17 عامًا على “اغتيال الحريري”.. لبنان على حافة الهاوية
رغم مرور 17 عاماً على اغتيال رئيس الوزراء اللبناني الأسبق رفيق الحريري، لا يزال اللبنانيون يتذكرون تفاصيل اليوم الذي غيّر مسار بلدهم، هي حادثة فارقة في التاريخ اللبناني الحديث، فضحت مليشيات حزب الله الإرهابية وأكدت ضلوعها في أزمات البلاد، خصوصًا عقب إدانة عضوها من قبل المحكمة الدولية الخاصة بلبنان، بـ”المشاركة في تنفيذ القتل المتعمد لرفيق الحريري”.
ورغم أن أولويات اللبنانيين تغيرت وباتوا اليوم منشغلين بأوضاعهم الاقتصادية أكثر من أي وقت آخر، إلا أنهم ما زالوا يتذكرون تفاصيل ذلك اليوم الحزين الذي غيّر مسار هذا البلد الصغير إلى بؤرة انقسام حاد، وعلى مدار 17 عاما، شكّلت الأزمات الاقتصادية السمة الأبرز للمشهد اللبناني مع دور حزب الله الضالع في جريمة الإغتيال التي شرّعت الباب أمام مليشيات إيران لتقاسم السلطة وتكريس الانقسام السياسي في البلاد.
تفاصيل اغتيال الحريري
في صباح 14 فبراير، زار الحريري مجلس النواب ثم مقهى “كافيه دي ليتوال” لمدة عشرين دقيقة، غادر المقهى في موكب من ست سيارات واتبع طريقاً ظل سرياً حتى اللحظة الأخيرة، بعد ست دقائق ونصف من مغادرة المقهى، مع اقتراب الموكب من فندق السان جورج على الكورنيش، انفجرت شاحنة مفخخة، ودمرت المنطقة، وخلف الانفجار حفرة بعرض ثلاثين قدما في الكورنيش. قُتل ما مجموعه 22 شخصاً، بينهم الحريري، وأصيب 220 آخرون، واشتعلت النيران في عشرات السيارات، وهدمت عدة مبان.
ودفن الحريري مع الحراس الذين قتلوا في التفجير في موقع بالقرب من مسجد محمد الأمين، وأعلنت جماعة تطلق على نفسها اسم “جماعة النصرة والجهاد في بلاد الشام” مسؤوليتها عن الانفجار، والتي لم يسمع عنها من قبل وأظهر شريط بثته قناة الجزيرة رجلا ملتحيا يعتقد أنه فلسطيني يدعى أحمد أبو عدس، ادعى الهجوم. تمت مداهمة منزل عدس لكنه لا يزال مفقودًا، وتكهن تقرير الأمم المتحدة حول جريمة القتل بأنه ربما كان هو الانتحاري، لكنه نقل أيضًا عن أحد الشهود الذي قال إن لا علاقة لعداس بالتفجير.
وحدد تقرير الأمم المتحدة أن القنبلة وُضعت في شاحنة ميتسوبيشي كانتر بيضاء، بناء على لقطات كاميرات المراقبة من بنك إتش إس بي سي قريب، من المحتمل أن يكون قد فُجرت من قبل انتحاري في السيارة، الأمر الذي كان من شأنه أن يهرب من أجهزة التشويش الإلكترونية في موكب الحريري. وجاء في تقرير المحققين أن شاحنة ميتسوبيشي قد سُرقت من ساغاميهارا، اليابان، في 12 أكتوبر 2004.
التحقيق في الاغتيال
في 7 أبريل 2005، تبنى مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة بالإجماع القرار 1595 لإرسال فريق تحقيق للنظر في اغتيال الحريري، قدم الفريق بقيادة القاضي الألماني ديتليف ميليس، نتائجه الأولية فيما يسمى بتقرير ميليس إلى مجلس الأمن في 20 أكتوبر 2005.
وأشار التقرير إلى تورط مسؤولين سوريين ولبنانيين مع التركيز بشكل خاص على رئيس المخابرات العسكرية السورية بشار الأسد وصهر الرئيس السوري آصف شوكت.
في أعقاب التقرير، دعا الرئيس الأمريكي جورج دبليو بوش إلى عقد اجتماع خاص للأمم المتحدة لمناقشة الرد الدولي “بأسرع ما يمكن للتعامل مع هذه المسألة الخطيرة للغاية”، في غضون ذلك، طلب ديتليف ميليس مزيدًا من الوقت للتحقيق في كل الخيوط.
