بسبب الأزمة الروسية الأوكرانية.. الخلافات تتصاعد بين صربيا وكوسوفو
يواجه العالم موجات من الصدمات القوية بسبب العملية العسكرية الروسية في أوكرانيا، لاسيما دول غرب البلقان، والتي تعاني من التوترات العرقية والسياسية، وطالما حافظت على العلاقات القوية مع الولايات المتحدة وأوروبا.
وبينما تصطف معظم دول هذه المنطقة إلى جانب أوكرانيا والغرب، إلا أنه يسودها ترقب مشوب بالحذر بسبب النفوذ الروسي القوي لوجود أكبر حليف للروس بالمنطقة وهو صربيا، التي لا تزال ملتزمة الصمت حتى الآن حيال ما يجري في أوكرانيا، فيما يرى مراقبون أن "الحرب الروسية ضد أوكرانيا" يمكن أن تؤثر سلبيًا على السلام الإقليمي الهش في منطقة غرب البلقان.
وفي هذا السياق، تتصاعد الخلافات بين كل من صربيا وكوسوفو، ويرى مراقبون أن الحرب في أوكرانيا تهدد من جديد بإشعال برميل البارود في تلك المنطقة ككل، ولا سيما في المناطق التي كانت تتشكل منها يوغوسلافيا السابقة قبل تفككها إلى عدة دول وجمهوريات مطلع تسعينيات القرن المنصرم.
ووصل الأمر حد قيام الجيش الصربي بحشد قوات على الحدود مع كوسوفو، التي ترفض بلغراد الاعتراف باستقلالها عنها منذ العام 2008، ولا تزال مسألة استقلال الإقليم ذي الغالبية الألبانية عن صربيا، قضية خلافية حادة بين الطرفين، ومن خلفهما موسكو وعواصم الغرب.
وأن الوضع في كوسوفو أكثر حرجآ مما عليه الحال في ألبانيا؛ فالتوترات أشد إلى حد ما بشأن ما يمكن أن يعنيه "غزو أوكرانيا"، والسبب في ذلك الصراع المستمر منذ عقود مع صربيا الموالية لروسيا والتي لا تعترف بكوسوفو كدولة مستقلة، ويثير هذا الأمر المخاوف من أن اندلاع الحرب في أوكرانيا يمكن أن يشجع صربيا على التحرك صوب المناطق الشمالية بكوسوفو، والتي يسكنها في الغالب الصرب العرقيون.
وتؤيد كوسوفو بقوة الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة، وتدين بالكثير لحلف شمال الأطلنطي الذي أنقذها من الهجوم الصربي والإبادة الجماعية خلال حرب كوسوفو وصربيا.. ومثل ألبانيا، أعلنت كوسوفو تأييدها بقوة لأوكرانيا، وتعهدت بالتضامن الكامل مع كييف، حيث أكدت الرئيسة، فيوزا عثماني، أنها تعمل مع الحلفاء لمنع أي زعزعة للاستقرار في المنطقة، وذلك بعد اجتماع «عثماني» مع السفير الأمريكي جيف هوفينير في بريشتينا.
موقف صربيا
وحاولت بلغراد عاصمة صربيا، مرة أخرى الحفاظ على توازن مزقته الحرب: فمن ناحية، أعربت عن دعمها لوحدة أراضي كييف وصوتت لصالح قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة الذي يدين العدوان الروسي وانتهاك وحدة أراضي أوكرانيا.
ومن ناحية أخرى، رفضت الانصياع للعقوبات التي فرضها الاتحاد الأوروبي على موسكو.
بلغراد تشهد مظاهرات تضامنًا مع الشعب الروسي
وشهدت بلغراد مظاهرات ذات إشارات معارضة حيث نزل القوميون والشيوعيون إلى الشوارع للتعبير عن تضامنهم مع روسيا وبيلاروسيا.
وهتف المتظاهرون "الصرب إخوة الروس إلى الأبد" ، و "القرم هي روسيا - كوسوفو هي صربيا"، بينما داسوا على علم الاتحاد الأوروبي واحتجوا على الحكومة بسبب التصويت لصالح قرار الأمم المتحدة الذي يدين العمليات العسكرية الروسية في أوكرانيا.
