الدكتور أنمار الدروبي يكتب: عن المسلم جارودي والإرهابي الظواهري.. جدلية الدين والسيف؟
يقول الفيلسوف الفرنسي (كوندورسيه) أحد أشهر دعاة عصر التنوير ” سيأتي زمن لن تشرق فيه الشمس إلا على الأمم الحرة وحدها-إذ لا يكون هناك غيرها من الأمم التي لا تعترف بسيد آخر غير عقلها، ولا يجد الطغاة العبيد ولا الكهنة واتباعهم من الأغبياء والمنافقين أي مكان لهم، إلا على صفحة التاريخ وخشبات المسرح” (1743-1794).
من المسيحية البروتستانتية إلى اعتناق الماركسية ثم الاشتراكية إلى إيمان تام وعن قناعة بالإسلام، حيث أعلن الفيلسوف والكاتب الفرنسي (روجيه جارودي) إسلامه في جنيف عام 1982. كشف جارودي فى كتابه (لماذا أسلمت نصف قرن من البحث عن الحقيقة ص75) عن أهم دوافعه إلى اعتناقه الإسلام أبرزها، أن الإسلام يحمل رايه الحق والعدالة، وإن الدين الإسلامي لم ينتشر بقوة السلاح، سيما أن الرسول الكريم (ص) لم يسُل السيف إلا في حالة الدفاع عن النفس. يؤكد جارودي على أنه آمن بالقرآن والسُنة لأن الدين الإسلامي ينبذ الازدواجية المزيفة في شؤون السياسة والعقيدة والمسجد والدولة. في السياق ذاته روي جارودي قصة إسلامه عندما تعرض للسجن في المعتقلات النازية في الصحراء الجزائرية عام 1941، كانت أول مرة تعرف فيها على الإسلام، بعد أن أصدر القائد الفرنسي حكماً بإعدامه رميا بالرصاص مع مجموعة من المتطوعين، وأمر القائد حاملي الرشاشات الذين كانوا مسلمين من جنوب الجزائر بإطلاق النار عليهم، وكانت المفاجئة، عندما رفضوا الأوامر بإطلاق النار وقتلهم، حينها عرف جارودي السبب، إن دين وشرف المحارب المسلم يمنعه من أن يطلق النار على إنسان أعزل.
فرسان تحت راية النبي:
فيما يخص الإرهابي (أيمن الظواهري)، فهو أحد أهم منظري فكرة الجهاد العالمي (الجهاد الكوكبي) ومن أبرز دعاة تكفير المجتمعات. ببساطة شديدة حتى لا أتهم بتشويه صورته، سأناقش أفكاره التكفيرية وأسلوبه المتشدد الإرهابي من خلال مؤلفاته، ويكفي على القارئ أن يتعرف على (إيمان ودين) الظواهري بالاطلاع على كتابه (فرسان تحت راية النبي).
يقول الظواهري” بدأت صلتي في قضية الجهاد بأفغانستان في صيف عام 1980 بترتيب قدري حينما كنت أعمل بـصفة مؤقتة مكان أحد زملائي في مستوصف السيدة زينب التابع للجمعية الطبية الإسلامية، وهـي أحد أنشطة جماعة الإخوان المسلمين، فوافقت على الفور إذ وجدت في هذا العرض فرصة ذهبية للتعرف على ميدان مـن ميـادين الجهاد التي يمكن أن تكون رافداً وقاعدة للجهاد في مصر والعـالم العـربي قلـب العـالم الإسلامي، حيث تدور معركة الإسلام الأساسية بين المـسلمين ورؤوس الحملـة الـصلبية الجديدة، أمريكا واليهود وحكام العرب المنفذين لسياستهما”ص63. لكن من المفارقات الغريبة أن الظواهري يقتل ويذبح المسلمين، يخرب ويدمر بلداننا، تاركا أمريكا واليهود، ربما نكون نحن العرب والمسلمون رؤوس الحملة الصليبية بالنسبة للظواهري وجماعته، لذلك يجوز إبادتنا لكي تتحقق العدالة وتتجسد الشرعية بحسب رأيه.
