زيارة الرئيس الإيراني لروسيا: «أهداف وانعاكسات»
أعلنت وكالة الأنباء الإيرانية عن زيارة الرئيس الإيراني “إبراهيم رئيسي” لروسيا تلبية لدعوة نظيره الروسي “فلاديمير بوتين”.
وتأتي هذه الزيارة في توقيت مفاوضات فيينا بشأن العودة للاتفاق النووي 2015 وهى أيضًا في نفس الأسبوع الذي زار وزير الخارجية الإيراني”حسين أمير عبداللهيان” الصين تميهدًا لزيارة الرئيس الإيراني للصين، ومن هذا المنطلق يناقش التقرير التالي حيثيات هذه الزيارة وجوانبها المختلفة فيما يلي:
تصريحات مهمة
أدلى الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي من مطار مهرآباد في طهران تصريحات بشأن زيارته لروسيا موضحًا: “نقطة تحول” في علاقات طهران وموسكو، وتعزز التعاون الاقليمي في مواجهة “الأحادية”، مضيفًا: “مستوى التعاون الراهن غير مرضٍ للبلدين، ويجب أن يتم رفعه الى مستوى أعلى. آمل في أن تكون هذه الرحلة خطوة فعالة تجاه ضمان المصالح المشتركة بين البلدين المؤثرين على الساحتين الاقليمية والدولية”.
مؤكدًا أن زيارته تهدف إلى تعزيز دبلوماسية الجوار والاقليم، موضحًا: “أعتقد أن لدينا مصالح مشتركة مع روسيا. في مقدور هذه المصالح المشتركة وتفاعلنا مع روسيا توفير الأمن في المنطقة والحؤول دون الأحادية في العالم”، وذلك إشارة لواشنطن.
متابعًا: “نسعى لتعزيز العلاقات مع كل جيراننا، خصوصا روسيا التي تربطنا بها علاقات في مختلف المجالات السياسية والاقتصادية والتجارية”.
كما أن هذه الزيارة تعد المرة الأولى منذ 2017 التي يزور فيها رئيس إيراني روسيا التي تربطها بطهران علاقات سياسية واقتصادية وعسكرية، وفي الوقت الذي تجري فيه إيران مباحثات لإحياء الاتفاق بشأن برنامج طهران النووي.
وتتداخل مصالح روسيا وإيران في ملفات عدة كالاتفاق النووي والوضع في المنطقة. كما تعدّان أبرز داعمين للرئيس السوري بشار الأسد في النزاع المستمر في بلاده منذ 2011.
في مقابل ذلك أعلن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين أثناء الاجتماع مع نظيره الإيراني: ” أن دعم موسكو وطهران أصبح عاملا حاسما ساعد سوريا في تجاوز التهديدات الإرهابية في أراضيها”، متابعًا: “نتعاون بشكل وثيق جدا على الصعيد الدولي، ناهيك عن أن جهودنا ساعدت بدرجة كبيرة الحكومة السورية في تجاوز التهديدات المرتبطة بالإرهاب الدولي”.
علاقات متأرجحة
إن طبيعة العلاقات بين إيران وروسيا ليست مستقرة فهى علاقة متميزة بتضارب مستمر تحكمها المصالح في المقام الأول فهى التي تدفع العلاقات إلى التنافس تارة أو التعاون تارة أخرى، فروسيا لديها أهداف متقاربة في الشرق الأوسط وآسيا الوسطى كما أنها تعزز علاقاتها مع دول الخليج وإيران وهما أعداء إيران في المقام الأول ، وعلى جانب آخر فإن الجانبين يجمعهما أهداف ومخاطر مشتركة وتتمثل في مواجهة الدور الغربي بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية في الشرق الأوسط ورغبة كل منهما في تأمين مصالحها الجيوسياسية في آسيا الوسطى والقوقاز، وبناءً على ذلك يمكن القول أن سياسة التقارب بين روسيا وإيران مؤخرًا مدفوعة بمصالح وهى كالتالي:
1-الجانب الإيراني : إن مصالح إيران في التقارب مع روسيا هى أنها تسعى للبحث عن شركاء لها بسبب العقوبات الأمريكية المفروضة عليها بسبب برنامجها النووي .
