كيف تغيرت إدارة مصر لملف “سد النهضىة” بعد 30 يونيو؟
30 يونيو، محطة فارقة في تعامل مصر وأجهزتها مع أزمة سد النهضة، ففي مايو الماضي كان الرئيس عبد الفتاح السيسي، أول رئيس مصري يزور جيبوتي، الجارة القريبة من أثيوبيا، ليس هذا فحسب، إنما مرت إدارة مصر، لسد النهضة بعدة مراحل بينها التقارب ووصولًا إلى إتاحة كافة السيناريوهات في التعامل مع الأزمة، وفي هذا التقرير نرصد كيف تغيرت إدارة مصر للملف بعد 30 يونيو.
في سبتمبر 2011، اتفقت السلطات المصرية والإثيوبية على تشكيل لجنة دولية، تدرس آثار بناء سد النهضة، وبدأت هذه اللجنة أعمالها بفحص الدراسات الهندسية الإثيوبية ومدى التأثير المحتمل للسد على مصر والسودان، في مايو 2012.
عقب هذا التاريخ بعام واحد، أي في عام 2013، أصدرت لجنة الخبراء الدوليين تقريرها، بضرورة إجراء دراسات تقييم لآثار السد على دولتي المصب، وقد توقفت المفاوضات بعدما رفضت مصر تشكيل لجنة فنية دون خبراء أجانب.
استئناف المفاوضات بعد الإطاحة بالإخوان
وفي عام 2014، وبعد الإطاحة بنظام الإخوان في مصر، اتفقت البلدان (مصر وإثيوبيا)، على استئناف المفاوضات مرة أخرى، وعقد الاجتماع الأول للجنة ثلاثية، تضم مصر وإثيوبيا والسودان، للتباحث حول صياغة الشروط المرجعية للجنة، في سبتمبر من العام نفسه.
اختارت الأطراف الثلاثة، في أكتوبر من العام نفسه، مكتبين استشاريين، أحدهما هولندي، والثاني فرنسي، لعمل الدراسات المطلوبة بشأن السد، وفي مارس 2015، وقع الرئيس المصري، عبد الفتاح السيسي، ونظيره السوداني، عمر البشير، ورئيس وزراء إثيوبيا هايلى ديسالين، في العاصمة السودانية الخرطوم وثيقة “إعلان مبادئ سد النهضة
انسحاب الهولنديين وتعاقد مع الفرنسيين
وفي سبتمبر من العام نفسه، انسحب المكتبان الاستشاريان لـ”عدم وجود ضمانات لإجراء الدراسات بحيادية”، فيما وقع وزراء خارجية الأطراف الثلاث، بعد هذا التاريخ بشهرين، على وثيقة الخرطوم، التي تضمنت التأكيد على اتفاق إعلان المبادئ الموقع من قيادات الدول الثلاث، وتضمن ذلك تكليف مكتبين فرنسيين بتنفيذ الدراسات الفنية الخاصة بالمشروع.
وفي مايو 2016، أعلنت إثيوبيا من طرف واحد، أنها على وشك إكمال 70% من بناء السد، لينتهي التقرير المبدئي حول سد النهضة بعد هذا التاريخ بعام واحد (مايو 2017)، ويندلع خلاف بين الدول الثلاثة على التقرير.
فوافقت مصر على التقرير المبدئي، بينما رفضت أثيوبيا والسودان التقرير نفسه، فأعلنت الحكومة المصرية أنها ستتخذ ما يلزم لحفظ حقوق مصر المائية.
مقترحات مصرية
اقترحت مصر على إثيوبيا في ديسمبر 2017، إشراك البنك الدولي، في اللجنة التي تبحث تأثير بناء السد على دول المصب، إلا أنه في مطلع عام 2018، رفض رئيس الوزراء الأثيوبي، هايلي مريم ديسالين-وقتها-، تحكيم البنك الدولي.
وفي إبريل 2018، اجتمعت الأطراف الثلاثة، على مستوى وزراء الخارجية والمياه ورؤساء أجهزة المخابرات، في اجتماع عرف بالاجتماعي التساعي الأول، وأعقبه تصريحات بعدم الوصول لاتفاق في هذه الجولة من المفاوضات.
