هجوم سجن «غويران».. دلالات وتداعيات
هاجم تنظيم داعش منذ أيام سجن غويران جنوب مدينة الكسحة السورية وتُعد هذه المرة هى الثانية منذ ديسمبر الماضي لمحاولة الإفراج عن سجنائه؛ حيث أن سجن غويران ذو خطورة بالغة إذ يُعد أكبر سجن للدواعش في العالم.
ويضم سجن غويران، أكثر من 5000 سجينًا من عناصر وقيادات التنظيم؛ لذا قامت ميليشيات داعش بالتخطيط لاقتحامه لمساعدة عناصره الكامنة داخل السجن من الهروب، ولا تزال العمليات العسكرية بين قوات سوريا الديمقراطية وميليشيات التنظيم من جهة أخرى علاوة على ذلك فهناك بعض العاملين في السجن قد أسرهم عناصر التنظيم وقد بث التنظيم شريطًا مصورًا من داخل السجن، ويعد هذا الهجوم هو الأعنف والأضخم من نوعه منذ القضاء على التنظيم في المناطق المأهولة بالسكان في 2019.
يذكر المتحدث الرسمي لقوات سوريا الديمقراطية “قسد” آرام حنا: “نعمل الآن على تمشيط حي الزهور في الحسكة من عناصر داعش، في ظل استمرار اشتباكات متقطعة مع التنظيم الإرهابي”، كما أنه عقب الهجوم الداعشي بحي غويران، نزح المئات من السكان من المناطق القريبة من ساحة الاشتباكات.
فيما يسود القلق من احتمال فرار آلاف الدواعش من السجن وانتشارهم وسط الأحياء السكنية وارتكابهم مجازر انتقامية بحق سكان الحسكة، والذي يبلغ عددهم أكثر من مليون نسمة، وعلى هذا الضوء يناقش التقرير آخر تطورات الأحداث فيما يلي:
محاولة للسيطرة
وتجري قوات “قسد” محاولات لاستعادة السيطرة على السجن لما يشكله هروب عناصر التنظيم منه أزمة بالغة، واتصالًا بذلك أعلنت قوات سوريا الديمقراطية أن 250 عنصرا من التنظيم ، ويجري حاليا تطهير القسم الأخير من سجن غويران، حيث سلّم ما لا يقل عن 300 شخص أنفسهم مع دخول قوات كوماندوز تابعة لقوات سوريا الديمقراطية إلى السجن الواقع في مدينة الحسكة، شمال شرقي سوريا، وقد استطاعت قوات سوريا الديمقراطية السيطرة بشكل كامل على سجن الصناعة في غويران، شمال شرقي سوريا.
تكتيكات جديدة
قد غيّر التنظيم تكتيكاته الاستراتيجية حيث استخدم الأطفال المحتجزين داخل السجن في المواجهة وعمل أيضًا على استخدام المئات من المحتجزين كدروع بشرية له، وهو أسلوب غير مباشر للمواجهة يهدف إلى زعزعة قوات سوريا الديمقراطية ومن ثم حدوث العديد من الاختراقات والهروب، وتظهر صحيفة “نيويورك تايمز” عدة جوانب تتعلق بكون أن هذا الهجوم يمثل عودة للتنظيم مجددًا حتى وإن تمت مواجهتة حيث ذلك يعد مؤشرًا على أن هناك سلسلة متفرقة من الهجمات التي سيشنها التنظيم من حين لآخر حيث أكدت الصحيفة أن الأدلة على عودة تنظيم داعش في سوريا والعراق تتزايد حيث يعكس هذا الهجوم أنه للتنظيم خلايا نائمة تعاود الظهور كتهديد أكثر خطورة.
وارتباطًا بذلك يُعد هذا الهجوم جرس إنذار للأطراف الإقليمية، وللجهات الفاعلة الوطنية، بأن داعش لم ينته، ويوضح قدرة داعش على توجيه ضربات في الوقت والمكان الذي يختارونه.
