عقوبات جديدة.. أمريكا و”حزب الله” عداء مستمر
تجمع الولايات المتحدة ولبنان علاقات قوية حيث تحرص واشنطن على التعاون الاتسراتيجي مع بيروت ؛ ضمانًا لأمن إسرائيل وإبعاد خطر “حزب الله” عن إسرائيل حيث تدرك الولايات المتحدة الأمريكية أن “حزب الله” اللبناني الذي يترأسه “حسن نصر الله” المدعوم من إيران طرفًا أساسيًا في المعادلة السياسية اللبنانية، ومن هذا المنطلق تتخذ الولايات المتحدة موقفًا عدائيًا تجاه حزب الله وفي هذا السياق، أعلنت وزارة الخزانة الأمريكية، فرض عقوبات على 3 أشخاص وشركة سفريات مقرها لبنان مرتبطين بحزب الله اللبناني، وقد شمل القرار وفقًا لبيان الوزارة 3 أشخاص هم: “عادل دياب، وعلي محمد الداون، وجهاد سالم العلم”، وشركتهم دار السلام للسفر والسياحة، ويكون هذا القرار في وقت صعب حيث يواجه فيه الاقتصاد اللبناني أزمة غير مسبوقة، ويقوم حزب الله باعتباره جزء من الحكومة اللبنانية بعرقلة الإصلاحات الاقتصادية ومنع التغيير الذي يحتاجه الشعب اللبناني، كما أشارت الوزراة أن الولايات المتحدة قد صّنفت في وقت سابق “حزب الله” كمنظمة إرهابية في 8 أكتوبر 1997 واعتباره إرهابًا عالميًا في 31 أكتوبر 2001، وعلى هذا الضوء يناقش التقرير التالي القرار والجوانب الأخرى المرتبطة به فيما يلي:
تفاصيل مهمة
ارتباطًا بإعلان القرار أوضحت وزراة الخزانة الأمريكية في بيانها تفاصيلًا مهمة تتمثل في:
1-شبكة واسعة من ممولي حزب الله استغلت موارد لبنان المالية والنجاة من الأزمة الاقتصادية الحالية، كما أن حزب الله يحصل من خلال رجال أعمال مثل أولئك المدرجين على قائمة العقوبات على دعم مادي ومالي من خلال القطاع التجاري المشروع لتمويل أعماله الإرهابية ومحاولاته لزعزعة استقرار المؤسسات السياسية اللبنانية.
2-تأكيد جهودها المستمرة لاستهداف محاولات حزب الله المتواصلة لاستغلال القطاع المالي العالمي والتهرب من العقوبات.
واتصالًا بذلك ثمة تصريحات من مسؤولين أمريكان عدة بهذا الخصوص حيث قال وكيل وزارة الخزانة الأمريكية لشؤون الإرهاب والاستخبارات المالية براين نيلسون: “حزب الله يدعي أنه يدعم الشعب اللبناني، ولكنه مثل الفاعلين الفاسدين الآخرين في لبنان الذين حددتهم وزارة الخزانة، يواصل الاستفادة من المشاريع التجارية المعزولة والصفقات السياسية السرية، مما يكدس الثروة التي لا يراها الشعب اللبناني أبدا”.
وعلى جانب آخر صرّح وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن، في بيان، “إن الولايات المتحدة تتخذ هذا الإجراء “تضامنا مع الشعب اللبناني، الذي لا يزال أمنه وسيادته مهددين من قبل أنشطة حزب الله الفاسدة والمزعزعة للاستقرار”، مضيفًا: “بينما يعاني الشعب اللبناني من أزمة اقتصادية ذات أبعاد تاريخية، يواصل حزب الله الانخراط في نشاط غير مشروع وجمع الثروات على حساب الشعب”، مسردًا “من الواضح أن حزب الله وشركائه مهتمون أكثر بتعزيز مصالحهم الخاصة ومصالح إيران التي ترعاهم أكثر من اهتمامهم بمصالح الشعب اللبناني”.