وافقت الحكومة اللبنانية على هذا التحقيق، رغم أنها دعت إلى المشاركة الكاملة، وليس التفوق، لأجهزتها الخاصة واحترام السيادة اللبنانية، كما صوت مجلس الأمن الدولي بالإجماع على المطالبة بالتعاون السوري الكامل مع محققي الأمم المتحدة في الموضوع، وآخر تقريرين لبراميرتز، وأشاد بالتعاون السوري الكامل.
وفي 30 أغسطس 2005، ألقي القبض على أربعة جنرالات لبنانيين موالين لسوريا (بعضهم روّج لنظرية أبو عدس الكاذبة)، بشبهة التآمر لارتكاب جريمة قتل تم احتجازهم بدون تهمة من قبل السلطات اللبنانية لمدة أربع سنوات، وأفرجت عنهم المحكمة الخاصة بلبنان عندما تولي التحقيق في عام 2009 مصطفى حمدان رئيس لواء الحرس الجمهوري اللبناني سابقًا جميل السيد المدير العام السابق للأمن العام علي الحاج مدير عام قوى الامن الداخلي، وريموند عازار، المدير السابق للمخابرات العسكرية أُطلق سراحهما بناءً على أمر من قاضي الإجراءات التمهيدية في المحكمة الخاصة بلبنان بناءً على طلب المدعي العام بسبب نقص الأدلة، ولدى تقديم الطلب، نظر المدعي العام في “التناقضات في أقوال الشهود الرئيسيين وعدم وجود أدلة مؤيدة لدعم هذه الأقوال”.
كما أجرى فريق ديتليف ميليس مقابلة مع وزير الداخلية السوري غازي كنعان في سبتمبر 2005 بصفته “شاهداً” في عملية الاغتيال، ونفى كنعان أي دور له في الاغتيال، في 12 أكتوبر، عُثر على كنعان مقتولاً بعيار ناري في رأسه في مكتبه بدمشق،” وقالت الحكومة السورية حينها إنه كان انتحارًا، على الرغم من أن آخرين زعموا أنه قتل لقطع الصلة بين مقتل الحريري والنظام.
في 30 ديسمبر 2005، أشار نائب الرئيس السوري السابق عبد الحليم خدام في مقابلة تلفزيونية إلى تورط الأسد في الاغتيال وقال إن الأسد شخصياً هدد الحريري في الأشهر التي سبقت وفاته، ودفعت هذه المقابلة نواب سوريين للمطالبة باتهامات الخيانة ضد خدام.
في 18 ديسمبر 2006، أشار تقرير مرحلي أعده رئيس التحقيق السابق، سيرج براميرتز، إلى أن أدلة الحمض النووي التي تم جمعها من مسرح الجريمة تشير إلى أن الاغتيال قد يكون من فعل انتحاري شاب.
في 28 مارس 2008، وجد التقرير العاشر للجنة التحقيق الدولية المستقلة التابعة للأمم المتحدة أن “شبكة من الأفراد تحركت بشكل متضافر لتنفيذ اغتيال رفيق الحريري وأن هذه الشبكة الإجرامية -“شبكة الحريري”- أو أجزاء منها مرتبطة ببعض القضايا الأخرى ضمن صلاحيات اللجنة”، ومدد مجلس الأمن ولاية التحقيق التي كان من المقرر أن تنتهي في ديسمبر 2008 حتى 28 فبراير 2009.
وفي 7 فبراير 2012، أفادت صحيفة حريت أن محققين من الأمم المتحدة أجروا مقابلة مع لؤي السقا، مهتمين بما إذا كان قد لعب دوراً في الاغتيال.
النطق بالحكم في قضية اغتيال الحريري
في 18 أغسطس 2020 أعلنت المحكمة الدولية الخاصة بلبنان، أنه لا يوجد دليل على ضلوع قيادة حزب الله أو سوريا، في تفجير 2005 الذي أودى بحياة رئيس الوزراء اللبناني رفيق الحريري. واتهمت المحكمة أربعة أشخاص هم سليم جميل عياش، وحسن حبيب مرعي، وحسين حسن عنيسي، وأسد حسن صبرا، بالتخطيط للهجوم الذي أودى بحياة الحريري و21 آخرين.