ونظمت مظاهرة أخرى، روجت لها منظمة "نساء بالسواد" غير الحكومية، مسيرة في وسط العاصمة الصربية لدعم الشعب الأوكراني، داعية إلى الوقف الفوري للتدخل العسكري الروسي. ولذلك، فإن بلدًا، وانقسامًا عميقًا، يتردد أيضًا في قلب كوسوفو المفقودة: فقد انحاز "دير ديكاني"، هو دير كبير للكنيسة الأرثوذكسية الصربية في كوسوفو، إلى كييف والمعاناة التي عانى منها الشعب الأوكراني، دون إدانة العدوان الروسي علانية.
البوسنة والهرسك
وفي البوسنة والهرسك، برز موقفها بشكل واضح لصالح "القضية الروسية": حيث نظمت مظاهرات دعم في موسكو في "بانيا لوكا"، وهي ثاني أكبر مدن البوسنة والهرسك، كما أنها أكبر وأكثر المدن تطوراً في كيان جمهورية صرب البوسنة، بينما هرع الزعيم القومي لصرب البوسنة، «ميلوراد دوديك» (Milorad Dodik)، الذي كان يهدد بشكل خطير سيادة ووحدة أراضي البلاد في الأشهر الأخيرة، ركض لمساعدة «بوتين»، واصفًا ما أسماه الغرب بـ "شيطنة" الشعب الروسي.
كما تحمل الحرب في أوكرانيا أهمية كبرى في البلقان، حيث يبقى تأثير روسيا هائلاً في البلقان، وقد أدلت موسكو بتعليقات مشابهة لمواقف دوديك طوال سنوات، كذلك نشأت علاقة جيدة بين دوديك وفلاديمير بوتين، ولطالما أعلنت السفارة الروسية في سراييفو استعدادها "للردّ" إذا اتخذت البوسنة أي خطوات للانضمام إلى حلف الناتو، وفي غضون ذلك.
روسيا أهم مستثمر في البوسنة
وتُعتبر روسيا أهم مستثمرة في البوسنة، ويتكل البلد على روسيا وحدها للحصول على الغاز الطبيعي، ولا ننسي الشراكة الاستراتيجية القائمة منذ سنوات بين روسيا وجمهورية صرب البوسنة وقد شملت هذه العلاقة جميع أنواع المبادرات، بدءاً من مساعدة دوديك سياسياً وصولاً إلى تدريب قوات الأمن المحلية بانتظام، حتى أن روسيا تعهدت، في ديسمبر 2021، بدعم صرب البوسنة في صراعهم على تقاسم السلطة.
البنك الأوروبي
استضاف البنك الأوروبي لإعادة البناء والتنمية قمة الاستثمار في غرب البلقان وشارك فيها قادة من ألبانيا، والبوسنة والهرسك، وكوسوفو، ومونتينيغرو، ومقدونيا الشمالية، وصربيا.
لكن رغم أهمية هذا البنك الأوروبي تبقى القمة أحياناً مجرّد مناسبة عابرة، وعلى ضوء الحرب المتواصلة في أوكرانيا وحجم الاهتمام الذي يوليه الغرب لتلك الدول، اتضحت هشاشة هذه المنطقة في الفترة الأخيرة.
التوترات بين بلغراد و كوسوفو
وأدى الغموض في "بلغراد" (عاصمة صربيا) بعد ذلك إلى تأجيج التوترات مع "بريشتينا" (عاصمة كوسوفو) التي طالبت مرارًا وتكرارًا في الأيام الأخيرة بتسريع إجراءات الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي وحلف شمال الأطلسي.
واتهم رئيس وزراء كوسوفو «ألبين كورتي» (Albin Kurti) صربيا بتشكيل تهديد مباشر على المنطقة ما لم توقع إعلان سلام مع "بريشتينا" وتنأى بنفسها عن الحرب الروسية على أوكرانيا وقد يتسبب الانفصال عن الكرملين في حدوث اضطرابات في بلد يعتمد دائمًا على موسكو فيما يتعلق بكوسوفو، التي لا تعترف روسيا باستقلالها.
ومنطقة البلقان معروفة بعدم استقرارها، حيث تتألف البوسنة من كيانَين مستقلَين: جمهورية صرب البوسنة ذات الأغلبية الصربية، واتحاد البوسنة والهرسك الذي يطغى عليه البوشناق والكروات، وقد نشأت حكومتها بموجب اتفاق دايتون في عام 1995 باعتباره أفضل حل كي تتقاسم الجماعات العرقية المتناحرة السلطة بعد الحرب، لكن مشاعر البغض لا تزال قائمة، ولم يتحقق تقدّم بارز منذ ذلك الحين، وفي ظل تدهورالاقتصاد.
