رمضان اللبناني.. مذاق من التنوع ولكل مدينة "طعم خاص"
يتميز لبنان بتنوع الأديان فيه، من مسيحيين ومسلمين، ففي ليالي رمضان بلبنان تجد مسلمين وغير مسلمين جالسين سوياً على مائدة الإفطار، يتشاركون فرحة الشهر وكرمه فضائله.
لبنان يحوي 18 طائفة رسمية
يتميز لبنان بالتنوع الديني والمذهبي الواسعين، ما يميزه عن باقي دول العالم العربي والشرق الأوسط، حيث ينص الدستور اللبناني على كفل حرية المعتقد وحرية ممارسة الشعائر الدينية، وتعترف الدّولة رسميًا بثمانية عشر طائفةٍ.
ويلعب الدين في لبنان دور كبيرٍ في السياسة والاقتصاد والتعليم والقانون، ما أدى إلى تكريس الطائفية كنظامٍ للحكم في البلاد على أساس العيش المشترك والتوافق.
على الرغم، من أن المسلمين يشكلون النسبة الأكبر من سكان لبنان إلا أن معظم اللبنانيين المغتربين مسيحيين، وغالبية السكان المسلمين في لبنان هم من الشيعة والسنة، والمسيحيين من الموارنة والموحدين الدروز.
الدين والسياسة
وللدّين دورًا أساسيًا في الحياة السياسية اللبنانية، يوصف نظام الحكم بأنه "خرج من رحم الدين والسياسة".
في 1943، بعد استقلال لبنان عن فرنسا، اجتمع قادة الطوائف اللبنانية، واتّفقوا على توزيع المناصب السياسية حسب الإنتماء الديني: يجب أن يكون رئيس الجمهورية مسيحيًا مارونيًا، رئيس الحكومة مسلمًا سنيًا، ورئيس مجلس النواب مسلمًا شيعيًا.
الميثاق الوطني
عرف هذا التفاهم بإسم الميثاق الوطني، وعلى الرغم من أنه غير مكتوبٍ صراحةً، فإنّ مقدّمة الدستور توثقه صراحةً حيث ترفع الشرعية عن أي سلطة تخالف مبدأ الميثاقية.
تقسّم المقاعد في مجلس النواب حسب الطوائف أيضًا، فتعطي 64 مقعدًا للمسيحيين و64 مقعدًا للمسلمين، وبالتالي، لا يمكن تشكيل أي حكومة أو مجلس وزراء دون مشاركة جميع الطوائف.
كما تملك معظم الأحزاب السياسية هوية طائفية ودينية واضحة، على الرغم من إعلان بعضها عن علمانية الحزب، حيث يعد التيار الوطني الحر والقوات اللبنانية والكتائب أحزابًا مسيحيةً، كما تعد حركة أمل وحزب الله بعبارة "الثنائي الشيعي"، ويعتبر تيّار المستقبل أكبر حزب سنّي.
وعلى أثر ذلك، تتجه نسبةٌ كبيرةٌ من رجال الدين والمرجعيات الكبرى في هذا المجال، ومنهم من ينتمي للأحزاب السياسية، ويستخدمون موقعهم فيدعم فريقٍ معينٍ واستقطاب المؤيدين له، أو في إظهار المعارضة لفريقٍ آخر.
الأعياد الرسمية في لبنان
وبالطبع، نتيجة لتعدد الطوائف والأديان، تعترف الدّولة اللبنانية بمعظم الأعياد الدينيّة والأيّام المقدسة فيها، كما تعتبر عطلًا رسمية لجميع الدوائر الرّسميّة والخاصّة، بمعزل عن الانتماء الدّيني لها.
وتختلف عادات شهر رمضان في لبنان من منطقة لأخرى.
رمضان في بيروت
"سيبانه رمضان" وهي عادة قديمة عبارة عن نزهة لإحدى الشواطئ في آخر يوم من شعبان، وتخصص لتناول ما يشتهيه الناس من المأكولات والمشروبات وحتى الحلويات إستعدادا للامتناع عنها في النهار طيلة أيام شهر رمضان.
