العد التنازلي لمفاوضات فيينا.. إيران والولايات المتحدة في مشهد “معقد”
تزداد تعقيدات الملف الإيراني يومًا بعد يوم بسبب إصرار الجانب الإيراني على مطلبه فحين استمرار التعنت الأمريكي، فمنذ بدء الجولة الثامنة من المفاوضات تُطلق التصريحات من حين لآخر من قبل مسؤولي الجانبين، وعلى هذا النحو يناقش التقرير آخر مستجدات ملف البرنامج النووي الإيراني كالتالي:
نقاط الخلاف
ثمة نقاط خلافية بين الجانبين تكون دون الحيلولة للوصول إلى اتفاق نهائي حيث:
- من الجانب الأمريكي : تريد الولايات المتحدة الإفراج عن معتقليها السياسيين في السجون الإيرانية وتعتبره شرطًا متعلقًا بالفاوضات وهو ما يمكن توضيحه من تصريحات المفاوضين الأمريكيين والذي أوضح أنه: “من غير المرجح أن تتوصل الولايات المتحدة إلى اتفاق مع إيران لإنقاذ الاتفاق النووي الإيراني لعام 2015 ما لم تفرج طهران عن أربعة مواطنين أميركيين تقول واشنطن إنها تحتجزهم رهائن”.
وكان المبعوث الأميركي الخاص لإيران روبرت مالي قد أوضح الموقف الأميركي منذ فترة طويلة بأن قضية الأشخاص الأربعة المحتجزين في إيران هى قضية منفصلة عن المفاوضات النووية ولكن إطلاق سراحهم شرط مسبق للتوصل لاتفاق نووي، مصرحًا في هذا السياق: ” في الوقت الذي نجري فيه محادثات مع إيران بشكل غير مباشر بشأن الملف النووي، فإننا نجري من جديد، بشكل غير مباشر، محادثات معهم لضمان إطلاق سراح رهائننا”.
وتعود تلك التصريحات بجذور خطوات الحرس الثوري الإيراني والذي قد اعتقل في السنوات الأخيرة الكثير من الأجانب والمتجنسين بسبب قضايا تتعلق بالأمن القومي والتجسس؛ وليس فقط الولايات المتحدة من توجه الاتهام لإيران بل اتهمت جماعات حقوقية طهران باحتجاز سجناء لاكتساب نفوذ دبلوماسي وفي الوقت الذي تطالب القوى الغربية إيران منذ فترة بالإفراج عن مواطنيها الذين تقول إنهم سجناء سياسيون، يكون الرد الإيراني نافيًا لاحتجاز أشخاص لأسباب سياسية.
- الجانب الإيراني: تتمسك طهران بمطالبها للوصول إلى اتفاق حيث أنها ترغب في رفع العقوبات الأمريكية أولًا وتريد أيضًا الوصول إلى اتفاق نهائي وليس مؤقتًا كما طرحت روسيا وفي هذا السياق صرّح رئيس لجنة الأمن القومي والسياسة الخارجية في البرلمان الإيراني، وحيد جلال زاده: ” إن تباطؤ وتيرة مباحثات فيينا بشأن الاتفاق النووي يعود إلى عدم وفاء الولايات المتحدة بالتزاماتها”.
مضيفًا: “كان الجانب الغربي يطمع بالحصول على المزيد من التنازلات من إيران من خلال الحكومة الإيرانية الجديدة، لكن فريق التفاوض الإيراني أبطل هذه الأطماع”، مشيرًا إلى: “”الغرب يحاول شن حرب نفسية علينا من خلال طرح موضوعات، مثل تحديد سقف زمني للمباحثات. وإذا يريد الأميركيون اختصار وقت المباحثات للوصول إلى نتيجة، عليهم الوفاء بالتزاماتهم وفق الاتفاق النووي برفع العقوبات عن إيران”.
