استقلال تايوان صداع في رأس الصين منذ عشرات السنين
قالت وزارة دفاع الصين، اليوم الخميس، إن بكين ملتزمة بشدة بإعادة التوحيد السلمي مع تايوان، مؤكدة في الوقت ذاته أنها "لن تتسامح أبدا مع استقلال الجزيرة عن الوطن الأم".
وشدد المتحدث الرسمي باسم الوزارة، وو تشيان، على أنه "لا يوجد سوى صين واحدة في العالم، وتايوان جزء لا يتجزأ منها، وأن المواطنين على جانبي مضيق تايوان لهم مصير مشترك، وهم أخوة بالدم".
الصراع بين الصين وتايوان
يكمن جوهر الصراع بين الصين وتايوان في أن بكين ترى تايوان مقاطعة منشقة سيعاد ضمها إلى البر الصيني في نهاية المطاف، فيما يختلف الكثير من التايوانيين مع وجهة نظر بكين، إذ أنهم يرون أن لديهم أمة منفصلة، سواء تم إعلان استقلالها رسميا أم لا.
ويعود بداية الصراع إلى أول المستوطنين المعروفين في تايوان هم قبائل أوسترونيزيان، الذين يُعتقد أنهم أتوا من جنوب الصين الحالية.
وظهرت الجزيرة لأول مرة في السجلات الصينية في عام 239 بعد الميلاد، عندما أرسل الإمبراطور كتيبة لاستكشاف المنطقة، وهو سلوك كانت تتبعه بكين لدعم مطالباتها الإقليمية.
بعد فترة وجيزة نسبيا من كونها مستعمرة هولندية (1624-1661)، كانت تايوان تدار من قبل أسرة تشينج الصينية من 1683 إلى 1895.
ومنذ القرن السابع عشر، بدأت أعداد كبيرة من المهاجرين في الوصول من الصين، هربا من الاضطرابات أو ظروف المعيشة القاسية، وكان معظمهم من قبائل هوكلو الصينية من مقاطعة فوجيان، أو قبائل هاكا الصينية من مقاطعة غوانغدونغ، ويشكل أحفاد هاتين الفئتين إلى حد بعيد، أكبر المجموعات الديموغرافية في الجزيرة.
في عام 1895، انتصرت اليابان في الحرب الصينية - اليابانية الأولى، واضطرت حكومة تشينج إلى التنازل عن تايوان لليابان.
وبعد الحرب العالمية الثانية، استسلمت اليابان وتخلت عن السيطرة على الأراضي التي أخذتها من الصين، وبدأت جمهورية الصين، باعتبارها أحد المنتصرين في الحرب، في حكم تايوان بموافقة حلفائها، الولايات المتحدة والمملكة المتحدة.
حرب أهلية
ولكن في السنوات القليلة التالية اندلعت حرب أهلية في الصين، وهزمت قوات ماو تسي تونج الشيوعية قوات الزعيم آنذاك تشيانج كاي شيك.
هرب تشيانج وبقايا حكومة ما يعرف بـ(الكومينتانج) إلى تايوان في عام 1949 وجعلوها مقرا للحكومة، بينما بدأ الشيوعيون المنتصرون حكم البر الرئيسي باسم جمهورية الصين الشعبية. وقد قال كلا الجانبين إنهما يمثلان الصين كلها.
وسيطرت هذه المجموعة التي يبلغ عددها 1.5 مليون شخص، على السياسة التايوانية لسنوات عديدة، على الرغم من أنها تمثل 14 في المئة فقط من تعداد سكان تايوان.
انقسمت تايوان والصين في عام 1949 عندما فر القوميون بقيادة تشيانج كاي شيك، إلى الجزيرة لتشكيل حكومة استبدادية منفصلة بعد خسارة الحرب الأهلية في البر الرئيسي أمام شيوعي ماو تسي تونج,
وادعى كلا الجانبان أنهما يمثلان الصين، وخلال العقود الثلاثة الأولى، ظل الصراع محتدما، في ظل قصف الصين بانتظام للجزر التايوانية القريبة من البر الرئيسي.
لكن بدأ الوفاق لاحقا، وتلاه اتفاق ضمني في عام 1992 حيث استقر الجانبان على وجود "صين واحدة" لكنهما اختلفا حول ما يعنيه ذلك.
انتهاء الحرب
ومنذ عام 1992 ظهرت هوية تايوانية أكثر تميزا ترى الجزيرة كدولة مستقلة بحكم الواقع، ولها مصير منفصل عن البر الرئيسي الصيني.
وبدأت العلاقات بين الصين وتايوان وطرحت الصين صيغة تعرف باسم "دولة واحدة ونظامان" تمنح بموجبها تايوان استقلالية كبيرة إذا قبلت إعادة توحيد الصين.
وأعلنت تايوان انتهاء الحرب مع جمهورية الصين الشعبية في البر الرئيسي.
كانت هناك أيضا محادثات محدودة بين الممثلين غير الرسميين للجانبين، لكن إصرار بكين على أن حكومة جمهورية الصين التايوانية (ROC) غير شرعية، تسبب في عدم إمكانية عقد الاجتماعات بين الحكومات.
