مع استمرار العوائق أمام توافق الكتل البرلمانية الفائزة في الانتخابات النيابية في العراق على تشكيل الكتلة الأكبر التي تعود إليها صلاحية تشكيل الحكومة المقبلة في البلاد، لاسيما وسط رفض زعيم التيار الصدري، مقتدى الصدر (الفائز الأخير في الانتخابات) ضم بعض الجهات المنضوية ضمن الإطار التنسيقي في “حكومة الأغلبية الوطنية” كما يصفها، دخل رئيس كردستان السابق مسعود بارزاني على الخط.
فقد أعلن رئيس الحزب الديمقراطي الكردستاني في بيان اليوم الاثنين، أنه طرح مبادرة سياسية لتقريب وجهات النظر وتوفير بيئة مناسبة وجيدة للعملية السياسية في البلاد.
لقاء بالصدر
كما أوضح أنه اقترح أن يزور رئيس إقليم كردستان نيجيرفان بارزاني ورئيس البرلمان محمد الحلبوسي، زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر، للتشاور حول كيفية الاستمرار في العملية السياسية وإزالة العقبات والمشاكل.
وأعرب عن تمنيه بأن تكون لهذه المبادرة نتائج إيجابية تصب في مصلحة العراق بكافة مكوناته.
“زمن التدخلات الخارجية ولى”
من جهته، أكد الحلبوسي، قبيل لقائه الصدر في مدينة النجف، أن زمن التدخلات الخارجية في تشكيل الحكومات العراقية ولى، مضيفا أن الأفرقاء المعنيين سيجرون مباحثات مستقلة بشأن “حكومة عراقية وطنية خالصة”.
يذكر أن الحلبوسي ورئيس إقليم كردستان العراق كانا وصلا اليوم إلى النجف والتقيا الصدر، وذلك قبل أسبوع من الجلسة النيابية المرتقبة في السابع من فبراير من أجل انتخاب رئيس للجمهورية، وسط انقسام الحزبين الكرديين الأكبر(حزب الاتحاد الوطني الكردستاني، والحزب الديمقراطي) حول تسمية المرشح لهذا المنصب.
ففيما يرشح الحزب الديمقراطي المتحالف مبدئيا مع الصدر هوشيار زيباري، يتمسك حزب الاتحاد بالتجديد للرئيس الحالي برهم صالح.
ويقضي العرف السائد في العراق منذ العام 2003 بتعيين رئيس كردي للجمهورية، على أن يكون رئيس البرلمان “سنيا” ورئيس الوزراء شيعيا، في توزيع طائفي للمراكز الثلاثة العليا في الدولة.
وغالبا ما تتوافق الأحزاب الكردية الكبيرة في البلاد مع كتل نيابية أخرى في البرلمان من أجل إيصال مرشحها.
إلا أن الخلافات على الساحة العراقية لا تقتصر فقط على انتخاب الرئيس، ولعل العقدة الأهم والأصعب تكمن في تشكيل الحكومة الجديدة، التي يتمسك الصدر بأن تتكون من “الأغلبية” (أي الكتلة الأكبر) مستبعدا ضم حزب نوري المالكي وغيره من بعض المنضوين ضمن الإطار التنسيقي (الموالي لإيران).
وذكرت مصادر خاصة لـ “الأمصار” تقول: “من النجف الصدر ردا على طلب إيران، برفض قاطع لمشاركة المالكي في الحكومة الجديدة”.
وكان الصدر قد بين للوفدين الكردي والسني انه لن يرضخ لما اسماه (ابتزاز الجيران).
وأشار المصدر الذي حضر اللقاء ان العرض الذي قدمه الوفدين لم يتضمن منح المالكي لأي منصب، لكن كان الطلب يتضمن السماح بتوسيع مشاركة الإطار التنسيقي مع ضمان عدم ملاحقة لخصوم الصدر، كما تضمنت المقترحات تأخير مسألة حل الحشد الشعبي وتسليم سلاح المليشيات الموالية لإيران (وهو الهدف الأساسي لضغط ايران وقآاني على الصدر) الذي أكد لكل حلفاءه وخصومه انه ماض في مسالة تسليم سلاح المليشيات الموالية لإيران.