رمضان طرابلس
طرابلس “عاصمة رمضان” في لبنان. هكذا لُقَبت من قبل الّلبنانيين، وفي الحقيقة فهي تتحول إلى عروس جميلة في شهر لبنان، فهي ترتدي أبهى حلَتها، وتعجّ بأبنائها الذين يضعون خلافاتهم جانباً، كأن رمضان هو شهر التّوحد والإنصهار. أسواقها وأزّقتها المزينّة بالفوانيس المضاءة والتي تفوح منها ليلاً روائح الطعام الشهيّة، المقاهي والمحلات التجارية التي تفتح ليلاً مع إطلاق مدفع رمضان عند الإفطار من إحدى نوافذ قلعتها الأثرية لإستقبال أبنائها، هي بعض المشاهد الرمضانية المألوفة في طرابلس.
ورغم تبدّل إيقاع الحياة والظروف التي غيّرت الكثير من معالم المدينة وتقاليدها، إلا أن أهل طرابلس يحرصون على الاحتفاظ ببعض العادات الأصيلة، ومنها «جوقة وداع رمضان»، وزيارة «الأثر الشريف- شعرة النبي» في المسجد المنصوري الكبير خلال آخر يوم جمعة من رمضان.
وتجوب بعض الفرق الصوفية الشوارع مرددين المدائح الدينية، الأناشيد، والقصائد الشعرية.
صيدا ورمضان
تنشر بصيدا العادة الشهيرة معظم البلدان احتغالا بالشهر الكريم، حيث تتزين شوارع المدينة بفوانيس رمضان التي يتم تعليقها على البيوت والدكاكين، بالإضافة للفرق الصوفية التي تحتفل بقدوم الشهر الفضيل.
الجنوب
"المسحراتي": تتميز قرى الجنوب بالحفاظ على العادة الجميلة التي يعشقها الكبير قبل الصغير، وهي المسحراتي الذي يجوب الشوارع وقت السحور لإيقاظ الناس، حيث يقرع على طبلة صغيرة مرددا بعض العبارات مثل يا "نائم وحّد الدائم"، وعبارة "يا ناس قوموا على سحوركم.. جاء رمضان ليزوركم".
مدفع رمضان
مدفع رمضان"، هو تقليد عرفته مصر ولبنان وعدد من الدول العربية، منذ العهد الفاطمي وقد ابتدعه الحكام وقتها لتنبيه الناس إلى حلول أوقات الإمساك والإفطار في شهر رمضان، من خلال إطلاق طلقة مدفعية عند الغروب طيلة أيام شهر رمضان..
ورغم ما وصل إليه العالم من تطور وتكنولوجيا الإ أن الجميع ينتظر سماع دوي المدفع الذي يعطي شهر رمضان ذوقه الخاص، ويتولى الجيش اللبناني القيام بهذه المهمة في عدة مدن مثل بيروت، بعلبك، طرابلس، صيدا، الضاحية الجنوبية، ومدينة صور.
ويقضي هذا التقليد باطلاق ثلاث قذائف عند ثبوت شهر رمضان، ومثلها عند ثبوت شهر شوال لإشعار الناس بحلول عيد الفطر السعيد، وإطلاق قذيفة واحدة من النوع نفسه قبيل حلول الفجر، وقذيفه واحدة عند الغروب.
الخيم الرمضانية
للأسف بدأت الخيم الرمضانية في الزوال تدريجيا خلال السنوات الأخيرة خاصة مع تحولها من أماكن مخصصة للقيام بوجبات إفطار مجانية وعرض نشاطات ترفيهية إلى مقاهي تجارية تعرض المسلسلات.
مأكولات رمضان
يوجد العديد من الوجبات الرمضانية الشهيرة في لبنان ومن أشهرها
الحساء" بأنواعه، "سلطة الفتوش"، "التبولة"، "الطحينة بالحمص"، "حمص الشام المتبل"، و"الملوخية". كما تعرف موائد اللبنايين مشروبات خاصة بهذا الشهر الكريم في صورة "الجلاب"، "التمر الهندي"، "عرقسوس"، "الخروب"، و"قمر الدين". بالإضافة إلى الحلويات الرمضانية التي تعطي للسهرات ذوقا خاصا، ولعل أبرزها: "القطايف"، "المشبك"، "الشعيبيات"، "الكنافة"، "والأرز بالحليب"، وكذلك المكسرات من لوز و جوز و فستق.
