مشهد معقد.. آخر تطورات الوضع السياسي العراقي ومصير تشكيل الحكومة
لم يتقدم المشهد السياسي العراقي خطوة واحدة إيجابية منذ انتخابات اكتوبر 2021 حيث يزداد الخناق من حين لآخر وتظل المشكلات القائمة كما هى فرُغم انعقاد البرلمان إلا أن الطبيعة الخلافية هى التي لا تزال موجودة، كما أن تشكيل الحكومة يسود عليه الغموض فمستقبل تشكيل الحكومة يدور حوله علامات استفهام كثيرة، ولن يستطيع العراق أن يتقدم إلى الأمام ما دام المحاصصة لها الكلمة الفصل في مجريات الساحة السياسية العراقية، ومن هذا المنطلق يناقش التقرير التالي أبرز تطورات المشهد السياسي العراقي كالتالي:
مأزق تشكيل الحكومة
لا تزال حالة التخبط هى السائدة بشأن ملف تشكيل الحكومة العراقية فرغم انعقاد أولى جلسات البرلمان التي دارت حولها الكثير من علامات الاستفهام إلا أن خطوة تشكيل التيار الصدري الفائز بالأغلبية البرلمانية لم تُحرز بعد وذلك في ظل العديد من اللقاءات بين التيار الصدري و”الإطار التنسيقي” لحل الخلاف بينهما.
فبعد تعقد تشكيل الحكومة العراقية أعلن الحزب الديمقراطي الكردستاني على لسان نائبه ماجد شنكالي عن رؤيته بشأن مستقبل الحكومة المقبلة وآلية اختيار الرئيس العراقي، متوقعًا أن “يتحول تشكيل الحكومة إلى الأغلبية الموسعة التي تضم جزءاً من الإطار التنسيقي الشيعي بالإضافة الى الاتحاد الوطني والنواب المستقلين الجدد”.
مؤكدًا: “الفترة المقبلة ستشهد انضمامًا كاملًا لتشكيل الحكومة واختيار رئيس الوزراء والحكومة وأن الأسماء التي تطرح لرئاسة الوزراء ستكون من خلال الكتل الشيعية وتحتاج لتوافق فيما بينها وستعرض على باقي الكتل من السنة والكرد ويتم التوافق على البرنامج الحكومي واختيار التشكيلة الوزارية”.
والجدير بالذكر أن الانتخابات البرلمانية في أكتوبر الماضي فقد بلغت نسبة المشاركة فيها 44 % إثر مشاركة أكثر من 9.5 ملايين ناخب أدلوا بأصواتهم من أصل نحو 22 مليون عراقي يحق لهم التصويت، وانتهت بفوز التيار الصدري بأكثر من 70 مقعدًا من أصل 329 مقعدًا نظرًا لتمتعه بشعبية في الداخل العراقي، وهو ما أثار اعتراض القوى الشيعية الأخرى المعترضة على نتائج الانتخابات وعلى رأسها تكتل الإطار التنسيقي الشيعي الذي يضم تحالف الفتح برئاسة هادي العامري، وعصائب أهل الحق برئاسة قيس الخزعلي وتيار الحكمة برئاسة عمار الحكيم وتيار النصر برئاسة حيدر العبادي، ودولة القانون برئاسة نوري المالكي وتيارات أخرى.
وأثارت تلك النتائج حالة التوتر حيث قامت الميليشيات المعترضة على نتائج الانتخابات بمحاولة لاغتيال مصطفى الكاظمي رئيس وزراء العراق، علاوةً على ذلك خلافات تشكيل الحكومة العراقية الجديدة.
وأثناء عقد أولى جلسات البرلمان ملامح أولى جلسات البرلمان ساد المشهد المضطرب عليها حيث كان هناك تأخر عن موعد انعقاد الجلسة بحوالي 3 ساعات بسبب التوترات والخلافات الدائرة، حيث جرت مداولات مكثفة قبل الجلسة خارج قاعة البرلمان لمحاولة تخفيف حدة التوترات، كما حدث مشادات عنيفة داخل قاعة البرلمان ، علاوة على ارتداء أعضاء “الكتلة الصدرية” وشاحًا أبيض مثل الأكفان تعبيرًا عن انتمائهم للمرجع الديني الراحل محمد الصدر، والد مقتدى الصدر، فيما شهدت الجلسة هتافات من النواب المستقلين؛ تمجيدًا للاحتجاجات الشعبية.
زيارة قائد فيلق القدس
في زخم محاولات الوصول اتفاق من شأنه يؤدي إلى تشكيل الحكومة زار قائد فيلق القدس في الحرس الثوري الإيراني إسماعيل قاآني بغداد بعد أن توجه إلى النجف أولاً في زيارة غير معلن عنها وتأتي الزيارة بعد لقاء ضم مقتدى الصدر وهادي العامري، لبحث مسألة التشكيل الحكومي في سياق إصرار من التيار الصدري على تشكيل حكومة “أغلبية وطنية” دون النظر بأي احتمال آخر معتبرًا أن أي حديث عن تشكيل حكومة توافقية أشبه بالانتحار فزيارة قائد فيلق القدس أمر ليس مستبعدًا عن تاريخ التدخل الإيراني في العراقي فغرض الزيارة أن طهران تريد الحفاظ على التركيبة السياسية القريبة منها وعلى مصالح حلفائها في العملية السياسية لاستمرار هيمنتها على القرار العراقي.
