في خطوة دراماتيكية، أعلن الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، اعتراف بلاده باستقلال المنطقتين المنفصلتين شرقي أوكرانيا، وبات السؤال المطروح الآن: هل هناك غزو روسي واسع النطاق لأوكرانيا؟
في البداية، تبع إعلان بوتين أمر للقوات الروسية بدخول منطقتي دونيتسك ولوغانيسك لـ”حفظ السلام”، وهو ما يعني غزوا بشكل أو بآخر، من وجهة نظر كييف والغرب.
وذكرت وكالة “رويترز” أن قوافل من الآليات العسكرية دخلت إلى مدينة دونيتسك الانفصالية، من بينها 5 دبابات.
ومع أنه لم تحمل هذه الآليات العسكرية أي إشارات تحدد هويتها، لكنها في الغالب روسية.
وقال موقع “فويس أوف أمريكا” إن السؤال المطروح الآن هو: هل نشر قوات روسية في دونيتسك ولوغانيسك مقدمة لغزو واسع النطاق؟
ولغاية الآن، لم تبدأ روسيا في شن هجوم واسع النطاق على أوكرانيا، ومع ذلك يحذر الغرب منذ أشهر باحتمال وقوع هذا الأمر،
وفي الآونة الأخيرة قالت إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن إن الغزو قد يحدث خلال ساعات أو أيام.
نقطة انطلاق للحرب
وتعقيبا على خطاب بوتين، قال المحلل السياسي الإيطالي، دانييلي روفينيتي، إن “جمهوريتي دونباس الانفصاليتين نصبتا نفسيهما نقطة انطلاق للحرب في أوكرانيا منذ عام 2014، حيث تدور مسألة السيادة الأوكرانية على أراضيها (جنبًا إلى جنب مع شبه جزيرة القرم، التي ضمتها روسيا قبل 8 سنوات) حولهما، وتود كييف هزيمة الانفصاليين وعودة السيطرة على المنطقة؛ بينما يريد الانفصاليون الاستقلال رغم أن اتفاقيات مينسك تنص على حكم ذاتي جزئي لهذه الأراضي؛ إنها رمزية بالنسبة لموسكو، ومن هنا جاء اختيار بوتن”.
وأضاف روفينيتي، في تصريحات له: “اختار بوتين الاعتراف باستقلالها لأن ذلك قد يسمح له بقبول طلبات المساعدة العسكرية التي وصلت إلى دونيتسك ولوغانسك، وأيضًا لفرض يد على اعتراف كييف بمعدلات الحكم الذاتي المنصوص عليها في اتفاقيات مينسك”.
وتابع: “وفي الوقت نفسه، يواصل بوتين إحداث زعزعة الاستقرار في أوكرانيا، ورفع مستوى الوعي بين مواطنيها بشأن السرد العرقي والانتقامي، مثل الحديث الذي تم تداوله خلال الخطاب الذي ألقاه أمام الأمة هذا المساء”.
ومضى يقول: “العالم يواجه بالفعل لحظة حرجة حيث تسعى أوكرانيا إلى الاتصال ببوتين، الذي يخترق كييف، الضحية القربانية لإرادة الرئيس الروسي في إعادة بناء مناطق النفوذ والتعايش في أوروبا”.
وحول ردود الفعل المتوقعة، قال: “يمكن لبروكسل وواشنطن اتخاذ قرار بشأن العقوبات الوقائية، بالدبلوماسية، مع أشكال مختلفة من الضغط، لكن المهم هو فهم مدى تأثيرها الرادع على بوتين، الذي حشد 200 ألف جندي ووحدات مهاجمة على الحدود الأوكرانية”.
أهمية جيوسياسية
المحلل السياسي أميد شكري، قال: “إن بوتين مازال يواجه مشاكل مع استقلال أوكرانيا في أغسطس 1991، أي قبل نحو أربعة أشهر من انهيار الاتحاد السوفيتي والذي تمت الموافقة عليه باستفتاء 90 بالمئة.
