تاريخ العلاقات الفرنسية اللبنانية.. من الاستعمار إلى توطيد العلاقات
فرنسا بعتبارها قوة استعمارية سابقة، تتمتع بعلاقات صداقة مع لبنان وعادة ما تتخذ موقفاً داعماً لها، كما تنتشر اللغة الفرنسية في لبنان بكثرة وتستخدم أيضاً كمادة أساسية في الكثير من المدارس اللبنانية.
الاستعمار الفرنسي
في 1920، مباشرة عقب انتهاء الحرب العالمية الأولى، فرضت عصبة الأمم الوصاية الفرنسية على لبنان بعد تقسيم الدولة العثمانية، وأصبح لبنان جزءًا من الانتداب الفرنسي لسوريا ولبنان وتم إدارته من دمشق وجزءًا من الإمبراطورية الاستعمارية الفرنسية، ومن نوفمبر 1929 إلى نوفمبر 1931 تم تعيين شارل ديغول في هيئة الأركان العامة لقوات بلاد الشام في بيروت.
وفي البداية خلال الحرب العالمية الثانية، كانت لبنان تحت إدارة فرنسا فيشي، وبحلول 1942 أصبحت المنطقة تحت حكم فرنسا الحرة، وفي أغسطس من نفس العام عاد الجنرال ديغول إلى لبنان لمقابلة القوات البريطانية المحتلة التي دخلت الأراضي لمنع التقدم الألماني في بلاد الشام.
وفي مارس 1943 وزعت فرنسا مقاعد في البرلمان اللبناني بنسبة ستة إلى خمسة لصالح المسيحيين، وتم توسيع هذا لاحقًا ليشمل المكاتب العامة الأخرى.
وكان يجب أن يكون الرئيس مسيحيًا مارونيًا ورئيس الوزراء مسلمًا سنيًا ورئيس مجلس النواب مسلمًا شيعيًا، وفي يناير 1944 وافقت فرنسا على نقل السلطة إلى الحكومة اللبنانية وبالتالي منح الإقليم الاستقلال.
الحرب الأهلية اللبنانية
خلال الحرب الأهلية اللبنانية كانت فرنسا عضوًا نشطًا في إنشاء قوة الأمم المتحدة المؤقتة في لبنان وصوتت لصالح العديد من قرارات الأمم المتحدة بشأن لبنان مثل القرار 501 والقرار 508 والقرار 511 والقرار 511 والقرار 594 والقرار 599، وكانت فرنسا أيضًا عضوًا في القوة المتعددة الجنسيات في لبنان وفي 1982 خلال العملية إيبولار 1 تم إرسال القوات المسلحة الفرنسية والمظليين إلى الأجزاء الساحلية من بيروت الغربية والميناء البحري لضمان السلام في تلك المناطق. وخلال الفترة من 1982 إلى 1984 كلفت فرنسا بتدريب القوات المسلحة اللبنانية. وخلال تلك الفترة نفسها فقدت فرنسا أكثر من 89 جنديًا من بينهم 58 من قوات المظليين قتلوا في تفجيرات بيروت عام 1983.
زيارات الرئيس الفرنسي إلى لبنان
في 6 أغسطس 2020 قام الرئيس الفرنسي إمانوِيل ماكرون بزيارة للعاصمة اللبنانية بيروت، حيث التقى بالرئيس ميشال عون ورئيس الوزراء حسان دياب، فضلاً عن رئيس البرلمان اللبناني نبيه بري، كما قام بزيارة موقع انفجار مرفأ بيروت، الذي أودى بحياة ما يزيد عن 100 ئخص وإصابة الآلاف.
وفي إطار حديثه عن المساعدات الإنسانية الفرنسية التي سيتم تقديمها إلى لبنان، قال مكرون: “لن تذهب إلى أيدي الفاسدين”. وأوضح الرئيس الفرنسي، “هذه المساعدة، أضمن أنها لن تصل إلى أيدي الفاسدين، وسأتحدث إلى جميع القوى السياسية للمطالبة باتفاق جديد”، وأشار ماكرون إلى أنه سيعرض على القوى السياسية في لبنان، اتفاقاً سياسياً جديداً في محاولة لحل الأزمة التي تشهدها البلاد.
أبرز مطالب ماكرون ضمن الاتفاق السياسي الجديد المقترح لحل الأزمة اللبنانية:
1- اعلان بيروت مدينة منزوعة السلاح من ميليشيا حزب الله.
2- تفكيك جميع مخازن ومؤسسات الحزب من بيروت والضاحية الجنوبية.
3- تسليم مطار بيروت لقوات مشتركة دولية برئاسة ألمانيا.
4- انتشار اليونفيل في بيروت وجبل لبنان وتثبيت طرادات بحرية قبالة بيروت وصولاً للجنوب.