متابعًا بالقول: “”سبب بطء مباحثات فيينا هو أن المفاوضين قد وصلوا الآن إلى الجزء الخاص بالتزامات الولايات المتحدة برفع العقوبات، وتسعى واشنطن للعمل بالحد الأدنى من التزاماتها بهذا الشأن، وهذا ما لا نقبله”.
مؤكدًا: “الولايات المتحدة والغرب لا يريدون الامتثال الكامل لالتزاماتهم برفع العقوبات عن طهران، وفي المقابل يتوقعون امتثالا كاملا من جانب إيران، وهذا يتعارض مع روح خطة العمل الشاملة المشتركة”.
وكانت إيران قد رفضت اتفاقية نووية مؤقتة قد ناقشتها روسيا مع إيران موضحة بعثتها الدائمة للأمم المتحدة أن “إيران لا تريد اتفاقًا مؤقتًا” وذلك طبقًا لمصادر أميركية، وقد تضمنت تخفيفًا محدودًا للعقوبات مقابل إعادة فرض بعض القيود على برنامج طهران النووي، وذلك وفقا لتقرير نشرته شبكة “أن بي سي” الأميركية.
حيث أن الولايات المتحدة تدرك اقتراح روسيا لإيران، والذي يأتي مع تزايد القلق داخل إدارة جو بايدن من أن الوقت ينفد في المفاوضات بين إيران والقوى العالمية، في حين أن إيران باتت أقرب من أي وقت مضى لتحقيق القدرة على تصنيع أسلحة نووية.
العد التنازلي
وفي إطار تلك الخلافات يشارف وقت المفاوضات على الانتهاء دون الوصول لاتفاق نهائي فالمفاوضات تسير بشكل بطيء حيث أكدت وزيرة الخارجية الألمانية، أنالينا بيربوك في تصريحات أدلت بها خلال المؤتمر الصحافي المشترك مع وزير الخارجية الأمريكي بلينكن على أهمية تحقيق تقدم عاجل في المحادثات، وأوضحت للصحفيين في برلين إن: “النافذة لإيجاد حل تشارف على الإغلاق”، مضيفة أن: “المفاوضات في مرحلة حاسمة نحتاج إلى تقدم عاجل للغاية، وإلا فلن ننجح في التوصل إلى اتفاق مشترك”.
وعلى هذا النحو شدد وزير الخارجية الفرنسي، جان إيف لودريان: ” أن المفاوضات مع طهران “لا يمكن أن تمضي بهذا البطء”، واصفًا التقدم الذي تم إحرازه في المحادثات بأنه “جزئي وخجول وبطيء”، لافتًا إلى ضرورة “تسريع الوتيرة”.
في حين أن الصين تعتقد أن الولايات المتحدة هي المسؤولة عن الوضع الحالي المتأزم للصفقة مع إيران.
هل من مؤثرات؟
يحيط بمحادثات فيينا مؤثرات خارجية تتمثل في ضغط الولايات المتحدة على روسيا والصين للضغط على إيران لتقديم تنازلات، فإيران اتخذت خطوات مؤخرًا لإنقاذ ملفها وموقفها عبر التودد للصين وروسيا حيث زيارة وزير الخارجية الإيراني حسين أمير عبد اللهيان إلى الصين وزيارة الرئيس الإيراني لروسيا، فالوجود الروسي والصيني في المفاوضات يكون ذا أثر عليهما حيث بدأ المسؤولون الأمريكيون في تكثييف إنفاذ العقوبات وقالوا إن ذلك قد يعني في المستقبل استهداف شركات صينية إضافية بالعقوبات، وبالتالي لا تريد كل من روسيا والصين أن تطور إيران سلاحًا نوويًا كما أن الصين تحديدًا مههدة بالصراع وعدم الاستقرار الجديد في الشرق الأوسط الذي يعد موردًا رئيسيًا للطاقة.