العبادات الدينية
وكعادة المسلمين في كل مكان في هذا الشهر، يحيي المسلمون في لبنان أيام الشهر المبارك بالصلاة وقراءة القرآن والدعاء، ويكون ذلك في سواء في المسجد أو الزاوية، أو حتى في "التكية"، كما يحرص الكثيرون على أداء صلاة التراويح.
البرامج التلفزيونية
تقوم القنوات التلفزيونية اللبنانية في الشهر الكريم بتغيير مخطط برامجها، إذ تحرص على بث أنواع معينة منها، كالبرامج الوعظية ذات الطابع الديني، وكذا مسابقات القرآن الكريم، بالإضافة للأعمال الكوميدية والمسلسلات الدرامية.
الأسعار في شهر رمضان
كأغلب شعوب الوطن العربي يشتكي سكان لبنان من ارتفاع أسعار مختلف المواد الغذائية في الأيام التي تسبق شهر رمضان.
الأعمال الخيرية
بالطبع يرتبط الصوم والصلاة بالأعمال الخيرية، حيث تتسابق الجمعيات الخيرية في لبنان خلال شهر رمضان على تقديم وجبات إفطار مجانية للفقراء في مختلف مناطق البلاد. ويحظى اللاجئون السوريون والفلسطينيون بقسط كبير من هذه الأعمال الخيرية، خاصة أنهم يشكلون نسبة كبيرة من السكان، حيث يصل عدد اللاجئين من سوريا إلى 1,5 مليون شخص، ومن فلسطين حوالي نصف مليون شخص.
رمضان وكورونا:
قررت لجنة متابعة التدابير والاجراءات الوقائية لفيروس كورونا العام الماضي تقييمها للإجراءات الواجب اتخاذها خلال شهر رمضان، وأصدرت عدة توصيات من بينها:
1- بناء على نسب إنتشار الوباء المرتفعة في المحافظات عامة وفي تلك ذات الأغلبية التي تقوم بالالتزام بفريضة الصوم وموجباتها خلال شهر رمضان المبارك خاصة يقتضي فرض حظر تجول تام من الساعة السابعة مساء وحتى الخامسة فجراً من كل يوم طيلة الشهر الفضيل على أن تتخذ الإجراءات بصورة مماثلة لتلك التي تم اتباعها خلال الإغلاق في فترة الفصح المجيد (السوبرماركت، المطاعم ومحلات بيع المأكولات خدمة التوصيل، صيدلية ، مستشفى، … ) مع التشديد على النقاط التالية:
أ- منع الولائم ، الخيم والإفطارات الرمضانية.
ب – وجوب استحصال الهيئات والجمعيات الخيرية التي تقوم بتوزيع وجبات الإفطار للصائمين على إذن من المنصة impact
ج- الإلتزام بالتدابير والإجراءات الوقائية لفيروس كورونا من تباعد إجتماعي ووضع الكمامة.
2- الطلب من المرجعيات الدينية الوطنية التحذير من مغبة عدم الإلتزام بالتدابير والإجراءات الوقائية لفيروس كورونا خلال شهر رمضان المبارك وإتخاذ إجراءات مشددة في دور العبادة أثناء إقامة صلوات وخطب الجمعة ضمن نسبة 30% من قدرتها الإستيعابية على أن يستحصل المؤمنون على إذن ذهاب من المنصة.
وقد يتخذ بعضا من هذا التوصيات هذا العام وليس كلها وذلك نظرا لحصول العديد من المواطنين على اللقاح المضاد لفيروس كورونا.
وإن كانت بعض الممارسات والعادات القديمة التي كانت موجودة بلبنان تكاد تنسى قد اختفى بعضها الإ أنه لازال يبثّ رمضان في لبنان الحياة في شعبه، حيث تفيض المساجد بالمصليّن، وتزدحم الأسواق بالناس قبل موعد المغرب، وتقام موائد الإفطار التي تجمع العائلات والأصدقاء في أجواء فرحة ومبهجة.
وحتى أن كنت زائرًا غير مسلما، فقد تتم دعوتك لتناول إفطار في منزل أي عائلة مسلمة، فلبنان يتميّز بالتعايش والوحدة الوطنية، استمتع بأجواء رمضان ولكن بمذاق لبناني!