مجلس التحرير: مجموعة صحفيين عرب
الموقع قدم أوراق اعتماده
الى نقابة الصحفيين العراقيين

العلاقات السودانية الإسرائيلية

نشر
الأمصار

إن المتعمق في مسألة تطبيع العلاقات بين السودان ودولة الاحتلال الإسرائيلي يلاحظ نمو العلاقة بين بعض الدول التي بادرت بالتطبيع كالإمارات والبحرين وتطورها بسرعة عبر سلسلة اتفاقات معلنة، فيما لم يلاحظ المتابعون وجود تطور لافت بالعلاقة السودانية-الإسرائيلية سوى في زيارات سريعة ذات طبيعة أمنية لمسؤولين إسرائيليين للخرطوم يقابلها زيارة سودانية لوفود أمنية وعسكرية.

ومع أن السودان أعلن مشاركته في الاحتفال الرسمي بإعلان الاتفاق الإبراهيمي عبر سفيرها السابق في الولايات المتحدة الأمريكية نور الدين ساتي فإن واقع العلاقة ما زال في حده الأدنى رغم من هذا الاختراق الكبير بإعلان التطبيع وعقد أول لقاء بين رئيس مجلس السيادة السوداني الفريق عبد الفتاح البرهان ورئيس الوزراء الإسرائيلي السابق بنيامين نتنياهو في أوغندا التي جرت فيها اللقاءات السرية بين الطرفين قبل إعلان العلاقة.

إلغاء قانون مقاطعة إسرائيل

أجازت الحكومة الانتقالية السابقة في ١٩ أبريل من العام السابق مشروع قانون إلغاء “قانون مقاطعة إسرائيل”، عبر اجتماع ضم الهيئة التشريعية المؤقتة للحكومة –مجلسي الوزراء والسيادة- وتأتي إجازة القانون المشار إليه بعد أيام من إجازته بواسطة مجلس الوزراء السابق عقب تقديمه من وزارة العدل السودانية.
بحسب نص الوثيقة الدستورية يحق لمجلسي السيادة والوزراء القيام بدور المجلس التشريعي المغيب إلى حين قيامه
ويلغي القانون المجاز ، “قانون مقاطعة إسرائيل” الذي سنه السودان بواسطة برلمان منتخب في العام 1958 بعد عامين من نيل السودان استقلاله من الحكم الإنجليزي المصري، وتضمن القانون الذي ظل ساريًا حتى بدء الحكومة السودانية خطوات التطبيع مع إسرائيل، عدم الاعتراف بإسرائيل وتجريم سفر السودانيين إليها أو الاتجار معها أو التعامل معها أو مع مواطنيها بأي شكل من الأشكال.

وتنص الوثيقة الدستورية التي كانت حاكمة للفترة الانتقالية والموقعة بين الحرية والتغيير الحاضنة السياسية السابقة للحكومة والمجلس العسكري، على قيام مجلسي الوزراء والسيادة مقام المجلس التشريعي إلى حين تشكيله، حيث تشمل صلاحيات المجلس المؤقت جميع صلاحيات المجلس التشريعي الانتقالي.

وتتضمن العقوبات لمخالفي قانون مقاطعة إسرائيل السجن والغرامة والمصادرة، بحسب نص المادة 7 منه والتي تقرأ: “كل مخالفة لأحكام هذا القانون يعاقب عليها بالسجن مدة قد تمتد إلى عشر سنوات أو بالغرامة التي تحددها المحكمة أو بالعقوبتين معًا. وفي كل حالات الإدانة يحكم بمصادرة الأشياء المضبوطة ويحكم كذلك بمصادرة وسائل النقل التي استعملت في ارتكاب الجريمة إذا كان أصحابها على علم بالجريمة وقت النقل”.

وتعارض قطاعات واسعة من الشعب السوداني وبعض مكونات قوى الحرية والتغيير كحزب الأمة والبعث والناصري والشيوعي وتجمع المهنيين السودانيين وبعض لجان المقاومة، وحزب المؤتمر الشعبي الذي ظل مشاركًا في السلطة حتى لحظة سقوط البشير، تعارض خطوات التطبيع مع إسرائيل وتقف ضد إجازة القانون الحالي الذي يبيح التعامل مع إسرائيل ويمهد للتطبيع الكامل معها.