وبين المصدر أن السيد الصدر اجرى اتصال بحضور الوفدين بهادي العامري وابلغه بترحيبه بمشاركته ومشاركة اعضاء الاطار (باستثناء حمله السلاح بمساعدة الجيران) على حد تعبير الصدر.
مشاورات جديدة
وانطلقت مشاورات جديدة بشأن تأليف الحكومة العراقية، ضمن مبادرة أطلقها رئيس الحزب الديمقراطي الكردستاني، مسعود بارزاني، لإحداث شرخ في الانسداد السياسي الحاصل.
ويرفض مقتدى الصدر، الذي أبرم اتفاقاً مع رئيس البرلمان محمد الحلبوسي، ومسعود بارزاني، إشراك رئيس ائتلاف دولة القانون نوري المالكي، وبعض القوى الأخرى في الحكومة المقبلة، وهو ما تسبب بتوقف المفاوضات لحين حلحلة الأمر.
وأعلن بارزاني الاثنين، إطلاق مبادرة سياسية لحل الأزمة.
فرص النجاح
وقال بارزاني في بيان إنه ”من أجل حل المشاكل وتوفير بيئة مناسبة وجيدة للعملية السياسية في العراق، طرحت مبادرة سياسية، وفي سياق هذه المبادرة، أقترح أن يقوم السيدان، نيجيرفان بارزاني، ومحمد الحلبوسي، بزيارة السيد مقتدى الصدر والتشاور حول كيفية مواصلة العملية السياسية وإزالة العقبات والمشاكل“.
وأضاف: ”آمل أن تكون لهذه المبادرة نتائج إيجابية وأن تكون في مصلحة العراق وجميع مكوناته“.
وقال الحلبوسي، عقب وصوله إلى النجف، في تغريدة عبر ”تويتر“: ”ولّى زمن التدخلات الخارجية في تشكيل الحكومات العراقية، واليوم تتحرك جبال العراق وصحراؤه إلى النجف لمباحثات حكومية عراقية وطنية خالصة، لا شرقية ولا غربية“.
وعلق مسعود برزاني، في تغريدة على تويتر: ”آمل بصدق أن يسفر الاجتماع بين السيد مقتدى الصدر ورئيس إقليم كردستان نيجيرفان بارزاني ورئيس مجلس النواب محمد الحلبوسي عن نتائج إيجابية ويمهد الطريق نحو حل المشاكل الحالية التي تواجه العملية السياسية في العراق“.
وأثيرت تساؤلات عن طبيعة تلك المبادرة، وما إذا كانت تهدف إلى إشراك المالكي في الحكومة المقبلة، أم بعض الأطراف الأخرى.
من جهته، ذكر مصدر مطلع على طبيعة المبادرة، أن ”الحزب الديمقراطي الكردستاني، سيطرح على الصدر تسلم المالكي منصب نائب رئيس الجمهورية، مع بعض المناصب الأخرى التي ستُمنح لقوى الإطار التنسيقي، وذلك بهدف المضي في مسار تشكيل الحكومة والخروج من الانسداد السياسي“.
وأضاف المصدر، أن ”روح المبادرة الجديدة تهدف إلى استئناف مشاورات تأليف الحكومة، وترضية قوى الإطار التنسيقي بالمشاركة في الحكومة، وإن كانت بشكل بروتوكولي أو مشاركة غير فاعلة، لكن الأهم عدم إقصاء أي طرف من المشاركة في الحكومة“.
ويسعى الصدر منذ أيام إلى استقطاب حلفاء جدد من البيت الشيعي إلى صفوفه، مثل هادي العامري وحيدر العبادي وعمّار الحكيم، غير أن تلك القوى رفضت الانضمام لتحالفات الصدر في حال عدم إشراك نوري المالكي.
