د. مصدق العلي يكتب: حين يحاول “البعض” خداعنا بلغة الأرقام
كثر حديث “بعض” السياسيين في قنوات السوشيال ميديا والاعلام المرئي واستعمالهم للأرقام. فكما يقال, فان الارقام لا تكذب. لكن هل ان جملة “الأرقام لا تكذب” مقولة حقيقية؟ وهل أصبحت, لعبة التراشق بالارقام ,خداع مبهرج كالعاب خفة اليد. هل اصبحت مجرد عرض سحري مبني بقصد خداع الناس وصرف انتباههم عن حقيقة الامور؟
الارقام ان صحت (وهنا نضع الف خط تحت كلمة ان صحت), فوحدها لا تعني شيء. لايمكن تحديد ربح او خسارة مشروع استراتيجي او استنتاج حال اقتصاد بلد بدون عمل دراسة احصائية علمية وحقيقية. الاحصاء, ذلك العلم الذي يعطيك حقيقة الامور قد غير حياتنا بشكل جذري, فكل الصناعات الدوائية والتقنية مرتبطة به. تخيل ان كل القطع الالكترونية لا يمكن تصنيعها وتطويرها الا عن طريق معالجة احصائية للبيانات. ولا يتم الاخذ بتاتا برقم مباشر هنا او هناك كدليل على فشل او نجاح منظومة ما. وايضا ينطبق استعمال التحليل الاحصائي على كل التحليلات الاقتصادية بل وقضايا الفساد المالي والاداري وحتى تحقيقات التزوير والتلاعب في الوثائق والعقود.
اما سياسيا وعلى قنوات الاعلام الفضائي التي تربو عن الستين في العراق, فيبرز علينا بين الفينة والاخرى بعض مدعي صفة المسؤولية ليكبوا ارقام تلو ارقام على رؤوس المشاهدين ليستفزوا عواطف الناس ويبنوا مصداقية وهمية مبنية على ارقام لاقيمة لها احصائيا, ولا عمليا. وهدف عملية الاحتيال هذه غير بريء بالمره. بل ان هناك مدعي صفة “العلماء الاقتصاديين” ومن ينتحلون صفة اكاديمية استشارية, يكبون ارقام تلو ارقام ليتلاعبوا بعواطف الخوف عند الناس ليكسبوا “لايكات” بايهام متابعيهم انهم يتحدثون بمصداقية الارقام ويحتالوا على الناس بهذه الخزعبلات المبنية على عدم علم الناس باليات التحليل العلمي والاحصائي للمعطيات الرقمية. ليس العيب في الناس فهم ليسوا على اطلاع بهذا الامر المعقد نسبيا, لكن لسكوت المختصين مع الاسف عن هكذا حسابات سيئة واصحابها الذين اعماهم الاعجاب بالذات وحب الشهرة عن البحث عن الحقيقة وجرهم الناس لمفاهيم غير صحيحة. كلاهما, اي السياسي الخادع وهكذا اشخاص, يتشاركون الدرجات السفلى من قاع النفاق والدنائة.
وختاما ياقومي, استمعوا وانصتوا ولا تتعجلوا الاحكام ولا تبهركم المزركشات الرقمية والاساليب اللغوية البلاغية. فهؤلاء ومن على شاكلتهم من سَقطِ مِتاع السياسة, يلقون بارقامهم ليسحَروا اذان الناس وعقولهم عن الجرائم الحقيقية. اذ ان صراع الارقام بين السياسيين على القنوات الاعلامية, لانرى بعده غير جلوسهم على طاولة واحدة ليتبادلوا القُبَل والمَديح, بعد ان اتهم البارحة كل منهم الاخر بنزاهته وشرفه المهني. اي “بوس عمك .. بوس خالك”.
في المعركة الانتخابية لبعض النتاج السياسي المخزي الذي نراهم يطلون علينا بين الفينة والاخرى, كل شيء مستباح. كل شيء بما فيه اقتصادنا وصحتنا وقلوب احبتنا وضحكة ابنائنا ودمعة امهاتنا وعرق جبين ابائنا, ومستقبل بلدنا. احذروا يااخواتي واخوتي وغَلبوا العقل على العاطفة يرحمنا ويرحمكم الله.