إن لدى إيران آمال كبيرة بالصين حيث أوضح المحلل السياسي والمدير السابق في مركز الدراسات الاستراتيجية التابع للمكتب الرئاسي الإيراني “دياكو حسيني” أن :”إذا استمرت العقوبات الأمريكية على إيران فلن تكون الشركات الصينية مستعدة للعمل مع إيران لأنها قد تؤثر عليها في أجزاء أخرى من العالم”.
نتيجة لتلك العقوبات تطلعت إيران إلى إبرام صفقات مع عدة دول آسيا وأماكن أخرى لمبادلة النفط والغاز بالمنتجات التي تحتاجها والتي ستساعدها على تجاوز العقوبات الأمريكية، حيث وقعت إبران اتفتقية مع سريلانكا تسدد بموجبها الأخيرة مستحقات استيراد النفط لإيران عن تصدير الشاي وبعض المواد الأخرى، ووقعت أيضًا اتفاقًا مماثلًا مع باكستان لمبادلة غازها بالأرز، وهناك تفاوض إيراني مع الشركات التركية لبناء منازل مقابل النفط والغاز.
سيناريوهات محتملة
ليس من المستبعد أن يكون هناك تعمدًا من الجانبين لتفشيل المفاوضات فإيران مستفيدة من ذلك عبر زيادة تخصيبها لليورانيوم خصوصًا مع توسيع شبكة علاقاتها الآسيوية الصين وروسيا والهند وسريلانكا، وأمريكا مستفيدة من ذلك في أنه يعد فرصة لفرض مزيد من العقوبات أكثر؛ ونتيجة للمشهد المعقد في محادثات فيينا والوتيرة البطيئة التي تسير بها المفاوضات ورفض الجانب الإيراني لاقتراح روسي بشأن وضع اتفاق مؤقت، فإن هناك سيناريوهات محتملة تواجه المفاوضات تتمثل في:
- السيناريو الأول: أن تنتهي المفاوضات دون الوصول إلى اتفاق نهائي حيث الخروج من المفاوضات هو الأكثر ترجيحًا حاليًا والتصريحات التي يطلقها المشاركون في المفاوضات تعكس ذلك حيث أن الإدارة الأمريكية تتعنت تجاه المطالب الإيرانية، وتستمر في عنادها والخروج من الاتفاق النووي خصوصًا وسط رغبتها في التوسع بفرض مزيد من العقوبات على إيران وبالتالي في تلك الحالة تتوصل المفاوضات إلى ما شيء.
- السيناريو الثاني وهو الأقل ترجيحًا حيث وجود اتفاق ولكن من منظور غربي سيكون نطاقه محدود للغاية، ومن جانب آخر ستكون هناك قضية تتعلق بالضمانات التي تسعى إليها إيران حيث ضمان عدم انسحاب الولايات المتحدة مجددًا وهذا أمر مستبعد لأنه لا يمكن للولايات المتحدة أن تقدم معاهدة ملزمة قانونًا لأن مجلس الشيوخ الأمريكي لن يوافق عليها أبدًا.
خلاصة القول تزداد تعقيدات مفاوضات فيينا يومًا بعد يوم، فبجانب تمسك جانبي المفاوضات بمطالبها الذي يجعل المفاوضات تسير في نفق مظلم فالإدارة الأمريكية لن تستجيب لمطالب رفع العقوبات وهو ما يقابله رفض إيراني، كما أن هناك إصرار أمريكي على الإفراج عن السجناء السياسيين الأمريكيين في السجون الإيرانية وهو ما يواجهه بإنكار إيراني بشأن ذلك؛ وبناء على ذلك فإن الخروج من الجولة الثامنة للمفاوضات دون نتيجة نهائية حاسمة متمثلة في الوصول إلى اتفاق نهائي بضمانات للطرفين هو أمر مستبعد في ظل حالة تبادل الاتهامات وعدم تقديم التنازلات من الجانبين.