بداية الحزب وعلاقته بإيران
لقد تأسس “حزب الله” على يد الحرس الثوري الإيراني في عام 1982 بهدف تصدير الثورة الإيرانية وقد بدأ الحزب دخول المعترك السياسي اللبناني بشكل واضح بعد مقتل رئيس الوزراء الأسبق “رفيق الحريري” وانسحاب القوات السورية من البلاد في 2005، وأصبح له نواب في البرلمان ووزراء الحكومة وترسخ نفوذه السياسي عام 2018 بعدما فاز بأغلبية في البرلمان، ويستخدم الحزب نفوذه السياسي والعسكري؛ لمواجهة التهديدات التي يواجهها من خصومه اللبنانيين الذين يرون أنه سبب حالة الانهيار الاقتصادي والتوتر السياسي الذي يعيشه لبنان، فالحزب يسيطر على جهاز مخابرات تتولى حفظ الأمن في مناطقها الخاصة بها في جنوب بيروت وجنوب لبنان والمناطق الحدودية مع سوريا
وبالتطرق إلى المد الإيراني في الدول العربية فهناك تواصل وطيد بين إيران و”حزب الله” فهو أداتها في لبنان، كما أن الدعم الإيراني للحزب ليس أمرًا مخفيًا بل واضحًا للجميع فقد تلقى الحزب تدريبًا وحصل على التمويلات من الحرس الثورى الإيراني، علاوة على ذلك فأسباب ارتباط إيران بالحزب أنه عند نشأته قد تأثر بالثورة الإسلامية في إيران، وينظر إلى المرجعيات الشيعية الإيرانية باعتبارها جزءً من هويته الشيعية، وقد استغلت إيران ذلك لتحقيق عدة أهداف لها وهى:
-الأمر الأول مواجهة عدوها إسرائيل عن طريق زرع الحزب في لبنان وفي هذا الأمر أيضًا جانب آخر متعلق بكون أن وجود الحزب فى لبنان يؤثر على علاقات لبنان بالولايات المتحدة الأمريكية.
-الأمر الثاني وهو أن وجود الحزب في لبنان ضمانًا لنشر النموذج الإيراني “نموذج الثورة الإيرانية” خصوصًا في كبلد كلبنان يسوده ثقافات وأديان وعرقيات متعددة، فالبيئة الاجتماعية اللبنانية بيئة مشجعة لتنفيذ المخطط الإيراني، فحزب الله يشارك إيران نفس الأيديولوجية ويعتبر أن المرشد الأعلى في إيران “على خامنئي” هو أيضًا مرشده السياسي .
-الأمر الثالث: توسيع نفوذ إيران وعملياتها الإرهابية حول العالم حيث يتضح ذلك باتصال حزب الله بتأجيج الصراع لخلق قدم لإيران في سوريا، ودعمه الفصائل المسلحة المدعومة من إيران في العراق، ودعم ميليشيات الحوثي ضد التحالف العربي لدعم الشرعية في اليمن.
هدف وأثر العقوبات
ثمة أهداف استراتيجية وراء فرض هذه العقوبات على “حزب الله” وهى متعلقة بإحداث مزيد من التصعيد ضد الحزب في لبنان وبالتالي دفع الحكومة اللبنانية إلى قطع اتصالاتها بالحزب، علاوة على ذلك فهى امتداد للعقوبات المتزايدة على إيران وبهذا يمكن القول أن فرض هذه العقوبات ليت موجهة إلى لبنان بل إيران، ويعكس رسالة مفاداها أن الإدارة الأمريكية غير متهاونة على أي شكل من أشكال الإرهاب والميليشيات المسلحة، ورسالة أخرى وهى أيضًا أن الولايات المتحدة قادرة على حماية حلفائها في الشرق الأوسط وعلى رأسها إسرائيل.
وعلى جانب أثر تلك العقوبات فإنها تعد إجراءات مرهقة اقتصاديًا على أي قطاع اقتصادي في لبنان مما يجعل البيئة المالية اللبنانية أقل ملاءمة للاستثمارات الأجنبية ومن ثم أصبحت هناك ضغوطات كبيرة على الاقتصاد اللبناني في ظل توتر العلاقات مع دول الخليج العربي وبالأخص السعودية والإمارات جرّاء تصريحات وزير الإعلام “جورج قرداحي” بشأن الدور الخليجي في اليمن.