فيما زار رئيس الوزراء الأثيوبي، أبي أحمد، مصر في يونيو 2018، وأثناء الزيارة تعهد في مؤتمر صحفي، عقده مع الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، بأن بلاده لن تلحق أي ضرر بالشعب المصري بسبب سد النهضة.
وعقد وزراء الري من البلدان الثلاثة، في سبتمبر عام 2018، اللجنة الفنية، إلا أن هذا الاجتماع أيضًا لم يتوصل إلى نتائج، وأرجئت المفاوضات إلى وقت لاحق، وعلى هامش القمة الأفريقية في فبراير 2019، التقى زعماء البلدان الثلاثة، واتفقوا على عدم الإضرار بمصالح شعوبهم ، والتوافق على المسائل الفنية.
وفي أغسطس من العام نفسه، سلمت مصر أثيوبيا رؤيتها بشأن قواعد ملء وتشغيل السد، إلا أن وزارة الري المصرية أعلنت في الشهر التالي ( سبتمبر 2019)، تعثر المفاوضات بين الأطراف الثلاثة.
وفي أكتوبر 2019، أكد الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، أن الدولة المصرية بكل مؤسساتها، ملتزمة بحماية الحقوق المائية المصرية في مياه النيل، ومستمرة في اتخاذ ما يلزم من إجراءات على الصعيد السياسي، وفى إطار محددات القانون الدولي لحماية هذه الحقوق.
وفي نوفمبر 2019، تدخلت واشنطن واستضافت الأطراف الثلاثة، إضافة لرئيس البنك الدولي، وتقرر عقد أربع اجتماعات عاجلة، على مستوى وزراء الموارد المائية وبمشاركة ممثلي الولايات المتحدة والبنك الدولي، تنتهي بالتوصل إلى اتفاق حول ملء وتشغيل سد النهضة خلال شهرين، بحلول منتصف يناير 2020.
انعقدت الجولة الأولى والثانية في أديس أبابا ثم القاهرة على الترتيب، ثم انعقد الثالثة بالخرطوم، وعادت الجولة الرابعة للانعقاد في أديس أبابا، فيما أعلنت مصر واثيوبيا أن هذه الجولات انتهت دون اتفاق.
وفي يناير 2020، عادت واشنطن لاستضافة الدول الثلاثة، لتقييم الاجتماعات السابقة، لتخرج المفاوضات بتوافق حول 6 بنود، فيما عرف بخارطة طريق لتنظيم ملء السد خلال الجفاف، والجفاف الممتد، إلا أنه هذه الجولات لم تسفر عن اتفاق وهددت أثيوبيا بأن موعد السد الثاني سيبقى كما هو مقرر، إلا أن الإدارة المصرية اتخذت قرارًا بالحصار الدبلوماسي لأثيوبيا.
محطات دبلوماسية خارج أثيوبيا في 2021
شهد عام 2021 وبالتحديد في ربعه الثاني، حصارًا دبلوماسيًا مصريًا لإثيوبيا، على صعيد عقد الشراكات والاتفاقيات والتواجد على أرض جيرانها.
شركة طيران مع غانا
في 8 مايو الماضي، أُعلن عن اتفاق بين شركة مصر للطيران، ودولة غانا باستثمارات 100 مليون دولار، والتي من المقرر انتهاء إجراءاتها خلال العام الحالي، وفق تصريحات صحفية لمسؤولين في مصر للطيران.
وتستهدف مصر للطيران زيادة حركة الركاب بداخل الدول الأفريقية، من خلال جعل المطارات داخل غانا نقطة انطلاق إلى جميع الدول الأفريقية المحيطة.
مصر وإريتريا
في تصريحات صحفية، قال السفير الإريتري، بالقاهرة، فاسيل جبرسيلاسي تكلا، إن العلاقات بين مصر وإريتريا قديمة، منذ الاعتراف المصري بإريتريا، في خمسينات القرن الماضي.
وأضاف تكلا، خلال تصريحاته، أن بلاده تنظر للعلاقات مع مصر على أساس أنها علاقات استراتيجية وقوية، مدللًا على ذلك بزيارة الرئيس الإريتري، أسياس أفورقي، لمصر، 25 مرة خلال الفترة من 1991 وحتى يوليو 2020.
