تقارب حذر بين العلاقات الجزائرية والفرنسية
بعد سلسة من التوترات، الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون يؤكد أن العلاقة بين الجزائر وفرنسا تسير في الطريق الصحيح، بعدما شهد البلدان أزمة دبلوماسية حادة نهاية العام الماضي.
وذلك خلال حديث لتبون مع ممثلي الصحافة المحلية، مؤكدا أن “هناك بداية لذوبان الجليد بين الجزائر وفرنسا”، مشيراً إلى تحقيق “نتائج جيدة جداً” خلال المحادثات بين الأمين العام لوزارة الخارجية الجزائرية والأمين العام للخارجية الفرنسية في العاصمة الجزائر، وهو ما يدفع إلى “تحسين العلاقات الثنائية”.
ورفض تبون الخوض أكثر في تطور العلاقات مع باريس، بسبب الانتخابات الرئاسية المرتقبة خلال العام الحالي، وعدم الرغبة في التأثير على مجرياتها.
تاريخ الجزائر مع فرنسا
في 14 يونيو 1830، الاحتلال الفرنسي للجزائر: استعملت فرنسا “حادثة المروحة” كحجة لاحتلالها للجزائر إلا أن فرنسا كانت تنوي احتلال الجزائر منذ عهد نابليون بونابرت. فانطلقت القوات الفرنسية من ميناء طولون بحملة بلغ قوامها 37600 جندي نحو الجزائر وصلت هذه الحملة إلى سيدي فرج؛ حيث وقعت معركة سطاوالي وبعد الاحتلال فرضت فرنسا على الجزائريين قانون الأهالي.كان من نتائج الهجمة الاستعمارية الشرسة التي تعرضت لها المؤسسات التعليمية والوقفية والدينية، نضوب ميزانية التعليم وغلق المدارس وانقطاع التلاميذ عن الدراسة وهجرة العلماء.
سقوط العاصمة وبداية الاحتلال
الأزمات “الفرنسية – الجزائرية”
كان عام 2021، استثنائياً بكل المقاييس في العلاقات بين الجزائر وباريس، إذ شهد تطورات متلاحقة ومتسارعة بشكل غير مسبوق، وأن كان الماضي بين البلدين يطوي أيضا ذكريات مؤلمة لا تنسى
-أزمة الهوية الجزائرية
اندلعت الأزمة “الفرنسية – الجزائرية” على خلفية تصريحات أدلى بها الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون في 30 سبتمبر/ أيلول 2021 خلال لقائه مجموعة من الطلبة الجزائريين ومزدوجي الجنسية وفرنسيين من المعمّرين السابقين في الجزائر، حين خاطبهم: ” إن الجزائر قامت بعد إستقلالها العام 1962 على إرث الماضي، مستغلّة ذكريات الحرب الدموية”. وفي كلام خارج الدبلوماسية.
قال ماكرون: إن الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون رهينٌ لنظام متحجّر، وهو محاصر بسبب هيمنة العسكر على السلطة وصناعة القرار، ولوّح بمنع تأشيرات بعض المسؤولين الجزائريين وأبنائهم وعدم تسهيل تنقّلاتهم.
وبهذة التصريحات يكون قد طعن ماكرون بوجود هويّة جزائرية أصلاً قبل إحتلال فرنسا للجزائر العام 1830 وحاول أن يغمز الجزائريين بأنهم نسوا فترة الحكم العثماني للجزائر (1514 – 1830) دون أن ينسى نقد تركيا من خلال إبداء “إعجابه” بقدرتها على جعل الجزائريين ينسون تماماً الدور الذي لعبته في الجزائر والهيمنة التي مارستها، مشيراً إلى أن الفرنسيين لم يكونوا المستعمرين الوحيدين.
وانتقد تركيا بشدّة لأنها تمارس ” عمليات تضليل ودعاية ” ضدّ بلاده في مسألة كتابة التاريخ، لاسّما مرحلة ما قبل إستقلال الجزائر، ودعى إلى إصدارات فكرية باللغتين العربية والآمازيغيّة لمواجهة الأراء التي تدين فرنسا.
وكانت ردّة الفعل الجزائرية إزاء تصريحات ماكرون شديدة حيث رفضت التدخّل في الشؤون الداخلية ، بل اعتبرها الرئيس تبّون “لا مسؤولة وسطحية ومغرضة” ، وتحمل مفهوماً قائماً على “الهيمنة المبتذلة” للعلاقات بين الدول، وهو نسخة تبريرية للإستعمار على حساب النظرة التحرّرية التي تؤكد شرعية الكفاح الوطني، إذْ لا يمكن لأي شيء أن يغفر لقوّات الإستعمار الفرنسي جرائم الإبادة الجماعية ضدّ الإنسانية، والتي لا تسقط بالتقادم. وعلى إثرها استدعى تبّون، السفير الجزائري في باريس للتشاور معه وقرّر لاحقاً عدم عودته ما لم تعتذر فرنسا.
