل على تعزيز مقدراتها التكنولوجية لكي تصبح الدولة الأكثر تميزًا في الشرق الأوسط وبالتالي تستطيع تحقيق سيطرتها فإنها تعمل دائمًا على تقوية شبكة المعلومات لديها والتي تستخدمها في أغراض التجسس سواء على الدول العربية أو غير العربية وقد ساعدها هذا التطور التكنولوجي من تحقيق أهداف ضد إيران.
-
تصاعد الهجمات الإلكترونية:
ودخلت إسرائيل وإيران في حرب سرية، عن طريق البر والبحر والجو والكمبيوتر، لكنّ الأهداف عادةً ما تكون عسكرية أو ذات صلة بالحكومة، ومؤخرًا اتسعت الحرب الإلكترونية لتستهدف المدنيين على نطاق واسع، حيث نماذج على ذلك كالتالي:
- أشار تقرير سابق صادر عن صحيفة “اندبندنت” البريطانية في نسختها الفارسية: ” أن الهجمات الإلكترونية الانتقامية الإيرانية-الإسرائيلية على البنية التحتية لتكنولوجيا المعلومات دخلت مرحلة جديدة من المنافسة الشديدة، حيث قيام إسرائيل بتقييم الأضرار الناجمة عن هجوم قرصنة لجماعة تدعى “بلاك شادو” يعتقد أنها تابع للحكومة الإيرانية، حيث هاجم المتسللون مؤسسة طبية وموقع مواعدة مما أدى إلى الكشف عن معلومات خاصة لعشرات الآلاف من الإسرائيليين”، وجاءت هذه الهجمات في أعقاب هجوم على جزء من شبكة محطات الوقود الإيرانية وألقت فيه طهران باللوم على إسرائيل والولايات المتحدة في الهجمات.
وفي هذا السياق وقال هارل مناشري، المسؤول في جهاز الأمن الداخلي والمخابرات الإسرائيلي، في مقابلة مع قناة “كان” التلفزيونية، إن “بلاك شادو هو الاسم الذي تعمل بموجبه مجموعة من المتسللين الإيرانيين لتنفيذ أنشطتهم الإجرامية”، مضيفًا: “إيران تستخدم أنظمة افتراضية لإجراء عمليات استراتيجية لإلحاق الضرر بالقطاعين المالي والاستخباراتي في إسرائيل”.
وقال رئيس الوزراء الإسرائيلي نفتالي بينيت لصحيفة “صنداي تايمز” في مقابلة في وقت سابق: “نحن في حرب مع إيران في الحرب الباردة”، مشيرًا إلى: “على مدى الثلاثين عامًا الماضية، سعت إيران إلى ترسيخ وجودها في أجزاء مختلفة من العالم من حولنا من أجل تعطيل تركيزنا، ونحاول مواجهتهم بكل قوتنا وبكل ما لدينا من ابتكار وتكنولوجيا وقوة اقتصادية، للوصول إلى نقطة، حيث نتقدم على إيران بخطوات قليلة”.
ووفقا لوسائل الإعلام الإسرائيلية، :” قامت مجموعة قراصنة الظل الأسود التابعة للحكومة الإيرانية بتحميل معلومات حساسة حول السجلات الطبية لـ290 ألف مريض في معهد ماشون مور الطبي على الإنترنت يوم الثلاثاء الماضي، وتتضمن هذه المعلومات الشخصية ونتائج الاختبارات ومتى يجب على المرضى مراجعة الطبيب”
- تهديدات للمدنيين:
طبقًا لصحيفة “نيويورك تايمز” الأمريكية فإنها أوضحت:” إن ملايين المدنيين في إيران وإسرائيل وجدوا أنفسهم مؤخرا عالقين وسط حرب سيبرانية بين البلدين”، مشيرة إلى: “هجمة سيبرانية تسببت مؤخرا في إحداث أزمة وقود في طهران ومدن أخرى، حيث أدى هجوم إلكتروني استهدف نظام توزيع الوقود في إيران الشهر الماضي إلى توقف محطات الوقود البالغ عددها 4300 محطة في البلاد، فيما تطلب الأمر من السلطات 12 يوما لإعادتها إلى العمل بالكامل”.
كما ذكرت صحيفة “تايمز أوف إسرائيل” أن “المواطنين الإسرائيليين تعرضوا للإرهاب السيبراني، وهذه الهجمات الإرهابية بالمعنى الكامل للكلمة، ويجب أن نركز الآن قدر الإمكان على تقليل الضرر ومنع نشر المعلومات”.
- وفي السياق ذاته نقلت وسائل إعلام أمريكية أن إسرائيل قد شنّت هجومًا إلكترونيًا في مايو 2020 على الميناء الإيراني في ميناء الشهيد رجائي في بندر عباس في جنوب إيران ردًا على هجوم إلكتروني إيراني على البنية التحتية للمياه والصرف الصحي في إسرائيل.
