علي الطواب يكتب: حاضرة الرشيد تشهد ميلاد شام جديد
يظن البعض أن مصر حينما تخطو خطوات نحو عمقها العربي فإنها تسعي للزعامة -بحق العمق العربي والموقع الجغرافي- فحسب، بل إنها تؤصل وتؤكد لحلم عربي جميل لطالما تمناه الزعيم ناصر حينما أيقن أن عز العرب يكمن في اتحادهم سواء السياسي أو الاقتصادي.
فجاءت الزيارة المرتبة سلفا، لتجمع الرئيس المصري، والملك الأردني، علي أرض العراق العربي، وفي قلبها حاضرة الرشيد بغداد وفي استقبالهم السيد مصطفى الكاظمي رئيس الوزراء العراقي.
وتأتي القمة تطبيقا لما تم الاتفاق عليه في قمة أغسطس الماضي بالعاصمة الأردنية عمان، التي شارك فيها القادة الثلاثة.
وربما يسأل الكثيرون عن ماهية ذلك المصطلح المستحدث وهو “الشام الجديد” ولعل أول مرة ظهر فيه حينما أعلن عنه صراحة مصطفي الكاظمي، رئيس الوزراء العراقي، خلال زيارته للولايات المتحدة أغسطس الماضي، وقال حينها لصحيفة “واشنطن بوست” الأميركية إنه يعتزم الدخول في مشروع استراتيجي يحمل هذا الاسم، موضحا أنه مشروع اقتصادي على الطراز الأوروبي يجمع القاهرة ببغداد، وانضمت إليه عمان، لتكوين تكتل إقليمي قادر على مواجهة التحديات سواء الإقليمية أو العشائرية أو حتي الراديكالية
وهنا تكمن الفكرة العبقرية لماذا لا تستخدم هذه الدول تلك القدرات الهائلة لديها وتحسن توظيفها بما يعود نفعا على الجميع.
فالعراق لديه ثروة بترولية هائلة، لكن قطاع التكرير يعاني صعوبات كبيرة ما خلق أزمة في مشتقات البترول، كالسولار والبنزين وغيره وهنا تلقفت القاهرة الفكرة وقالت ها هنا نأخذ البترول الخام ونكرره ونرسل للعراق المشتقات النفطية ونتحصل علي الباقي بنظام المقايضة علي أن يكون الخط المقترح من البصرة الي سيناء ويدخل الأردن كحلقة الربط الأرضي الجغرافي بين القاهرة وبغداد ومن ثم تكون فرص الربط الكهربائي لاحقا بينهما فرصا واعدة ضمن شبكة الربط الكهربائي العربي حيث تنتج القاهرة ما يقرب من ١٧ الف ميجا إضافية عن حاجاتها.
ناهيك عن توظيف مصر لقدراتها المعمارية والهندسية وشركات المقاولات العملاقة، في خدمة وإعمار ضواحي العراق التي تعاني الأمرين فلا كهرباء ولا ماء ولا طرق، وبالتالي الجميع مستفيد والأهم والأخطر هو ضم دول عربية أخري إلى هذا التحالف الوليد ولتكن الدولة القادمة، سوريا الجار العربي الذي يحتاج إلى ما لا يقل عن ١٠٠ مليار دولار لجهود الإعمار وتحرير شماله المحتل من الجيش التركي في ظل محاولات الدولة المصرية لإخراج كل العناصر المأجورة سواء من الشمال السوري، أو حتي الغرب الليبي، وربما يأخذنا الحلم العربي لضم لبنان الجريح سياسياً وطائفيًا الي ذلك الشام الوليد، وهنا إن نجحت الفكرة فسيتغني لبنان عن السفن التركية الرابضة على شاطئ المتوسط لتوليد الكهرباء من خلال مولدات عملاقة بفاتورة يومية تقدر بخمسين ألف دولار، فماذا لو دخلت لبنان الي هذه الشبكة العربية… فمن المؤكد أنه من الرابحين.
وربما نشير بقوة الي مكاسب أخري لهذه القمة فهي ليست اقتصادية فحسب بل سياسية وإقليمية تمهد لعراق جديد ليس هو العراق الذي نعرفه بصراعات هنا وتحديات هناك… بل هي قمة معلنة عن عراق آخر يستطيع أن يعيد المجد القديم لا سيما بعد نجاحه الباهر في تأمين زيارة البابا مؤخراً وها هو ينجح في تأمين زيارة الرئيس والملك
وما يميز هذه القمة أنها شملت أول زيارة لرئيس مصري إلى العراق منذ أكثر من 30 عاما، بما يعنيه ذلك من تعزيز المشهد العربي فاتحًا الباب أمام زيارات عربية أخري ربما يكون عنوانها اقتصاديًا لكن مضمونها سياسي بالمقام الأول ليعلن للعالم أن زمن الصراعات السياسية الطائفية سيختفي، شاءت في ذلك بعض دول الجوار أو أبت.
فسلام لهذا التكتل العربي الجديد مصر والعراق والأردن، مذكرًا الجميع بأن العرب قادرون ولكن إذا خلصت النوايا السياسية واتحد القادة والزعماء على هدف واحد وهو نصرة شعوبهم وحماية أوطانهم من مخاطر الفتنة والخريف الغاضب الذي ضرب شعوباً بداية من يناير ٢٠١١.
وماذا لو أطلقنا العنان لأحلامنا العربية المشروعة ودشن خط النقل السككي العربي من القاهرة الي عمان ثم بغداد ومنها الي دمشق ومنها الي بيروت.. حلم رغم طوله الكيلو متري إلا أنه قريب المنال إذا خلصت نوايا الرجال.
حفظ الله الوطن وبارك شعبه الطيب وحمي الله الرجال