بعد الأربعين.. هل تنسف المفاوضات بين روسيا وأوكرانيا في أزمة بوتشا؟
أثارت الاتهامات بشأن ارتكاب القوات الروسية فظائع ضد مدنيين أوكرانيين في مدينة بوتشا الواقعة خارج كييف، التساؤلات بشأن مصير المفاوضات بين موسكو وكييف، ومستقبل الصراع بين الجانبين تزامنًا مع اليوم الأربعين لاندلاع الحرب.
وخلال جولته في بلدة بوتشا، مرتديًا سترة واقية من الرصاص، قال الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي إنه بات من الصعب على بلاده التفاوض مع روسيا، منذ أن علمت بحجم الفظائع التي ارتكبتها القوات الروسية على أراضيها.
وأضاف زيلينسكي، الذي بدا متأثرًا للغاية بشأن المشاهد التي رآها في بوتشا، أنه "من الصعب جدًّا التحدث عندما ترون ما فعلوه هنا، كلما أطالت روسيا أمد الاجتماعات كان الأمر أسوأ بالنسبة إليهم وبالنسبة إلى هذا الوضع ولهذه الحرب".
إبادة جماعية
كانت أوكرانيا اتهمت روسيا، بارتكاب "إبادة جماعية" بعد اكتشاف جثث لمدنيين بعد انسحاب القوات الروسية من بوتشا، الأمر الذي أثار موجة غضب في أوروبا والولايات المتحدة.
وكان قد طالب وزير الخارجية الأوكراني دميترو كوليبا، مجموعة السبع، بفرض عقوبات جديدة "مدمرة" على روسيا على خلفية الأحداث التي تشهدها مدينة بوتشا الأوكرانية.
وقال كوليبا عبر حسابه الرسمي على تويتر "مذبحة بوتشا كانت متعمدة، فالروس يهدفون للقضاء على أكبر عدد ممكن من الأوكرانيين. يجب أن نوقفهم ونطردهم".
ووجه الوزير نداء عإلى مجموعة السبع مطالبا بفرض عقوبات جديدة تتضمن "حظر النفط والغاز والفحم، وإغلاق جميع الموانئ أمام السفن والبضائع الروسية، وفصل جميع البنوك الروسية عن نظام سويفت".
جرائم حرب
وفي السياق، عبر وزير الخارجية الدنماركي جيبي كوفود، عن تأييد بلاده لإجراء المحكمة الجنائية الدولية تحقيقا في ارتكاب "جرائم حرب"، عقب ورود تقارير وصفها بالمروعة عن جثث في شوارع مدينة بوتشا الأوكرانية.
ودعا كوفود عبر حسابه الرسمي على تويتر إلى محاسبة المتورطين في ذلك عن "وحشيتهم المروعة".
وكانت وزيرة الخارجية البريطانية ليز تراس قالت أمس، إنها تشعر بالصدمة مما وصفتها بالفظائع التي تتعرض لها بوتشا ومدن أوكرانية أخرى، مؤكدة أن بريطانيا تعمل مع آخرين "لجمع أدلة ومساعدة المحكمة الجنائية الدولية".
وتحدث صحافيون على الأرض في بوتشا، السبت، عن جثث تناثرت في الشوارع، حيث أفاد صحافيون من وكالة فرانس برس أن جثث 20 رجلا على الأقل بملابس مدنية كانت ملقاة في أحد الشوارع، وكانت إحدى الجثث مقيدة اليدين.
وقالت الوكالة إن سبب الوفاة لم يتضح على الفور، رغم إصابة جثة واحدة على ما يبدو بجرح كبير في الرأس.
ولم تتمكن القوات الأوكرانية من دخول كامل بوتشا إلا قبل يوم أو يومين بعد أن تعذر الوصول إليها لمدة ناهزت شهرا.
لكن روسيا نفت التورط في هذا الأمر، داعية لعقد اجتماع لمجلس الأمن الدولي للبحث في تلك الاتهامات.
وأخفقت العديد من جولات المفاوضات بين موسكو وكييف حتى الآن في التوصل إلى تسوية نهائية بين الجانبين، لتُخيّب الآمال في إنهاء الحرب التي انعكست تداعياتها على العالم أجمع.