وقررت قوة الاتحاد الأوروبي في البوسنة والهرسك نشرقوات عسكرية إضافية على تجدّد التوترالعرقي غداة دعوة ميلوراد دوديك، عضو في مجلس رئاسة البوسنة والهرسك الثلاثي، إلى استقلال جمهورية صرب البوسنة.
لكنّ جمهورية صربيا ليست مصدر القلق الوحيد، فقد هددت الأحزاب السياسية الكرواتية بمقاطعة الانتخابات المرتقبة في أكتوبر المقبل، وهددت الجمعية الوطنية الكرواتية ببدء الإجراءات القانونية اللازمة لإنشاء كيانها الخاص إذا لم تتحقق شروطها.
وفي 22 فبراير بعدما ناقش الاتحاد الأوروبي الوضع في البوسنة، دعت كرواتيا قمة الاتحاد الأوروبي المقبلة إلى مناقشة المأزق السياسي الذي يشهده البلد، لكنّ النقاش لا يحل المشكلة، بل يستعمل خصوم الغرب هذا النوع من الاجتماعات كعذر مناسب لتبرير خطاباتهم، وحين كان وزراء خارجية الاتحاد الأوروبي يناقشون الوضع في البوسنة، اتّهم دوديك الولايات المتحدة والأوروبيين بتفضيل الأغلبية المسلمة في البوسنة بطريقة قد تزعزع استقرار البلد على المدى الطويل.
توتر بين صربيا وأوكرانيا بسبب جنود مرتزقة
استدعت صربيا سفيرها في اوكرانيا للتشاور بعد أن ابدت كييف قلقها من مشاركة جنود "مرتزقة" صرب في القتال الى جانب المتمردين الموالين لروسيا في النزاع في شرق البلاد.
وأبلغ وزير الخارجية الصربي ايفيكا داسيتش، عن وجود "بعض التوترات" في العلاقات مع أوكرانيا، بعد ان أجرى مباحثات في بلغراد مع السفير الصربي.
وجاء استدعاء بلغراد لسفيرها في كييف بعد أن استدعت اوكرانيا سفيرها في صربيا للتشاور.
وكانت وزارة الخارجية الأوكرانية قالت في بيان إن المشاورات في كييف ركزت على "أزمة المرتزقة الصرب الذين يقاتلون كجزء من القوات الارهابية الروسية".
وأشارت الوزارة إلى "التزامات صربيا بالاليات القانونية الدولية لمكافحة الارهاب".
وأضافت "إضافة إلى ذلك، أوكرانيا تشعر بقلق خطير من التواصل غير القانوني بين ممثلين لصربيا مع القرم المحتلة".
وتابع البيان "نأمل أن يلتزم الجانب الصربي بشكل كامل بمبدأ احترام سيادة ووحدة اراضي اوكرانيا في اطار حدودها المعترف بها دوليا".
وقال داسيتش إن السفيرالاوكراني سيعود الى بلغراد وسيعقب ذلك دراسة صربيا لاعادة سفيرها الى كييف.
وأفاد مصدر امني اوكراني أن "أكثر من 300 صربي" حاربوا ضد القوات الاوكرانية في صفوف قوات جمهورية لوغانسك الشعبية المعلنة من جانب واحد منذ بداية الصراع، ولم يقدم ارقاما عن عددهم في معقل المتمردين الثاني في دونتسك.
لكن أشارت وزارة الدفاع الاوكرانية، إلى أن هذه العدد مبالغ فيه وان "أقل من 300 صربي" شاركوا في صفوف متمردي الدولتين المعلنتين في شرق البلاد.
وقالت وزارة الخارجية الصربية في بيان، إن صربيا اتخذت "سلسلة من الخطوات الملموسة" ضد مواطنيها المقاتلين في الخارج، ومن بينها اوكرانيا.
وذكرت الوزارة بـ"المرتزقة الاوكرانيين" الذين تورطوا في جرائم ارتكبتها القوات الكرواتية ضد الصرب خلال حرب البلقان في تسعينات القرن المنصرم و"التي لم تدنها اوكرانيا ابدا".
وتابعت أن صربيا "لن تسمح لنفسها أن تكون ضحية جانبية لعلاقات دولية ليس لها علاقة بصربيا".
وعدلت صربيا قوانيها الجنائية في العام 2014 لإدراج عقوبة سجن تصل إلى عشر سنوات بحق مواطنيها الذين يجندون أو يقاتلون في حروب خارجية.
