بشأن البرنامج النووي.. مفاوضات فيينا في “مفترق طرق”
يشارف وقت مفاوضات فيينا بشأن البرنامج النووي على الانتهاء وذلك دون إطار عام فالمفاوضات يحيط بها مجموعة من المؤثرات كإصرار الجانب الإيراني على وقف الولايات المتحدة الأمريكية للعقوبات أولًا من جانب ومن جانب آخر تعنت الولايات المتحدة في الاستجابة.
كما أن الولايات المتحدة تضغط على روسيا والصين للضغط على إيران لتقديم تنازلات حيث أن إيران اتخذت مؤخرًا لإنقاذ ملفها النووي عبر التودد للصين وروسيا بزيارة وزير الخارجية الإيراني “حسين أمير عبد اللهيان” إلى الصين، وزيارة الرئيس الإيراني “إبراهيم رئيسي” لروسيا، ومن هذا المنطلق يناقش التقرير التالي آخر تطورات ملف مفاوضات البرنامج النووي الإيراني كالتالي:
مفترق طرق
مع بداية دخول المفاوضات لمراحلها الأخيرة رجع المبعوث الأمريكي إلى إيران “روبرت مالي” إلى بلده الولايات المتحدة لأخذ الرد والعودة به إلى فيينا وذلك في ظل تجديد طهران تمسكها بشروطها، وطبقًا لما نقله موقع “بوليتيكيو” فإن الأيام المقبلة ستكون حاسمة في مسار المفاوضات حيث إنها أمام خيارين إما إحياء الاتفاق النووي أو انهيار محادثات فيينا.
وفي سياق متصل جددت إيران تمسكها برفع العقوبات الأمريكية وتوفير الضمانات لها حيث شدد على ذلك الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي أثناء اتصال هاتفي مع نظيره الفرنسي إيمانويل ماكرون مؤكدًا على أهمية رفع الحظر وتوفير ضمانات في المباحثات النووية مشيرًا إلى: “الجمهورية الإسلامية الإيرانية أثبتت خلال المفاوضات إرادتها وجديتها لتوصل إلى اتفاق وأي جهد من قبل الطرف المقابل في هذا المجال ينبغي أن يشمل إلغاء الحظر والتحقق منه ومنح ضمانات موثوقة بهذا الشأن” في حين أن الرئيس الفرنسي أكد أنه من حق طهران ألا تثق في واشنطن لأنها التي تسببت في الأزمة الإيرانية.
وما بين ذلك وذاك فإن منتصف فبراير 2022 ربما يكون الموعد النهائي لمحاولة إحياء الاتفاق النووي مقابل تخفيف العقوبات على طهران؛ فمسألة العقوبات الأمريكية والضمانات التي تطلبها إيران من أبرز العقبات التي تقف دون الوصول إلى الاتفاق النهائي.
أزمات معقدة
في زخم المشهد المعقد كشفت تقارير أمريكية عن انسحاب نائب الموفد الخاص للشؤون الإيرانية “ريتشارد نيفيو” والمعروف بـ”مهندس العقوبات على إيران” من الفريق المفاوض في فيينا وذلك بسبب خلافات على آلية إدارة المفاوضات، حيث ذكرت مسؤول بوزراة الخارجية الأمريكية أن :نيفيو” استقال بسبب اختلافه مع سياسة “بايدن” بشأن العودة إلى الاتفاق مع إيران.
ونظرًا لذلك أعلن الاتحاد الأوروبي توقف المحادثات النووية مع إيران لفترة وجيزة على أن تُستأنف الأسبوع المقبل، حيث أن الاتحاد الأوروبي يجرب المفاوضات بسبب رفض إيران التفاوض مباشرة مع الولايات المتحدة.
وما يزيد التعقيدات أيضًا تصريحات نواب الكونجرس الأمريكي من الحزب الجمهوري بشأن عدم الالتزام بأي اتفاق مع إيران وقد أثارت تلك التصريحات مشكلة حيث جعلت مستقبل المفاوضات في خطر وبالأخص بشأن تقديم أمريكا ضمانات عدم الانسحاب مهما تغيرت الإدراة الحاكمة، حيث طالب عضو لجنة العلاقات الخارجية في الكونغرس تيد كروز بإلغاء أي اتفاق نووي مع طهران بمجرد وصول الجمهوريين للسلطة، مؤكدًا: “لا يستطيع بايدن تقديم ضمانات للنظام الإيراني”؛ أي بشأن عدم الانسحاب مرة أخرى، على غرار ما فعل الرئيس الجمهوري السابق دونالد ترامب، عندما انسحب من الاتفاق عام 2018.
وقال: “إنهم يعملون بشكل محموم على صفقة جديدة كارثية من شأنها أن تترك برنامج إيران النووي سليمًا، بينما تضخ المليارات في النظام”، مضيفا أنه “إن لم تكن الصفقة معاهدة يصدق عليها مجلس الشيوخ، فسيتم تمزيقها في اليوم الأول من إدارة الحزب الجمهوري للسلطة”.