وأكد السفير الإريتري بالقاهرة، أن تطوير العلاقات بين مصر وإريتريا ليست ضد إثيوبيا، كما أن تطوير العلاقات بين مصر وإثيوبيا ليس على حساب إريتريا.
وشهدت العلاقات الاقتصادية بين مصر واريتريا تطورا كبيرا في عام 2018 حيث ارتفع حجم التبادل التجاري بين مصر وإريتريا، ليسجل 119.05 مليون دولار مقابل 104.8 مليون خلال 2017.
وقامت الوكالة المصرية للشراكة من أجل التنمية التابعة لوزارة الخارجية بإيفاد عدد من القوافل الطبية إلى إريتريا، إضافة لفتح الأزهر الشريف الباب، للطلاب من اريتريا، وتوفير المنح الدراسية لهم.
مصر وكينيا
في 26 مايو الماضي، أعلنت مصر وكينيا، أن البلدين وقعا اتفاقية للتعاون العسكري، بحسب بيان لوزيرة الدفاع الكينية مونيكا جمعة، نشر على الموقع الرسمي للوزارة.
ووفق البيان، وقعت الاتفاقية بين وفد من القوات المسلحة المصرية برئاسة رئيس الأركان الفريق محمد فريد، والوزيرة الكينية جمعة، ورئيس أركان الدفاع الكيني، روبرت كيبوتشي.
الاتفاقية الرابعة
الاتفاقية السابقة، هي رابع اتفاقية أجرتها السلطات المصرية، بين مصر وبلد أفريقي خلال 2021، أي ما يعني 4 اتفاقيات في أقل من 6 أشهر.
ووقعت مصر اتفاقية دفاع مع السودان، في شهر مارس، وفي أبريل وقعت مصر وأوغندا مذكرة تفاهم بشأن تبادل المعلومات الاستخباراتية العسكرية، وفي الشهر نفسه، وقع الجيشان المصري والبوروندي، اتفاقية تعاون عسكري في مجالات التدريب والتمارين المشتركة.
مصر ورواندا
بعد انتهاء زيارة رئيس أركان حرب القوات المسلحة المصرية، إلى كينيا، توجه إلى جمهورية رواندا، لتعزيز أوجه التعاون العسكري المشترك بين البلدين، عقد خلالها عدداً من اللقاءات رفيعة المستوى مع القيادات العسكرية الرواندية؛ لبحث سبل تطوير التعاون المشترك في العديد من المجالات.
وترأس رئيس أركان حرب القوات المسلحة المصرية، مع نظيره الرواندي الفريق أول جان بوسكو كازورا، الاجتماع الأول للجنة العسكرية المصرية الرواندية المشتركة، وأكد خلال الاجتماع على دعم كافة أوجه التعاون مع المؤسسة العسكرية الرواندية، والاستعداد لتلبية مطالب تطوير التعاون في مجالات التدريب والتأهيل وتبادل الخبرات المشتركة للقوات المسلحة لكلا البلدين.
زيارة هي الأولى من نوعها
في 27 مايو الجاري، أجرى الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، زيارة إلى دولة “جيبوتي”، الرئاسة المصرية وصفت الزيارة بالتاريخية، والأولى من نوعها.
خلال هذه الزيارة، عقد الرئيس المصري، ونظيره الجيبوتي عمر جيلة، قمة مشتركة لبحث ملفات التعاون الأمنية والعسكرية والاقتصادية بين البلدين.
وقال بيان للرئاسة المصرية، إن جيلة، أعرب عن تطلعه لزيادة نشاط القطاع الخاص المصري في بلاده.
وتضمنت مباحثات الزيارة الخاطفة التي استغرقت يومًا واحدًا، ملفات إقليمية مهمة، من بينها أوضاع منطقتي شرق إفريقيا والقرن الإفريقي، والتعاون في أمن البحر الأحمر ومضيق باب المندب، ومفاوضات سد النهضة.
وتم التوافق بين الرئيسين حول أهمية التوصل إلى “اتفاق قانوني عادل ومتوازن حول ملء وتشغيل السد الإثيوبي، بما يحقق مصالح مصر والسودان وإثيوبيا”.