ويلقي الصدر باللوم على المالكي الذي ترأس الحكومة لدورتين متتاليتين (2006-2014) باستشراء الفساد وأعمال العنف إضافة إلى اجتياح تنظيم ”داعش“ لثلث مساحة العراق صيف العام 2014، فضلا عن الخلافات القديمة المتعلقة بملاحقة المالكي أعضاء جيش المهدي التابع للصدر.
وتخشى بعض تلك القوى في حال التحقت بالصدر دون المالكي، من الاستفراد بها وإقصائها مجددًا عقب تشكيل الحكومة، خاصة أن أغلب الشخصيات ضمن الإطار التنسيقي لم تحقق عددا وازنا من المقاعد، باستثناء نوري المالكي، الذي حاز ائتلافه ”دولة القانون“ نحو 35 مقعدا.
من جهته، أكد عضو الحزب الديمقراطي الكردستاني، محمد زنكنة، أن ”المبادرة عراقية صرفة، بدليل وجود طرفين كردي وسني، وهي تهدف للخروج من حالة الانسداد السياسي الحاصل، وقد لا تقتصر تلك المبادرة على التيار الصدري“.
وأضاف زنكنة أن ”المبادرة تدعو إلى الانفتاح على بقية الأطراف التي تساهم في مزيد من الانسداد، لتأكيد احترام السياقات الدستورية، واحترام القوانين، التي تجبر الأطراف السياسية على الخروج من الأزمات المفتعلة“.
ولفت إلى أن ”الأيام المقبلة ستشهد المزيد من الحوارات المكثفة، بعد إطلاق تلك المبادرة، للبناء على ما توصلت إليه من تفاهمات“.
وفشلت إيران في تقريب وجهات النظر بين الصدر والمالكي، بعد إصرار الأول على إزاحة الأخير من تشكيل الحكومة.
وكانت طهران قد أوفدت، مؤخراً، إسماعيل قاآني، قائد فيلق القدس، إلى بغداد، لاحتواء الأزمة بين الطرفين ولخروج آمن للمالكي.
لكن قاآني فوجئ برفض الصدر التحالف مع المالكي، وتمسكه بشعار تشكيل حكومة عراقية ”لا شرقية تحت إمرة طهران، ولا غربية موالية لواشنطن“.
محاولة إنقاذ أخيرة!
قبل يوم واحد أو بالأحرى ساعات من لقاء رئيس البرلمان العراقي محمد الحلبوسي ورئيس إقليم كردستان، نيجيرفان بارزاني، زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر اليوم الاثنين، أجرى قائد فيلق القدس في الحرس الثوري الإيراني، إسماعيل قاآني مساء أمس زيارة غير معلنة إلى أربيل شمال بغداد، في مسعى أخير على ما يبدو لرأب الصدع بين القوى السياسية العراقية، لاسيما الشيعية، ومحاولة حلحلة موقف الصدر الساعي لتشكيل حكومة “أغلبية وطنية”، وفق ما أكد مراقبون للعربية.نت.
فقد أتت زيارة قاآني هذه بعد جولة سابقة استهلها بزيارة إلى مدينة سامراء.
فيما اعتبر مصدر مطلع أن “زيارة قاآني إلى أربيل هدفت إلى لقاء القوى السياسية الكردية، لاسيما زعيم الحزب الديمقراطي الكردستاني، من أجل تقريب وجهات النظر في ملف تشكيل الحكومة الجديدة ومحاولة الضغط على الحزب بعد أن وصل الاتفاق بين الصدر والإطار التنسيقي الموالي لإيران إلى طريق مسدود”.
كما أظهرت تراجع دور قائد فيلق القدس في التأثير على المشهد السياسي.