كوسوفو تلحُّ على الانضمام الى "الناتو" والاتحاد الأوروبي
علاقة روسيا بكوسوفو لطالما سادها التوتر فموسكو كانت من أشد معارضي بريشتينا منذ حرب التسعينات وقتذاك طُردت القوات الأمنية التابعة لصربيا، حليفة روسيا، من هذا الإقليم على وضع ضربات جوية شنّها حلف شمال الأطلسي وروسيا في المقابل، ساهمت في وقف الاعتراف الرسمي بكوسوفو بيدها حق النقض في مجلس الأمن الدولي.
كما أن مسار انضمام كوسوفو الى الاتحاد الأوروبي تحديداً، لا يسجل أي تقدم ملموس وتعد كوسوفو أحد المرشحين، إلى جانب ألبانيا، البوسنة، صربيا، الجبل الأسود وجمهورية مقدونيا الشمالية، وقادة الاتحاد الأوروبي يحاولون طمأنة المرشحين.
والتكتل لا يزال ملتزماً مسار ضم بلادهم، حسبما يتبين من التصريحات الأوروبية.
وقالت رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين، أن"غرب البلقان ينتمي إلى الاتحاد الأوروبي، نحن نريدهم ضمن الاتحاد الأوروبي ونحن عائلة أوروبية واحدة وأنا مقتنعة بأننا نتشارك المصير نفسه".
وأضافت، أن الجمود طرأ على مساعي الاتحاد الأوروبي للتوسع في السنوات الأخيرة بعدما كان ضمن أولوياته وبعض الدول الأغنى تخشى من تسبب ذلك في موجة هجرة جديدة في المقابل، يجد بعض المتقدمين بطلبات الانضمام صعوبة في تطبيق الإصلاحات المفروضة، خصوصاً في ما يتعلق بالمعايير الديموقراطية.
وقال رئيس وزراء لاتفيا أرتورز كريغانيس كارينش، سبق أن قال إن عملية الانضمام إلى الاتحاد كانت بمثابة تغيير لقواعد اللعبة في مجال تطبيق الإصلاح "وبالطبع في غرب البلقان لا يزال أمامهم طريق يقطعونه".
إلا أنه قال محذراً "إما أن أوروبا تمد يدها وتسحب هذه الدول نحوها أو يمد شخص آخر يده ويسحب هذه الدول إلى اتجاه مختلف". إشارته واضحة، "الشخص الآخر"، يقصد به: الصين وروسيا.
وموسكو ترتبط بعلاقات ثقافية وثيقة مع دول أرثوذكسية مثل صربيا والصين توازياً قدمت قروضاً كبيرة للمنطقة تشمل مبلغاً وُصف بـ"المثير للجدل" وقدره مليار دولار تكلفة بناء طريق تكافح الجبل الأسود لتسديده.
توترات بلقانية
دول غرب البلقان، وإن التقت على رغبتها بالانضمام إلى الاتحاد الأوروبي، إلا أن هذا لم يمنع من توترات داخلية. بروكسيل حققت ما وُصف بـ"الانتصار الدبلوماسي الصغير". لعبت دور وساطة لتخفيف حدة التوتر بين صربيا وكوسوفو بشأن لوحات رخص السيارات. فالبلدان الخصمان سابقاً، توترت علاقتهما مع منع كوسوفو السيارات الحاملة لوحات تسجيل صربية من دخول أراضيها.
النزاع الأخير
النزاع الأخير بين صربيا وكوسوفو يُعد الأسوأ منذ سنوات، يعد الخلاف بين البلدين يتمحور حول قضية الأقلية الصربية في كوسوفو البالغة الحساسية فكوسوفو المُستقلة عن صربيا سنة 2008، بعد حرب استمرت على مدى عقد بين مجموعات من العرقية الألبانية ساعية للاستقلال، وقوات صربية اعترفت نحو مئة دولة، بما فيها جميع دول الاتحاد الأوروبي باستثناء خمس، باستقلالها وهم: كما الصين وروسيا رفضت الاعتراف وجهود الاتحاد الأوروبي لتطبيع العلاقات بين الجارين فشلت حتى اليوم.
وبعد الغزو الروسي لأوكرانيا في 24 من شباط (فبراير)، فرضت كوسوفوعقوبات على موسكو، حيث تعهدت توازياً استقبال آلاف اللاجئين الأوكرانيين وتخصيص مساعدات للشعب الأوكراني.