أرشيف العقوبات
ليست المرة الأولى التي يتم فرض عقوبات فيها على “حزب الله” فلقد بدأت العقوبات الأمريكية في ظل عهد الرئيس الأمريكي الأسبق “أوباما” وتم تشدسد هذه العقوبات أكثر في عهد الرئيس الأمريكي السابق “ترامب” حيث هناك العديد من العقوبات السابقة وهى كالتالي:
- 28أكتوبر 2021: فرضت وزارة الخزانة الأمريكية عقوبات على أشخاص لبنانيين وهو: النائب اللبناني المقرب من حرب الله “جميل السيد” ، ورجلي الأعمال “جهاد العرب”، و”داني خوري” بتهمة الفساد والمساهمة في تقويض حكم القانون في لبنان.
- 29 سبتمبر 2021: أوضحت وزارة الخزانة الأمريكية أن الولايات المتحدة فرضت عقوبات تتصل بجماعة حزب الله وشملت تجميد أصول كل الشخصيات والكيانات حيث 5 أشخاص على صلة بتنظيم القاعدة.
- 17 سبتمبر 2021: فرضت الولايات المتحدة الأمريكية عقوبات على قنوات مالية تعمل في لبنان والكويت وتمول مجموعة حزب الله اللبنانية وكذلك على شركات تعد واجهة تدعم إيران.
- 11 مايو 2021: فرضت الخزانة الأمريكية عقوبات ضد 7 لبنانيين عبى صلة ب”حزب الله” حيث عقوبات على رئيس الوحدة المالية المركزية لحزب الله “إبراهيم علي ضاهر”، و6 آخرين، وذلك تحت فرض إساءة استخدام الفطاع المالي اللبناني واستنزاف الموارد اللبنانية.
- مايو2021 ، طالبت الولايات المتحدة حكومات العالم باتخاذ إجراء ضد جماعة حزب الله بينما فرضت وزارة الخزانة الأمريكية عقوبات على 7 لبنانيين قالت إنهم على صلة بحزب الله ومؤسسة (القرض الحسن) المالية التابعة له.
- يوليو 2019 أعلنت الولايات المتحدة الأمريكية لأول مرة فرض عقوبات ضد نائبين برلمانيين عن حزب الله في لبنان، في خطوة قالت واشنطن إنها بسبب استغلال النظام السياسي والمالي لتعزيز أنشطة إيران
- وقررت وزارة الخزانة الأمريكية فرض عقوبات على 3 مسئولين في حزب الله هم رئيس “كتلة الوفاء للمقاومة” التابعة لـ”حزب الله” النائب محمد رعد، والنائب في الكتلة أمين شري، بجانب مسؤول جهاز الأمن في حزب الله وفيق صفا.
- مايو 2018 أعلنت وزارة الخزانة الأمريكية فرض عقوبات على حسن نصر الله الأمين العام لحزب الله وعدد من القادة البارزين بالحزب.
- فبراير 2018 : تم فرض عقوبات استهدفت الشبكة المالية للحزب إذ فرضت العقوبات على ستة أشخاص من الحزب إضافة إلى سبع مؤسسات مالية تابعة له ، وأغلب الأشخاص الستة، وهم خمسة لبنانيين وعراقي، بشركة الإنماء للهندسة والمقاولات، حسب الوزارة، أما الشركات فمقراتها في سيراليون وليبيريا ولبنان وغانا، ونصت العقوبات على تجميد جميع الأصول المملوكة للأشخاص والمؤسسات المعنية، ومنع الأمريكيين من التعامل مع أي منهم أو إبرام صفقات معهم.
-دول ومنظمات أخرى: ليست الولايات المتحدة الأمريكية بل هناك دول أخرى ومنظمات اتخذت موقفًا حيال “حزب الله” حيث:
- * جامعة الدول العربية: في مارس عام 2016 صنفت جامعة الدول العربية حزب الله اللبناني منظمة إرهابية وأصدرت وزارة الداخلية السعودية بيانا حينئذ قالت فيه: “كل مواطن أو مقيم يؤيد أو يظهر الانتماء إلى ما يسمى ( حزب الله ) أو يتعاطف معه أو يروج له أو يتبرع له أو يتواصل معه أو يؤوي أو يتستر على من ينتمي إليه، فسيطبق بحقه ما تقضي به الأنظمة والأوامر من عقوبات مشددة بما في ذلك نظام جرائم الإرهاب وتمويله”.