حكومة إسرائيلية جديدة

على الرغم من إعلان وزير الخارجية الإسرائيلي الجديد مؤخراً عن الحاجة إلى عقد اتفاقات مع السودان فإن هذا الإعلان لا يعدو أن يكون تذكيراً للدبلوماسية الإسرائيلية بأن هذا المسار متوقف أو جامد، وأنه يحتاج إلى مسار لتثبيته عبر سلسلة اتفاقات، وأن هذا الملف مهم، ولكنه لا يعني بالضرورة أنه يحظى بأولوية أو اهتمام زائد، ويمكن لنا أن نلخص سبب ذلك الجمود المتعلق بالطرفين في حقيقة الأمر، فالطرف الإسرائيلي كان يحتاج إلى أي نجاح دبلوماسي في اختراق حالة الحصار السياسي العربي المتمثل في رفض معظم الدول العربية الاعتراف بإسرائيل، وبالتالي فإن تحقيق هذا الاعتراف الذي تُوّج بلقاء أعلى مسؤول كان كافياً للاحتفاء وإعلان النجاح، ويبقى أيّ شيء بعد ذلك خاضعاً للمصالح.

وفي شأن السودان فإن الهشاشة السياسية والأمنية في السودان ووجوده في مرحلة انتقالية معقدة خاصة بعد قرارات القائد العام للجيش في ٢٥ اكتوبر من العام الماضي والتي دخلت البلاد بموجبها في مرحلة فراغ سياسي لم تشهده السودان من قبل ، وهذا يعدّ مدخلاً إشكاليّاً لا يمكن البناء عليه حتى يستقر النظام السياسي السوداني بانتخابات تشريعية ورئاسية تحمي سلطتها أيّ اتفاق، بخاصة أن إعلان التطبيع شهِد جدلاً سياسياً سودانياً حول صلاحية إعلان الاعتراف بإسرائيل والتطبيع معها دون وجود مظلة تشريعية.

كذلك فإن إسرائيل منفتحة أكثر على الدول العربية الغنية والمستقرة وتسعى إلى استثمار ربيع هذه العلاقة والاهتمام بتفاصيلها ومنع أي إشارات سالبة قد تعرقلها أو توقف زخمها، بينما ستكون العلاقة مع السودان مكلفة جداً بسبب الوضع السياسي و الاقتصادي المأزوم في السودان، وستضطر إسرائيل إلى تقديم مساهمات ومساعدات مالية واقتصادية لدعم هذه العلاقة الوليدة ، وهذا ليس وارداً في خططها، كذلك فإن سياستها واضحة في أنها ليست دولة محسنة خيرية ولا تدفع المال إلا فيما يعود عليها بمصلحة مباشرة تستحق الدفع.

كذلك فإن العلاقة التي افتتحتها المنظومة العسكرية السودانية ذات طبيعة أمنية، وكان أكثر ما يشغل هذه العلاقة هو الملف الأمني إذ كانت السياسة السودانية سابقاً تتبنى خطاً يدعم المقاومة الفلسطينية لوجستياً، كما كانت منفتحة سياسياً على هذه المقاومة، لكن منذ الإعلان عن التغيير الكبير في السودان فإن هذه العلاقة قد انقطعت وأغلقت الواجهات التمثيلية لها في الخرطوم، فيما كانت هذه العلاقة تعاني إشكالات حقيقية قبل سقوط النظام السابق بسنوات، وبالتالي فإن الثمرة الأمنية للعلاقة الإسرائيلية-السودانية ستتمثل في التعاون الأمني والاستخباري والتعاون في الصناعات الدفاعية والعسكرية وفي مربعات محدودة، ولكن الإشكال الكبير أن المنظومة الأمنية السودانية أخرجت عدداً كبيراً من الضباط الكبار من منظومتها عبر سلسلة إعفاءات أدت إلى ضعف قدرة المؤسسات الأمنية الإسرائيلية على تحقيق تواصل مثمر للتعاون في هذا المجال، خاصة أن رؤية الأمن والمخابرات السودانية وصلاحياتها قد تغيرت عما كانت عليه، كما لا تفتح المنظومات الأمنية والعسكرية عادة ملفاتها الخاصة لأي كيان أجنبيّ مهما بلغ التقارب السياسي، وهو الأمر الذي لم يحْدث بعد في العلاقة مع إسرائيل، كما تراعي السودان المصالح القومية الاستراتيجية المصرية في ملف العلاقة مع إسرائيل.