أزمة “ستورا”
أبدت الجزائر في فبراير من العام الماضي رفضها لتقرير “ستورا” الذي وصفته بـ”غير الموضوعي والمنحاز”، وانتقدت عدم “اعتراف فرنسا رسمياً بجرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية التي اقترفتها خلال احتلالها للجزائر”، وفق ما جاء على لسان مسؤولين جزائريين، وذلك بعد أن أعلن “الإليزيه” اعتزام الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون اتخاذ خطوات جريئة في ملف الذاكرة بين البلدين “دون أن يقدم اعتذارا عن جرائم الماضي الاستعماري.
-أزمة “كاستيكس”
بعد رفض الجزائر لتقرير ستورا، قررت على أثر ذلك إلغاء زيارة رئيس الوزراء الفرنسي جان كاستيكس التي كانت مقررة في أبريل/نيسان الماضي.
وسائل الإعلام الجزائرية أكدت بأن إلغاء الزيارة يعود لأسباب مرتبطة بخلافات الذاكرة، وكذا لرفض باريس تسليم الجزائر مطلوبين لديها، وكذا الأموال المهربة في البنوك الفرنسية من قبل أركان النظام السابق.
-أزمة “عدد التأشيرات”
في نهاية سبتمبر الماضي، قررت باريس خفض التأشيرات الممنوحة للجزائريين إلى “النصف”، مع تشديد منحها لمواطني المغرب وتونس، وبررت ذلك بـ”رفض هذه الدول إصدار تصاريح قنصلية لاستعادة مواطنيها المتواجدين في فرنسا بشكل غير قانوني”، مما دفع الجزائر للاحتجاج على هذا القرار.
وعقب ذلك، استدعت الخارجية الجزائرية السفير الفرنسي، وأعربت عن استغرابها لقرار باريس “أحادي الجانب” القاضي بتقليص حصة الجزائريين من تأشيرة الدخول إلى البلد الأوروبي، وأبلغته “اعتراض” الجزائر الرسمي.
وأبدت الخارجية الجزائرية، “استغراب الجزائر من عدم استشارتها من قبل الطرف الفرنسي قبل اتخاذ القرار”، وأن القرار “أثر سلبا على جودة وانسياب حركة الرعايا الجزائريين في فرنسا”.
-أزمة “رقم المهاجرين”
وبعد أيام من أزمة التأشيرات، أعلنت وسائل الإعلام الفرنسية عن توجه فرنسي لترحيل نحو 8 آلاف جزائري يقيمون بطرق غير قانونية على أراضيها.
وبدوره، رد الرئيس الجزائري على صحة العدد الحقيقي للجزائرين المقيمين بفرنسا، إذ وصفه بـ”كذبة القرن”، وكشف عن تقديم باريس للجزائر 94 ملفاً فقط لجزائريين مقيمين بطريقة غير شرعية على الأراضي الفرنسية.
واتهم تبون نظيره الفرنسي بـ”استغلال ورقة التأشيرات في حملته الانتخابية”، ووصف تبريرات باريس بـ”الكذبة الكبرى” وبأنها “قضية مدبرة”.
-أزمة “الحركي”
الحركي هم خونة الثورة التحريرية الجزائرية الذين عملوا مع الجيش الفرنسي.
قام الرئيس الفرنسي على تقديم اعتذار من “الحركي” ، كما قدمت حكومته مشروع قانون أمام البرلمان الفرنسي لتعويضهم والاعتراف بدورهم فيما يسمى بـ”حرب الجزائر”.
الجزائر تقرر إعادة سفيرها إلى باريس
مطلع يناير الحالي قررت الجزائر إعادة سفيرها إلى باريس بعد 3 أشهر من سحبه على خلفية تصريحات مثيرة للرئيس الفرنسي.
وحينها أكدت الرئاسة الجزائرية أن عودة السفير الجزائري لمواصلة أداء مهامه بباريس، ابتداء من يوم 6 يناير الماضي.
واستدعت الجزائر سفيرها لدى باريس في أكتوبر الماضي، بعد تصريحات الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون التي شكك فيها بوجود أمة جزائرية قبل الاستعمار الفرنسي عام 1830، غير أنها أعادته في مطلع العام الحالي عقب بيان للرئاسة الفرنسية، أكدت فيه احترامها للأمة الجزائرية.
عودة “دبلوماسية الهاتف” ومؤشرات التقارب بين الجزائر وفرنسا
في 29 يناير الماضي، بدءت العلاقات الجزائر وفرنسا في التواصل بعد تلقي الرئيس عبدالمجيد تبون اتصالا هاتفياً من نظيره الفرنسي إيمانويل ماكرون، هو الأول من نوعه منذ أكثر من 4 أشهر، وذلك عقب التصريحات المثيرة للرئيس الفرنسي التي أثارت “غضب” الجزائر.
وناقش تبون وماكرون خلال الاتصال الهاتفي “العلاقات الثنائية”، كما جدد الرئيس الفرنسي الدعوة لنظيره الجزائري لـ”حضور القمة الأفريقية الأوروبية التي تحتضنها العاصمة البلجيكية بروكسل”.
وبحثا الجانبان “آفاق انعقاد اللجنة القطاعية العليا المشتركة بين الحكومتين” في مؤشر على احتمال زيارة رئيس الوزراء الفرنسي للجزائر جان كاستيكس التي ألغتها الجزائر أبريل 2021.