بعد اعتزال “الحريري” الحياة السياسية.. ماذا ينتظر لبنان؟
أعلن رئيس الحكومة اللبنانية الأسبق النائب سعد الحريري تعليق عمله بالحياة السياسية، موجهًا الدعوة إلى تيار المستقبل لاتخاذ نفس الخطوة، جاء ذلك وسط سلسلة من الأزمات التي يعيشها لبنان سياسيًا واقتصاديًا وأمنيًا وصحيًا في ظل سيطرة حزب الله، ومن هذا المنطلق يناقش التقرير التالي حيثيات قرار الحريري وتداعياته كالتالي:
تفاصيل قرار الحريري
إن إعلان الحريري ناتج عن مجموعة من الأسباب والتي أوضحها في بيانه والتي تمثلت في التدخل الخارجي في إيران والذي يعيق أي مجال للتقدم، فضلًا عن مواجهة لبنان أزمات داخلية بسبب حالة الانقسام السياسي، حيث أوضح: “من باب تحمل المسؤولية، ولأنني مقتنع أن لا مجال لأي فرصة إيجابية للبنان في ظل النفوذ الإيراني والتخبط الدولي، والانقسام الوطني واستعار الطائفية واهتراء الدولة، أعلن التالي: أولا، تعليق العمل بالحياة السياسية ودعوة عائلتي في تيار المستقبل لاتخاذ الخطوة نفسها، وعدم الترشح للانتخابات النيابية وعدم التقدم بأي ترشيحات من تيار المستقبل أو باسم التيار”.
وفي السياق ذاته تطرق إلى أهداف مشروع “رفيق الحريري” رئيس الحكومة الراحل والتي تمثلت في هدفين أساسيين هما منع الحرب الأهلية داخل لبنان، وتوفير حياة أفضل للشعب اللبناني، موضحًا نجاحه في تحقيق الهدف الأول وأنه لم ينجح في تحقيق الهدف الثاني بشكل كافٍ، حيث أنه لتحقيق هدف منع الحرب الأهلية فرض عليه تسويات كاحتواء تداعيات 7 مايو، واتفاق الدوحة، وزيارة دمشق، وانتخاب الرئيس ميشال عون.
وأشار إلى أن: “هذا كان سبب كل خطوة اتخذتها، كما كان سبب خسارتي لثروتي الشخصية وبعض صداقاتي الخارجية والكثير من تحالفاتي الوطنية وبعض الرفاق وحتى الأخوة.. هذه التسويات، التي أتت على حسابي، قد تكون السبب في عدم اكتمال النجاح للوصول لحياة أفضل للبنانيين. والتاريخ سيحكم. لكن الأساس، أن الهدف كان وسيبقى دائما تخطي العقبات للوصول إلى لبنان منيع في وجه الحرب الأهلية، ويوفر حياة أفضل لكل اللبنانيين”.
وأضاف: “كنت الوحيد الذي استجاب لثورة 17 تشرين 2019 فقدمت استقالة حكومتي، وكنت الوحيد الذي حاول بعد كارثة 4 آب في بيروت تغيير طريقة العمل عبر حكومة من الاختصاصيين. واللبنانيون يعرفون في الحالتين ما كانت النتيجة، وهم يتكبدون من لحمهم الحي كلفة الإنكار”، مؤكدا “أننا باقون بخدمة أهلنا وشعبنا ووطننا، لكن قرارنا هو تعليق أي دور أو مسؤولية مباشرة في السلطة والنيابة والسياسة بمعناها التقليدي.. وبيوتنا ستبقى مفتوحة للإرادات الطيبة ولأهلنا وأحبتنا من كل لبنان”.
واختتم حديثه قائلًا: “قد يكون أفضل الكلام في هذه اللحظة ما قاله رفيق الحريري في بيان عزوفه قبل 17 عاما: “أستودع الله سبحانه وتعالى هذا البلد الحبيب لبنان وشعبه الطيب. واعبر من كل جوارحي عن شكري وامتناني لكل الذين تعاونوا معي خلال الفترة الماضية”.
ردود الفعل
خلّف هذا الخطاب ردود فعل مختلفة حيث بالنسبة لتيار المستقبل قد حدث نزول مجموعات من أنصار “المستقبل” إلى بعض شوارع العاصمة والشروع في قطعها، أما بالنسبة إلى الردود على الجانب السياسي فقد كتب رئيس الوزراء نجيب ميقاتي على حسابه عبر تويتر: “كلام الرئيس سعد الحريري اليوم صفحة حزينة للوطن ولي شخصيا، ولكنني أتفهم الظروف المؤلمة التي يعيشها والمرارة التي يشعر بها، سيبقى الوطن يجمعنا والاعتدال مسارنا ولو تغيرت الظروف والاحوال، مستلهمين قوله تعالى “لا تحسبوه شراً لكم بل هو خير لكم “.
كما اعتبر الرئيس السابق ميشال سليمان: “إنّ احجام أي طائفة عن المشاركة في الانتخابات النيابية، ترشيحًا او اقتراعًا، او تدني نسبة مشاركتها بشكل ملحوظ، ليس فشلًا للديمقراطية فحسب بل وأيضًا هو تشويهٌ لصيغة العيش الواحِد المشترك، فلا يظنن أحدٌ أنّ الخسارة تلحق بالطائفة المعنية فقط بل بالتأكيد بكل الطوائف والمكوّنات، شأن الخسارة التي تكبدها لبنان عام ٩٢ حين قاطع المسيحيّون بمعظمهم الانتخابات النيابية، فالمصلحة الوطنية تصبح في خطر عندما تهيمن طائفة معيّنة، دون غيرها، على المشهد السياسي كذلك إذا عزفت طائفة أو أحجمت عن المشاركة ولعب دورها الوطني الذي تستحقه أو إذا انحسر هذا الدور لأيّ سبب كان”.
