الوساطة الأفريقية: هل ينجح الاتحاد الأفريقي في حل الأزمة السودانية؟
لا يزال السودان في أزمته الداخلية من اضطراب وتصعيدات حالة التفاقم السياسي، وذلك رغم كل الحلول التي طرحتها قوى إقليمية ورغم المبادرات العديدة داخليا وخارجيا كمبادرات منظمات دولية كمبادرة الأممية لحل الأومة في السودان، ولكن الأمور لم تستقر بعد؛ وهذا التقرير سيناقش آخر التطورات في السودان كالتالي:
محاولات تهدئة
ثمة محاولات تهدئة الأوضاع في السودان فمؤخرًا تم طرح عدة مبادرات لحل الأزمة وتمثلت في مبادرتي الأمم المتخدة التي طرحتها من أكثر من أسبوع وأخيرًا مبادرة الاتحاد الأفريقي التي تم طرحها من ساعات ويمكن توضيحهما فيما يلي:
1-الاتحاد الأفريقي
تسلم رئيس مجلس السيادة الانتقالي في السودان، عبد الفتاح البرهان رسالة خطية من رئيس مفوضية الاتحاد الأفريقي موسي فكي، تتعلق برؤية الاتحاد حول التطورات السياسية بالسودان وسبل الخروج من الأزمة التي تشهدها البلاد، وفي هذا السياق أكد المبعوث الأفريقي، مفوض السلم والأمن، أديوي بانكولي، الذي سلم الرسالة على عدة نقاط وهى:
- استعداد الاتحاد الأفريقي لدعم التوافق السياسي بين كافة الأطراف السياسية من أجل تحقيق الانتقال السياسي بالسودان.
- التزام الاتحاد الأفريقي، بالتشاور مع الحكومة وأصحاب المصلحة وكافة المكونات المجتمعية، للوصول إلى حل سياسي سلمي قابل للتنفيذ.
- قلق الاتحاد الأفريقي تجاه الأوضاع التي يمر بها السودان، باعتباره أحد الدول المؤسسة للاتحاد الأفريقي، كما أن الاتحاد ملتزم باحترام سيادة السودان.
- ضرورة نبذ العنف وتغليب المصلحة الوطنية في السودان، لافتا إلى أن الأمر يتطلب إرادة قوية من جميع الأطراف.
- حرص الاتحاد الأفريقي على التواصل مع جميع الشركاء الدوليين والمجتمع الدولي للوصول إلى اتفاق ينهي الأزمة السياسية بالسودان دون التجاوز لدور الاتحاد الأفريقي في هذا الصدد.
2- الأمم المتحدة
كان الممثل الخاص للأمين العام للأمم المتحدة في السودان فولكر بيرتس، أعلن العمل على إجراء مشاورات مع الشركاء السودانيين والدوليين تهدف إلى دعم أصحاب المصلحة السودانيين للاتفاق، موضحًا:” أن الهدف من الخطوة هو الخروج من الأزمة السياسية الحالية والاتفاق على مسار مستدام للمضي قدما نحو الديمقراطية والسلام”.
وقد شملت هذه المبادرة 7 نقاط كمسار للعملية التشاورية التي تهدف إلى حل الأزمة السياسية الراهنة والعبور بالفترة الانتقالية، أهمها تعويل المنظمة الدولية على التعاون الكامل من قبل جميع الأطراف، ولا سيما السلطات، لتهيئة مناخ ملائم لهذه المشاورات، علاوة على ذلك
الإنهاء الفوري لاستخدام العنف ضدّ المتظاهرين السلميين ومحاسبة مرتكبي هذا العنف والحفاظ على حقوق الإنسان للشعب السوداني وحمايتها.
وفي الحقيقة لم تنتج هذه المبادرة الأممية رُغم دعم القوى الإقليمية والدولية لها إلا أنه ليس كل أطراف النزاع في السودان قد قبلوها، وبالتالي لم تتحرك مؤشرات الأوضاع إلى أي نوع من الإيجابية، ومن ثم تأتي هذه المبادرة الأفريقية بدعوة من الفريق أول عبد الفتاح البرهان بأن يكون هناك شراكة أفريقية في مبادرة الأمم المتحدة، وهو ما يتعلق بنقطة تجميد أنشطة السودان في الاتحاد الأفريقي.