وأضاف شكري، كبير مستشاري السياسة الخارجية وأمن الطاقة في مركز “تحليلات دول الخليج” (مقره واشنطن)، أنه على عكس وجهة نظر بوتين القائلة بأن الروس وجميع المواطنين الأوكرانيين هم أمة واحدة، تم تقسيم أوكرانيا عرقياً إلى قسمين منفصلين، غالبية المواطنين في غرب البلاد هم من الأوكرانيين، في حين أن غالبية المواطنين في الشرق هم من الروس.
وتابع: “يشكل الروس في هذا الجزء حوالي 17 بالمئة من سكان أوكرانيا البالغ عددهم 41 مليون نسمة. سكان غرب البلاد موالون للغرب ويفضلون الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي وحلف شمال الأطلسي، بينما يميل سكان الشرق إلى روسيا ويرفضون العضوية في الاتحاد الأوروبي وحلف شمال الأطلسي”.
وأكد على أن “هذه المناطق، حيث غالبية السكان من الروس، لها أهمية جيوسياسية وستزيد من نفوذ روسيا في المنطقة، وبالاعتراف باستقلال هذه المناطق، يمكن تقسيم أوكرانيا إلى دولتين أو ثلاث دول”.
وأشار إلى أن “موسكو لن تسمح لأوكرانيا بالانضمام إلى الناتو، فدائما ما أظهر بوتن أن توسع الناتو بالقرب من حدود البلاد هو الخط الأحمر لروسيا، وأن الأمن القومي لبلاده مرتبط بشكل مباشر بغياب الناتو ونفوذه في الدول المجاورة، بما في ذلك أوكرانيا”.
وتابع: “يمكن أن تفرض أوروبا والولايات المتحدة عقوبات صارمة على روسيا، تشمل الحكومة أو تحويل الأموال من خلال النظام المالي ويمكن لأوروبا إرسال المزيد من الأسلحة إلى أوكرانيا، وإرسال خبراء استخبارات لحماية كييف من الهجمات الإلكترونية”.
توغل روسي بأوكرانيا
أستاذ علم الاجتماع السياسي بالجامعة الأميركية بالقاهرة، سعيد صادق، قال إن دونيتسك ولوغانيسك منطقتان يسكنهما روس منفصلون عن جمهورية أوكرانيا، والاعتراف الروسي بهما يشمل رغبتهم في اقتطاع أراض إضافية تحت سيطرة الجيش الأوكراني.
وأضاف صادق، في تصريحات له، أن “هذا يعني حرب بين الجمهوريتين الجديدتين ومعهم روسيا ضد أوكرانيا لو رفضت التنازل عن أراضي إضافية لهما. فاعتراف روسيا بالجمهوريتين الانفصاليتين معناه حقهما في طلب دعم الجيش الروسي لمساعدتهم في أخذ الأراضي الأوكرانية”.
ما قصة دونيتسك ولوغانيسك؟
هيمن اسما دونيتسك ولوغانيسك على الأخبار العالمية في الساعات الأخيرة، مع إعلان الرئيس الروسي، فلاديمير بوتن، اعترافه بلاده بهاتين الجمهورتين الانفصاليتين دولتين مستقلتين.
وجاء قرار بوتين، مساء الاثنين، بعد مداولات في مجلس الأمن القومي الروسي، على خلفية أزمة أوكرانيا.
ولقي القرار تنديدا من كييف والغرب، على اعتبار أنه ينتقص من وحدة أراضي أوكرانيا.
وتشكل دونيتسك ولوغانيسك إقليما في أوكرانيا يعرف باسم دونباس، وتبلغ مساحته 52 ألف كيلومتر مربع، ويسكنه أكثر من 4.5 مليون نسمة.
وغالبية السكان من الأوكرانيين بنسبة 57 بالمئة، في مقابلة 38 بالمئة من الأصول الروسية، لكن اللغة الطاغية فيه هي الروسية.
ويعتبر الإقليم الملاصق لروسيا والواقع شرق أوكرانيا غنيا بالموارد الطبيعية والمساحات الزراعية الشاسعة، وتوجد فيه محطات لتوليد الطاقة.