تكره بكين الرئيسة تساي إنج ون من الحزب التقدمي الديمقراطي الحاكم لأنها تعتبر تايوان دولة مستقلة بحكم الواقع وليست جزءا من مفهوم "صين واحدة".
يؤيد حزب الكومينتانج المعارض في تايوان الآن توثيق العلاقات مع الصين ويتمسك بـ"توافق 1992".
كما تتجنب تايوان إعلان الاستقلال رسميا - وهو خط أحمر لبكين - لأنها لا تستطيع أن تضمن أن الولايات المتحدة ستدافع عنها.
سياسة الولايات المتحدة
في أعقاب الحرب الأهلية في الصين، اعترفت معظم الدول، بما في ذلك الولايات المتحدة، بجمهورية الصين التابعة لتشيانج وليس جمهورية الصين الشعبية التابعة لماو.
تغير الوضع في الستينيات والسبعينيات من القرن الماضي، بدأت الدول في تحويل الاعتراف الدبلوماسي إلى بكين، وهو ما فعلته واشنطن في عام 1979، لكنها حافظت على موقف محسوب بعناية و"غير شفاف" عن عمد تجاه تايوان وما يجب أن يحدث لها، يُعرف العنصر العسكري للنهج الأمريكي بـ"الغموض الاستراتيجي".
في الفترة التي سبقت التحول الدبلوماسي عام 1979، لم تجعل الولايات المتحدة الأمريكية تايوان حليفا بدرجة اليابان وكوريا الجنوبية، حيث تتعهد بتدخل القوات الأمريكية للدفاع عن هذه الدول في حالة وقوع هجوم.
لكنها لم تتخل تماما عن تايوان أيضا، وأقر الكونغرس قانونا يقضي ببيع الأسلحة إلى تايوان للدفاع عن نفسها بشكل مناسب، كما أن الولايات المتحدة لم تستبعد قط مساعدتها لتايوان.
تم تصميم هذه السياسة لفرض السلام من خلال إبقاء كلا الجانبين في حالة تخمين، ولم تكن بكين متأكدة مما إذا كان الغزو سيؤدي إلى حرب شاملة مع الولايات المتحدة.
بعد فوز دونالد ترامب في الانتخابات الأمريكية لعام 2016، تحدثت إليه رئيس تايوان تساي عبر الهاتف في مكالمة مثيرة للجدل، نُظر إليها على أنها خروج عن السياسة الأمريكية الموضوعة في عام 1979، عندما قطعت الولايات المتحدة العلاقات الرسمية مع الجزيرة.
وتعهدت الولايات المتحدة بتزويد تايوان بأسلحة دفاعية وشددت على أن أي هجوم من جانب الصين من شأنه أن يثير "قلقا كبيرا".
وانتقدت بكين بشدة الاجتماع، وحذرت الولايات المتحدة من "عدم إرسال أي إشارات خاطئة لعناصر" استقلال تايوان "لتجنب إلحاق ضرر شديد بالعلاقات الصينية الأمريكية".
ومع تولي جو بايدن رئاسة الولايات المتحدة، أكدت الإدارة الجديدة بأن التزامها تجاه تايوان "متين للغاية".
لعقود من الزمان، لم يعتقد أحد أن الصين لديها القدرة العسكرية لغزو برمائي لتايوان، لكن المسؤولين التايوانيين يخشون الآن أن يكون ذلك ممكنا قريبا.
يجادل عدد متزايد من الخبراء الأمريكيين بأنه يجب على واشنطن التحول إلى "الوضوح الاستراتيجي"، والذي يقضي بأن الجيش الأمريكي سيرد على غزو تايوان، على الرغم من أن واشنطن لن تتخذ موقفا بشأن وضع الجزيرة.
الصين ترفض التدخل الأجنبي
مؤخرًا أكدت وزارة الدفاع الصينية أن "قضية تايوان شأن داخلي خاص بالصين، والتدخل الأجنبي أمر غير مقبول".
وقالت وزارة الدفاع: "كلما ارتفع ضجيج الولايات المتحدة واليابان بشأن قضية تايوان، كلما عملنا بقوة أكبر لحماية السيادة الوطنية وسلامة الأراضي".
ومن جانبه حذر وزير الدفاع التايواني تشيو كوه تشينج، من كارثة لجميع الأطراف في حال حدوث أي صراع مسلح مع الصين.
وقال تشيو كوه تشينج إنه "لا أحد يريد حربا، يجب حقا التفكير في ذلك مليا.. إذا ذهبت إلى الحرب حقا، فسيكون ذلك كارثيا للجميع".
وأضاف أن "مؤسسة الدفاع التايوانية تراقب وتستمع لكننا نغلق أفواهنا.. نحن نتابع التطورات ونجهز أنفسنا لكننا لا نبحث ذلك علانية أو نناقشه".
وتابع: "بصراحة إذا وقعت الحرب فالكل سيشعر بالبؤس حتى المنتصر.. يجب أن يفكر المرء في ذلك ملياً، وعلى الكل أن يتجنب الحروب".