وعلى صعيد ردود فعل التيارات السياسية فرئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط صرّح “أن الوطن تيتم اليوم، المختارة حزينة وحيدة اليوم “، ثم صرح ل”رويترز”: “قرار الحريري يعني إطلاق يد حزب الله والإيرانيين في لبنان وقراره محزن ونفقد به ركيزة للاستقرار والاعتدال”.
وبالنسبة إلى رئيس تيار المردة سليمان فرنجية فقد أوضح: “بمعزل عمن يتفق أو يختلف معه فإن الرئيس سعد الحريري وجه من وجوه الاعتدال في لبنان وغيابه عن الساحة السياسية سيخلق فرصة للضعفاء الذين سيعمدون إلى المزايدات التي تعزز التطرف والتطرف هو أكبر خطر على مستقبل لبنان “.
تداعيات محتملة
يعد سعد الحريري زعيم تيار الاستقال صاحب التيار السني الأكبر في لبنان والذي دعمته في مواجهة حزب الله المدعوم من إيران وبالتالي فإن انحساب أكبر تيار سني من الانتخابات في ظل دولة تحكمها الطائفية في لبنان في المقام الأول من شأنه أن يفتح الباب على مصراعيه أمام التيارات الأخرى لسد الفراغ وبالأخص التيار الشيعي المتمثل في حزب الله.
فالتحليلات السياسية تشير إلى أن اعتزال الحريري المعترك السياسي يمثل “هدية” لحزب الله حيث أن ذلك يؤثر على ميزان القوى في برلمان 2022 فخروج تيار المستقبل من السباق يؤثر سلبًا على وضعية القوى السنية الانتخابية في عدد كبير من الدوائر، كمناطق زحلة وعكار والبقاع الشمالي والشوف وعاليه.
فالانتخابات القادمة تواجه مصيرًا مجهولًا ففي الانتخابات السابقة فاز حزب الله المدعوم من إيران وحلفاؤه بالأغلبية في انتخابات 2018، فانسحاب أكبر تيار سني من شأنه أن يضفي حالة الفوضى على المشهد السياسي اللبناني والتي قد تصل إلى حد تأجيل الانتخابات.
أزمة اقتصادية
فلا يزال لبنان يعاني من أزمات اقتصادية بداية 2019 حيث أعلن البنك الدولي في تقرير له بشأن لبنان إن كساد الاقتصاد اللبناني “من تدبير قيادات النخبة في البلاد” و”يعرّض للخطر الاستقرار والسلم الاجتماعي في البلاد على المدى الطويل”.
ويصنف البنك الدولي الأزمة ضمن أشد الأزمات عالميا منذ منتصف القرن التاسع عشر، حيث دمرت بلدا كان يُنظر إليه سابقا على أنه مركز للثراء والليبرالية في الشرق الأوسط قبل اندلاع الحرب الأهلية بين عامي 1975 و1990.
وأضاف البنك أن إيرادات الحكومة انخفضت إلى النصف تقريباً في 2021 لتصل إلى 6.6 بالمئة من الناتج المحلي الإجمالي، وهي ثالث أقل نسبة على مستوى العالم بعد الصومال واليمن.
وفي هذا السياق أعلن تقرير مرصد الاقتصاد اللبناني إنه يقدر أن إجمالي الناتج المحلي الحقيقي هبط 10.5 بالمئة، بينما بلغ الدين الإجمالي 183 بالمئة من إجمالي الناتج المحلي في 2021، ليُسجِّل لبنان رابع أعلى نسبة مديونية في العالم بعد اليابان والسودان واليونان.
ومن جهة أخرى قال المدير الإقليمي لدائرة المشرق في البنك الدولي ساروج كومار جها: “إن الإنكار المتعمّد في ظل الكساد المتعمّد يُخلِّف أضراراً طويلة الأمد على الاقتصاد والمجتمع”.
مضيفًا: “بعد مرور أكثر من عامين على الأزمة المالية، لم يُحدِّد لبنان بعد مساراً يتسم بالمصداقية للوصول إلى التعافي والاستقرار الاقتصادي والمالي، ناهيك عن الشروع في هذا المسار”.
خلاصة القول: إعلان سعد الحريري زعيم أكبر تيار سني اعتزال العمل السياسي موجهًا الدعوة لأعضاء تيار المستقبل اتخاذ نفس الخطوة وعدم دخول الانتخابات القادمة ترك فارغًا كبيرًا وقدم فرصة للتيار الشيعي الشي يعكسه حزب الله المدعوم من إيران، علاوة على ذلك يعد بداية لمزيد من التدخل الإيراني في الشأن الداخلي اللبناني وزيادة أزمات لبنان الاقتصادية أكثر والتي ترتبط بعمليات فساد يقوم بها حزب الله والتي دفعت الولايات المتحدة لفرض عقوبات اقتصادية على شركات تابعة لحزب الله بسبب ما يرتبط بذلك بتمويل غير شرعي، ومن ثم فإن اعتزال التيار السني المعترك السياسي يعد شروعًا لمزيد من الأزمات داخل لبنان أكثر حيث أن سيطرة فصيل أو طائفة معينة ليس من صالح لبنان.