3- وفد أمريكي مرتقب وصوله لحلحلة المأزق السياسي حيث أعلنت الخارجية الأمريكية: “أن المبعوث الأمريكي الخاص للقرن الإفريقي ديفيد ساترفيلد سيزور السعودية والسودان وإثيوبيا الأسبوع المقبل وسط أزمات مستمرة في البلدين الإفريقيين”.
كما سيلتقيان “أصدقاء السودان” في الرياض، وهي مجموعة تطالب بإعادة الحكومة الانتقالية في البلاد بعد الانقلاب العسكري في أكتوبر ويهدف الاجتماع إلى حشد الدعم الدولي لبعثة الأمم المتحدة من أجل تسهيل انتقال متجدد يقوده المدنيون إلى الديمقراطية، ثم سيسافر ساترفيلد وفي إلى الخرطوم، حيث سيجتمعان مع نشطاء مؤيدين للديمقراطية وجماعات نسائية وشبابية ومنظمات مدنية وشخصيات عسكرية وسياسية.
مخاوف وتحذيرات
قوى الحرية والتغيير هى المحرك الأساسي في احتجاجات الشارع السوداني وترفع شعار “لا شراكة، لا تفاوض، لا مساومة”، وترفض التفاوض مع المكون العسكري الذي ترى أنه تسبب لما فيه السودان الآن، وهذا ما يدفعها للتخوف من أي حوار نظرًا لرؤيتهم أن هذه المجموعة العسكرية لم تعد جديرة بالثقة، من جانب آخر فإنها تتواصل مع الأمم المتحدة لكي لا تخسر دعمها ولكن في الوقت نفسه ترفض الشراكة مع مجلس السيادة بقيادة الفريق أول عبد الفتاح برهان، وبذلك فإن هذه المخاوف تدفع إلى التحذيرات بشأن التعامل مع المكون العسكري السوداني المتمركز في السلطة، وبالأخص بعد استقالة رئيس الوزراء المدني عبد الله حمدوك.
بدائل مطروحة
حزب الأمة القومي السوداني أبدى حلًا في بيان موضحًا: ” أن حل الأزمة الحالية يكمن في استعادة الانتقال إلى مساره وأهدافه المنشودة عبر جملة خطوات بينها مراجعة البرنامج الكبير المستهدف إنجازه خلال الفترة الانتقالية، وفقا للتجارب الدولية والمحلية”، كما دعا إلى: “إلغاء المادة رقم واحد في الوثيقة الدستورية والعودة إلى دستور 2005 بعد حذف 52 تعديلا أجراها عليه نظام عمر البشير”.
وتشتمل هذه المبادرة التي أطلقها الحزب التالي:
- تشكيل حكومة انتقالية وفق برنامج محدد وواقعي من كفاءات خدمت في الخدمة المدنية، وتعيين الأجهزة العدلية خاصة المحكمة الدستورية والمفوضيات.
- تشكيل مفوضية الانتخابات وتكليفها بإعداد السجل الانتخابي وإصدار البطاقات الانتخابية وإبعاد الأحزاب والقوى السياسية عن السلطة الانتقالية حتى يتفرغوا لإعادة بناء تنظيماتهم استعداداً للانتخابات، على أن تقوم بعثة الأمم المتحدة بالمهام التي أتت من أجلها وفي مقدمتها تقديم الدعم الفني واللوجستي المساعد في التحول الديمقراطي بالبلاد.
- المخرج الآمن للسودان يكمن في إعلان انتخابات رئاسية وبرلمانية قومية في البلاد في مطلع العام المقبل 2023.
