سلام مسافر يكتب: ألغاز موائد “بوتن” الطويلة
اضطر ضيوف الكرملين على مدى الأسبوعين المنصرمين، الجلوس إلى طاولة، وصفها رئيس الوزراء المجري فيكتور أوربين، باطول مائدة مفاوضات شهدها في حياته.
لم تلفت طاولة أوربين- بوتين، الانتباه، قدر الاهتمام بطاولة الرئيس الفرنسي مع نظيره الروسي، ربما لان رئيس الوزراء المجري، يعتبر أبرز الحلفاء القلائل، في أوروبا لروسيا.
فبعد دقائق من عرض الصور والفيديوهات للقمة الروسية الفرنسية في موسكو، انطلق الخيال الجامح للمعلقين والمحللين، تذهب بحثا في شتى الاحتمالات، عن الرسالة آلتي أراد حاكم الكرملين، ايصالها لساكن الاليزيه، بتلك المائدة المستطيلة، والخروج المستعجل لبوتين، بعد انتهاء المؤتمر الصحفي المشترك، وصورة ماكرون خفيف الظل، يلحق مُضيفه، كيتيم على مائدة اللئيم.
مغامرات التحليل والتكهنات، تعكس القناعة لدى المراقبين، إن علاقات موسكو مع الغرب، تتسم بالتوتر وعدم الثقة، وتسعى لقراءة لغة الجسد والاشارات والايماءات الصادرة عن ألرئيس الروسي الذي إعتاد الإعلام، ليس في الغرب فقط، بل وفي العالم العربي، احاطته بالألغاز والغموض، وكأن بوتين، وحده في العالم جاء الى سدة الحكم من جهاز المخابرات، ولم يسبقه مثلا جورج بوش الاب الذي أدار وكالة الاستخبارات المركزية الاميركية عدة سنوات، قبل ان يحتل البيت الأبيض نائبا للرئيس ثم الرئيس الحادي والاربعون للولايات المتحدة الأميركية.
المهتمون بالغاز وأسرار بوتين، في العالم العربي، مغرمون بنظريات المؤامرة، فكانوا الأكثر شغفا، بضرب الاخماس بالإسداس، حول الموائد المستطيلة، وترافق مع تلك التحليلات “العبقرية”، انتشار فيديو على مواقع التواصل يحمل شارة RT ”روسيا اليوم”، وبضع كلمات بلغة شعب بوتين، يمثل مجموعة عراقية ، تدبك على وقع أناشيد توحي بالعداء للأمريكان، مع تعليق، أن التلفزيون الروسي ترجم وعرض هذا الفيديو بأمر من بوتين! وابتلعت مواقع التواصل فوتوشوب رخيص.
قبل ذلك انتشر شريط ينسب لبوتين تسجيلا صوتيا، لا يمت بصلة لخطاب ألقاه في الذكرى الثمانين للانتصار على المانيا النازية، ويتضمن تحايا لشعوب العالم في الكفاح ضد الفاشية، بينما النص المزور، حافل بعبارات نارية ضد قادة دول العالم.
وحتى بعد أن فسر المتحدث باسم الكرملين، السبب الحقيقي للتباعد بين بوتين ومحاوريه بمن فيهم وزيرا الدفاع والخارجية الروسيين، واصل ” المنجمون”، السباحة في الخيال، وتفسير حرص الزعيم الروسي ومساعديه على السلامة من وباء كوفيد وسلالاته، الى معان سياسية ودلالات أيديولوجية تثير السخرية.
لم يشاهد الروس، صورة او فيديو لبوتين بالكمامة، وبات معروفا، ان كل من يلتقيه، ينبغي ان يمر بفترة حجر لا تقل عن أسبوعين، بمن فيهم الصحفيون المرافقون لجولات ولقاءات ألرئيس الروسي، واولئك الذين يمنحون أوسمة وجوائز وميداليات على مدى شهور الجائحة.
ولم يفلت من شروط بوتين الصحية، كبار ضيوفه، وأبرز وزراء الحكومة ممن يلتقونه دوريا، على الموائد المستطيلة التي حين عبر رئيس وزراء المجر، عن دهشته منها، لم يلتفت أحد الى ان حليف موسكو، في القارة العجوز، لم يخضع هو الأخر لفحص كوفيد في موسكو شانه شأن الرئيس الفرنسي ومستشار المانيا، وغيرهما في معسكر الخصوم.
وإذا كان الحذر الفرنسي والالماني، من ” توغل” الروس في جيناتهم الوراثية، يبدو مفهوما، فمن غير المعروف لماذا أمتنع الحليف أوربان عن الخدمة الصحية الروسية، قبل ان يلج بوابة الكرملين.
يقال إن أوربان المعجب بمدرسة بوتين المحافظ، لا يؤمن أصلا باللقاحات، ولا يتقيد بإجراءات الوقاية الصارمة.
ولعله وجد في أخذ عينة من الفم والانف، اجراء لا لزوم له رغم لزوميات الشراكة مع بوتين، الذي يطلق عليه بعض العرب المهوسين، ألقاب المعصومين، وبعضهم يتضرع الى الله ان تندلع الحرب بين روسيا وحلف الناتو، عسى ان تتساقط القنابل النووية على الولايات المتحدة وحلفائها، فتحولهم الى رماد.
وهكذا ينتقم الروس نيابة عن العرب مِن اليانكي الذي خرب بلداننا وقتل شعوبنا، وشرد من بقي حيا، بين الغرق في البحار، والضياع في الغابات، بحثا عن الجنة الموعودة في الغرب..
يالها من أمنية ويالها من مفارقة!
ولكن كيف سيكون مصير روسيا بعد الرماد النووي؟ وماذا عن جنة الغرب ولا ديرة هلي؟
لم يسال المهوسون أنفسهم، ولا يريدون.