وقال القاضي ديفد ري قارئا ملخص قرار المحكمة الذي جاء في 2600 صفحة “ترى المحكمة أن سوريا وحزب الله ربما كانت لهما دوافع للقضاء على الحريري وحلفائه السياسيين، لكن ليس هناك دليل على أن قيادة حزب الله كان لها دور في اغتيال السيد الحريري وليس هناك دليل مباشر على ضلوع سوريا في الأمر”.
وحضر جلسة النطق بالحكم نجل رفيق الحريري، رئيس حكومة لبنان السابق سعد الحريري، وعائلة النائب والوزير السابق باسل فليحان الذي قضى مع الحريري.
وقال القاضي راي، خلال قراءته خلاصة الحكم، إن المحكمة اعتمدت على بيانات الاتصالات للوصول إلى منفذي اغتيال الحريري، والمتهمون استخدموا الاتصالات للتنسيق بعملية الاغتيال. وأضاف أن “قضية الإدعاء إرتكزت على أدلة الاتصالات ونظر المحققون في سجلات ملايين الاتصالات لاكتشاف أدلة وتم التدقيق في سجلات الهواتف التي استخدمت في محيط مجلس النواب ومكان الاغتيال”. وقال القاضي راي إن اغتيال الحريري عملية إرهابية تم تنفيذها لأهداف سياسية.
وقالت المحكمة إن انتحاريا يقود آلية من نوع ميتسوبيشي استهدف موكب الحريري، وحاول المتهمون تغطية عملية الاغتيال بتحميلها لشخصيات وهمية. وأضاف أنه يمكن تفسير الاعتداء على مروان حمادة بأنه كان تحذيرا للحريري وجنبلاط لعدم تجاوز حدودهم مع سوريا، مشيرا إلى أن قرار الاغتيال تزامن مع زيارة وليد المعلم وزير خارجية سوريا إلى منزل الحريري إضافة إلى اجتماع في فندق البرستول لمعارضي الوجود السوري في لبنان. ولفتت المحكمة الدولية إلى أن الأمن اللبناني أزال أدلة هامة من مسرح الجريمة بعد التفجير مباشرة.
وقالت المحكمة إن الهدف المنشود من اغتيال الحريري زعزعة استقرار لبنان بشكل عام، ولفتت إلى أن الأدلة تشير إلى ان اغتيال الحريري له ارتباطات سياسية ولكنها لا تثبت من وجّه لاغتياله. ولفتت المحكمة الدولية باغتيال الحريري أن الانتحاري قام بتفجير نفسه وبما أنه لم يتم التعرف عليه تبقى هويته مجهولة.
في 11 نوفمبر 2020، أصدرت المحكمة الدولية الخاصة بلبنان حكمها في قضية اغتيال رئيس الوزراء اللبناني السابق رفيق الحريري عام 2005، كان عضو حزب الله سليم عياش قد أدين في أغسطس 2020، بالقتل وارتكاب عمل إرهابي، بالإضافة إلى 21 آخرين، في أغسطس، وجهت التهم ضد عياش وثلاثة آخرين، حسين عنيسي، حسن حبيب مرعي، وأسد صبرا، الذين برءتهم المحكمة، وأدين عياش وحكم عليه غيابياً بالسجن مدى الحياة.
الأربع ضباط المتهمون في اغتيال الحريري:
- مصطفى بدر الدين: يُعدّ المتهم الرئيسي و«العقل المدبر» لجريمة اغتيال الحريري. وجاء في مذكرة توقيفه أنه «خطط للجريمة وأشرف على تنفيذها». وفي مايو 2016، أعلن حزب الله عن مقتله، وفي يوليو من العام نفسه، أعلنت المحكمة الدولية التوقف عن ملاحقته بعدما تأكدت من مقتله.
- سليم عياش: تتهم المحكمة عياش المسؤول العسكري في حزب الله، بقيادة العملية وجاء في مذكرة توقيفه أنه «المسؤول عن الخلية التي نفذت عملية الاغتيال وشارك شخصياً في التنفيذ»، وشملت التهم الموجهة إليه، وفق موقع المحكمة الدولية، وضع «مؤامرة هدفها ارتكاب عمل إرهابي» و«ارتكاب عمل إرهابي باستعمال أداة متفجّرة» وقتل الحريري و21 شخصاً آخرين «عمداً باستعمال مواد متفجّرة» ومحاولة قتل 226 شخصاً، وفي سبتمبر 2019، وجهت المحكمة الدولية تهمتي «الإرهاب والقتل» لعياش لمشاركته في ثلاث هجمات أخرى استهدفت سياسيين بين العامين 2004 و2005.