2-الجانب الروسي : روسيا تستخدم إيران لدعم مبادراتها الدبلوماسية وجهودها لتقويض السياسات الأميركية في المنطقة، وستظل تعمل على تجميع أوراق دعم سلوك إيران وأوراق مضادة لتحجيم هذا السلوك بما يخدم عودة الوجود الروسي بالشرق الأوسط.
وفي السياق الحديث عن الزيارة فإنها تأتي في بيئة داخلية إيرانية مضطربة حيث معارضة الشارع الإيراني للدور الروسي في مفاوضات فيينا فالمواطنون الإيرانيون يرون أن روسيا تستخدم ورقة الملف النووي في تصفية حساباتها مع الولايات المتحدة الأمريكية، كما أن سلوك إيران سابقًا يشير إلى عدم مصداقية فإنها بعد رفع العقوبات عنها في عهد أوباما ألغت طهران على الفور جميع، أو معظم، العقود المبرمة مع الشركات المصنعة الروسية، ومنحتها للشركات الغربية بزعم حاجتها إلى دعم استعادة العلاقات السياسية بخطوات اقتصادية. وبالتالي فإنه ليس لدى روسيا ضمانات بأن لا تتصرف إيران بالطريقة نفسها بعد استعادة الاتفاق النووي.
مكاسب متبادلة
خلال هذه الزيارة أوضح الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي تقديم لروسيا مشروعًا للتعاون الاستراتيجي لمدة 20 عامًا، متعهدًا:” بأن إيران لن تتوقف عن التطور بسبب التهديدات أو العقوبات الغربية، وأن طهران تبذل جهودا الآن بغية رفع العقوبات المفروضة عليها”.
وهنا يتم توضيح جانب مهم وهو جملة “مواجهة الأحادية” وهنا يوضح رغبة إيران وروسيا
في مواجهة الخطوات الأمريكية أحادية الجانب على الصعيد الدولي، كما أن تأكيد الرئيس الإيراني أنه ليس لإيران أي قيود على تطوير وتوسيع العلاقات مع روسيا وأنها لن تكون قصيرة المدى وتكتيكية بل إنها ستكون دائمة واستراتيجية، يعكس أن إيران تسعى إلى بداية حقبة جديدة من العلاقات مع روسيا وأنها ترى أن روسيا شريك مهم لها في تحقيق مد استراتيجي.
وعلى الجانب الاقتصادي: قال رئيس مجموعة الصداقة البرلمانية الإيرانية-الروسية، ابراهيم رضائي، إن رفع مستوى العلاقات الاقتصادية بين البلدين من أولويات زيارة الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي الحالية إلى روسيا، مؤكدًا :”موقع إيران الجيوستراتيجي بإمكانه لعب دور فاعل في المبادلات الاقتصادية مع روسيا وآسيا الوسطى والشرق الأوسط وشرق آسيا وآوروبا” ، كما هناك مكاسب اقتصادية أخرى أيضًا كإنشاء ممرات تجارية دولية، خاصة الممر الشمالي الجنوبي، وتسهيل عبور البضائع بين الجانبين، وكذلك تبادل الغاز والنفط والاستثمارات والمشاريع المشتركة في مجال الطاقة، وتطوير التعاون الاقتصادي والتجاري في المنطقة والمشاركة في الاتحاد الاقتصادي الأوراسي ، وفي السياق التعاون الاقتصادي صرّح الرئيس بوتين بـ: ” التجارة بين البلدين زادت بأكثر من 38% العام الماضي، على الرغم من جائحة فيروس كورونا”.
الجانب الأمني: ثمة مخاوف أمنية من الجانب الروسي وصف وهو ما أفصح عنه الرئيس الروسي فلاديمير بوتين خلال لقائه الرئيس الإيراني بوصفه الوضع في أفغانستان “بالمقلق”، معربا عن رغبته في مناقشة هذه المسألة، ومعرفة موقف طهران من خطة العمل المشتركة.
وفي الإطار ذاته أوضح أن دعم موسكو وطهران أصبح عاملا حاسمًا ساعد سوريا في تجاوز التهديدات الإرهابية في أراضيها.