ويتزامن مع زيارة قاآنى زيارة مماثلة قام بها مسئول الملف العراقى فى حزب الله اللبنانى لمدينة النجف وتعكس محاولة إيران التعامل لملاحقة حالة التطورات المتسارعة التى يقودها مقتدى الصدر على خريطة المشهد السياسى العراقى، ودراسة أقل الخسائر السياسية الممكنة حال استمرار تمسكه بخيار حكومة الأغلبية السياسية,
هجمات إرهابية
يشهد العراق سلسلة من الهجمات الإرهابية على مدار الأيام السابقة والتي ترتبط بالتحركات الإيرانية لتعقيد مسألة تشكيل الحكومة العراقية وتأتي هذه الهجمات تزامنًا مع زيارة قائد فيلق القدس للعراق حيث استهداف مقار الأحزاب العراقية والقوى السنية؛ لأنها ستوفر له ذريعة القدوم إلى النجف من أجل رأب الصدع داخل البيت الشيعي ومحاولة إيجاد سبيل لاشتراك الطرفين المتنازعين وهما الإطار التنسيقي والتيار الصدري.
وتعود تلك الهجمات الإرهابية بنا إلى فكرة مهمة وهى تأثير إيران من جهة والانسحاب الأمريكي من جهة أهرى حيث أن الانسحاب الأمريكى من العراق ترك فرصة سانحة لنشاط التنظيمات الإرهابية، وبالأخص تنظيم داعش والذي قام بهجمات إرهابية على “ديالى” مما يعكس أن الحركة أصبحت بحرية له لتوسيع نفوذه مره أخرى، ويرتبط ذلك أيضًا بالهجمات الإرهابية للتنظيم على سجن “غويران” في سوريا الذي يعد أكبر سجن للدواعش في العالم.
وهذا الأمر من شأنه أن يعيد العراق لأحداث عام 2011، وهذا يمثل ضغطًا على القوات الوطنية التي تواجه التنظيم، فهناك رابط قوي بين زيارة قائد فليق القدس والهجمات الإرهابية في العراق وسوريا ويعكس قوة التنظيمات الإرهابية وتماسكها داخل الأراضى العراقية والسورية.
سيناريو العودة للوراء
إن انتشار الهجمات الإرهابية يعد مؤشرًا لعودة العراق لمنعطف الاضطراب مرة أخرى وهذا من شأنه يحول دون خارطة الطريق السياسية بعد انتخاب رئيس البرلمان، وعقبة أمام تشكيل الحكومة المقبلة وذلك في سياق إصرار مقتدى الصدر، على تشكيل حكومة أغلبية، قد تستبعد الموالين لإيران.
وتكون هذه الهجمات الإرهابية للمليشيات الموالية لإيران من أجل تأكيد نفوذها حيث قيام الميليشيات الموالية لإيران باستهداف مقر حزب “تقدم” السني الذي يتزعمه رئيس البرلمان محمد الحلبوسي وتشكل هذه الهجمات ورقة ضغط على العراقيين وتمثلت تلك الهجمات الإرهابية في أشكال هى:
- ضرب مبنى السفارة الأميركية ببغداد بصورايخ بالإضافة إلى إلقاء قنابل على مكتب الحزب الديمقراطي الكردستاني .
- إلقاء قنابل يدوية على مكتب كتلة التقدم شمال بغداد، كما تعرض مكتب البرلماني عبد الكريم عبطان، عضو “تحالف تقدم” لهجوم بقنبلة يدوية.
- استهداف قاعدة بلد الجوية في محافظة صلاح الدين التي تضم قوات أميركية وقد أحبطتها قوات الأمن العراقية.
وتأتي هذه الهجمات بعد تهديد المسؤول الأمني لـ”كتائب حزب الله العراقي” الموالية لإيران، أبو علي العسكري، محذرًا بـ”الأيام العصيبة التي ستمر على العراق، حال خروج الفصائل الشيعية من التشكيل الحكومي .
وبالتالي خطوة تشكيل الحكومة العراقية مستبعدة في ظل هذه الظروف فالعراق يواجه أزمات مركبة حيث خلاف بين أطراف القوى السياسية من جهة وازدياد هجمات الميليشيات المسلحة التابعة لإيران من جهة أخرى لضمان تعزيز نفوذها وعودة أنشطة تنظيم داعش من جهة أخرى ويرتبط ذلك بالهجوم على سجن غويران بمدينة الحسكة السورية، بمنظور عام المشهد السياسي العراقي بعيد تمامًا عن الديمقراطية القائمة على قبول الآخر ،فكل فصيل يهدف إلى تحقيق أهدافه فقط دون النظر إلى مصلحة العراق وذلك وسط نفوذ إقليمي من إيران ومحاولة لضمان إحكامها على العراق تزامنًا مع مباحثات فيينا بشأن الاتفاق حول البرنامج النووي فهى تسعى عن طريق عدة خطوات لتأمين مصالحها في الشرق الأوسط وبالأخص العراق.
خلاصة القول: العراق في معضلة سياسية لم يخرج منها بعد فلن يهدأ إلا إذا خرجت الفصائل الموالية لإيران منه فإيران لا ترغب في تشكيل حكومة لن يكون لها أذرع بها، ومن ثم تصنع كل ما من شأنه عرقلة هذه الخطوة وتأخير تشكيل الحكومة يعطي عدة مؤشرات أولها أن البرلمان العراقي لا يزال موضعه تحت علامات الاستفهام، ثانيًا أن خطوة إجراء انتخابات رئاسية عراقية ستواجه العديد من المشكلات في ظل هذا المشهد السياسي المحتقن ومن ثم تبقى منابع الصراعات جارية ، ويظل العراقيون ينتظرون الخلاص من خلال شكل الحكومة العراقية إذا كانت حكومة أغلبية وطنية أم توافقية.