وهناك أمر آخر يتمثل في عناصر إعلان التطبيع الذي لم يُكشَف عن خصوصياته، واكتفى الإعلان بأنه جرى الاتفاق على فتح الأجواء السودانية للطائرات التجارية الإسرائيلية، وربما فإن أقصى ما تريده الدبلوماسية الإسرائيلية الآن قرار سوداني بالسماح بفتح سفارة إسرائيلية في الخرطوم حتى لو تأخر الافتتاح العمليّ والرسمي لهذه السفارة، وهو الأمر الذي لا تبدو السياسة السودانية حريصة عليه في الوقت الراهن؛ كما أن الإسرائليين حريصون على إنجاز ملف داخلي بالعلاقة وهو إبعاد اللاجئين السودانيين لديها -وهم بضعة آلاف- في أقرب فرصة، وهو الأمر الذي وافقت عليه السودان، لكن الإجراءات القانونية الإسرائيلية لم تنتهِ بعد من التعامل مع هذه القضية بعد رفض هؤلاء العودة إلى بلادهم.

في الجانب السوداني فإن المبادرة العسكرية السودانية بفتح العلاقة مع إسرائيل كانت تنبع من أمرين أساسيين: تسريع إجراءات العلاقة مع واشنطن بغرض رفع العقوبات الأمريكية الاقتصادية والسياسية والتشريعية عن السودان، ورفع العوائق التي تسببت بها هذه العقوبات، والأمر الثاني هو قطع الطريق على بعض شركاء الحكم في السودان للاستفراد بالعلاقة مع الإدارة الأمريكية بعيداً عن قوى أساسية فيه، والأمر الأول لم تتحرك فيه الدبلوماسية الإسرائيلية بما يرضي الطرف السوداني رغم الزيارات المتكررة لوفود أمنية سودانية الى تل أبيب ، إذ تحركت الملفات ببطء شديد، كما لم يتحقق الوعد الإسرائيلي بترتيب لقاء رئاسي بين الولايات المتحدة والسودان طيلة عهد ترمب، ويوجد شعور سوداني قويّ بأن الإسرائيليين لم يوفُوا بما وعدوا من حركة إيجابية وأن التطور البطيء بالعلاقة مع واشنطن حدث بشكل طبيعي نتيجة إعلان التطبيع فحسب، وتغير السياسة السودانية بالملفات التي كانت تعترض عليها واشنطن، بخاصة أن حواراً استراتيجياً أمريكياً-سودانياً كان قائماً نشطاً قبل سقوط النظام.

ولا يبدو السودان حريصاً على تطوير العلاقة أكثر من ذلك، فهو يفهم أنها بُنيت على تقدير سياسي حرج في ظرف انتقاليّ خاص، وأنها في غير ما أُسّست عليه تحمل عبئاً أمنيّاً وسياسياً داخلياً وخارجياً كبيراً، وأن السودان ليس في الأولويات الاستراتيجية الإسرائيلية، وأن إسرائيل ليست مستعدة لأن تقدم خبراتها الفنية للسودان بلا مقابل مُجزٍ، لا سيما أن هذه الخبرات يمارسها القطاع الخاص الإسرائيلي بالدرجة الأولى.

ولكن السودان حريص أيضاً على عدم إشعار الولايات المتحدة أنه متردد في ملف التطبيع ومتابعة العلاقة، كما يريد إعطاء الانطباع بأن تطوير هذا الملف مرحّل إلى ما بعد تسليم السلطة في السودان إلى حكومة مدنية منتخبة .

السودان: الفرص والتحديات

سياسيًا، يُمثل قرار تطبيع العلاقات بين السودان وإسرائيل رافعة سياسية لرئيس مجلس السيادة الانتقالي عبد الفتاح البرهان، للبقاء على رأس السلطة، على أن ذلك لا يعني أن طريق البرهان تبدو سالكة وممهدة وصولًا إلى الاستحقاق الرئاسي الذي ستشهده البلاد عام 2022، من المتوقع أن يكون لمراكز القوة التي يحتفظ بها رموز النظام السابق داخل الدولة والجيش، وكذلك لقوى إعلان الحرية والتغيير (شريك الحكم)، القدرة على إعادة الحسابات في أي لحظة، وبما يشمل فرض معادلات جديدة ومؤثرة على أرض الواقع.