5- تفكيك جميع منظومة الصواريخ والأسلحة للحزب في الجنوب وتسليم المراكز لليونفيل.
6- استقالة مجلس النواب وعلى رأسهم نبيه بري وحكومة حسان دياب واجراء انتخابات سريعة ينتج عنها انتخاب رئيس للجمهورية فوراً.
7- طرد لائحة بالأسماء الامنيين المشبوهة انتماءاتهم وتطهير الأجهزة.
8- في حال رفض المسؤولين هذه المطالب سيصدر قرار عن مجلس الأمن خلال 10ايام يقضي بتكليف حلف الناتو تولي فرض الأمن في لبنان وتنفيذ النقاط أعلاه.
في 31 أغسطس 2020، قام الرئيس الفرنسي إمانوِيل ماكرون في أثناء زيارة إلى لبنان، بزيارة المطربة اللبنانية فيروز في منزلها، وكان طبيعياً جداً بالنسبة إلى الرئيس الفرنسي إمانوِل ماكرون.
كما التقى ماكرون بوفد من حزب الله وذلك في مقر السفارة الفرنسية في بيروت، ويمكن القول إنه أرفع لقاء سياسي بين حزب الله ورئيس دولة أوروبية منذ تأسيس حزب الله عام 1983 حتى تاريخه.
بعدما أذاع رئيس الوزراء اللبناني سعد الحريري نص استقالته من العاصمة السعودية الرياض في 3 نوفمبر 2017، وبقائه فيها، وذلك بالتزامن مع بدء حملة حملة مكافحة الفساد التي أطلقتها السلطات السعودية، والتي شملت أوامر توقيف لعدد من كبار شخصيات الأسرة الملكية السعودية، فضلاً عن عشرات من رجال الأعمال والوزراء السعوديين السابقين، ثارت الشكوك بوضع الحريري قيد الإقامة الجبرية في الرياض.
وزير الخارجية الفرنسي يزور الحريري
وفي 21/2/2022 أعلنت وسائل إعلام لبنانية، عن زيارة مرتقبة لوزير خارجية فرنسا، جان إيف لودريان، إلى لبنان خلال الأسبوع المقبل.
ونقلت مصادر إعلامية في لبنان عن مصادر دبلوماسية قولها إن رئيس الحكومة اللبناني، نجيب ميقاتي، عقد إجتماعًا مع وزير الخارجية الفرنسية، جان إيف لودريان، على هامش مؤتمر الأمن في ميونيخ، وتم الإتفاق على استكمال البحث خلال زيارة يقوم بها الوزير الفرنسي إلى لبنان قريبا جدا، وكشفت مصادر دبلوماسية، أن لودريان سيزور لبنان مطلع الأسبوع المقبل، في حال لم تتطور الأوضاع في أوكرانيا عسكريا، وبرز حضور الملف اللبناني في محطات عدة على هامش مؤتمر الامن الذي انعقد في ميونيخ في المانيا بمشاركة دولية واسعة.
في 16 نوفمبر، قام وزير الخارجية الفرنسي جان إيف لودريان بزيارة للسعودية، حيث يقيم الحريري، وبعد لقائهما صرح لودريان بأن الحريري سيصل فرنسا 17 نوفمبر، بناءاً على دعوة الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، ويذكر أنه حسب تصريح وزير الخارجية الفرنسي بأن سعد الحريري سيصل بيروت بعد زيارته لفرنسا بأيام.
في 18 نوفمبر 2017، وصل سعد الحريري وعائلته إلى فرنسا، وكان في استقباله الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون. عقد الحريري وماكرون محادثات، وفي أعقابها صرح الحريري بأنه سيصل لبنان قبل 22 من نوفمبر، عيد استقلال لبنان. كما غرد الحريري على تويتر قائلاً:
العلاقات التجارية بين البلدين
جانب من التاريخ الإسلامي للبنان
بعد أن فتحت لبنان والتي كانت تسمى “سواحل الشام سابقًا” في عهد الخلفاء الراشدين وكانت من نصيب دمشق بعد تقسيم عمر حيث قسم بلاد الشام الى اربع مناطق عسكرية هي (دمشق وحمص والأردن وفلسطين ) وكانت لبنان تابعة لدمشق حيث يقول المقدسي ( بيروت من مدن دمشق والمسافة بين دمشق وبيروت مسيرة يومين ) و كانت تحت ولاية يزيد بن أبي سفيان والذي توفي إثر طاعون”عمواس” والذي فتك ب 25 الف من المسلمين على رأسهم أبو عبيدة بن الجراح ويزيد بن ابي سفيان وشرحبيل بن حسنة وذلك عام 18 ه وبعدها انتقلت الى ولاية معاوية ،وكان لها دور كبير جدا مثل جميع المدن الساحلية في الغزوات البحرية التي قادها المسلمون بالبحر المتوسط وكانت مهبطا لرباط كبار الصحابة والتابعين.