تعقد الحلول الدبلوماسية
من جانبه، يرى المحلّل السياسي الأوكراني ماتيا نيليس، في تلفزيونية أن الوقائع التي شهدتها بوتشا ستجعل الحلول الدبلوماسية أكثر صعوبة، فالأوكرانيون شاهدوا كيف تحكم روسيا المناطق المحتلة بالبلاد، وهذا سيؤدّي بالطبع إلى تقليص احتمالية وقف الحرب الآن أو التوصل لتسوية بين الجانبين.
وأضاف نيليس أنَّ "صور الجرائم في بوتشا وإربين وموتيزين والعديد من الأماكن الأخرى في كييف وخاركيف، صدمت البشرية جمعاء، وأظهرت الصورة السيئة لما تفعله روسيا في أوكرانيا، وعندما تقول روسيا إنها ستركز الآن على شرق أوكرانيا، فهذا يعني أننا سنشهد المزيد من الدمار".
وتستعد القوات الروسية "لشن هجوم ضخم" على القوات الأوكرانية في منطقة لوغانسك في شرق أوكرانيا، وفق ما أعلن حاكمها سيرجي جاداي، الاثنين.
ولفت إلى أنَّ ما تقوم به القوات الروسية حاليًّا تُعقد الآمال في الوصول إلى اتفاق لإخماد هذه الحرب.
وبشأن مستقبل الصراع، قال المحلل السياسي الأوكراني إنه إن عاجلًا أو آجلًا ستنتهي الحرب بحل دبلوماسي، لكن قبل التوصل إلى أي حل مقبول، فإن الواقع العسكري على الأرض سيكون حاسمًا، وما دامت روسيا تشعر أنّ بإمكانها تحقيق أهدافها عسكريًّا في دونباس وفي شرق أوكرانيا، فأعتقد بأنّها لن تبدي مرونة في الوصول إلى تسوية مقبولة.
دعم غربي
وأشار نيليس إلى أن أوكرانيا تتوقع دعمًا عسكريًّا واقتصاديًّا وسياسيًّا من الغرب خلال الفترة المقبلة، خاصة في ظل تصاعد العمليات العسكرية مع روسيا.
كان الاتحاد الأوروبي أعلن أنه يناقش بشكل "عاجل" فرض مجموعة جديدة من العقوبات على روسيا استجابةً لطلب فرنسا وألمانيا بصورة خاصة، في أعقاب العثور على جثث مئات المدنيين في بوتشا.
وأضاف نيليس أن أوكرانيا تأمل أن يتم منحها كل الوسائل العسكرية للدفاع عن نفسها، وهذا يعني أن المعدات العسكرية المقدمة يجب أن تتجاوز الأنظمة المضادة للطائرات أو الدبابات، لتشمل أسلحة أكثر تقدمًا، خاصّة الأنظمة المضادة للطائرات متوسطة وطويلة المدى.
فبركة الأدلة
واتهمت وزارة الدفاع الروسية أوكرانيا، بفبركة أدلة على مقتل مدنيين في سومي وكونوتوب ومدن أخرى، قائلة إن الخدمات الخاصة التابعة لكييف نفذت عمليات قتل مزعومة للمدنيين في محاولة لنشر الدعاية عبر وسائل الإعلام الغربية.
وحسب "روسيا اليوم"، أعلنت الدفاع الروسية عن رصدها عمليات تصوير جديدة في "موشون" شمالي غرب كييف لنشرها في وسائل الإعلام الغربية، وإلصاق التهمة بالقوات الروسية.
وقالت الوزارة في بيان صادر اليوم الثلاثاء، إن جنود المركز الرئيسي رقم 72 التابع لإدارة الحرب النفسية للجيش الأوكراني في "موشون" شمال غرب كييف يقومون حاليا بعمليات تصوير مرحلية لمدنيين يزعمون مقتلهم جراء "أعمال عنف" ليلصقوها بالقوات الروسية ولنشرها في وسائل الإعلام الغربية.