وعلى أي حال، قرار التطبيع السوداني الإسرائيلي هو اختبار جهد صعب سيكشف مدى تماسك التوليفة السياسية (مجلس السيادة الانتقالي) في السودان والتي تُمثل اتفاق تقاسم السلطة بين الجيش والقوى المدنية في البلاد، خصوصًا وأنه سيفتح الباب أمام عدة سيناريوهات قد تلقي بظلالها على الترتيبات والاتفاقات السياسية السابقة. ما قد يجعل الأمور أكثر إيجابية للمراهنين على خيار التطبيع، هو أن المواقف الشعبية متباينة وتبدو أكثر ليونة وتطلعًا لنتائج الاتفاق. يقيم في اسرائيل نحو 7700 لاجئًا سودانيًا كما أن نتائج استطلاعات للرأي، من أهمها المؤشر العربي التابع للمركز العربي للأبحاث وتحليل السياسات، تُشير إلى أن نسب قابلية السودانيين لتطبيع العلاقات مع إسرائيل تعتبر من النسب الأعلى في العالم العربي، بل أنها تزيد عن النسب المُسجلة في مصر التي ترتبط بعلاقات دبلوماسية مع اسرائيل منذ عقود.

اقتصاديًا، يمثل الوصول إلى إنجاز حقيقي في مؤشرات النمو الاقتصادي وجلب الاستثمارات الدولية إلى البلاد تحديًا صعبًا في ظل جائحة كورونا وتباطؤ الاقتصاد الدولي ومشاكل جوهرية تتعلق ببنية الاقتصاد السوداني وتفشي الفساد، إلا أن دعمًا إماراتيًا وسعوديًا وأمريكيًا جديدًا لمالية الدولة من شأنه أن يُعزز قناعة السودانيين بجدوى تطبيع العلاقات مع إسرائيل، تجدر الإشارة هنا إلى أن السعودية والإمارات قدمتا دعمًا للسودان يبلغ 3 مليارات دولار في أبريل 2019.

على الصعيد ذاته، من المتوقع أن يستفيد السودان من نفوذ اللوبي الإسرائيلي في واشنطن للدفع في ملفات سياسية واقتصادية ملحة، في مقدمتها مُساعدة الخرطوم على الخروج من عزلتها الدولية. بطبيعة الحال، هذا الدعم سيكون مرهونًا بمدى جدية السودان في إقامة علاقات وشراكات تضمن لتل أبيب مكاسب استراتيجية واقتصادية وازنة على الأرض، وفيما يتعلق بالملف الأمني الداخلي، يمثل هذا الملف تحديًا وهاجسًا واختبارًا دقيقًا لمجلس السيادة الانتقالي خلال الأشهر المقبلة، السودان الذي كان لسنوات موئلًا للجماعات الإسلامية الجهادية والمتطرقة قد يتعرض لتحديات خطيرة خصوصًا من جانب الخلايا النائمة التي قد يحرضها قرار تطبيع العلاقات بين الخرطوم وتل أبيب على الخروج والفاعلية من جديد.

في المحصلة، اتفاق السلام بين السودان وإسرائيل هو فرصة سانحة لخروج السودان من عزلته الدولية والبدء في اصلاحات سياسية واقتصادية في البلاد، يبقى أن معادلات الداخل المُعقدة، ولعبة المحاور الإقليمية والدولية، قد تؤثر على مسار العملية الديموقراطية والإصلاحية في البلاد، خصوصًا أنها عملية لا تزال “هشة” و”ركيكة”.

إسرائيل و الأزمة السودانية

يرجح كثير من الخبراء السياسيين في السودان إن وجود مبعوث سوادني في إسرائيل لمناقشة تعزيز العلاقات يندرج ضمن مساعي قائد الجيش عبدالفتاح البرهان لاستثمار مساعي التطبيع مع الكيان الصهيوني في تفادي ضغوط الولايات المتحدة لعودة الحكم المدني في البلاد والتي اشتدت مؤخرا مع تلويح واشنطن بفرض عقوبات قد تزيد من عزلة الجيش.

فالبرهان يراهن على العلاقات الاستراتيجية الوثيقة بين تل أبيب وواشنطن لفك عزلته وتجنب المزيد من الضغوط الدولية عليه مقابل المضي قدما في اتفاقية التطبيع مع الكيان الصهيوني التي لازال معلقة إلى حتى الآن.