الأثر على دول الخليج
لا شك أن التقارب الروسي الإيراني يشكل تحديًا كبيرًا أمام دول الخليج العربي وهو يجعل دول الخليج امام عدة خيارات تتمثل في :
الخيار الأول :ويتمثل في تعزيز الشراكة بين روسيا ودول الخليج لجعل الامور متوازنة حيث يجب أن تخلق دول الخليج شبكة قوية من المصالح مع روسيا لتحصل على دعمها داخل المنظمات الدولية كتصنيف روسيا للحوثيين في اليمن بالإرهابيين فهذا يعزز من موقف دول الخليج تجاه القضايا العربية.
الخيار الثاني: توطيد الشراكات الخليجية الآسيوية وبالأخص مع الدول التي لها علاقة قوية مع إيران كالهند والصين وذلك لخلق موازنة في العلاقات الروسية – الإيرانية.
الخيار الثالث: الحد من النفوذ الإقليمي لإيران من خلال التعاون مع الدول العربية وذلك يعد تنفيذًا لفكرة القوة العربية المشتركة وفي هذه الحالة سيحقق ذلك مفهوم توازن القوى.
تحالف صيني – روسي – إيراني
يبدو أن إيران تسعى لتحالف يجمعها مع الصين وروسيا ففي أسبوع واحد كانت هناك تحركات إيرانية تارة للتعاون مع الصين وتارة مع روسيا، وعلى الجانب الآخر هناك مصالح روسية صينية للتعاون مع إيرن ،فكلا الجانبين يرغبان في جعل قدم لهما في الشرق الأوسط والاستفادة الاقتصادية من إيران، وعلى جانب آخر فإن من ناحية جيوسياسية فإن التقارب الإيراني الروسي والتقارب الإيراني الصيني يساعد الثلاث دول في السيطرة على دول آسيا الوسطى فجميعهم لهم مصالح في تلك الدول وبهذه الشراكة يكون هناك مثلثاً يحيط بدول آسيا الوسطى، فالتقارب الصيني الروسي مؤخرًا الذي يهدف إلى تكوين كتلة شرقية لمواجهة الولايات المتحدة الأمريكية، فإيران وجدت من هذا التحالف الصيني الروسي فرصة كبيرة لها
في الانضمام إلى تكتل مع دولتين لهما ثقل دولي يمكنهما مساعدتها في مفاوضات فيينا بشأن العودة للاتفاق النووي 2015، وبالتالي لهذه الزيارة انعاكسات متعددة تتمثل في:
1-الجانب الإيراني: حيث أنها تبعث برسالة أن إيران قادرة على مد جسور التعاون مع الدول المنافسة للولايات المتحدة فبشراكتها الاستراتيجية مع الصين واتفاقاتها مع روسيا تقول للولايات المتحدة أنه حتى وإن لم ترفع العقوبات فهى قادرة على خلق بدائل اقتصادية تحد من شدة أثر العقوبات.
2- الجانب الروسي: إن هدف روسيا مع إيران يتلاقى مع دورها في أزمة كازاخستان وأوكرانيا فروسيا تتميز بعلاقات عميقة مع كازاخستان وفي هذا السياق إيران تعتبر دول آسيا الوسطى امتداد استراتيجي لها وهنا تلتقي مصالح الجانبين، فالتقارب الروسي الإيراني تيعث روسيا برسالة إلى الولايات المتحدة بأن لها حلفاء استراتيجيين ولها قدم ثابتة في آسيا الوسطى والشرق الأوسط.
خلاصة القول تحمل زيارة الرئيس الإيراني الكثير من الدلائل خصوصًا أنها تأتي في وقت مهم ترغب فيه إيران في الاستناد بقوة إلى شركاء يدعموها في مفاوضات فيينا فوجود روسيا وإن كان عليها جدال في الشارع الإيراني إلا أنه لا يمكن أن دورها مؤثر في مفاوضات فيينا، وذلك في ظل الوجود الصيني فالتحالف “الصيني- الروسي- الإيراني” من المتوقع أن يكون هو المحور المواجه للولايات المتحدة في الوقت المقبل وأنه ربما يعيد العالم لنظام التحالفات متعددة الأطراف.