وتقول الموسوعة البريطانية بريتانيكا إن دونباس تمثل منطقة تعدين وصناعة كبيرة، وما يميزها الاحتياطي الهائل من الفحم (تقدر بنحو 60 مليار طن) ذي الجودة العالية، ويشكل أيضا نسبة كبيرة من الصادرات الأوكرانية تقدر بحوالى 30 في المئة من إجمالي الصادرات في هذا المجال.
بداية القتال
وبدأ القتال في الإقليم إثر حرب القرم التي ضمت فيها روسيا شبه جزيرة القرم عام 2014، وخلال القتال تمكن الموالون لموسكو من السيطرة على ثلث المناطق الحضرية في دونيتسك ولوغانيسك.وأوقع القتال منذ عام 2014، أكثر من 14 ألف قتيل، ولم تتمكن اتفاقيات وقف إطلاق النار التي عرفت باتفاقيات مينسك من وقف نزيف الدم هناك.ولم تنل الجمهوريتان الانفصاليتان أي اعتراف دولي، حتى موسكو لم تعترف بهما إلا، الاثنين، وفضلت في السنوات الماضية تقديم دعم لهما.
وفي 12 مايو 2014، أعلنت دونيتسك ولوغانسك استقلالهما بعدما صوت معظم سكان المقاطعتين اللتين تقعان في حوض دونباس الشرقية في استفتاء عام لصالح الانفصال عن أوكرانيا.
وبدأت الأحداث عندما صوت البرلمان الأوكراني لصالح إقالة الرئيس فيكتور يانوكوفيتش (المنحدر من دونيتسك) الذي رفض الاستقالة من منصبه، واصفا الأحداث في العاصمة كييف “بالانقلاب”.
وبدأ الشرخ يتسع بسرعة بين كييف من جهة ودونيتسك ولوغانسك وعدد من المناطق الأخرى في شرق أوكرانيا، من جهة أخرى، عقب الإطاحة بيانوكوفيتش، ورفض سكان الشرق الناطقين في غالبيتهم باللغة الروسية والمؤيدين للعلاقات الجيدة مع روسيا، الاعتراف بالسلطة الجديدة في كييف التي تصاعدت في داخلها الأصوات الداعية لحظر استخدام اللغة الروسية.
وعمت موجة احتجاجات مناهضة لسلطات كييف ومطالبة بإقامة نظام فيدرالي في البلاد، مناطق جنوب شرق أوكرانيا، خاصة دونيتسك ولوغانسك، حيث تمكن المحتجون في أبريل من السيطرة على مقرات إدارية ومؤسسات حكومية وأعلنوا عن تأسيس جمهوريتي دونيتسك ولوغانسك الشعبيتين، وتشكلت في دونباس قوات “الدفاع الذاتي” لمنع وصول العناصر القومية الراديكالية من أنصار السلطات الجديدة في كييف في محاولة لإخماد احتجاجات سكان المنطقة.
من جهتها، اعتبرت السلطات الأوكرانية الجديدة أنهما تنظيمان إرهابيان وأعلنت بدء “عملية لمكافحة الإرهاب” في شرق البلاد، وبعد أشهر من معارك خلفت أكثر من 40 ألفا بين قتيل وجريح، حسب الأمم المتحدة، ودمارا واسعا، توصل الطرفان بمساعدة روسيا وألمانيا وفرنسا بحلول مطلع عام 2015 إلى حزمة إجراءات تسوية أطلق عليها “اتفاقيات مينسك” ما أدى إلى انحسار القتال و”تجميد” الصراع.
وقبل الاعتراف الروسي لم تكن اعترفت أي دولة باستقلال دونيتسك ولوغانسك، اللتين تنص اتفاقيات مينسك على بقائهما ضمن أوكرانيا مع منحهما وضعا قانونيا خاصا يحمي مصالحهما الأمنية والسياسية الأساسية، لكن روسيا لم تخف تقديمها دعما إنسانيا ومعنويا وسياسيا واقتصاديا للجمهوريتين اللتين حصل نحو 700 ألف من سكانها خلال السنوات الأخيرة على الجنسية الروسية.