- حسين عنيسي وأسد صبرا: يحاكم كل من عنيسي وصبرا بتهمة تسجيل شريط فيديو مزيف بثته قناة “الجزيرة” يدعي المسؤولية نيابة عن جماعة وهمية أطلقت على نفسها “جماعة النصر والجهاد في بلاد الشام”. وتتضمن لائحة الاتهامات الموجهة لهما على صفحة المحكمة الدولية «التدخل في جريمة ارتكاب عمل إرهابي باستعمال أداة متفجّرة» و«التدخل في جريمة قتل رفيق الحريري عمداً باستعمال مواد متفجّرة».
- حسن حبيب مرعي: قررت المحكمة الدولية ملاحقة مرعي عام 2013، وضمت قضيته في فبراير 2014 إلى قضية المتهمين الآخرين، ووُجهت لمرعي أيضاً اتهامات بـ«التدخل في جريمة ارتكاب عمل إرهابي» وقتل الحريري والقتلى الآخرين عمد.
انقسام لبنان بعد اغتيال الحريري
وانقسم لبنان بعد ذلك لسنوات طويلة بين “قوى 14 آذار” المناهضة لحزب الله و”قوى 8 آذار” المؤيدة له، وتمكن حزب الله، القوة الوحيدة التي لا تزال تحتفظ بترسانة سلاح في لبنان إلى جانب القوى الأمنية الشرعية، من ملء الفراغ الذي خلفه غياب دمشق سياسياً وتحوّل رويداً رويدا إلى قوة أساسية تتحكم بمسار الحياة السياسية في البلاد.
واليوم يحتفظ موقع الاغتيال بنصب تذكاري للحريري على شكل شعلة معدنية، بينما لا تزال آثار التفجير تظهر على واجهات بعض الأبنية، على بعد أمتار، يتوسط تمثال لرفيق الحريري ساحة صغيرة تحمل اسمه.
حزب الله
في أغسطس 2010، رداً على إشعار بأن محكمة الأمم المتحدة ستوجه اتهامات إلى بعض أعضاء حزب الله، قال الأمين العام لحزب الله حسن نصر الله إن إسرائيل كانت تبحث عن طريقة لاغتيال الحريري في وقت مبكر من عام 1993 من أجل خلق فوضى سياسية من شأنها أن تجبر سوريا على ذلك الانسحاب من لبنان، وتكريس أجواء معادية لسوريا في لبنان في أعقاب الاغتيال، ومضى يقول إن حزب الله ألقى في عام 1996 القبض على عميل يعمل لصالح إسرائيل باسم أحمد نصر الله – لا علاقة له بحسن نصر الله – زُعم أنه اتصل بمفصّل أمن الحريري وأخبرهم أن لديه دليلًا قويًا على أن حزب الله كان يخطط للانتحار. ثم اتصل الحريري بحزب الله وأبلغهم بالوضع، ورد سعد الحريري أن على الأمم المتحدة التحقيق في هذه الادعاءات.
رفيق الحريري
زعيم لبناني ورئيس وزراء لبنان الأسبق ورجل أعمال. كان يعتبر من كبار رجال الأعمال في العالم، وهو يحمل الجنسيتين اللبنانية والسعودية، لعب دورًا مهمًا في إنهاء الحرب الأهلية اللبنانية وإعمار لبنان بعدها. وقام بالعديد من الأعمال الخيرية وكان أشهرها تقديم منح طلابية للدراسات الجامعية لأكثر من 36000 شاب وشابة من كل الطوائف اللبنانية على مدى 20 عامًا، إضافة إلى تقديم المساعدات لضحايا العدوان الإسرائيلي على لبنان ومساعدة دور الأيتام والعجزة وإنقاذ جمعية المقاصد الخيرية الإسلامية من الديون، عرف بعصاميته فهو لم يرث المال ولا السلطة كما هو حال معظم سياسيي لبنان، وأصبح أحد أغنياء العالم نتيجة جهده الشخصي، اغتيل يوم 14 فبراير 2005 بمتفجرة تزن أكثر من 1000 كلغ من التي أن تي، وسبَّبَ اغتياله قيام ثورة الأرز التي أخرجت الجيش السوري من لبنان وأدت إلى قيام محكمة دولية من أجل الكشف عن القتلة ومحاكمتهم، والتي أدانت في حكمها الصادر في 18 أغسطس 2020، المتهم سليم عياش في الضلوع في عملية الاغتيال.