وصرح وزير الخارجية الأميركي بلينكن: “لقد أعلن الرئيس الأميركي جو بايدن بشكل حاسم أنه سيلتزم بالاتفاق النووي طالما بقي في منصبه، لكن لا يمكنه إعطاء مثل هذا الضمان بالنيابة عن إدارات أميركية مقبلة”.
وكان الوزير الأميركي قد حذّر في تصريحات سابقة من أنّ المهلة المتبقّية للتوصّل إلى اتّفاق هي أسابيع فقط و”ليس شهور”، مضيفًا: “الوقت ينفد منّا فعلاً” لأنّ “إيران تقترب أكثر فأكثر من اللحظة التي يمكن فيها أن تنتج، خلال فترة زمنية قصيرة جداً، ما يكفي من المواد الانشطارية لصنع سلاح نووي”.
وحذّر بلينكن أيضاً من:” أنّ الإيرانيين يحرزون إنجازات في المجال النووي “سيصبح التراجع عنها صعباً أكثر فأكثر، لأنهم يتعلّمون أشياء ويقومون بأشياء جديدة بعدما كسروا القيود المنصوص عليها في الاتفاق” الذي أبرم في 2015 وفرض قيوداً على الأنشطة الذرية الإيرانية مقابل تخفيف العقوبات المفروضة على طهران”.
ومن العقابات أيضًا رغبة الولايات المتحدة الإفراج عن معتقليها السياسيين في السجون الإيرانية والتي تنفي إيران ذلك حيث أن مسؤولًا أمريكيًا قد أوضح أن: “من غير المرجح أن نتوصل إلى اتفاق مع إيران ما لم تفرج عن أربعة مواطنين أمريكيين كرهائن”.
سيناريوهات محتملة
تزداد تعقيدات مفاوضات فيينا يومًا بعد يوم، فتمسك جانبي المفاوضات بمطالبها يجعل المفاوضات أكثر تعقيدًا، فالإدارة الأمريكية لن تستجيب لمطالب رفع العقوبات وهو ما يقابله رفض إيراني ، واتصالًا بذلك فسيناريو الخروج من المفاوضات هو الأكثر ترجيحًا حاليًا والتصريحات التي يطلقها المشاركون في المفاوضات تؤكد ذلك حيث أن الإدارة الأمريكية تتعنت تجاه المطالب الإيرانية، وتستمر في عنادها والخروج من الاتفاق النووي خصوصًا وسط رغبتها في التوسع بفرض مزيد من العقوبات على إيران
كما أن هناك عدة مؤشرات تعكس أن المفاوضات تسير في اتجاه مسدود وهى:
- التمسك برفع العقوبات الأمريكية على إيران وتقديم ضمانات من شأنها عدم الانسحاب المفاجيء من البرنامج النووي كما حدث في إدراة “ترامب” يعد شرطًا مستحيلًا بالنسبة إلى الولايات المتحدة حيث أنها لن ترفع العقوبات وإذا رجع جو بايدن إلى الاتفاقات فإن ذلك لن يضمن استمرار الإدارات القادمة في الاتفاق.
- انسحاب مهندس العقوبات على إيران بسبب اختلافه مع بايدن في إدارة الملف من شأنه أن يكون عامل ضعف في الموقف الأمريكي حيث أنه يعكس فرقة الصف في الجانب الأمريكي وبالتالي يكون ثغرة للولايات المتحدة من الممكن أن تستغلها إيران في ذلك.
وبالتالي في تلك الحالة تتوصل المفاوضات إلى ما شيء، ويرتبط بذلك سيناريوهان كالتالي:
السيناريو الأول:
سيناريو تشاؤمي حيث أن الإدارة الأمريكية تتعنت تجاه المطالب الإيرانية، وتستمر في عنادها والخروج من الاتفاق النووي خصوصًا وسط رغبتها في التوسع بفرض مزيد من العقوبات على إيران وبالتالي في تلك الحالة تتوصل المفاوضات إلى ما شيء، علاوة على أن انسحاب المهندس الأمريكي كان شوكة في ظهر الولايات المتحدة.
السيناريو الثاني:
وهو متوقع بنسبة كبيرة ويتضمن الخروج من المفاوضات دون التوصل لأي اتفاق ويبقى الوضع كما هو عليه.
خلاصة القول: لم يكن الوضع في المفاوضات النووية يأتي بجديد فالمشهد يتعقد يومًا بعد يوم، فالمؤشرات العامة تزامنًا مع قرب انتهاء المدة المحددة للمفاوضات توحي بأن المعادلة تصل إلى صفر من النتائج النهائية التي تضمن لكلا الطرفين حقوقهما في ظل جوانب ظاهرة كالإصرار الأمريكي على إفراج إيرن عن السجناء السياسيين الأمريكان التي تنفي إيران وجودهم؛ ونظرًا لذلك فإن الخروج من الجولة الثامنة للمفاوضات دون نتيجة نهائية حاسمة تتمثل في العودة إلى الاتفاق النووي 2015 وبكافة الضمانات للطرفين أمر مستبعد تمامًا ، ونجاح هذه المفاوضات يظل في خانة عدم التأكيد.