سيناريوهات محتملة
إن الوضع في السودان يزداد تعقيدًا يومًا بعد يوم وفي هذا الإطار فإن مستقبل الأوضاع في السودان ضبابي خصوصًا مع عدم الاستجابة الداخلية من القوى السياسية السودانية للمبادرة الأممية لحل الأزمة، ودخول الاتحاد الأفريقي على خط المواجهة مؤخرًا، ومن هذا المنطلق ثمة عدة سيناريوهات للأزمة السودانية كما يلي:
1-السيناريو الأول يطرح أن دخول الاتحاد الأفريقي على خط المواجهة وأن يكون شريكًا أساسيًا في الأوضاع وحوار المبادرة الأممية خصوصًا مع أطروحات تعليق السودان من عضوية الاتحاد من ثم يحفز العملية السياسية المتوقفة بعض الشيء؛ لأن وجود الاتحاد كطرف يشعر السوادنيين بأنهم ليسوا ببعيدين عن القارة الأفريقية ويعزز مبدأ أن مشكلات القارة الأفريقية تُحل من القارة الأفريقية فالسودان يثق في الاتحاد الأفريقي أكثر مما يثق في الأمم المتحدة.
فكون الاتحاد قد أصبح طرفًا في معادلة الحوار فإن ذلك يساعد المبادرة الأممية بأن تحقق الاختراق المطلوب في الأزمة السياسية في السودان، وبالتالي تسير الأمور في مجراها الطبيعي، ويكون هناك تنازلات من جانب الأطراف المتصارعة والوصول إلى حل حيث سلطة انتقالية لحين إجراء انتخابات رئاسية، وفي هذا السيناريو أيضًا هناك توقعات إيجابية باجتماع الوفد الأمريكي في الرياض ثم في السودان وبالتالي العودة لنفس الفكرة وهى تعزيز المباردة الأممية.
2-السيناريو الثاني ينطلق من تمسك القوى السياسية في السودان برفضها لأي شكل من أشكال الحوار وتعنتها في الاستجابة إلى أي مبادرة تُطرح سواء من قبل الأمم المتحدة أو الاتحاد الأفريقي، وفي هذا السيناريو لم تكن هناك أي تنازلات من شانها تسهل عملية الحلحلة السياسية في السودان وانتظام الأوضاع في مجراها الصحيح، فمشكلة القوى السياسية في السودان الانقسام الشديد الذي لا يمنح الفرصة لظهور أي نواة الاتفاق ينطلق منها إطار يحدد إنهاء للأزمة.
خلاصة القول إن دخول الاتحاد الأفريقي طرفًا في مبادرات حل الصراع في السودان له بعدان الأول إيجابي ويتعلق بكونه سيستطيع أن يساهم في حل الأزمة من دافع الثقة التي يثق بها السودانيون في الاتحاد ومبدأ أن صراعات القارة الأفريقية تُحل من داخلها، أما البعد الثاني فهو سلبي ومرتبط باستمرار تعنت القوى السياسية في السودان للاستجابة لأي مبادرات من شأنها تدعم مبدأ الحوار مع المكون العسكري وتستمر في رأيها أنه لا حوار إلا بعد وجود سلطة مدنية خالصة.
وبشكل عام فإن التأزم السياسي في السودان سينتهي حين يبدأ أطراف النزاع بالسماح بتقديم أي تنازلات والدليل على ذلك أنه حتى بعد استقالة رئيس الوزراء عبد الله حمدوك، فالشارع السوداني لا يزال محتقنًا؛ لأن الصراع في السودان متعدد الانقسامات حيث راجع إلى تمسك المكون العسكري بموقفه وعلى الجانب الآخر فإن القوى المعارضة للمكون العسكري تختلف فيما بينها على دور العسكريين في السلطة فهناك فريق يدعم رحيل المكون العسكري بشكل نهائي في حين أن هناك فريق آخر يدعم أن تكون السلطة مدنيين وأن يُحول هذا الفريق العسكري إلى مجلس اختصاصي للدفاع عن أمن السودان .
هذا يعكس مؤشرًا مهمًا لسبب استطاعة المكون العسكري الاستمرار وهو موقفه ككتلة واحدة وذلك مقارنة بالقوى الثورية التي حتى المعارض منها لفكرة الحوار مع العسكرين منقسمة فيما بينها على وضع العسكريين في السلطة.