أعترف الظواهري في كتابه (فرسان تحت راية النبي ج1 ص 86). أنهم كجماعة إسلامية (جهادية) قاموا بعملية تفجير موكب رئيس الوزراء المصري (عاطف صدقي) عام 1986 بسيارة ملغومة وضعت قرب مدرسة ابتدائية، لكن رئيس الوزراء نجا من الهجوم، وقد نتج عن التفجير مقتل (طفلة) تدعى شيماء كانت طالبة في المدرسة، ويعترف الظواهري بكل وقاحة، أنه لم يتألم أو يبدي أي اهتمام لمقتل الطفلة البريئة، ويؤكد أن الجماعة الجهادية لا بد لها من محاربة الحكومة بكل قوة وبأي وسيلة مهما بلغت تضحيات الأبرياء. وفي نفس الكتاب يعترف الظواهري أنهم قاموا بنسف السفارة المصرية في الباكستان وقتل من فيها وتدميرها كليا، حيث يرى الظواهري أن عملية تفجير السفارة رسالة بليغة للحكومة المصرية على حد قوله (ص77).
وتأسيسا لما تقدم، لنا أن نميّز في هذا المستوى بين جارودي في اعتناقه للدين الإسلامي عقائديا وتشريعا، وبين المسلم أصلا أيمن الظواهري الذي استغل الدين الإسلامي أبشع استغلال، فبدل أن يكون الدين رسالة سماوية هدفها تغيير حياة الإنسان نحو الأفضل، أصبح الدين الإسلامي أداة بيد الظواهري وجماعته، يعكس حالة التعصب والغلوّ، اختلطت فيه حالة من الكراهية والرغبة في العنف، وإن الآخرون في نظر الظواهري كفرة فاسقون منافقون مفسدون في الأرض يجب محاربتهم وتطهير الأرض منهم. حتى أصبح الظواهري لا يعترف بمن يخالفه، بل يراه عدوًّا دائمًا لا بدّ من مقاتلته انتصارًا للدين، بحيث تمكنت جماعة الظواهري أن تصوغ أفكار غريبة تخالف الدّين ذاته، تلك الأفكار التي تدعو إلى قتل المؤمنين وتخريب مواطنهم ومساكنهم.
وما بين قيم وتعاليم الدين الإسلامي وبين حلم التكفير وصياغة أدبيات التطرف والإرهاب بالسيف، ينتج عنه هذا البناء الثقافي المختل، فأطلقوا اللحى وكان شعارهم، المصحف بيد والسيف باليد الأخرى. لم يعترفوا بالفلسفة فشتموا الفلاسفة، كرهوا العلم والعلماء، وناقمين على الأدب والأدباء، فكفروا جارودي، وكذبوا عبقرية اينشتاين، ولعنوا أجداد أجداد داروين، أنكروا اختراع بنيامين فرانكلين (مانع الصواعق)، ثم قتلوا المفكر والأديب المصري فرج فودة، ولم يكتفوا فطعنوا الأديب العالمي نجيب محفوظ في عنقه. عليه فقد تأكد للظواهري ومن معه، بأنهم خير أمة أخرجت للناس وقد نصرهم الله وهم أذلة. لهذا فقد تصرف الظواهري برعونة أسياده ومشايخه وغرور علماءه، متصورا أن الله معه تحت راية الإسلام، ليقتل ويفجر وينسف ويبدع في نحر الرقاب كل من يخالف رأيه دون قيود ومحرمات.
وما دمنا بصدد منهج الظواهري وجرائمه بحق البشرية بسبب الاختلاف في الآراء وخلط المقدس بتفسيرات ما أنزل الله بها من سلطان، فإنه يدعي أن العمليات الإرهابية التي يقوم بها تجلب له الشرف وترفع من مكانته. فبعد مرور ما يزيد عن أربعة عشر قرنا يكون المسلم وغير المسلم ضحية لمأزِق الأيديولوجية التكفيرية، لاسيما أن الظواهري يشرعن الإرهاب من خلال الدين، من هنا أصبح الدين يمتلك نزوعاً خاصًّا نحو العنف. ولعلنا نستنطق في هذا الشأن الوثائق التاريخية والمراجع الموثوق بها، فالرؤية العلمية والعقلانية تعكس عجز الظواهري ومن على دين الظواهري، لأن النموذج النظريّ لهذه الجماعات يعاني قصوراً في جوانبَ عدة، منها: قصور في النصوص، وكذلك قصور في المفاهيم، وأخيراً وليس آخراً قصورا في العمل. فمن ناحية النصوص: نجد أن كتابات المؤسسين، لم تكن سوى كراسات ومواعظ بلاغية وتفاسير مدقعة واقتباسات من كتب بعض الفقهاء. أما القصور في المفاهيم فإنه يتمثل في قضية المجتمع الإسلاميّ الذي يجب أن يقوم على أساس الفضيلة. وفي قصور العمل الحمد لله كان واضحاً من خلال التجرِبة على الأرض.