شبكة التجسس وحرب الظل
ظهور مثل هذا الخبر من كشف شبكة التجسس يأتي في سياق توقيت خطير حيث إجراء مفاوضات فيينا بين إيران والولايات المتحدة للعودة لاتفاق 2015، ورُغم أن إسرائيل ليست طرفًا صريحًا في المفاوضات إلا أنها تراقب عن كثب إلى أين تصل هذه المفاوضات التي تخص عدوها الأكبر في منطقة الشرق الأوسط.، وهذه لسيت هى المرة الأولى للكشف عن شبكة تجسس حيث كشفت إسرائيل في نوفمبر 2021 عن محاولات تجسس عامل نظافة في منزل وزير الدفاع لصالح مجموعة بلاك شادو المرتبطة بإيران ،وفيما يلي يتم توضيح نماذج لأثر شبكات التجسس في حرب الظل بين إيران وإسرائيل كالتالي:
- شبكات التجسس الإسرائيلية واغتيال قاسم سليماني
ليست إيران فقط من تطلق شبكات تجسس على إسرائيل بل أيضًا تتعرض لشبكات تجسس إسرائيلية على أراضيها ولعل أبرز مثال على هذا اغتيال قائد فيلق القدس في الحرس الثوري لإيران إذ كان لإسرائيل دور كبير في عملية الاغتيال وهو ما أوضحه مسؤولون أمريكان حيث أفاد مسؤول أميركي لموقع «ياهو نيوز»: “بأن فرقاً إسرائيلية تعاونت على مدى 6 ساعات سبقت الهجوم، مع نظرائهم في قيادة العمليات الخاصة الأميركية، في تعقب هواتف سليماني، التي كانت أرقامها بحوزة الإسرائيليين ومرروها للأميركيين، مما ساعد في تعقب أثره وهاتفه في بغداد”.
وعلى هذا النحو أكد تامير هيمان، الجنرال المتقاعد الذي ترأس المخابرات العسكرية الإسرائيلية ما أفاده المسؤول الأمريكي بقول :” دور بلاده في هذه العملية، ليكون بذلك أول مسؤول إسرائيلي يكشف علناً عن هذا الأمر”.
- حرب الظل عن طريق البحار وهو ما يتضح في قدرة شبكات التجسس التابعة للاستخبارات الإسرائيلية عن الكشف عن وثائق سرية للهجوم على سفن إسرائيلية وتمثلت هذه الهجومات فيما يلي:
- انفجار سفينة إسرائيلية في خليج عمان في فبراير 2021 واتهام إسرائبل إيران بالقيام بذلك، وأيضًا في مارس 2021 أصيبت سفينة حاويات إسرائيلية بصاروخ إيراني ببحر العرب، ورد الجانب الإسرائيلي على هذه الهجمات ويتضح في إصابة سفينة إيرانية بألغام البحر الأحمر في أبريل 2021، وردت إيران على حادث هذه السفينة عبر الهجوم على سفينة إسرائيلية في بحر عمان في أبريل 2021.
- وبعد شهرين من تلك الحادث غرقت أكبر سفينة إيرانية في خليج عُمان في يونيو 2021، وبعدها بشهر في يوليو 2021 تعرضت سفينة تجارية إسرائيلية لهجوم في شمال المحيط الهندي.
التصعيدات إلى أين؟
إن توقع حدود الحرب بين إيران وإسرائيل في ظل تفوق تكنولوجي من الجانبين يكون صعبًا بالأخص في كونها أصبحت تنال الآن المدنيين والمواطنين العاديين، وبالتالي تصبح التصعيدات بين الجانين ممتدة الأفق وفوق توقعات الجانبين، وهذا يؤدي إلى ازدياد التوترات في منطقة الشرق الأوسط وبالأخص المناطق الجيواستراتيجية فيه كالبحر الأحمر وبحر العرب وخليج عُمان.
في غضون ذلك ، كيف يمكن للعالم بأسره أن يسعى لمنع حدوث الحروب السيبرانية في المقام الأول، حتى ولو أصبحت المعاهدات خيارًا ، ولكن لكي تكون فعالة ، يجب مراقبتها من قبل منظمات عالمية محايدة لذلك ، حتى لو لم تكن إيران وإسرائيل طرفين في اتفاقية الأمن السيبراني فإن حينها يمكن للهيئات الأخرى التوسط بينهما للمساعدة في إنهاء الأعمال العدائية.
خلاصة القول الحرب بين إيران وإسرائيل تتجه لمصير يحمل مزيدًا من التعقيدات والتي تحمل بالنتائج الاكثر أثرًا على البيئة الإقليمية المحيطة بهما، فكلاهما لديه برنامجًا نوويًا ولديه مقدرات تكنولوجية قادرة على تحقيق اختراقات والوصول إلى معلومات أكثر سرية فالحرب بينهما مفتوحة ممتدة الأفق تصل كل مدى إلى نفق أكثر ظلمة.