أذرع خارجية
وعقب سيطرة قوات سوريا الديمقراطية على سجن غويران كشفت القوات أن التخطيط لهجوم داعش تم من الخارج ولتركيا يد فيه موضحة أنه نحو 200 من داعش تم إعدادهم في الخارج وهاجموا قائلة: “تركيا لديها مصالح لخلق الفوضى داخل الأراضي الخاضعة لسيطرتنا، وإنها تدعم عناصر داعش للهجوم على قواتنا”، وهو ما أكدته صحيفة “التايمز” بقولها أن “ترامب وأردوغان” هما المسؤولان عن هجوم الدواعش على سجن غويران.
تشكيل عامل ضغط
إن تنظيم داعش يسعى بهذا الهجوم إلى تشكيل عامل ضغط عن طريق توسيع نفوذه في سوريا وبالأخص في منطقة شمال شرق سوريا التي تسيطر عليها قوات سوريا الديمقراطية، فخطوة كاقتحام سجن يضم آلاف من عناصر التنظيم يمثل ورقة توتر خصوصًا مع نزوح ساكني المنطقة إلى خارجها خوفًا من الاشباكات وبالتالي فهذا الهجوم يمثل كارثة على قوات سوريا الديمقراطية ليس فقط بالنسبة إلى الاضطرابات الأمنية الناتجة عن هذا الهجوم والتي وغن حدثت سيطرة فإنها تبقى لبضع من الوقت.
الهجوم يشير إلى بعض الدلائل أيضًا وهى زيادة المقدرات الاستخباراتية للتنظيم في مقابل نقص للمعلومات من قوات سوريا الديمقراطية في مواجهة تهديدات داعش الأمنية خصوصًا مع محاولات فرض قد كبير من السيطرة على شمال شرق سوريا.
تداعيات محتملة
تثير هجمات تنظيم داعش المخاوف بشأن حدوث تداعيات خطيرة في البيئة العربية والإقليمية والدولية حيث:
- على المستوى العربي: تزداد المخاوف بشأن أن يكون لذلك الهجوم مردودًا أمنيًا على العراق والذي يعمل على قطع جذور تنظيم داعش من أراضيه وما يؤكد تلك المخاوف ازدياد الهجمات التي يشنها التنظيم مؤخرًا في العراق فهذا الهجوم يشير إلى وجود خلايا نائمة تطلق شرارة الهجوم، كما أن هروب المئات من عناصر التنظيم ينذر باستعدادات التنظيم لشن هجومات انتقامية لاستعادة نفوذه على الأماكن المطرود منها وهو ما دفع
السلطات العراقية إلى إطلاق عمليات أمنية لفرض طوقاً أمنياً مشدداً على الحدود مع سوريا تحسبا لتسلل الدواعش إلى العراق، كما عملت على ملاحقة تنظيم داعش في حوض العظيم في ديالى عقب هجوم لعناصر التنظيم على أحد مقار الجيش العراقي والذي أسفر عن مقتل 11 جنديًا وتشهد هذه المنطقة على وجه التحديد هجمات متكررة للجهاديين تستهدف قوات الأمن العراقي.
ونتيجة لهجوم سجن غويران هناك توجهات أمنية تم إصدارها لتشديد الحماية الأمنية على السجون التي يتواجد فيها قادة معتقلين وهى سجون التاجي، والكفل، والحوت، حيث أن هناك مخاوف عراقية من هروب عناصر داعش لأن سجن غويران هو سجن يضم أكبر وأخطر عناصر من الدواعش، وهروب تلك العناصر فيما معناه تخطيط لاستكمال عمليات هجومية من أجل تحرير باقي عناصره في العراق ومن ثم استعادة نفوذه مرة أخرى.
وبالنسبة إلى ليبيا فإن هذا الهجوم يمثل بعدًا أمنيًا فإن داعش تكمن في الجنوب الليبي والجنوب الشرقي وبالتالي فإن هروب بعض عناصر التنظيم والتي لم تسلم أنفسها بعد هذا من شأنه أن يشكل نقطة تقوية للجماعات الإرهابية في ليبيا وبالتالي يعيد التنظيم لشن هجمات له وهذا يؤثر على أمن الدول المحيطة بليبيا كمصر والجزائر والنتيجر وتشاد والسودان، واليمن والصومال فالتنظيم من المتوقع أن يقوم بهجمات انتقامية تعمل على استعادته مرة أخرى، ومن جانب آخر فإن نشاط تنظيم داعش من شأنه أن يقف دون إتمام العملية الانتحابية في ليبيا.