بالتالي نجد إن زيارة مسؤولا سودانيا لدولة الكيان الصهيوني سعيا لتعزيز العلاقات تأتي تزامنا مع تصاعد الضغط الغربي من أجل العودة الى الحكم المدني في السودان. وحسب المصادر أن المبعوث الرئاسي وصل إلى إسرائيل في بداية الأسبوع.
ومن خلال زيارة هذا المبعوث والزيارات المتكررة لوفود امنية إسرائيلية للخرطوم يسعى المجلس العسكري لاستئناف جهود التطبيع في مواجهة انتقادات الغرب بسبب الإصرار على عودة الشراكة مع المكون المدني.

ويعانى السودان من أزمة سياسية و اقتصادية خانقة ما جعل القادة السياسيين والعسكريين يفكرون في إبرام اتفاقية سلام على غرار الامارات والبحرين والمغرب من أجل الحصول على مساعدات وامتيازات اقتصادية غربية.

رغم أن جهود التطبيع توقفت في مرحلة معينة بسبب رفض بعض القوى السياسية والشعبية لقرار التطبيع فإن المجلس العسكري يفكر في استئناف جهود التطبيع خاصة وأن المجلس يواجه انتقادات داخلية وخارجية كبيرة بسبب الإصرار على إنهاء الحكم المدني.

رغم العلاقات المتميزة التي تجمع القادة العسكريين في السودان مع إسرائيل ، لكنها لم تنجح في إثناء الولايات المتحدة عن توجيه تحذيرات إلى الجيش السوداني من مغبة الاستمرار في استعمال العنف ضد المتظاهرين السلميين المطالبين بالعودة إلى الحكم المدني والرافضين للانقلاب على الحكومة ملوحة باستخدام عقوبات فردية .

لكن التحذيرات الأميركية لم توقف العنف ضد المتظاهرين المناوئين للسلطة العسكرية فيما نزل أنصار المجلس العسكري الأسبوع الجاري في استعراض للقوة تأييدا للبرهان وللمجلس.

الهيمنة الإسرائيلية على موارد السودان

بدأت إسرائيل الترجمة العملية ل( اتفاق ابراهام ) الموقع مع السلطة الانتقالية في السودان في السادس من يناير لعام٢٠٢١م وذلك من خلال انخراطها المبكر في العديد من الأنشطة الاقتصادية والاستثمارية في الأراضي السودانية التي تعتبرها القيادة الإسرائيلية كنزا استراتيجيا لابد من الاستفادة منه قدر المستطاع.
من أجل تحقيق ذلك تسابق الحكومة الإسرائيلية الزمن لتعزيز حضورها الاستثماري في السودان ،الذي يمتلك أحد أهم الموانئ على البحر الأحمر( ميناء بورتسودان) الأمر الذي يسيل لعاب الدولة العبرية نحو التواجد في هذه البقعة الحيوية داخل القارة الأفريقية.
وتمثل الزراعة بمجالاتها المختلفة الهدف الأبرز أمام دولة الإحتلال لكونها تمثل أهمية محورية في عصب الإقتصاد السوداني ، الذي يمكن حال تطويره أن يكون أحد أهم أدوات التوغل داخل القارة الأفريقية ، وهو ما تسعى إسرائيل لتحقيقه خلال الفترة القادمة.
تسيطر نظرية التفوق الزراعي على العقلية الإسرائيلية منذ زرع دولتهم المزعومة في خاصرة العرب قبل اكثر من ٧٠ عاما ، فاجهزوا على التجارب الزراعية الناجحة في البلاد العربية المجاورة ، في المقدمة مصر حينما قضت تل أبيب على سلالات القطن هناك بالاسمدة والبذور المسرطنة ، كذلك اليمن، مرورا باغراق السوق الأردني بالمنتجات الزراعية الملوثة رخصية الثمن ، وصولا إلى تدمير الأراضي الزراعية الفلسطينية على الشريط الأمني ، بعد اغراقها بمياه ومبيدات سامة لتهجير المزارعين والتأثير على الأمن الغذائي في قطاع غزة.