الفرصة الأخيرة
وفي نفس السياق، رأى أستاذ القانون الدولي في جامعة جيهان مهند الجنابي أن زيارة قاآني تبدو وكأنها زيارة الفرصة الأخيرة قبل حسم المرحلة الثانية من تشكيل الحكومة (وانتخاب رئيس الجمهورية)، لاسيما أن المساعي السابقة لتقريب وجهات النظر بين الصدر والإطار التنسيقي (يضم أحزابا وفصائل شيعية موالية لإيران، أهمها تحالف الفتح وكتلة نوري المالكي) باءت بالفشل.
كما اعتبر في تصريحات للعربية.نت أن الزائر الإيراني التقى مسعود بارزاني إما لاقناعه بترك تحالفه مع الصدر مقابل دعم الإطار التنسيقي له، أو بقاء هذا التحالف مقابل التنازل عن رئاسة الجمهورية لصالح حزب الاتحاد الكردستاني (مرشحه لرئاسة الجمهورية برهم صالح).
تراجع دور قاآني
وأضاف الجنابي أن قاآني يدرك صعوبة التأثير على الصدر ودفعه إلى ضم كل أطياف الإطار التنسيقي ضمن الكتلة الأكبر (من صلاحيتها تشكيل الحكومة)، لذا يعمل على الالتفاف على هذا الأمر، من خلال إقناع الكرد باستحداث منصب نائب رئيس الجمهورية ومنحه إلى المالكي الذي يرفض التيار الصدري ضمه للحكومة المزمع تشكيلها، من أجل أن يضمن دخول كامل أطراف الإطار إلى الحكومة المقبلة
إلى ذلك، أشار إلى أن مؤشرات هذه الزيارة وقبلها لا تظهر فشل مهمة قاآني فحسب، إنما تؤكد أن محور الحرس الثوري في العراق يعاني من سوء تقدير للمتغيرات السياسية، إذ إن الحزب الديمقراطي الكردستاني ليس بحاجة لدعم الإطار التنسيقي لتمرير مرشحه.
لقاء الصدر بقآاني
وفي وقت سابق، كانت قد أفادت مصادر بانعقاد لقاء بين زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر وقائد فيلق القدس في الحرس الثوري الإيراني إسماعيل قآاني.
وأوضحت المصادر أن الصدر بحث مع قاآني الخلافات مع الإطار التنسيقي بشأن تشكيل الحكومة.
قآاني وصل في وقت سابق للعاصمة العراقية بغداد، بعد زيارته للنجف التقى قادة الفصائل المسلحة.
ونقلت وسائل الإعلام عن مصادر قولها، إن “قاآني عقد اجتماعا مع قادة الإطار التنسيقي في العاصمة العراقية بهدف توحيد مواقف البيت الشيعي وبحث تشكيل تحالف يضم كل الأطراف السياسية الشيعية، وكذلك ملف تشكيل الحكومة الجديدة”.
والجدير الذكر أن زيارة قاآني إلى العراق تأتي بعد زيارة قيس الخزعلي إلى إيران.
هذا ووصل قائد فيلق القدس بالحرس الثوري الإيراني إلى بغداد بعد زيارته النجف، حيث التقى قادة الفصائل المسلحة.
تأتي الزيارة لمحاولة طهران سد الفجوة بين القوى الشيعية لتشكيل جبهة موحدة تتولى تشكيل الحكومة العراقية المقبلة.
لكن زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر يسعى لتشكيل حكومة “أغلبية وطنية”، وهو ما ترفضه قوى الإطار التنسيقي التي تسعى جاهدة لإقناع الصدر بتشكيل حكومة توافقية يشارك فيها الجميع على غرار الدورات السابقة لكي تضمن لنفسها موطئ قدم في الحكومة.
وتصدرت الكتلة الصدرية الانتخابات التي أجريت في 10 أكتوبر الماضي بـ73 مقعدا، تلاها تحالف تقدم بـ37، وائتلاف دولة القانون بـ33، ثم الحزب الديمقراطي الكوردستاني بـ31.