100 عام من العلاقات الفرنسية ـ اللبنانية
صدر في باريس عن دار نشر «لارماتان» كتاب بالفرنسية تحت عنوان «فرنسا ولبنان 1920 – 2020 (مائة عام من التضامن)»، للدكتور ميشال شهدان خليفة، الذي يتناول فيه مسار السياسة الفرنسية المتبعة في لبنان منذ تأسيسه لغاية الرئيس الحالي إيمانويل ماكرون.
يشير الكتاب إلى أن علاقة فرنسا بلبنان بدأت تترسخ منذ حصول باريس على «نظام الامتيازات» من الإمبراطورية العثمانية، حيث عمد الملك لويس الرابع عشر إلى تعيين لبنانيين مسيحيين موارنة من أسرة آل الخازن قناصل له لدى لبنان، بهدف تشجيع المبادلات التجارية بين بلاده والإمبراطورية العثمانية، مما أدى فيما بعد إلى توثيق الروابط بشكل كبير بين مسيحيي لبنان وفرنسا.
وقد شجّع حاكم لبنان، الأمير الدرزي فخر الدين الثاني المعني الكبير، هذا التقارب الفرنسي – اللبناني، إذ قدَّم للتجار الفرنسيين مستودعاً كبيراً في صيدا عُرِف بـ«خان الفرنج»، لا تزال آثاره ماثلة حتى يومنا. لكن الامتيازات التي حصلت عليها فرنسا أثارت حفيظة بريطانيا، الدولة العظمى المنافسة لها، فطالبت بالحصول على امتيازات مماثلة، مما أدى، ومنذ ذلك الحين، إلى خصومة عنيفة بين باريس ولندن، لدرجة أن استقلال لبنان سنة 1943 تحقق سريعاً نتيجة هذه المنافسة.
ويوضح الكاتب أن من بين الأهداف الرئيسية لفرنسا من إعلان دولة لبنان الكبير سنة 1920 كان الوصول إلى منابع النفط في المنطقة، بعد أن تبين لفرنسا خلال الحرب العالمية الأولى حاجتها الماسة إليه، إضافة إلى رغبتها في إنشاء «كيان للأقليات الدينية والإثنية» في الشرق الأوسط، خصوصاً للمسيحيين.
ويضيف أنه خلال مرحلة الانتداب الفرنسي على لبنان، حصل اصطدام بين بطريرك الموارنة والمفوضين الفرنسيين الذين كان معظمهم علمانيين أدى إلى انحيازه للمعارضة السياسية التي دعمتها بريطانيا ضد فرنسا. وقد اضطر الجنرال شارل ديغول زعيم «فرنسا الحرة» إلى إعطاء لبنان استقلاله سنة 1943، بعد أن اعتبر مساعدوه مطلب الاستقلال بدعم من البطريرك بمثابة «خيانة الموارنة»، باعتباره جاء في ظروف ترزح فرنسا خلالها تحت الاحتلال الألماني.
ويلفت المؤلف إلى أن ديغول الذي عاش سنتين في لبنان ملحقاً عسكرياً خلال الانتداب الفرنسي، كان يخشى على هذا البلد من أطماع الدول المجاورة له؛ فقدم له الحماية خلال حرب 1967، وعمد بعد اعتداء إسرائيل على مطار بيروت الدولي إلى فرض حظر شامل على بيع الأسلحة الفرنسية لإسرائيل. ويلفت الكتاب إلى أن ديغول ساعد على بناء وتطوير لبنان في عهد الرئيس فؤاد شهاب عبر القروض المالية له، من أجل تحديث البنى التحتية والمؤسسات الإدارية فيه، ثم ضاعف مساعداته هذه في عهد الرئيس شارل حلو الذي كان يُعتبَر أكثر رؤساء لبنان ميلاً للفرنسيين.
يبقى أن الرئيس الحالي إيمانويل ماكرون الذي صرح بأن فرنسا «لن تتخلى عن لبنان»، يرفض الانحياز إلى أي طرف في أحداث لبنان، ساعياً إلى البقاء على مسافة واحدة من الجميع، ويحاول أن يلعب دور «الوسيط الحذر» بين الأطراف المتخاصمة في لبنان والمنطقة. وهذا ما يفسر رفضه المتواصل لتصنيف «حزب الله» إرهابياً، رغم ضغوط حلفائه في الولايات المتحدة وألمانيا وبريطانيا. ويرى الكاتب أن فرنسا، حامية المسيحيين في الشرق، تواجه اليوم منافسة روسية إذ ترغب موسكو في أن تكون هي أيضاً حامية الأقليات المسيحية في هذه المنطقة عبر المسيحيين الأرثوذكس المنتشرين فيها، مما أدى إلى ظهور منافسة بين باريس وموسكو على غرار ما كانت عليه سابقاً بين باريس ولندن.