الزراعة عصب الإقتصاد السوداني

يمتلك السودان خارطة زراعية هي الأكبر في إفريقيا ، ومن ثم تتوفر لديه مقومات الإستثمار في القطاع الزراعي بما يميزه عن غيره من الدول الأخرى ، فلديه ما يزيد عن ١٧٥ مليون فدان من الأراضي الصالحة للزراعة ، وأكثر من مائة مليون رأس من الماشية.
وخلافا عن بقية الدول العربية وإفريقيا ، لا يعاني السودان مطلقا من أزمة مياه ، وهذا ما يجعل مسألة الاستثمار في المجال الزراعي عملا مضمونا وغير محفوف بالمخاطر ، مقارنة بالدول المجاورة .
تلك المقومات دفعت بعض القوى الإقليمية للاستثمار في هذا المجال وعلى رأسها تركيا والسعودية ومصر والإمارات وغيرها من دول المنطقة ، وهو ما تسعى ” إسرائيل ” من وراء تواجدها في السودان ، بالإضافة إلى تقويضه من خلال حزم المحفزات والمغريات المتوقع أن تحاول إسرائيل إسالة لعاب السودانيين.
من المتوقع أن تسعى الدولة العبرية خلال المرحلة المقبلة لتعزيز حضورها من خلال العديد من المسارات ، أبرزها توقيع عقود طويلة الأجل لاستصلاح واستغلال الأراضي غيرالمستغلة ( من الممكن أن يشكل ذلك تهديد للأمن القومي المصري من الاتجاه الجنوبي)، بجانب التوغل داخل مفاصل الدولة السودانية حتى تصبح شريكا في الملفات ذات الصلة بالزراعة كملف سد النهضة والحصول على حصة من مياه النيل وغير ذلك من الملفات التي كانت بالأمس حلما يداعب الكيان الصهيونى.

الأسمدة بوابة التعاون الاقتصادي

من أولى الخطوات الإسرائيلية للهيمنة على الإستثمار الزراعي في السودان كان إعلان شركة ( داشان) لصناعة الأسمدة والكيماويات الزراعية الإسرائيلية استعدادها لتمويل وإنشاء مصنع للأسمدة بالخرطوم دون تحميل الجانب السوداني اي أعباء أو نفقات.
يعلم الجانب الإسرائيلي أزمة الأسمدة التي تعاني منها الزراعة في السودان والتي كان لها تأثيرها السلبي على نوعية وكمية المحاصيل المستخرجة ، وهو ما كشف عنه المدير التنفيذي لشركة الكيماويات الزراعية التابعة لمجموعة ( سي تي سي ) الاقتصادية بالسودان خالد آمين عبد اللطيف الذي أشار إلى أن السودان تحتاج إلى مليوني طن من الأسمدة قابلة للزيادة .
ووفقا للمدير التنفيذي للمجموعة اذا توفرت الأسمدة فستحدث نقلة لان إنتاج الفدان المستمد من الذرة مثلا يمكن أن يصل إلى ٢٠ جوالا في حين لا يتعدى إنتاج الفدان بدون سماد ١٠ جوالات فقط .
من جانب آخر ترى إسرائيل في السودان ذات الموقع الإستراتيجي المهم على البحر الأحمر فرصتها السانحة لتعزيز تواجدها في السودان، ومن خلال ذلك يمكنها مراقبة النشاط الإيراني وخنق المقاومة الفلسطينية بتجفيف منابع تصدير الاسلحة ، بجانب مناهضة النفوذ التركي في القارة الأفريقية والذي يقلق الدولة العبرية كثيرا.

أيضا يعدد الإسرائيليون الفوائد التي سيجنونها من إقامة علاقات مع السودان، ومن اتساع رقعة التطبيع مع الدول العربية بشكل عام، وقد لخص رئيس الوزراء الإسرائيلي السابق بنيامين نتنياهو كل ذلك، في تصريحات تلت الإعلان عن التطبيع مع السودان، حينما قال إن التقارب مع الخرطوم سيفتح منافع للإسرائيليين الذين يعبرون المحيط الأطلسي، وأضاف “نحن الآن نطير غربا، فوق السودان، وفقا لاتفاقات عقدناها حتى قبل أن نعلن التطبيع، وفوق تشاد، التي أقمنا معها أيضا علاقات، إلى البرازيل وأميركا الجنوبية”.

وإلى جانب ما تحدث عنه نتنياهو، تبدو الفوائد الأمنية والاستراتيجية التي ستحصل عليها اسرائيل متعددة ، فعبر إقامتها لعلاقات أمنية ودبلوماسية مع السودان، ستطّلع الحكومة الإسرائيلية على نشاطات تعتبرها إرهابية أو معادية لها في مناطق متاخمة للسودان مثل تشاد ومالي والنيجر.