- على المستوى الإقليمي: إن عودة أنشطة داعش في سوريا والعراق ليس فقط يتصل بالهجمات الإرهابية على الدول العربية بل يجعل منطقة الشرق الأوسط كله مهددة أمنيًا واقتصاديًا حيث يتمد أثر التنظيم إلى دول تشهد بالفعل صراعات مسلحة كأفغانستان والتي تسيطر عليها جماعة طالبان الإرهابية حيث أن أفغانستان يرتكز فيها آلاف من تنظيم داعش في إقليم نانغرهار ويسعى التنظيم إلى السيطرة على أماكن واسعة من أفغانستان.
- على المستوى الدولي: للتنظيم خلايا تابعة له في أفريقيا وجنوب آسيا وجنوب شرق آسيا، وأوروبا ومن ثم هذا الهجوم يبعث بمخاوف بشأن هجومات محتملة على بلدان تلك المناطق وعودة مقاتلين مرة أخرى فالوضع الحالي لا ينذر برسائل مطمئنة، خصوصًا في ظل التقارير التي تؤكد المخاوف الأوروبية من عودة الأنشطة المتطرفة في القارة مرة أخرى حيث تشير دراسة المركز الأوروبي لدراسات مكافحة الإرهاب أن أوروبا في عام 2022 أمام تحديات عديدة تتعلق باقتلاع التطرف والعمل على خطط لمنع انتشار الأفكار المتطرفة وحماية البلاد منها.
كما أن وزارة الدفاع الفرنسية قد أعلنت عن قلقها من عودة ظهور تنظيم داعش في شرقي سوريا موضخة أن فرنسا ترى أن التنظيم لا يزال موجودًا بالفعل ولم يخرج بعد، أما بالنسبة إلى جنوب شرق آسيا فإندونسيا وماليزيا قد اتخذتا إجراءات لدحر نشاط داعش وقد نجحتا في ذلك وبهذه الهجمة على سجن غويران وفرار الكثير من عناصر التنظيم يبعث مخاوف بتحريك الخلايا النائمة في هذه البلدان وهو يمثل تحديًا أمنيًا كبيرًا على دول جنوب شرق آسيا والأمر نفسه بالنسبة إلى أفريقيا فهى تشهد جماعات إرهابية بالطبع وتشهد تصعيدات مسلحة بنسب ومعدلات مرتفعة فالهجوم الداعشي من شأنه يشكل دخول القارة الأفريقية في ظلمات أكثر.
خلاصة القول: بعث هجوم تنظيم داعش على سجن غويران في الكسحة برسائل مؤداها أن التنظيم لم ينته بعد وأن خلاياه النائمة لديها قدرة على تجميع المعلومات وأدوات استخباراتية خططت من أجل تنفيذ هذا الهجوم، إلى جانب التقارير الأجنبية التي تشير إلى وجود أذرع خارجية دعمت عملية الهجوم كتركيا والتي لديها وجود في شمال سوريا وبالأخص الكسحة وتسعى إلى فرض النفوذ في مواجهة قوات سوريا الديمقراطية فيبقى من المتوقع بعد هذا الهجوم أن يكون هناك سلسلة من الهجمات الانتقامية التي يشنها التنظيم كعادته، كما أن هذا الهجوم يثير المخاوف على المستوى العربي كاستعادة التنظيم نفوذه في العراق مرة أخرى وما يعكسه الهجمات التي قام بها التنظيم مؤخرًا.
كما أيضًا مد جسوره مع ليبيا والتي تعد ساحة لانتشار الجماعات المسلحة بشدة علاوة على ذلك فالوجود الداعشي هناك يعتبر خطرًا على الدول العربية وغير العربية المحيطة، وليس الأمر كذلك فقط بل مخاوف من عمليات مسلحة في أوروبا ودول آسيا وجنوب شرق آسيا حيث أن للتنظيم خلايا هناك وبشكل عام فتلك الهجمات تشير إلى تكتيكات جديدة للتنظيم وأن جذور الإرهاب لم تقتلع من المنطقة بعد.