وأضاف البيان أن القوات المسلحة الروسية دمرت 4 منشآت لتخزين الوقود لإمداد القوات الأوكرانية في مناطق قرى "كريمينيتس" و"تشيركاسكي" و"زابوروجيه" و"نوفوموسكوفسك".
وأشارت "نجحت الأسلحة طويلة المدى عالية الدقة من البحر في تدمير مركز لتدريب قوات العمليات الخاصة الأوكرانية كان يستخدم لإيواء المرتزقة الأجانب في أوتشاكوف".
وقصف الطيران العملياتي والتكتيكي للقوات الجوية الروسية، خلال الليلة الماضية، 134 منشأة عسكرية أوكرانية، من بينها 8 مراكز قيادة ومراكز اتصالات، ورادار للإضاءة والتوجيه لمنظومة الدفاع الجوي المضادة للطائرات من طراز "إس-300"، وقاذفة واحدة لنظام الصواريخ "توشكا – أو"، و6 مستودعات للذخيرة، ومستودعين للوقود، بالإضافة إلى 85 معقلا ومناطق للارتكاز وتخزين المعدات العسكرية الأوكرانية.
وتمكنت أنظمة الدفاع الجوي الروسية من إسقاط أربع مسيرات في الجو في مناطق قرى "تشيرنوبايفكا" و"إندوستريالنايا" و"جورتي" و"نيجنيايا كرينكا".
وكان حاكم سومي الأوكرانية، دميترو زيفيتسكي، كشف في وقت سابق، أن الجيش عثر على جثث 3 مدنيين على الأقل معذبين في منطقة كونوتوب الواقعة شمال شرق المدينة.
وذكرت صحيفة "كييف إندبندنت"، أن الجيش الأوكراني عثر على هذه الجثث في أماكن قد تمركزت فيها القوات الروسية.
وسابقا، أفادت وزارة الدفاع الأمريكية، بعدم إمكانيتها بشكل مستقل تأكيد التقارير حول "ارتكاب القوات الروسية فظائع" مزعومة في مدينة بوتشا الأوكرانية.
وقال مسؤول كبير في البنتاغون للصحفيين الاثنين "لا يمكننا تأكيد التقارير بشكل مستقل عن الفظائع في بوتشا... لا يمكننا تأكيد ذلك بشكل مستقل".
وكانت السلطات ووسائل الإعلام الأوكرانية قد نشرت في وقت سابق مقطع فيديو يزعم أنه تم تصويره في مدينة بوتشا، حيث ترقد جثث القتلى على الطريق.
وشكك عدد من المستخدمين في مصداقية اتهامات كييف ضد موسكو، مشيرين إلا أنه لم يكن هناك دماء بالقرب من الجثث على الأرض، وأن بعض القتلى كانوا يرتدون شارات بيضاء على أكمامهم، ويمكن أن يكونوا قد قتلوا على أيدي قوات الأمن الأوكرانية أو الدفاع الإقليمي.
كما لاحظ المستخدمون كذلك أن "الموتى" يحركون أيديهم، وعند النظر في مرآة الرؤية الخلفية لسيارة ملتقط الفيديو، يبدو أن أحد "الموتى" يغير موقعه بمجرد مرور السيارة.
استفزاز آخر
وذكرت وزارة الدفاع الروسية أن جميع الصور الفوتوغرافية ومقاطع الفيديو التي نشرها النظام في كييف، والتي يزعم أنها تشهد على نوع من "الجرائم" التي ارتكبها عسكريون روس في مدينة بوتشا بمنطقة كييف هي "استفزاز آخر".
كما لوحظ في الإدارة العسكرية، خلال الوقت الذي كانت فيه هذه القرية تحت سيطرة القوات المسلحة الروسية، أن أحدا من السكان لم يتعرض لأي أذى أو أي أعمال عنف.
وأشارت الوزارة إلى أن جميع الوحدات الروسية غادرت بوتشا بالكامل في 30 مارس، ولم يتم إغلاق مخارج المدينة في الاتجاه الشمالي، بينما قصفت القوات الأوكرانية، على مدار الساعة، الأطراف الجنوبية، بما في ذلك المناطق السكنية، من المدفعية الثقيلة للدبابات وأنظمة إطلاق صواريخ متعددة.