- * بريطانيا: في فبراير 2019 فرضت الحكومة البريطانية حظرًا كليًا على أجنحة حزب الله اللبناني العسكرية والسياسية، باعتبار أن الحزب “يشكل تأثيرا مشجعا على زعزعة الاستقرار” في منطقة الشرق الأوسط. وقالت وزارة الداخلية البريطانية إنها قررت اعتبار حزب الله تنظيما إرهابيا.
- *ألمانيا:ترافق الحظر الألماني على حزب الله في أبريل عام 2020 مع عدد من مداهمات الشرطة للحزب في جميع أنحاء البلاد.
- * كندا:حظرت كندا حزب الله بالكامل في عام 2002 بعد أن سمحت في السابق بجمع الأموال للجناح السياسي للحزب.
- *هولندا:كانت هولندا واحدة من أوائل الدول في العالم التي أصدرت حظرا كاملا على الجماعة في عام 2004
- * التشيك: في أكتوبر 2020، صوت برلمان جمهورية التشيك بأغلبية ساحقة لصالح الحظر الكامل
- *إستونيا: أعلنت أنه لا يمكن لأي فرع تابع لحزب الله دخول إستونيا بعد تمرير تشريع في أكتوبر من عام 2020
- *ليتوانيا: منذ أغسطس 2020، لا يمكن لأي شخص مرتبط بحزب الله دخول ليتوانيا. وسيتعين تجديد الحظر بقانون جديد في عام 2030
- *كوسوفو: أكتوبر2021، فرضت كوسوفو عقوبات على سبعة رجال أعمال محليين وشركة بسبب صلاتهم بحزب الله اللبناني.
- *عدة دول في أمريكا اللاتينية: هناك عدة دول في أمريكا اللاتينية بينها كولومبيا وباراغواي وغواتيمالا وهندوراس حظرت الجماعة تماما لاتهامات تتعلق بعمليات غسيل الأموال في أمريكا اللاتينية فضلا عن اتهامات بتجارة المخدرات.
- *الاتحاد الأوروبي: أدرج الاتحاد الأوروبي الجناح العسكري لحزب الله على قائمة الإرهاب في عام 2013، وعلى الرغم من الدعوات المتزايدة من بعض أعضاء البرلمان الأوروبي، لم يصدر الاتحاد الأوروبي حتى الآن حظرا كاملا على المجموعة.
توقيت مهم
تأتي هذه العقوبات في ظل توقيت مهم للغاية حيث مفاوضات فيينا بشأن العودة لاتفاق 2015 الخاص بالبرنامج النووي الإيراني، وفي ظل زيارة وزير الخارجية الإيراني للصين امتدادًا للشراكة الاستراتيجية مع الصين التي وقعها الطرفان في مارس 2021، والتي تهدق لتعزيز النفوذ الإيراني عبر خلق حليف استراتيجي لها وهو الصين مقابل متفعة اقتصادية للصين عبر الاستفادة من الموارد النفطية الإيرانية، وأيضًا في ظل الأحاديث المترددة حول زيارة الرئيس الإيراني لروسيا، كل تلك الأحداث تعكس أن العقوبات الأمريكية وكأنها ردًا على الخطوات الإيرانية التي تتخذها لبسط نفوذها.
خلاصة القول: ليست المرة الأولى التي تفرض فيها الولايات المتحدة عقوبات على “حزب الله” بل ذلك امتداد لسلسة من العقوبات السابقة التي تهدف في المقام الأول إحكام الحصار حول إيران لأن الولايات المتحدة تقصد بهذه العقوبات أولًا إيران ليس لبنان، وفي النهاية يظل لبنان هو المتضرر الأكبر في ذلك من تلك العقوبات نظرًا لأن الاقتصاد اللبناني يعاني من أزمات خطيرة وانهيار للعملة، وبشكل عام هذه العقوبات ذات بعد استراتيجي وأمني أكثر منه اقتصادي للولايات المتحدة حيث توفير غطاءً أمنيًا لحلفيتها في الشرق الأوسط إسرائيل.