تونس على خطى لبنان.. إفلاس محتمل وفوضى بالأفق
يواجه الاقتصاد التونسي عددا من التحديات لعل أخرها حدوث تأخر في صرف أجور القطاع العام عن شهر يناير الماضي.
ومع وجود عجز متزايد بموازنة البلاد أصبح هناك مخاوف من تفاقم هذا العجز وظهور تأثير هذا العجز على مناحي الحياة المختلفة في تونس، وهو الأمر الذي تعاني منه لبنان حاليا.
وكان الموظفون في وزارات التربية والتعليم العالي والصحة العامة في تونس هم الأكثر تضررا من جراء هذا التأخير.
استياء من التأخير
وفي هذا الإطار عبرت نقابة “المربين الوطنية للتعليم الثانوي”، التابعة للاتحاد التونسي للمربين، يوم الجمعة الماضي عن استياء أعضائها من التأخير “المريب” في مستحقاتهم بحسب ما ذكر موقع اندبندنت عربية.
ومن جانبها ردت وزيرة المالية سهام بوغديري نمصية بالقول إن التأخر عن صرف أجور يناير الماضي ناجم عن تزامن يومي 22 و23 من الشهر مع عطلة نهاية الأسبوع.
وأضافت أن “الوزارة تعمل بشكل عادي وتقوم بدورها المالي كالمعتاد”، مؤكدة أن “الدولة لن تتخلى عن دورها الاجتماعي، سواء في الظروف العادية أو في ظل وجود أي تعطيلات”.
ورغم أن التأخير لم يدم سوى لبعض أيام إلا أنه قد يمثل رسالة تحذير لواقع الاقتصاد التونسي ومدى صعوبة التحديات الذي يواجهه.
تراكم الديون وتراجع النمو
وتعاني المالية العامة في تونس عجزاً مستفحلاً ناتجاً عن تراكم الديون وتراجع النمو. وقد بلغ العجز 9.3 مليار دينار (3.2 مليار دولار) في ميزانية 2022، ولم تكشف تونس عن الموارد المالية لسد ذلك.
وتعجز تونس عن الخروج إلى السوق المالية العالمية للاقتراض منذ سنتين بسبب تدني تصنيفها من جانب وكالات التصنيف، وآخرها “موديز” التي صنفتها مع آفاق سلبية Caa1.
وتسعى تونس لتوقيع اتفاق مع صندوق النقد الدولي للحصول على قرض يمكنها من الحصول على المصداقية للاقتراض من الخارج.
ولكن صندوق النقد بينما يشترط القيام بإصلاحات هيكلية للاقتصاد التونسي، من أهمها التخفيض في كتلة أجور القطاع العام، إضافة إلى إصلاح المؤسسات العمومية التي تواجه شبح الإفلاس من خلال إعادة هيكلتها ومراجعة الدعم المقدم لها.
ويحذر الخبراء من ان استمرار عجز الموازنة وتراكم الديون على تونس قد يفاقم الوضع الاقتصادي ويعمل على تواجد مظاهر أكثر ازعاجا للتونسيين على السطح، وليس فقط تأخر الأجور وذلك مع قلة السيولة المالية المتوقعة لدى وزارة المالية.
تضخم كتلة الأجور
وتواجه الميزانية تضخم كتلة الأجور في القطاع العام، التي تعد من بين الأعلى في العالم، وتستحوذ على أكثر من 40 في المئة من الموازنة.
وتبلغ كتلة الأجور نحو 1.8 مليار دينار (620 مليون دولار) شهريا، و21.6 مليار دينار (7.44 مليار دولار) في السنة. وذلك مقابل 7.9 مليار دينار (نحو 2.5 مليار دولار) خلال سنة 2011. وبذلك تكون قد تضاعفت ثلاث مرات.
تلك الأرقام دفعت صندوق النقد الدولي إلى دعوة تونس إلى كبح جماح الأجور تلك الأجور. ويبلغ عدد موظفي القطاع العام 661.7 ألف موظف، مقابل 390 ألفاً سنة 2010.
وصرحت وزيرة المالية نمصية أنها تأمل في “الوصول إلى اتفاق تمويلي مع صندوق النقد الدولي في أبريل (نيسان) 2022”. وأرسلت تطمينات إلى التونسيين قائلة إن “الحكومة قادرة على دفع أجور الموظفين”، وسط تساؤلات عن مصير المالية العمومية بعد التأخر في صرف رواتب الموظفين. وقد سبق ذلك تأخر طفيف خلال صيف 2021، وكان من بوادر الأزمة المالية.
يذكر أن المحادثات بين صندوق النقد الدولي وتونس في شأن حزمة إنقاذ قد توقفت في يوليو (تموز) 2021.
أزمة مالية
يذكر أن تونس تمر بأزمة مالية نتجت عن المديونية المتراكمة التي تجاوزت مستوى 107 مليارات دينار (36.9 مليار دولار) بنسبة 83 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي.
وقد عجزت عن رفع مستوى النمو في السنوات الماضية، إذ لم يتجاوز ثلاثة في المئة سنة 2021 بعد انكماش بلغ تسعة في المئة سنة 2020.
مصير لبنان
وتواجه لبنان حاليا أزمة اقتصادية، هي الأسوأ منذ الحرب الأهلية التي دارت رحاها من عام 1975 إلى 1990.
وتشير تقديرات إلى أن ديون الحكومة اللبنانية بلغت 500 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي في عام 2021.
وفقدت الليرة اللبنانية أكثر من 90 في المئة من قيمتها منذ اندلاع الأزمة في عام 2019.
ويساوي الدولار نحو 20 ألف ليرة حاليا مقابل 1500 فقط قبل الأزمة.
يشار إلى أن الدراسة التي أصدرتها لجنة الأمم المتحدة الاقتصادية والاجتماعية لغربي آسيا (الإسكوا) تحت عنوان “الفقر المتعدد الأبعاد في لبنان: واقع أليم وآفاق مبهَمة” في سبتمبر/أيلول 2021 توصلت إلى أن “الفقر في لبنان تفاقم إلى حدّ هائل في غضون عام واحد فقط، إذ أصبح يطال 74% تقريباً من مجموع السكان، وإذا ما تم أخذ أبعاد أوسع من الدخل في الاعتبار، كالصحة والتعليم والخدمات العامة، تصل نسبة الذين يعيشون في فقر متعدد الأبعاد إلى 82% من السكان”.
كما يعاني لبنان من أزمة كهرباء شديدة، نتيجة الأوضاع الاقتصادية، وعدم تأمين الخزينة الدولارات لشراء الوقود، فيما لا تستطيع مؤسسة كهرباء لبنان تأمين سوى ساعتين باليوم الواحد.
ويعتمد اللبنانيون على المولدات الخاصة، للتزود بالكهرباء التي أصبحت غير متاحة لأغلبية الفئات بسبب غلاء الخدمة بشكل فاحش متأثرة بصعود أسعار المحروقات.